الصفحة 1الصفحة 2
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَسورة سبأ الآية رقم 31
يُرِيد كُفَّار قُرَيْش .

قَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : " وَلَا بِاَلَّذِي بَيْن يَدَيْهِ " مِنْ الْكُتُب وَالْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام . وَقِيلَ مِنْ الْآخِرَة . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : قَائِل ذَلِكَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام . وَقِيلَ : إِنَّ أَهْل الْكِتَاب قَالُوا لِلْمُشْرِكِينَ صِفَة مُحَمَّد فِي كِتَابنَا فَسَلُوهُ , فَلَمَّا سَأَلُوهُ فَوَافَقَ مَا قَالَ أَهْل الْكِتَاب قَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ قَبْله مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بَلْ نَكْفُر بِالْجَمِيعِ ; وَكَانُوا قَبْل ذَلِكَ يُرَاجِعُونَ أَهْل الْكِتَاب وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِمْ , فَظَهَرَ بِهَذَا تَنَاقُضهمْ وَقِلَّة عِلْمهمْ . ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ حَالهمْ فِيمَا لَهُمْ فَقَالَ

يَا مُحَمَّد

أَيْ مَحْبُوسُونَ فِي مَوْقِف الْحِسَاب , يَتَرَاجَعُونَ الْكَلَام فِيمَا بَيْنهمْ بِاللَّوْمِ وَالْعِتَاب بَعْد أَنْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا أَخِلَّاء مُتَنَاصِرِينَ . وَجَوَاب " لَوْ " مَحْذُوف ; أَيْ لَرَأَيْت أَمْرًا هَائِلًا فَظِيعًا . ثُمَّ ذَكَرَ أَيّ شَيْء يَرْجِع مِنْ الْقَوْل بَيْنهمْ قَالَ :

فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكَافِرِينَ

وَهُمْ الْقَادَة وَالرُّؤَسَاء

أَيْ أَنْتُمْ أَغْوَيْتُمُونَا وَأَضْلَلْتُمُونَا . وَاللُّغَة الْفَصِيحَة " لَوْلَا أَنْتُمْ " وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول " لَوْلَاكُمْ " حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ ; تَكُون " لَوْلَا " تَخْفِض الْمُضْمَر وَيَرْتَفِع الْمُظْهَر بَعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَيُحْذَف خَبَره . وَمُحَمَّد بْن يَزِيد يَقُول : لَا يَجُوز " لَوْلَاكُمْ " لِأَنَّ الْمُضْمَر عَقِيب الْمُظْهَر , فَلَمَّا كَانَ الْمُظْهَر مَرْفُوعًا بِالْإِجْمَاعِ وَجَبَ أَنْ يَكُون الْمُضْمَر أَيْضًا مَرْفُوعًا .
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَسورة سبأ الآية رقم 32
هُوَ اِسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْإِنْكَار , أَيْ مَا رَدَدْنَاكُمْ نَحْنُ عَنْ الْهُدَى بَعْد إِذْ جَاءَكُمْ , وَلَا أَكْرَهْنَاكُمْ .

أَيْ مُشْرِكِينَ مُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْر .
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَسورة سبأ الآية رقم 33
الْمَكْر أَصْله فِي كَلَام الْعَرَب الِاحْتِيَال وَالْخَدِيعَة , وَقَدْ مَكَرَ بِهِ يَمْكُر فَهُوَ مَاكِر وَمَكَّار . قَالَ الْأَخْفَش : هُوَ عَلَى تَقْدِير : هَذَا مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار . قَالَ النَّحَّاس : وَالْمَعْنَى - وَاَللَّه أَعْلَمُ - بَلْ مَكْركُمْ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار , أَيْ مُسَاوَاتكُمْ إِيَّانَا وَدُعَاؤُكُمْ لَنَا إِلَى الْكُفْر حَمَلَنَا عَلَى هَذَا . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : بَلْ عَمَلكُمْ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار . قَتَادَة : بَلْ مَكْركُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار صَدَّنَا ; فَأُضِيفَ الْمَكْر إِلَيْهِمَا لِوُقُوعِهِ فِيهِمَا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّ أَجَل اللَّه إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّر " [ نُوح : 4 ] فَأَضَافَ الْأَجَل إِلَى نَفْسه , ثُمَّ قَالَ : " فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ , سَاعَة " [ الْأَعْرَاف : 34 ] إِذْ كَانَ الْأَجَل لَهُمْ . وَهَذَا مِنْ قَبِيل قَوْلك : لَيْله قَائِم وَنَهَاره صَائِم . قَالَ الْمُبَرِّد : أَيْ بَلْ مَكْركُمْ اللَّيْل وَالنَّهَار , كَمَا تَقُول الْعَرَب : نَهَاره صَائِم وَلَيْله قَائِم . وَأَنْشَدَ لِجَرِيرٍ : لَقَدْ لُمْتِنَا يَا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى وَنِمْتِ وَمَا لَيْل الْمَطِيّ بِنَائِمِ وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : فَنَامَ لَيْلِي وَتَجَلَّى هَمِّي أَيْ نِمْت فِيهِ . وَنَظِيره : " وَالنَّهَار مُبْصِرًا " [ يُونُس : 67 ] . وَقَرَأَ قَتَادَة : " بَلْ مَكْرٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " بِتَنْوِينِ " مَكْر " وَنَصْب " اللَّيْل وَالنَّهَار " , وَالتَّقْدِير : بَلْ مَكْر كَائِن فِي اللَّيْل وَالنَّهَار , فَحُذِفَ . وَقَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر " بَلْ مَكَرُّ " بِفَتْحِ الْكَاف وَشَدّ الرَّاء بِمَعْنَى الْكُرُور , وَارْتِفَاعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف . وَيَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِفِعْلٍ مُضْمَر دَلَّ عَلَيْهِ " أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ " كَأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لَهُمْ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى قَالُوا بَلْ صَدَّنَا مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار . وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار " قَالَ : مَرَّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهِمْ فَغَفَلُوا . وَقِيلَ : طُول السَّلَامَة فِيهِمَا كَقَوْلِهِ " فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد " [ الْحَدِيد : 16 ] . وَقَرَأَ رَاشِد " بَلْ مَكْرَ اللَّيْل وَالنَّهَار " بِالنَّصْبِ , كَمَا تَقُول : رَأَيْته مَقْدَم الْحَاجّ , وَإِنَّمَا يَجُوز هَذَا فِيمَا يُعَرَّف , لَوْ قُلْت : رَأَيْته مَقْدَمَ زَيْد , لَمْ يَجُزْ ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس .

