الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌسورة هود الآية رقم 61
أي أرسلنا " وَإِلَى ثَمُودَ " وهم: عاد الثانية, المعروفون, الذين يسكنون الحجر, ووادي القرى.
" أَخَاهُمْ " في النسب " صَالِحًا " عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, يدعوهم إلى عبادة الله وحده.
" قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ " أي: وحدوه, وأخلصوا له الدين " مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " لا من أهل السماء, ولا من أهل الأرض.
" هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ " أي: خلقكم منها " وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا " أي: استخلفكم فيها, وأنعم عليكم بالنعم, الظاهرة والباطنة, ومكنكم في الأرض, تبنون, وتغرسون, وتزرعون, وتحرثون ما شئتم, وتنتفعون بمنافعها, وتستغلون مصالحها.
فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك, فلا تشركوا به في عبادته.
" فَاسْتَغْفِرُوهُ " مما صدر منكم, من الكفر, والشرك, والمعاصي, وأقلعوا عنها.
" ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ " أي: ارجعوا إليه بالتوبة النصوح, والإنابة.
" إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ " أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة, أو دعاء عبادة.
يجيبه بإعطائه سؤاله, وقبول عبادته, وإثابته عليها, أجل الثواب.
واعلم أن قربه تعالى نوعان: عام, وخاص.
فالقرب العام, قربه بعلمه, من جميع الخلق, وهو المذكور في قوله تعالى: " وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ " .
والقرب الخاص, قربه من عابديه, وسائليه, ومحبيه, وهو المذكور في قوله تعالى " وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ " .
وفي هذه الآية, وفي قوله: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ " .
وهذا النوع, قرب يقتضي إلطافه تعالى, وإجابته لدعواتهم, وتحقيقه لمرادتهم, ولهذا يقرن, باسمه " القريب " اسمه " المجيب " .
فلما أمرهم نبيهم صالح عليه السلام, ورغبهم في الإخلاص لله وحده, ردوا عليه دعوته, وقابلوه أشنع المقابلة.
قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍسورة هود الآية رقم 62
" قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا " أي: قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع.
وهذا شهادة منهم, لنبيهم صالح, أنه ما زال معروفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم, وأنه من خيار قومه.
ولكنه, لما جاءهم بهذا الأمر, الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة, قالوا هذه المقالة, التي مضمونها, أنك قد كنت كاملا, والآن أخلفت ظننا فيك, وصرت بحالة لا يرجى منك خير.
وذنبه, ما قالوه عنه: " أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا " وبزعمهم أن هذا, من أعظم القدح في صالح, كيف قدح في عقولهم, وعقول آبائهم الضالين, وكيف ينهاهم عن عبادة, من لا ينفع ولا يضر, ولا يغني شيئا من الأحجار, والأشجار ونحوها.
وأمرهم بإخلاص الدين لله ربهم, الذي لم تزل نعمه عليهم تترى, وإحسانه عليهم دائما ينزل, الذي, ما بهم من نعمة, إلا منه, ولا يدفع عنهم السيئات إلا هو.
" وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " أي: ما زلنا شاكين فيما دعوتنا إليه, شكا مؤثرا في قلوبنا الريب.
وبزعمهم أنهم لو علموا, صحة ما دعاهم إليه, لاتبعوه, وهم كذبة في ذلك, ولهذا بين كذبهم في قوله:
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍسورة هود الآية رقم 63
" قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي " أي: برهان ويقين مني " وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً " أي: من علي برسالته ووحيه.
أي: أفأتابعكم على ما أنتم عليه, وما تدعونني إليه؟.
" فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ " أي: غير خسار وتباب, وضرر.
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌسورة هود الآية رقم 64
" وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً " لها شرب من البئر يوما, ثم يشربون كلهم من ضرعها, ولهم شرب يوم معلوم.
" فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ " أي: ليس عليكم من مؤنتها وعلفها شيء.
" وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ " أي: بعقر " فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ "
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍسورة هود الآية رقم 65
" فَعَقَرُوهَا فَقَالَ " لهم صالح: " تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ " بل لا بد من وقوعه.
