الصفحة 1الصفحة 2
مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَسورة الدخان الآية رقم 31
وَقَوْله : { مِنْ فِرْعَوْن إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيل مِنَ الْعَذَاب مِنْ فِرْعَوْن , فَقَوْله : { مِنْ فِرْعَوْن } مُكَرَّرَة عَلَى قَوْله : { مِنَ الْعَذَاب الْمُهِين } مُبْدَلَة مِنَ الْأُولَى , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ } إِنَّهُ كَانَ جَبَّارًا مُسْتَعْلِيًا مُسْتَكْبِرًا عَلَى رَبّه , { مِنَ الْمُسْرِفِينَ } يَعْنِي : مِنْ الْمُتَجَاوِزِينَ مَا لَيْسَ لَهُمْ تَجَاوُزه . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ كَانَ ذَا اعْتِدَاء فِي كُفْره , وَاسْتِكْبَار عَلَى رَبّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ .
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَسورة الدخان الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدِ اخْتَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى عِلْم مِنَّا بِهِمْ عَلَى عَالِمِي أَهْل زَمَانهمْ يَوْمئِذٍ , وَذَلِكَ زَمَان مُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24083 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } : أَيْ اخْتِيرُوا عَلَى أَهْل زَمَانهمْ ذَلِكَ , وَلِكُلِّ زَمَان عَالَم. * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَالَم ذَلِكَ الزَّمَان . 24084 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } قَالَ : عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ .
وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاء مُّبِينٌسورة الدخان الآية رقم 33
قَوْله : { وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَات مَا فِيهِ بَلَاء مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ الْعِبَر وَالْعِظَات مَا فِيهِ اخْتِبَار يُبَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُ اخْتِبَار اخْتَبَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ الْبَلَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : ابْتَلَاهُمْ بِنِعَمِهِ عِنْدهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24085 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَات مَا فِيهِ بَلَاء مُبِين } أَنْجَاهُمْ اللَّه مِنْ عَدُوّهُمْ , ثُمَّ أَقْطَعهُمُ الْبَحْر , وَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ابْتَلَاهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24086 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَات مَا فِيهِ بَلَاء مُبِين } , وَقَرَأَ { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } 21 35 وَقَالَ : بَلَاء مُبِين لِمَنْ آمَنَ بِهَا وَكَفَرَ بِهَا , بَلْوَى نَبْتَلِيهِمْ بِهَا , نُمَحِّصهُمْ بَلْوَى اخْتِبَار , نَخْتَبِرهُمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ , نَخْتَبِرهُمْ لِنَنْظُر فِيمَا أَتَاهُمْ مِنْ الْآيَات مَنْ يُؤْمِن بِهَا , وَيَنْتَفِع بِهَا وَيُضَيِّعهَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَى بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْآيَات مَا فِيهِ ابْتِلَاؤُهُمْ وَاخْتِبَارهمْ , وَقَدْ يَكُون الِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار بِالرَّخَاءِ , وَيَكُون بِالشِّدَّةِ , وَلَمْ يَضَع لَنَا دَلِيلًا مِنْ خَبَر وَلَا عَقْل , أَنَّهُ عَنَى بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض , وَقَدْ كَانَ اللَّه اخْتَبَرَهُمْ بِالْمَعْنَيَيْنِ كِلَيْهِمَا جَمِيعًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون عَنَى اخْتِبَاره إِيَّاهُمْ بِهِمَا , فَإِذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِيهِ أَنْ نَقُول كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّهُ اخْتَبَرَهُمْ .
إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَسورة الدخان الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل مُشْرِكِي قُرَيْش لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد { لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتنَا الْأُولَى } الَّتِي نَمُوتهَا , وَهِيَ الْمَوْتَة الْأُولَى { وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } بَعْد مَمَاتنَا , وَلَا بِمَبْعُوثِينَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24087 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } قَالَ : قَدْ قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَب { وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } أَيْ : بِمَبْعُوثِينَ.
إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَسورة الدخان الآية رقم 35
يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل مُشْرِكِي قُرَيْش لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد { لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتنَا الْأُولَى } الَّتِي نَمُوتهَا , وَهِيَ الْمَوْتَة الْأُولَى { وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } بَعْد مَمَاتنَا , وَلَا بِمَبْعُوثِينَ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24087 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } قَالَ : قَدْ قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَب { وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } أَيْ : بِمَبْعُوثِينَ.