أَيْ أَشْبَاهًا وَأَمْثَالًا وَنُظَرَاء . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : فُلَان نِدّ فُلَان , أَيْ مِثْله . وَيُقَال نَدِيد ; وَأَنْشَدَ : أَيْنَمَا تَجْعَلُونَ إِلَيَّ نِدًّا وَمَا أَنْتُمْ لِذِي حَسَب نَدِيد وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي الْبَقَرَة " . " وَأَسَرُّوا النَّدَامَة " أَيْ أَظْهَرُوهَا , وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد يَكُون بِمَعْنَى الْإِخْفَاء وَالْإِبْدَاء . قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : تَجَاوَزْت أَحْرَاسًا وَأَهْوَال مَعْشَرٍ عَلَيَّ حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي وَرُوِيَ " يُشِرُّونَ " . وَقِيلَ :

أَيْ تَبَيَّنَتْ النَّدَامَة فِي أَسْرَار وُجُوههمْ . قِيلَ : النَّدَامَة لَا تَظْهَر , وَإِنَّمَا تَكُون فِي الْقَلْب , وَإِنَّمَا يَظْهَر مَا يَتَوَلَّد عَنْهَا , حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " يُونُس , وَآل عِمْرَان " . وَقِيلَ : إِظْهَارهمْ النَّدَامَة قَوْلهمْ : " فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة فَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " [ الشُّعَرَاء : 102 ] . وَقِيلَ : أَسَرُّوا النَّدَامَة فِيمَا بَيْنهمْ وَلَمْ يَجْهَرُوا الْقَوْل بِهَا ; كَمَا قَالَ : " وَأَسَرُّوا النَّجْوَى " [ الْأَنْبِيَاء : 3 ] .

الْأَغْلَال جَمْع غُلّ , يُقَال : فِي رَقَبَته غُلّ مِنْ حَدِيد . وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ السَّيِّئَة الْخُلُق : غُلّ قَمِل , وَأَصْله أَنَّ الْغُلّ كَانَ يَكُون مِنْ قِدّ وَعَلَيْهِ شَعْر فَيَقْمَل . وَغَلَلْت يَده إِلَى عُنُقه ; وَقَدْ غُلَّ فَهُوَ مَغْلُول , يُقَال : مَا لَهُ أُلّ وَغُلّ . وَالْغُلّ أَيْضًا وَالْغُلَّة : حَرَارَة الْعَطَش , وَكَذَلِكَ الْغَلِيل ; يُقَال مِنْهُ : غُلّ الرَّجُل يُغَلّ غَلَلًا فَهُوَ مَغْلُول , عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; عَنْ الْجَوْهَرِيّ . أَيْ جَعَلْت الْجَوَامِع فِي أَعْنَاق التَّابِعِينَ وَالْمَتْبُوعِينَ . قِيلَ مِنْ غَيْر هَؤُلَاءِ الْفَرِيقَيْنِ . وَقِيلَ يَرْجِع " الَّذِينَ كَفَرُوا " إِلَيْهِمْ . وَقِيلَ : تَمَّ الْكَلَام عِنْد قَوْله : " لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب " ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : " وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال " بَعْد ذَلِكَ فِي أَعْنَاق سَائِر الْكُفَّار .

فِي الدُّنْيَا .
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَسورة سبأ الآية رقم 34
قَالَ قَتَادَة : أَيْ أَغْنِيَاؤُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا وَجَبَابِرَتهَا وَقَادَة الشَّرّ لِلرُّسُلِ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَسورة سبأ الآية رقم 35
أَيْ فُضِّلْنَا عَلَيْكُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَاد , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ رَبّكُمْ رَاضِيًا بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الدِّين وَالْفَضْل لَمْ يُخَوِّلنَا ذَلِكَ .

لِأَنَّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ فَلَا يُعَذِّبهُ , فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ وَمَا اِحْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْغِنَى فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَسورة سبأ الآية رقم 36
أَيْ يُوَسِّعهُ

أَيْ يُقَتِّر أَيْ أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي يُفَاضِل بَيْن عِبَاده فِي الْأَرْزَاق اِمْتِحَانًا لَهُمْ , فَلَا يَدُلّ شَيْء مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْعَوَاقِب , فَسَعَة الرِّزْق فِي الدُّنْيَا لَا تَدُلّ عَلَى سَعَادَة الْآخِرَة فَلَا تَظُنُّوا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ تُغْنِي عَنْكُمْ غَدًا شَيْئًا .

" لَا يَعْلَمُونَ " هَذَا لِأَنَّهُمْ لَا يَتَأَمَّلُونَ ثُمَّ قَالَ تَأْكِيدًا
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَسورة سبأ الآية رقم 37
قَالَ مُجَاهِد : أَيْ قُرْبَى . وَالزُّلْفَة الْقُرْبَة . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَيْ إِزْلَافًا , وَهُوَ اِسْم الْمَصْدَر , فَيَكُون مَوْضِع " قُرْبَى " نَصْبًا كَأَنَّهُ قَالَ بِاَلَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا تَقْرِيبًا . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الَّتِي " تَكُون لِلْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَاد جَمِيعًا . وَلَهُ قَوْل آخَر وَهُوَ مَذْهَب أَبِي إِسْحَاق الزَّجَّاج , يَكُون الْمَعْنَى : وَمَا أَمْوَالكُمْ بِاَلَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا , وَلَا أَوْلَادكُمْ بِاَلَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا زُلْفَى , ثُمَّ حُذِفَ خَبَر الْأَوَّل لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِفُ وَيَجُوز فِي غَيْر الْقُرْآن : بِاللَّتَيْنِ وَبِاللَّاتِي وَبِاللَّوَاتِي وَبِاَللَّذَيْنِ وَبِاَلَّذِينَ ; لِلْأَوْلَادِ خَاصَّة أَيْ لَا تَزِيدكُمْ الْأَمْوَال عِنْدنَا رِفْعَة وَدَرَجَة , وَلَا تُقَرِّبكُمْ تَقْرِيبًا .

قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْمَعْنَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَنْ يَضُرّهُ مَاله وَوَلَده فِي الدُّنْيَا . وَرَوَى لَيْث عَنْ طَاوُس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي الْإِيمَان وَالْعَمَل , وَجَنِّبْنِي الْمَال وَالْوَلَد , فَإِنِّي سَمِعْت فِيمَا أَوْحَيْت " وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِاَلَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " . قُلْت : قَوْل طَاوُس فِيهِ نَظَر , وَالْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَمُ : جَنِّبْنِي الْمَال وَالْوَلَد الْمُطْغِيَيْنِ أَوْ اللَّذَيْنِ لَا خَيْر فِيهِمَا ; فَأَمَّا الْمَال الصَّالِح وَالْوَلَد الصَّالِح لِلرَّجُلِ الصَّالِح فَنِعْمَ هَذَا ! وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " آل عِمْرَان وَمَرْيَم , وَالْفُرْقَان " . و " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع , أَيْ لَكِنَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِيمَانه وَعَمَله يُقَرِّبَانِهِ مِنِّي . وَزَعَمَ الزَّجَّاج أَنَّهُ فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْبَدَل مِنْ الْكَاف وَالْمِيم الَّتِي فِي " تُقَرِّبكُمْ " . النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل غَلَط ; لِأَنَّ الْكَاف وَالْمِيم لِلْمُخَاطَبِ فَلَا يَجُوز الْبَدَل , وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ : رَأَيْتُك زَيْدًا . وَقَوْل أَبِي إِسْحَاق هَذَا هُوَ قَوْل الْفَرَّاء . إِلَّا أَنَّ الْفَرَّاء لَا يَقُول بَدَل لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَفْظ الْكُوفِيِّينَ , وَلَكِنَّ قَوْله يَئُول إِلَى ذَلِكَ , وَزَعَمَ أَنَّ مِثْله " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم " يَكُون مَنْصُوبًا عِنْده ب " يَنْفَع " . وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى : مَا هُوَ إِلَّا مَنْ آمَنَ , كَذَا قَالَ , وَلَسْت أُحَصِّل مَعْنَاهُ .

يَعْنِي قَوْله : " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا " [ الْأَنْعَام : 160 ] فَالضِّعْف الزِّيَادَة , أَيْ لَهُمْ جَزَاء التَّضْعِيف , وَهُوَ مِنْ بَاب إِضَافَة الْمَصْدَر إِلَى الْمَفْعُول . وَقِيلَ : لَهُمْ جَزَاء الْأَضْعَاف , فَالضِّعْف فِي مَعْنَى الْجَمْع , وَإِضَافَة الضِّعْف إِلَى الْجَزَاء كَإِضَافَةِ الشَّيْء إِلَى نَفْسه , نَحْو : حَقّ الْيَقِين , وَصَلَاة الْأُولَى . أَيْ لَهُمْ الْجَزَاء الْمُضَعَّف , لِلْوَاحِدِ عَشَرَة إِلَى مَا يُرِيد اللَّه مِنْ الزِّيَادَة . وَبِهَذِهِ الْآيَة اِسْتَدَلَّ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى عَلَى الْفَقْر . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : إِنَّ الْمُؤْمِن إِذَا كَانَ غَنِيًّا تَقِيًّا أَتَاهُ اللَّه أَجْره مَرَّتَيْنِ بِهَذِهِ الْآيَة . قِرَاءَة الْعَامَّة " جَزَاءُ الضِّعْفِ " بِالْإِضَافَةِ . وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ وَيَعْقُوب وَنَصْر بْن عَاصِم " جَزَاءً " مُنَوَّنًا مَنْصُوبًا " الضِّعْفُ " رَفْعًا ; أَيْ فَأُولَئِكَ لَهُمْ الضِّعْفُ جَزَاءً , عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ . " وَجَزَاءُ الضِّعْفِ " عَلَى أَنْ يُجَازَوْا الضِّعْف . و " جَزَاءٌ الضِّعْفُ " مَرْفُوعَانِ , الضِّعْف بَدَل مِنْ جَزَاء .

" آمِنُونَ " أَيْ مِنْ الْعَذَاب وَالْمَوْت وَالْأَسْقَام وَالْأَحْزَان . وَقَرَأَ الْجُمْهُور أَيْضًا " فِي الْغُرُفَات " عَلَى الْجَمْع , وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد ; لِقَوْلِهِ : " لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّة غُرَفًا " [ الْعَنْكَبُوت : 58 ] . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقُرِئَ " فِي الْغُرُفَات " بِضَمِّ الرَّاء وَفَتْحهَا وَسُكُونهَا . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَحَمْزَة وَخَلَف " فِي الْغُرْفَة " عَلَى التَّوْحِيد ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة " [ الْفُرْقَان : 75 ] . وَالْغُرْفَة قَدْ يُرَاد بِهَا اِسْم الْجَمْع وَاسْم الْجِنْس . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ غُرَف مِنْ يَاقُوت وَزَبَرْجَد وَدُرّ . وَقَدْ مَضَى بَيَان ذَلِكَ .
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَسورة سبأ الآية رقم 38
فِي إِبْطَال أَدِلَّتنَا وَحُجَّتنَا وَكِتَابنَا .

مُعَانِدِينَ , يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ .

أَيْ فِي جَهَنَّم تُحْضِرهُمْ الزَّبَانِيَة فِيهَا .
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَسورة سبأ الآية رقم 39
كَرَّرَ تَأْكِيدًا .

أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُغْتَرِّينَ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَاد إِنَّ اللَّه يُوَسِّع عَلَى مَنْ يَشَاء وَيُضَيِّق عَلَى مَنْ يَشَاء , فَلَا تَغْتَرُّوا بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَاد بَلْ أَنْفِقُوهَا فِي طَاعَة اللَّه , فَإِنَّ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي طَاعَة اللَّه فَهُوَ يُخْلِفهُ . وَفِيهِ إِضْمَار , أَيْ فَهُوَ يُخْلِفهُ عَلَيْكُمْ ; يُقَال : أَخْلَفَ لَهُ وَأَخْلَفَ عَلَيْهِ , أَيْ يُعْطِيكُمْ خَلَفه وَبَدَله , وَذَلِكَ الْبَدَل إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ يَوْم يُصْبِح الْعِبَاد فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ) . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِق عَلَيْك ... ) الْحَدِيث . وَهَذِهِ إِشَارَة إِلَى الْخَلَف فِي الدُّنْيَا بِمِثْلِ الْمُنْفَق فِيهَا إِذَا كَانَتْ النَّفَقَة فِي طَاعَة اللَّه . وَقَدْ لَا يَكُون الْخَلَف فِي الدُّنْيَا فَيَكُون كَالدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاء فِي الْإِجَابَة أَوْ التَّكْفِير أَوْ الِادِّخَار ; وَالِادِّخَار هَاهُنَا مِثْله فِي الْأَجْر مَسْأَلَة : رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو أَحْمَد بْن عَدِيّ عَنْ عَبْد الْحَمِيد الْهِلَالِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ مَعْرُوف صَدَقَة وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُل عَلَى نَفْسه وَأَهْله كُتِبَ لَهُ صَدَقَة وَمَا وَقَى بِهِ الرَّجُل عِرْضه فَهُوَ صَدَقَة وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُل مِنْ نَفَقَة فَعَلَى اللَّه خَلَفُهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نَفَقَة فِي بُنْيَان أَوْ مَعْصِيَة ) . قَالَ عَبْد الْحَمِيد : قُلْت لِابْنِ الْمُنْكَدِر : " مَا وَقَى الرَّجُل عِرْضه " ؟ قَالَ : يُعْطِي الشَّاعِر وَذَا اللِّسَان . عَبْد الْحَمِيد وَثَّقَهُ اِبْن مَعِين . قُلْت : أَمَّا مَا أَنْفَقَ فِي مَعْصِيَة فَلَا خِلَاف أَنَّهُ غَيْر مُثَاب عَلَيْهِ وَلَا مَخْلُوف لَهُ . وَأَمَّا الْبُنْيَان فَمَا كَانَ مِنْهُ ضَرُورِيًّا يَكِنّ الْإِنْسَان وَيَحْفَظهُ فَذَلِكَ , مَخْلُوف عَلَيْهِ وَمَأْجُور بِبُنْيَانِهِ . وَكَذَلِكَ كَحِفْظِ بِنْيَته وَسَتْر عَوْرَته , قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ لِابْنِ آدَم حَقّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَال , بَيْت يَسْكُنهُ وَثَوْب يُوَارِي عَوْرَته وَجِلْف الْخُبْز وَالْمَاء ) . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْأَعْرَاف " مُسْتَوْفًى .

لَمَّا كَانَ يُقَال فِي الْإِنْسَان : إِنَّهُ يَرْزُق عِيَاله وَالْأَمِير جُنْده ; قَالَ : " وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ " وَالرَّازِق مِنْ الْخَلْق يَرْزُق , لَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَال يُمْلَك عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَنْقَطِع , وَاَللَّه تَعَالَى يَرْزُق مِنْ خَزَائِن لَا تَفْنَى وَلَا تَتَنَاهَى . وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْ عَدَم إِلَى الْوُجُود فَهُوَ الرَّازِق عَلَى الْحَقِيقَة , كَمَا قَالَ : " إِنَّ اللَّه هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة الْمَتِين " [ الذَّارِيَات : 58 ] .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَسورة سبأ الآية رقم 40
هَذَا مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : " وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ " [ سَبَأ : 31 ] . أَيْ لَوْ تَرَاهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَة لَرَأَيْت أَمْرًا فَظِيعًا . وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد هُوَ وَأُمَّته ثُمَّ قَالَ وَلَوْ تَرَاهُمْ أَيْضًا " يَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا " الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ , أَيْ نَجْمَعهُمْ لِلْحِسَابِ

قَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : هَذَا اِسْتِفْهَام ; كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعِيسَى : " أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه " [ الْمَائِدَة : 116 ] قَالَ النَّحَّاس : فَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَلَائِكَة صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ إِذَا كَذَّبَتْهُمْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَبْكِيت لَهُمْ ; فَهُوَ اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ لِلْعَابِدِينَ .
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَسورة سبأ الآية رقم 41
أَيْ تَنْزِيهًا لَك .

أَيْ أَنْتَ رَبّنَا الَّذِي نَتَوَلَّاهُ وَنُطِيعهُ وَنَعْبُدهُ وَنُخْلِص فِي الْعِبَادَة لَهُ .

أَيْ يُطِيعُونَ إِبْلِيس وَأَعْوَانه . وَفِي التَّفَاسِير : أَنَّ حَيًّا يُقَال لَهُمْ بَنُو مُلَيْح مِنْ خُزَاعَة كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنّ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْجِنّ تَتَرَاءَى لَهُمْ , وَأَنَّهُمْ مَلَائِكَة , وَأَنَّهُمْ بَنَات اللَّه ; وَهُوَ قَوْله : " وَجَعَلُوا بَيْنه وَبَيْن الْجِنَّة نَسَبًا " [ الصَّافَّات : 158 ] .
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَسورة سبأ الآية رقم 42
أَيْ شَفَاعَة وَنَجَاة .

أَيْ عَذَابًا وَهَلَاكًا . وَقِيلَ : أَيْ لَا تَمْلِك الْمَلَائِكَة دَفْع ضَرّ عَنْ عَابِدِيهِمْ ; فَحُذِفَ الْمُضَاف

يَجُوز أَنْ يَقُول اللَّه لَهُمْ أَوْ الْمَلَائِكَة : ذُوقُوا .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌسورة سبأ الآية رقم 43
يَعْنِي الْقُرْآن .

يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

أَيْ أَسْلَافكُمْ مِنْ الْآلِهَة الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا .

يَعْنُونَ الْقُرْآن ; أَيْ مَا هُوَ إِلَّا كَذِب مُخْتَلَق .

فَتَارَة قَالُوا سِحْر , وَتَارَة قَالُوا إِفْك . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْهُمْ مَنْ قَالَ سِحْر وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِفْك .
وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍسورة سبأ الآية رقم 44
أَيْ لَمْ يَقْرَءُوا فِي كِتَاب أُوتُوهُ بُطْلَانَ مَا جِئْت بِهِ , وَلَا سَمِعُوهُ مِنْ رَسُول بُعِثَ إِلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ : " أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْله فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ " [ الزُّخْرُف : 21 ] فَلَيْسَ لِتَكْذِيبِهِمْ وَجْه يُتَشَبَّث بِهِ وَلَا شُبْهَة مُتَعَلَّق ; كَمَا يَقُول أَهْل الْكِتَاب - وَإِنْ كَانُوا مُبْطِلِينَ - : نَحْنُ أَهْل كِتَاب وَشَرَائِع وَمُسْتَنِدُونَ إِلَى رُسُل مِنْ رُسُل اللَّه , ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى تَكْذِيبهمْ بِقَوْلِهِ الْحَقّ :
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِسورة سبأ الآية رقم 45
أَيْ كَذَّبَ قَبْلهمْ أَقْوَام كَانُوا أَشَدَّ مِنْ هَؤُلَاءِ بَطْشًا وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَأَوْسَع عَيْشًا , فَأَهْلَكْتهمْ كَثَمُودَ وَعَاد .