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُسورة هود الآية رقم 66
" فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا " بوقوع العذاب " نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ " أي: نجيناهم من العذاب والخزي والفضيحة.
" إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ " ومن قوته وعزته, أن أهلك الأمم الطاغية, ونجى الرسل وأتباعهم.
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَسورة هود الآية رقم 67
" وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ " فقطعت قلوبهم.
" فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ " أي: خامدين لا حراك لهم.
كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَسورة هود الآية رقم 68
" كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا " أي: كأنهم - لما جاءهم العذاب - ما تمتعوا في ديارهم, ولا أنسوا فيها, ولا تنعموا بها يوما من الدهر قد فارقهم النعيم, وتناولهم العذاب السرمدي, الذي ينقطع, والذي كأنه لم يزل.
" أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ " أي: جحدوه بعد أن جاءتهم الآية المبصرة.
" أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ " فما أشقاهم وأذلهم, نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها.
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍسورة هود الآية رقم 69
أي: " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا " من الملائكة الكرام, رسولنا " إِبْرَاهِيمَ " الخليل " بِالْبُشْرَى " أي: بالبشارة بالولد, حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط, وأمرهم أن يمروا على إبراهيم, فيبشروه بإسحق.
فلما دخلوا عليه " قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ " أي: سلموا عليه, ورد علهم السلام.
ففي هذا مشروعية السلام, وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام وأن السلام قبل الكلام, وأنه ينبغي أن يكون الرد, أبلغ من الابتداء, لأن سلامهم بالجملة الفعلية, الدالة على التجدد, ورده بالجملة الأسمية, الدالة على الثبوت والاستمرار, وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية.
" فَمَا لَبِثَ " إبراهيم لما دخلوا عليه " أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ " أي: بادر لبيته, فاستحضر لأضيافه عجلا مستويا على الرضف سمينا, فقربه إليهم فقال: ألا تأكلون؟.
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍسورة هود الآية رقم 70
" فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ " أي: إلى تلك الضيافة " نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً " وظن أنهم أتوه بشر ومكروه, وذلك قبل أن يعرف أمرهم.
" قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ " أي: إنا رسل الله, أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَسورة هود الآية رقم 71
" وَامْرَأَتُهُ " أي: وامرأة إبراهيم " قَائِمَةٌ " تخدم أضيافه " فَضَحِكَتْ " حين سمعت بحالهم, وما أرسلوا به, تعجبا.
" فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ " فتعجبت من ذلك
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌسورة هود الآية رقم 72
و " قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا " فهذان مانعان من وجود الولد " إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ " .
قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌسورة هود الآية رقم 73
" قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ " فإن أمره لا عجب فيه, لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء, فلا يستغرب على قدرته شيء, وخصوصا فيما يدبره ويمضيه, لأهل هذا البيت المبارك.
" رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " أي: لا تزال رحمته, وإحسانه, وبركاته, وهي: الزيادة من خيره وإحسانه, وحلول الخير الإلهي " عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " .
أي: حميد الصفات, لأن صفاته, صفات كمال.
حميد الأفعال, لأن أفعاله, إحسان, وجود, وبر, وحكمة, وعدل, وقسط.
مجيد, والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها, فله صفات الكمال; وله من كل صفة كمال, أكملها, وأتمها, وأعمها.
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍسورة هود الآية رقم 74
" فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ " الذي أصابه من خيفة أضيافه " وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى " بالولد, التفت حينئذ, إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط.
وقال لهم: " إن فيها لوطا, قالوا نحن أعلم بمن فيها, لننجينه وأهله, إلا امرأته " .
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌسورة هود الآية رقم 75
" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ " أي: ذو خلق وسعة صدر, وعدم غضب, عند جهل الجاهلين.
" أَوَّاهٌ " أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات.
" مُنِيبٌ " أي: رجاع إلى الله, بمعرفته ومحبته, والإقبال عليه, والإعراض عمن سواه, فلذلك كان يجادل عن من حتم الله بهلاكهم.
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍسورة هود الآية رقم 76
فقيل له: " يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " الجدال " إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ " بهلاكهم " وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ " فلا فائدة في جدالك.