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة الدخان الآية رقم 36
وَقَوْله : { فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأْتُوا بِآبَائِنَا الَّذِينَ قَدْ مَاتُوا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , أَنَّ اللَّه بَاعِثنَا مِنْ بَعْد بِلَانَا فِي قُبُورنَا , وَمُحْيِينَا مِنْ بَعْد مَمَاتنَا , وَخُوطِبَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَحْده خِطَاب الْجَمِيع , كَمَا قِيلَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء } 65 1 وَكَمَا قَالَ { رَبّ ارْجِعُونِ } 23 99 وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا .
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَسورة الدخان الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَهُمْ خَيْر أَمْ قَوْم تُبَّع } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد مِنْ قَوْمك خَيْر , أَمْ قَوْم تُبَّع , يَعْنِي تُبَّعًا الْحِمْيَرِيّ . كَمَا : 24088 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَهُمْ خَيْر أَمْ قَوْم تُبَّع } قَالَ : الْحِمْيَرِيّ . 24089 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَهُمْ خَيْر أَمْ قَوْم تُبَّع } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ تُبَّعًا كَانَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَر , سَارَ بِالْجُيُوشِ حَتَّى حَيَّرَ الْحِيرَة , ثُمَّ أَتَى سَمَرْقَنْد فَهَدَمَهَا , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ كَتَبَ بِاسْمِ الَّذِي تَسَمَّى وَمَلَكَ بَرًّا وَبَحْرًا وَصَحَّا وَرِيحًا . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُول : نُعِتَ نَعْت الرَّجُل الصَّالِح ذَمَّ اللَّه قَوْمه وَلَمْ يَذُمّهُ , وَكَانَتْ عَائِشَة تَقُول : لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا , فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا. * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : كَانَ تُبَّع رَجُلًا صَالِحًا , وَقَالَ كَعْب : ذَمَّ قَوْمه وَلَمْ يَذُمّهُ . 24090 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ تَمِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّ تُبَّعًا كَسَا الْبَيْت , وَنَهَى سَعِيد عَنْ سَبّه .

وَقَوْله { وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش خَيْر أَمْ قَوْم تُبَّع وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم الْكَافِرَة بِرَبِّهَا , يَقُول : فَلَيْسَ هَؤُلَاءِ بِخَيْرٍ مِنْ أُولَئِكَ , فَنَصْفَح عَنْهُمْ , وَلَا نُهْلِكهُمْ , وَهُمْ بِاللَّهِ كَافِرُونَ , كَمَا كَانَ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنْ الْأُمَم مِنْ قَبْلهمْ كُفَّارًا .

وَقَوْله : { إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } يَقُول : إِنَّ قَوْم تُبَّع وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّمَا أَهْلَكْنَاهُمْ لِإِجْرَامِهِمْ , وَكُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , وَقِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ , فَكُسِرَتْ أَلِف " إِنَّ " عَلَى وَجْه الِابْتِدَاء , وَفِيهَا مَعْنَى الشَّرْط اسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهَا .
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَسورة الدخان الآية رقم 38
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا لَاعِبِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَات } السَّبْع وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْخَلْق لَعِبًا .
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَسورة الدخان الآية رقم 39
وَقَوْله : { مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ } يَقُول : مَا خَلَقْنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا يَصْلُح التَّدْبِير إِلَّا بِهِ , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره التَّنْبِيه عَلَى صِحَّة الْبَعْث وَالْمُجَازَاة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ نَخْلُق الْخَلْق عَبَثًا بِأَنْ نُحَدِّثهُمْ فَنُحْيِيهِمْ مَا أَرَدْنَا , ثُمَّ نُفْنِيهِمْ مِنْ غَيْر الِامْتِحَان بِالطَّاعَةِ وَالْأَمْر وَالنَّهْي , وَغَيْر مُجَازَاة الْمُطِيع عَلَى طَاعَته , وَالْعَاصِي عَلَى الْمَعْصِيَة , وَلَكِنْ خَلَقْنَا ذَلِكَ لِنَبْتَلِيَ مَنْ أَرَدْنَا امْتِحَانه مَنْ خَلَقْنَا بِمَا شِئْنَا مِنْ امْتِحَانه مِنْ الْأَمْر وَالنَّهْي { لِنَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَنَجْزِي الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } 53 31

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه خَلَقَ ذَلِكَ لَهُمْ , فَهُمْ لَا يَخَافُونَ عَلَى مَا يَأْتُونَ مِنْ سَخَط اللَّه عُقُوبَة , وَلَا يَرْجُونَ عَلَى خَيْر إِنْ فَعَلُوهُ ثَوَابًا لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْمُعَادِ.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَسورة الدخان الآية رقم 40
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ يَوْم الْفَصْل مِيقَاتهمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ يَوْم فَصْل اللَّه الْقَضَاء بَيْن خَلْقه بِمَا أَسْلَفُوا فِي دُنْيَاهُمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ يَجْزِي بِهِ الْمُحْسِن بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء بِالْإِسَاءَةِ { مِيقَاتهمْ أَجْمَعِينَ } : يَقُول : مِيقَات اجْتِمَاعهمْ أَجْمَعِينَ . كَمَا : 24091 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ يَوْم الْفَصْل مِيقَاتهمْ أَجْمَعِينَ } يَوْم يَفْصِل فِيهِ بَيْن النَّاس بِأَعْمَالِهِمْ.