أَيْ مَا بَلَغَ أَهْل مَكَّة

تِلْكَ الْأُمَم . وَالْمِعْشَار وَالْعُشْر سَوَاء , لُغَتَانِ . وَقِيلَ : الْمِعْشَار عُشْر الْعُشْر . الْجَوْهَرِيّ : وَمِعْشَار الشَّيْء عُشْره , وَلَا يَقُولُونَ هَذَا فِي شَيْء سِوَى الْعُشْر . وَقَالَ : مَا بَلَغَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِعْشَار شُكْر مَا أَعْطَيْنَاهُمْ ; حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقِيلَ : مَا أَعْطَى اللَّه تَعَالَى مِنْ قَبْلهمْ مِعْشَار مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الْعِلْم وَالْبَيَان وَالْحُجَّة وَالْبُرْهَان . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَلَيْسَ أُمَّة أَعْلَمَ مِنْ أُمَّة , وَلَا كِتَاب أَبْيَنَ مِنْ كِتَابه . وَقِيلَ : الْمِعْشَار هُوَ عُشْر الْعَشِير , وَالْعَشِير هُوَ عُشْر الْعُشْر فَيَكُون جُزْءًا مِنْ أَلْف جُزْء . الْمَاوَرْدِيّ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ , لِأَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُبَالَغَة فِي التَّقْلِيل .

أَيْ عِقَابِي فِي الْأُمَم , وَفِيهِ مَحْذُوف وَتَقْدِيره : فَأَهْلَكْنَاهُمْ فَكَيْف كَانَ نَكِيرِي .
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍسورة سبأ الآية رقم 46
تَمَّمَ الْحُجَّة عَلَى الْمُشْرِكِينَ ; أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد :

أَيْ أُذَكِّركُمْ وَأُحَذِّركُمْ سُوء عَاقِبَة مَا أَنْتُمْ فِيهِ .

أَيْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَة مُشْتَمِلَة عَلَى جَمِيع الْكَلَام , تَقْتَضِي نَفْي الشِّرْك وَإِثْبَات الْإِلَه قَالَ مُجَاهِد : هِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ . وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : بِطَاعَةِ اللَّه . وَقِيلَ : بِالْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ يَجْمَع كُلّ الْمَوَاعِظ . وَقِيلَ : تَقْدِيره بِخَصْلَةٍ وَاحِدَة ,

" أَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ " وَاحِدَة " , أَوْ فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ , أَيْ هِيَ أَنْ تَقُومُوا . وَمَذْهَب الزَّجَّاج أَنَّهَا فِي مَوْضِع نَصْب بِمَعْنَى لِأَنْ تَقُومُوا . وَهَذَا الْقِيَام مَعْنَاهُ الْقِيَام إِلَى طَلَب الْحَقّ لَا الْقِيَام الَّذِي هُوَ ضِدّ الْقُعُود , وَهُوَ كَمَا يُقَال : قَامَ فُلَان بِأَمْرِ كَذَا ; أَيْ لِوَجْهِ اللَّه وَالتَّقَرُّب إِلَيْهِ . وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ " [ النِّسَاء : 127 ] . " مَثْنَى وَفُرَادَى " أَيْ وُحْدَانًا وَمُجْتَمِعِينَ ; قَالَهُ السُّدِّيّ . وَقِيلَ : مُنْفَرِدًا بِرَأْيِهِ وَمُشَاوِرًا لِغَيْرِهِ , وَهَذَا قَوْل مَأْثُور . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : مُنَاظِرًا مَعَ غَيْره وَمُفَكِّرًا فِي نَفْسه , وَكُلّه مُتَقَارِب . وَيَحْتَمِل رَابِعًا أَنَّ الْمَثْنَى عَمَل النَّهَار وَالْفُرَادَى عَمَل اللَّيْل , لِأَنَّهُ فِي النَّهَار مُعَانٌ وَفِي اللَّيْل وَحِيدٌ , قَالَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ : " مَثْنَى وَفُرَادَى " لِأَنَّ الذِّهْن حُجَّة اللَّه عَلَى الْعِبَاد وَهُوَ الْعَقْل , فَأَوْفَرُهُمْ عَقْلًا أَوْفَرُهُمْ حَظًّا مِنْ اللَّه , فَإِذَا كَانُوا فُرَادَى كَانَتْ فِكْرَة وَاحِدَة , وَإِذَا كَانُوا مَثْنَى تَقَابَلَ الذِّهْنَانِ فَتَرَاءَى مِنْ الْعِلْم لَهُمَا مَا أُضْعِفَ عَلَى الِانْفِرَاد ; وَاَللَّه أَعْلَمُ .

الْوَقْف عِنْد أَبِي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِيّ عَلَى " ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا " . وَقِيلَ : لَيْسَ هُوَ بِوَقْفٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى : ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا هَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَى صَاحِبكُمْ كَذِبًا , أَوْ رَأَيْتُمْ فِيهِ جِنَّة , أَوْ فِي أَحْوَاله مِنْ فَسَاد , أَوْ اِخْتَلَفَ إِلَى أَحَد مِمَّنْ يَدَّعِي الْعِلْم بِالسِّحْرِ , أَوْ تَعَلَّمَ الْأَقَاصِيص وَقَرَأَ الْكُتُب , أَوْ عَرَفْتُمُوهُ بِالطَّمَعِ فِي أَمْوَالكُمْ , أَوْ تَقْدِرُونَ عَلَى مُعَارَضَته فِي سُورَة وَاحِدَة ; فَإِذَا عَرَفْتُمْ بِهَذَا الْفِكْر صِدْقه فَمَا بَال هَذِهِ الْمُعَانَدَة .

وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ " [ الشُّعَرَاء : 214 ] وَرَهْطك مِنْهُمْ الْمُخْلِصِينَ , خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ : يَا صَبَاحَاهُ ؟ فَقَالُوا : مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِف ! ؟ قَالُوا مُحَمَّد ; فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ : ( يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي عَبْد مَنَاف يَا بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُج مِنْ سَفْح هَذَا الْجَبَل أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ) ؟ قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْك كَذِبًا . قَالَ : ( فَإِنِّي نَذِير لَكُمْ بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد ) . قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَب : تَبًّا لَك ! أَمَا جَمَعْتنَا إِلَّا لِهَذَا ؟ ثُمَّ قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَة : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ " [ الْمَسَد : 1 ] كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَش إِلَى آخِر السُّورَة .
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌسورة سبأ الآية رقم 47
أَيْ جُعْل عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة

أَيْ ذَلِكَ الْجُعْل لَكُمْ إِنْ كُنْت سَأَلْتُكُمُوهُ

أَيْ رَقِيب وَعَالِم وَحَاضِر لِأَعْمَالِي وَأَعْمَالكُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فَهُوَ يُجَازِي الْجَمِيع .
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِسورة سبأ الآية رقم 48
أَيْ يُبَيِّن الْحُجَّة وَيُظْهِرهَا . قَالَ قَتَادَة : بِالْحَقِّ بِالْوَحْيِ . وَعَنْهُ : الْحَقّ الْقُرْآن . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ يَقْذِف الْبَاطِل بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " عَلَّام الْغُيُوب " عَلَى أَنَّهُ بَدَل , أَيْ قُلْ إِنَّ رَبِّي عَلَّام الْغُيُوب يَقْذِف بِالْحَقِّ . قَالَ الزَّجَّاج . وَالرَّفْع مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى الْمَوْضِع , لِأَنَّ الْمَوْضِع مَوْضِع رَفْع , أَوْ عَلَى الْبَدَل مِمَّا فِي يَقْذِف . النَّحَّاس : وَفِي الرَّفْع وَجْهَانِ آخَرَانِ : يَكُون خَبَرًا بَعْد خَبَر , وَيَكُون عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الرَّفْع فِي مِثْل هَذَا أَكْثَرُ فِي كَلَام الْعَرَب إِذَا أَتَى بَعْد خَبَر " إِنَّ " وَمِثْله " إِنَّ ذَلِكَ لَحَقّ تَخَاصُم أَهْل النَّار " [ ص : 64 ] وَقُرِئَ : " الْغُيُوب " بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاث , فَالْغُيُوب كَالْبُيُوتِ , وَالْغَيُوب كَالصَّبُورِ , وَهُوَ الْأَمْر الَّذِي غَابَ وَخَفِيَ جِدًّا .
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُسورة سبأ الآية رقم 49
قَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة : يُرِيد الْقُرْآن . النَّحَّاس : وَالتَّقْدِير جَاءَ صَاحِب الْحَقّ أَيْ الْكِتَاب الَّذِي فِيهِ الْبَرَاهِين وَالْحُجَج .

قَالَ قَتَادَة : الشَّيْطَان ; أَيْ مَا يَخْلُق الشَّيْطَان أَحَدًا

ف " مَا " نَفْي . وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى أَيّ شَيْء ; أَيْ جَاءَ الْحَقّ فَأَيّ شَيْء بَقِيَ لِلْبَاطِلِ حَتَّى يُعِيدهُ وَيُبْدِئهُ أَيْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْء , كَقَوْلِهِ : " فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة " [ الْحَاقَّة : 8 ] أَيْ لَا تَرَى .
قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌسورة سبأ الآية رقم 50
وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّار قَالُوا تَرَكْت دِين آبَائِك فَضَلَلْت . فَقَالَ لَهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنْ ضَلَلْت كَمَا تَزْعُمُونَ فَإِنَّمَا أَضِلّ عَلَى نَفْسِي . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " ضَلَلْت " بِفَتْحِ اللَّام . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَغَيْره : " قُلْ إِنْ ضَلِلْت " بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْح الضَّاد مِنْ " أَضَلُّ " , وَالضَّلَال وَالضَّلَالَة ضِدّ الرَّشَاد . وَقَدْ ضَلَلْت ( بِفَتْحِ اللَّام ) أَضِلّ ( بِكَسْرِ الضَّاد ) , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " قُلْ إِنْ ضَلَلْت فَإِنَّمَا أَضِلّ عَلَى نَفْسِي " فَهَذِهِ لُغَة نَجْد وَهِيَ الْفَصِيحَة . وَأَهْل الْعَالِيَة يَقُولُونَ " ضَلِلْت " بِالْكَسْرِ " أَضَلّ " , أَيْ إِثْم ضَلَالَتِي عَلَى نَفْسِي .

مِنْ الْحِكْمَة وَالْبَيَان

أَيْ سَمِيع مِمَّنْ دَعَاهُ قَرِيب الْإِجَابَة . وَقِيلَ وَجْه النَّظْم : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ وَيُبَيِّن الْحُجَّة , وَضَلَال مَنْ ضَلَّ لَا يُبْطِل الْحُجَّة , وَلَوْ ضَلَلْت لَأَضْرَرْت بِنَفْسِي , لَا أَنَّهُ يُبْطِل حُجَّة اللَّه , وَإِذَا اِهْتَدَيْت فَذَلِكَ فَضْل اللَّه إِذْ ثَبَّتَنِي عَلَى الْحُجَّة إِنَّهُ سَمِيع قَرِيب .
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍسورة سبأ الآية رقم 51
ذَكَرَ أَحْوَال الْكُفَّار فِي وَقْت مَا يُضْطَرُّونَ فِيهِ إِلَى مَعْرِفَة الْحَقّ . وَالْمَعْنَى : لَوْ تَرَى إِذَا فَزِعُوا فِي الدُّنْيَا عِنْد نُزُول الْمَوْت أَوْ غَيْره مِنْ بَأْس اللَّه تَعَالَى بِهِمْ , رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس . الْحَسَن : هُوَ فَزَعهمْ فِي الْقُبُور مِنْ الصَّيْحَة . وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْفَزَع إِنَّمَا هُوَ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورهمْ ; وَقَالَهُ قَتَادَة . وَقَالَ اِبْن مُغَفَّل : إِذَا عَايَنُوا عِقَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . السُّدِّيّ : هُوَ فَزَعهمْ يَوْم بَدْر حِين ضُرِبَتْ أَعْنَاقهمْ بِسُيُوفِ الْمَلَائِكَة فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا فِرَارًا وَلَا رُجُوعًا إِلَى التَّوْبَة . سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ الْجَيْش الَّذِي يُخْسَف بِهِ فِي الْبَيْدَاء فَيَبْقَى مِنْهُمْ رَجُل فَيُخْبِر النَّاس بِمَا لَقِيَ أَصْحَابه فَيَفْزَعُونَ , فَهَذَا هُوَ فَزَعهمْ .

" فَلَا فَوْت " فَلَا نَجَاة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . مُجَاهِد : فَلَا مَهْرَب .