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌسورة هود الآية رقم 77
" وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا " أي: الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا.
" لُوطًا سِيءَ بِهِمْ " أي: شق عليه مجيئهم.
" وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " أي: شديد حرج.
لأنه علم أن قومه لا يتركونهم, لأنهم في صور شباب, جرد, مرد, في غاية الكمال والجمال, ولهذا وقع ما خطر بباله.
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌسورة هود الآية رقم 78
" وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ " أي: يسرعون ويبادرون, يريدون أضيافه بالفاحشة, التي ما سبقهم إليها أحد من العالمين.
" قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ " من أضيافي, وهذا كما عرض سليمان صلى الله عليه وسلم, على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه, لاستخراج الحق.
ولعلمه أن بناته ممتنع منالهن, ولا حق لهم فيهن.
والمقصود الأعظم, دفع هذه الفاحشة الكبرى.
" فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي " أي: إما أن تراعوا تقوى الله, وإما أن تراعوني في ضيفي, ولا تخزوني عندهم.
" أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ " فينهاكم, ويزجركم.
وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم, من الخير والمروءة.
قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُسورة هود الآية رقم 79
" قَالُوا " له: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ " أي: لا نريد إلا الرجال, ولا لنا رغبة في النساء.
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍسورة هود الآية رقم 80
فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام, و " قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ " كقبيلة مانعة, لمنعتكم.
وهذا بحسب الأسباب المحسوسة, وإلا, فإنه يأوي إلى أقوى الأركان وهو الله, الذي لا يقوم لقوته أحد, ولهذا لما بلغ الأمر منتهاه, واشتد الكرب.
قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍسورة هود الآية رقم 81
" قَالُوا " له: " يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ " أي: أخبروه بحالهم, ليطمئن قلبه.
" لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ " بسوء.
ثم قال جبريل بجناحه, فطمس أعينهم, فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح.
وأمر الملائكة لوطا, أن يسري بأهله " بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ " أي: بجانب منه قبل الفجر بكثير, ليتمكنوا من البعد عن قريتهم.
" وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ " أي: بادروا بالخروج, وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم.
" إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا " من العذاب " مَا أَصَابَهُمُ " لأنها تشارك قومها في الإثم, فتدلهم على أضياف لوط, إذا نزل به أضياف.
" إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ " فكأن لوطا, استعجل ذلك, فقيل له: " أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ " .
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍسورة هود الآية رقم 82
" فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا " بنزول العذاب, وإحلاله فيهم " جَعَلْنَا " ديارهم " عَالِيَهَا سَافِلَهَا " أي.
قلبناها عليهم " وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ " أي: من حجارة النار الشديدة الحرارة " مَنْضُودٍ " أي.
متتابعة, تتبع من شذ عن القرية.
مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍسورة هود الآية رقم 83
" مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ " أي: معلمة, عليها علامة العذاب والغضب.
" وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ " الذين يشابهون لفعل قوم لوط " بِبَعِيدٍ " .
فليحذر العباد, أن يفعلوا كفعلهم, لئلا يصيبهم ما أصابهم.
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍسورة هود الآية رقم 84
أي وأرسلنا " وَإِلَى مَدْيَنَ " القبيلة المعروفة, الذين يسكنون مدين, في أدنى فلسطين.
" أَخَاهُمْ " في النسب " شُعَيْبًا " لأنهم يعرفونه, ويتمكنون من الأخذ عنه.
" قَالَ " لهم: " يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " أي: أخلصوا له العبادة.
فإنهم كانوا يشركون.
وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان, ولهذا نهاهم عن ذلك فقال: " وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ " بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط.
" إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ " أي بنعمة كثيرة, وصحة, وكثرة أموال وبنين, فاشكروا الله على ما أعطاكم, ولا تكفروا بنعمة الله, فيزيلها عنكم.
" وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ " أي: عذابا يحيط بكم, ولا يبقى منكم باقية.
وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَسورة هود الآية رقم 85
" وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ " أي: بالعدل الذي ترضون أن تعطوه.
" وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ " أي: لا تنقصوا من أشياء الناس, فتسرقوها بأخذها, بنقص المكيال والميزان.
" وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " فإن الاستمرار على المعاصي, يفسد الأديان, والعقائد, والدين, والدنيا, ويهلك الحرث, والنسل.
بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍسورة هود الآية رقم 86
" بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ " أي: يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير, وما هو لكم.
فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية, وهو ضار لكم جدا.
" إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " فاعملوا بمقتضى الإيمان.
" وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ " أي: لست بحافظ لأعمالكم, ووكيل عليها.
وإنما الذي يحفظها, الله تعالى, وأما أنا, فأبلغكم ما أرسلت به.
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُسورة هود الآية رقم 87
" قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا " أي: قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم, والاستبعاد لإجابتهم له.
ومعنى كلامهم: أنه لا موجب لنهيك لنا, إلا أنك تصلي لله, وتتعبد له.
فإن كنت كذلك, أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا, لقول ليس عليه دليل, إلا أنه موافق لك, فكيف نتبعك, ونترك آباءنا الأقدمين, أولي العقول والألباب؟! وكذلك لا يوجب قولك لنا: " أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا " ما قلت لنا, من وفاء الكيل, والميزان, وأداء الحقوق الواجبة فيها, بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا, لأنها أموالنا, فليس لك فيها تصرف.
ولهذا قالوا في تهكمهم: " إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ " أي: إنك أنت الذي, الحلم والوقار, لك خلق, والرشد لك سجية, فلا يصدر عنك إلا رشد, ولا تأمر إلا برشد, ولا تنهى إلا عن غي, أي: ليس الأمر كذلك.
وقصدهم, أنه موصوف بعكس هذين الوصفين: بالسفه والغواية.
أي: أن المعنى: كيف تكون أنت الحليم الرشيد, وآباؤنا هم السفهاء الغاوين؟!! وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم, وأن الأمر بعكسه, ليس كما ظنوه.
بل الأمر كما قالوه.
إن صلاته تأمره أن ينهاهم, عما كان يعبد آباؤهم الضالون, وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون, فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, وأي فحشاء ومنكر, أكبر من عبادة غير الله, ومن منع حقوق عباد الله, أو سرقتها, بالمكاييل, والموازين, وهو, عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد.
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُسورة هود الآية رقم 88
" قَالَ " لهم شعيب: " يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي " أي: يقين وطمأنينة, في صحة ما جئت به.
" وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا " أي.
أعطاني الله من أصناف المال, ما أعطاني.
" وَمَا " أنا " أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ " فلست أريد أن أنهاكم عن البخس, في المكيال, والميزان, وأفعل أنا, حتى تتطرق إلي التهمة في ذلك.
بل ما أنهاكم عن أمر, إلا وأنا, أول مبتدر لتركه.
" إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ " أي: ليس لي من المقاصد, إلا أن تصلح أحوالكم, وتستقيم منافعكم, وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي, شيء بحسب استطاعتي.
ولما كان هذا, فيه نوع تزكية للنفس, دفع هذا بقوله: " وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ " أي: ما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير, والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى, لا بحولي, ولا بقوتي.
" عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ " أي: اعتمدت في أموري, ووثقت في كفايته.
" وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " في أداء ما أمرني به, من أنواع العبادات.
وفي هذا التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات.
وبهذين الأمرين, تستقيم أحوال العبد, وهم الاستعانة بربه, والإنابة إليه, كما قال تعالى " فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " وقال: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " .
وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍسورة هود الآية رقم 89
" وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي " أي: لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي " أَنْ يُصِيبَكُمُ " من العقوبات " مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ " لا في الدار, ولا في الزمان
وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌسورة هود الآية رقم 90
" وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " عما اقترفتم من الذنوب " ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ " فيما يستقبل من أعماركم, بالتوبة النصوح, والإنابة إليه بطاعته, وترك مخالفته.
" إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ " لمن تاب وأناب, يرحمه, فيغفر له, ويتقبل توبته, ويحبه.
ومعنى الودود, من أسمائه تعالى, أنه يحب عباده المؤمنين, ويحبونه, فهو " فعول " بمعنى " فاعل " ومعنى " مفعول " .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5