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَسورة الدخان الآية رقم 41
وَقَوْله : { يَوْم لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا } يَقُول : لَا يَدْفَع ابْن عَمّ عَنِ ابْن عَمّ , وَلَا صَاحِب عَنْ صَاحِبه شَيْئًا مِنْ عُقُوبَة اللَّه الَّتِي حَلَّتْ بِهِمْ مِنَ اللَّه { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } يَقُول : وَلَا يَنْصُر بَعْضهمْ بَعْضًا , فَيَسْتَعِيذُوا مِمَّنْ نَالَهُمْ بِعُقُوبَةٍ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الدُّنْيَا . كَمَا : 24092 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَوْم لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا } . .. الْآيَة , انْقَطَعَتِ الْأَسْبَاب يَوْمئِذٍ يَا ابْن آدَم , وَصَارَ النَّاس إِلَى أَعْمَالهمْ , فَمَنْ أَصَابَ يَوْمئِذٍ خَيْرًا سَعِدَ بِهِ آخِر مَا عَلَيْهِ , وَمَنْ أَصَابَ يَوْمئِذٍ شَرًّا شَقِيَ بِهِ آخِر مَا عَلَيْهِ .
إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُسورة الدخان الآية رقم 42
وَقَوْله { إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه } اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع " مَنْ " فِي قَوْله : { إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه , فَجَعَلَهُ بَدَلًا مِنْ الِاسْم الْمُضْمَر فِي يُنْصَرُونَ , وَإِنْ شِئْت جَعَلْته مُبْتَدَأ وَأَضْمَرْت خَبَره , يُرِيد بِهِ : إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه فَيُغْنِي عَنْهُ. وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة قَوْله : { إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ يَشْفَع بَعْضهمْ فِي بَعْض , فَإِنْ شِئْت فَاجْعَلْ " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع , كَأَنَّك قُلْت : لَا يَقُوم أَحَد إِلَّا فُلَان , وَإِنْ شِئْت جَعَلْته نَصْبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاء وَالِانْقِطَاع عَنْ أَوَّل الْكَلَام , يُرِيد : اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : مَعْنَاهُ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا , إِلَّا مَنْ أَذِنَ اللَّه لَهُ أَنْ يَشْفَع ; مَال : لَا يَكُون بَدَلًا مِمَّا فِي يُنْصَرُونَ ; لِأَنَّ إِلَّا مُحَقِّق , وَالْأَوَّل مَنْفِيّ , وَالْبَدَل لَا يَكُون إِلَّا بِمَعْنَى الْأَوَّل. قَالَ : وَكَذَلِكَ لَا يَجُوز أَنْ يَكُون مُسْتَأْنَفًا ; لِأَنَّهُ لَا يُسْتَأْنَف بِالِاسْتِثْنَاءِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى : يَوْم لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه مِنْهُمْ , فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ بِأَنْ يَشْفَع لَهُ عِنْد رَبّه .

وَقَوْله : { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَاصِفًا نَفْسه : إِنَّ اللَّه هُوَ الْعَزِيز فِي انْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ , الرَّحِيم بِأَوْلِيَائِهِ , وَأَهْل طَاعَته .