أَيْ مِنْ الْقُبُور . وَقِيلَ : مِنْ حَيْثُ كَانُوا , فَهُمْ مِنْ اللَّه قَرِيب لَا يَعْزُبُونَ عَنْهُ وَلَا يَفُوتُونَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا يَغْزُونَ فِي آخِر الزَّمَان الْكَعْبَة لِيَخْرِبُوهَا , وَكُلَمَّا يَدْخُلُونَ الْبَيْدَاء يُخْسَف بِهِمْ ; فَهُوَ الْأَخْذ مِنْ مَكَان قَرِيب . قُلْت : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى خَبَر مَرْفُوع عَنْ حُذَيْفَة وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَذَكَرَ فِتْنَة تَكُون بَيْن أَهْل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب : ( فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ السُّفْيَانِيّ مِنْ الْوَادِي الْيَابِس فِي فَوْرَة ذَلِكَ حَتَّى يَنْزِل دِمَشْق فَيَبْعَث جَيْشَيْنِ , جَيْشًا إِلَى الْمَشْرِق ; وَجَيْشًا إِلَى الْمَدِينَة , فَيَسِير الْجَيْش نَحْو الْمَشْرِق حَتَّى يَنْزِلُوا بِأَرْضِ بَابِل فِي الْمَدِينَة الْمَلْعُونَة وَالْبُقْعَة الْخَبِيثَة يَعْنِي مَدِينَة بَغْدَاد , قَالَ - فَيَقْتُلُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَة آلَاف وَيَفْتَضُّونَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَة اِمْرَأَة وَيَقْتُلُونَ بِهَا ثَلَاثمِائَةِ كَبْش مِنْ وَلَد الْعَبَّاس , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى الشَّام فَتَخْرُج رَايَة هُدًى مِنْ الْكُوفَةِ فَتَلْحَق ذَلِكَ الْجَيْش مِنْهَا عَلَى لَيْلَتَيْنِ فَيَقْتُلُونَهُمْ لَا يُفْلِت مِنْهُمْ مُخْبِر وَيَسْتَنْقِذُونَ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ السَّبْي وَالْغَنَائِم وَيَحُلّ جَيْشه الثَّانِي بِالْمَدِينَةِ فَيَنْتَهِبُونَهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيَهَا ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ بَعَثَ اللَّه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول يَا جِبْرِيل اِذْهَبْ فَأَبِدْهُمْ فَيَضْرِبهَا بِرِجْلِهِ ضَرْبَة يَخْسِف اللَّه بِهِمْ , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب " فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ أَحَدهمَا بَشِير وَالْآخَر نَذِير وَهُمَا مِنْ جُهَيْنَة , وَلِذَلِكَ جَاءَ الْقَوْل : وَعِنْد جُهَيْنَة الْخَبَر الْيَقِين . وَقِيلَ : " أُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب " أَيْ قُبِضَتْ أَرْوَاحهمْ فِي أَمَاكِنهَا فَلَمْ يُمْكِنهُمْ الْفِرَار مِنْ الْمَوْت , وَهَذَا عَلَى قَوْل مَنْ يَقُول : هَذَا الْفَزَع عِنْد النَّزْع . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ الْفَزَع الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِجَابَة ; يُقَال : فَزِعَ الرَّجُل أَيْ أَجَابَ الصَّارِخ الَّذِي يَسْتَغِيث بِهِ إِذَا نَزَلَ بِهِ خَوْف . وَمِنْهُ الْخَبَر إِذْ قَالَ لِلْأَنْصَارِ : ( إِنَّكُمْ لَتَقِلُّونَ عِنْد الطَّمَع وَتَكْثُرُونَ عِنْد الْفَزَع ) . وَمَنْ قَالَ : أَرَادَ الْخَسْف أَوْ الْقَتْل فِي الدُّنْيَا كَيَوْمِ بَدْر قَالَ : أُخِذُوا فِي الدُّنْيَا قَبْل أَنْ يُؤْخَذُوا فِي الْآخِرَة . وَمَنْ قَالَ : هُوَ فَزَع يَوْم الْقِيَامَة قَالَ : أُخِذُوا مِنْ بَطْن الْأَرْض إِلَى ظَهْرهَا . وَقِيلَ : " أُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب " مِنْ جَهَنَّم فَأُلْقُوا فِيهَا .
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍسورة سبأ الآية رقم 52
أَيْ الْقُرْآن . وَقَالَ مُجَاهِد : بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . الْحَسَن : بِالْبَعْثِ . قَتَادَة : بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : التَّنَاوُش الرَّجْعَة ; أَيْ يَطْلُبُونَ الرَّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا لِيُؤْمِنُوا , وَهَيْهَاتَ مِنْ ذَلِكَ ! وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَمَنَّى أَنْ تَئُوب إِلَيَّ مَيٌّ وَلَيْسَ إِلَى تَنَاوُشهَا سَبِيلُ وَقَالَ السُّدِّيّ : هِيَ التَّوْبَة ; أَيْ طَلَبُوهَا وَقَدْ بَعُدَتْ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا تُقْبَل التَّوْبَة فِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : التَّنَاوُش التَّنَاوُل ; قَالَ اِبْن السِّكِّيت : يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا تَنَاوَلَ رَجُلًا لِيَأْخُذ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَته : نَاشَهُ يَنُوشهُ نَوْشًا . وَأَنْشَدَ : فَهِيَ تَنُوش الْحَوْض نَوْشًا مِنْ عَلَا نَوْشًا بِهِ تَقْطَعُ أَجْوَازَ الْفَلَا أَيْ تَتَنَاوَل مَاء الْحَوْض مِنْ فَوْق وَتَشْرَب شُرْبًا كَثِيرًا , وَتَقْطَع بِذَلِكَ الشُّرْب فَلَوَات فَلَا تَحْتَاج إِلَى مَاء آخَر . قَالَ : وَمِنْهُ الْمُنَاوَشَة فِي الْقِتَال ; وَذَلِكَ إِذَا تَدَانَى الْفَرِيقَانِ . وَرَجُل نَوُوش أَيْ ذُو بَطْش . وَالتَّنَاوُش . التَّنَاوُل : وَالِانْتِيَاش مِثْله . قَالَ الرَّاجِز : كَانَتْ تَنُوش الْعَنَق اِنْتِيَاشًا قَوْله تَعَالَى : " وَأَنَّى لَهُمْ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد " يَقُول : أَنَّى لَهُمْ تَنَاوُل الْإِيمَان فِي الْآخِرَة وَقَدْ كَفَرُوا فِي الدُّنْيَا . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَالْكِسَائِيّ وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة : " وَأَنَّى لَهُمْ التَّنَاؤُش " بِالْهَمْزِ . النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَسْتَبْعِد هَذِهِ الْقِرَاءَة ; لِأَنَّ " التَّنَاؤُش " بِالْهَمْزِ الْبُعْد , فَكَيْف يَكُون : وَأَنَّى لَهُمْ الْبُعْد مِنْ مَكَان بَعِيد . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقِرَاءَة جَائِزَة حَسَنَة , وَلَهَا وَجْهَانِ فِي كَلَام الْعَرَب , وَلَا يُتَأَوَّل بِهَا هَذَا الْمُتَأَوَّل الْبَعِيد . فَأَحَد الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُون الْأَصْل غَيْر مَهْمُوز , ثُمَّ هُمِزَتْ الْوَاو لِأَنَّ الْحَرَكَة فِيهَا خَفِيَّة , وَذَلِكَ كَثِير فِي كَلَام الْعَرَب . وَفِي الْمُصْحَف الَّذِي نَقَلَتْهُ الْجَمَاعَة عَنْ الْجَمَاعَة " وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ " [ الْمُرْسَلَات : 11 ] وَالْأَصْل " وُقِّتَتْ " لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْوَقْت . وَيُقَال فِي جَمْع دَار : أَدْؤُر . وَالْوَجْه الْآخَر ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاق قَالَ : يَكُون مُشْتَقًّا مِنْ النَّئِيش وَهُوَ الْحَرَكَة فِي إِبْطَاء ; أَيْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ الْحَرَكَة فِيمَا قَدْ بَعُدَ , يُقَال : نَأَشْت الشَّيْء أَخَذْته مِنْ بُعْد والنَّئِيش : الشَّيْء الْبَطِيء . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : التَّنَاؤُش ( بِالْهَمْزِ ) التَّأَخُّر وَالتَّبَاعُد . وَقَدْ نَأَشْت الْأَمْر أَنْأَشهُ نَأْشًا أَخَّرْته ; فَانْتَأَشَ . وَيُقَال : فَعَلَهُ نَئِيشًا أَيْ أَخِيرًا . قَالَ الشَّاعِر : تَمَنَّى نَئِيشًا أَنْ يَكُون أَطَاعَنِي وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْد الْأُمُور أُمُورُ وَقَالَ آخَر : قَعَدْت زَمَانًا عَنْ طِلَابك لِلْعُلَا وَجِئْت نَئِيشًا بَعْدَمَا فَاتَك الْخَبَرُ وَقَالَ الْفَرَّاء : الْهَمْز وَتَرْك الْهَمْز فِي التَّنَاؤُش مُتَقَارِب ; مِثْل : ذِمْت الرَّجُل وَذَأَمْته أَيْ عِبْته . " مِنْ مَكَان بَعِيد " أَيْ مِنْ الْآخِرَة . وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : " وَأَنَّى لَهُمْ " قَالَ : الرَّدّ , سَأَلُوهُ وَلَيْسَ بِحِينِ رَدّ .
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍسورة سبأ الآية رقم 53
أَيْ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِيلَ : بِمُحَمَّدٍ

يَعْنِي فِي الدُّنْيَا .

الْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَحُقّهُ : هُوَ يَقْذِف وَيَرْجُم بِالْغَيْبِ . " مِنْ مَكَان بَعِيد " عَلَى جِهَة التَّمْثِيل لِمَنْ يَرْجُم وَلَا يُصِيب , أَيْ يَرْمُونَ بِالظَّنِّ فَيَقُولُونَ : لَا بَعْث وَلَا نُشُور وَلَا جَنَّة وَلَا نَار , رَجْمًا مِنْهُمْ بِالظَّنِّ ; قَالَ قَتَادَة . وَقِيلَ : " يَقْذِفُونَ " أَيْ يَرْمُونَ فِي الْقُرْآن فَيَقُولُونَ : سِحْر وَشِعْر وَأَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَقِيلَ : فِي مُحَمَّد ; فَيَقُولُونَ سَاحِر شَاعِر كَاهِن مَجْنُون . " مِنْ مَكَان بَعِيد " أَيْ أَنَّ اللَّه بَعَّدَ لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوا صِدْق مُحَمَّد . وَقِيلَ : أَرَادَ الْبُعْد عَنْ الْقَلْب , أَيْ مِنْ مَكَان بَعِيد عَنْ قُلُوبهمْ . وَقَرَأَ مُجَاهِد " وَيُقْذَفُونَ بِالْغَيْبِ " غَيْر مُسَمَّى الْفَاعِل , أَيْ يُرْمَوْنَ بِهِ . وَقِيلَ : يَقْذِف بِهِ إِلَيْهِمْ مَنْ يُغْوِيهِمْ وَيُضِلّهُمْ
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍسورة سبأ الآية رقم 54
قِيلَ : حِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن النَّجَاة مِنْ الْعَذَاب . وَقِيلَ : حِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالهمْ وَأَهْلِيهِمْ . وَمَذْهَب قَتَادَة أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَهُونَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب أَنْ يُقْبَل مِنْهُمْ أَنْ يُطِيعُوا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَيَنْتَهُوا إِلَى مَا يَأْمُرهُمْ بِهِ اللَّه فَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن ذَلِكَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ زَالَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت . وَالْأَصْل " حُوِلَ " فَقُلِبَتْ حَرَكَة الْوَاو عَلَى الْحَاء فَانْقَلَبَتْ يَاء ثُمَّ حُذِفَتْ حَرَكَتهَا لِثِقَلِهَا .

الْأَشْيَاع جَمْع شَيْع , وَشِيَع جَمْع شِيعَة .

أَيْ بِمَنْ مَضَى مِنْ الْقُرُون السَّالِفَة الْكَافِرَة .

أَيْ مِنْ أَمْر الرُّسُل وَالْبَعْث وَالْجَنَّة وَالنَّار . قِيلَ : فِي الدِّين وَالتَّوْحِيد , وَالْمَعْنَى وَاحِد .

أَيْ يُسْتَرَاب بِهِ , يُقَال : أَرَابَ الرَّجُل أَيْ صَارَ ذَا رِيبَة , فَهُوَ مُرِيب . وَمَنْ قَالَ هُوَ مِنْ الرَّيْب الَّذِي هُوَ الشَّكّ وَالتُّهْمَة قَالَ : يُقَال شَكّ مُرِيب ; كَمَا يُقَال : عَجَب عَجِيب وَشِعْر شَاعِر فِي التَّأْكِيد . خُتِمَتْ السُّورَة , وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ العالمين
الصفحة 1الصفحة 2