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِسورة الدخان الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم } الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهَا تَنْبُت فِي أَصْل الْجَحِيم , الَّتِي جَعَلَهَا طَعَامًا لِأَهْلِ الْجَحِيم , ثَمَرهَا فِي الْجَحِيم طَعَام الْآثِم فِي الدُّنْيَا بِرَبِّهِ , وَالْأَثِيم : ذُو الْإِثْم , وَالْإِثْم مِنْ أَثِمَ يَأْثَم فَهُوَ أَثِيم . وَعَنَى بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الَّذِي إِثْمه الْكُفْر بِرَبِّهِ دُون غَيْره مِنْ الْآثَام , وَقَدْ : 24093 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ هَمَّام بْن الْحَارِث , أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاء كَانَ يُقْرِئ رَجُلًا { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } فَقَالَ : طَعَام الْيَتِيم , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : قُلْ إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْفَاجِر . 24094 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : " لَوْ أَنَّ قَطْرَة مِنْ زَقُّوم جَهَنَّم أُنْزِلَتْ إِلَى الدُّنْيَا , لَأَفْسَدَتْ عَلَى النَّاس مَعَايِشهمْ " . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ هَمَّام , قَالَ : كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يُقْرِئ رَجُلًا { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } قَالَ : فَجَعَلَ الرَّجُل يَقُول : إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْيَتِيم ; قَالَ : فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَبُو الدَّرْدَاء , فَرَآهُ لَا يَفْهَم , قَالَ : إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْفَاجِر . 24095 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } قَالَ : أَبُو جَهْل .
طَعَامُ الأَثِيمِسورة الدخان الآية رقم 44
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم } الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهَا تَنْبُت فِي أَصْل الْجَحِيم , الَّتِي جَعَلَهَا طَعَامًا لِأَهْلِ الْجَحِيم , ثَمَرهَا فِي الْجَحِيم طَعَام الْآثِم فِي الدُّنْيَا بِرَبِّهِ , وَالْأَثِيم : ذُو الْإِثْم , وَالْإِثْم مِنْ أَثِمَ يَأْثَم فَهُوَ أَثِيم . وَعَنَى بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الَّذِي إِثْمه الْكُفْر بِرَبِّهِ دُون غَيْره مِنْ الْآثَام , وَقَدْ : 24093 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش . عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ هَمَّام بْن الْحَارِث , أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاء كَانَ يُقْرِئ رَجُلًا { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } فَقَالَ : طَعَام الْيَتِيم , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : قُلْ إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْفَاجِر . 24094 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس قَالَ : " لَوْ أَنَّ قَطْرَة مِنْ زَقُّوم جَهَنَّم أُنْزِلَتْ إِلَى الدُّنْيَا , لَأَفْسَدَتْ عَلَى النَّاس مَعَايِشهمْ " . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ هَمَّام , قَالَ : كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يُقْرِئ رَجُلًا { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } قَالَ : فَجَعَلَ الرَّجُل يَقُول : إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْيَتِيم ; قَالَ : فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَبُو الدَّرْدَاء , فَرَآهُ لَا يَفْهَم , قَالَ : إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْفَاجِر . 24095 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } قَالَ : أَبُو جَهْل .
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِسورة الدخان الآية رقم 45
وَقَوْله : { كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُون } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم الَّتِي جَعَلَ ثَمَرَتهَا طَعَام الْكَافِر فِي جَهَنَّم , كَالرَّصَاصِ أَوْ الْفِضَّة , أَوْ مَا يُذَاب فِي النَّار إِذَا أُذِيبَ بِهَا , فَتَنَاهَتْ حَرَارَته , وَشُدَّتْ حَمِيَّته فِي شِدَّة السَّوَاد . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمُهْل فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنَ الشَّوَاهِد , وَذِكْر اخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ , غَيْر أَنَّا نَذْكُر مِنْ أَقْوَال أَهْل الْعِلْم فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا لَمْ نَذْكُرهُ هُنَاكَ : 24096 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس , عَنْ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كَالْمُهْلِ } قَالَ : كَدُرْدِيِّ الزَّيْت . * -حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُون } يَقُول : أَسْوَد كَمُهْلِ الزَّيْت . 3 * -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالُوا : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت مُطَرِّفًا , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { كَالْمُهْلِ } مَاء غَلِيظ كَدُرْدِيِّ الزَّيْت . * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ رَجُل , عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { كَالْمُهْلِ } قَالَ : كَدُرْدِيِّ الزَّيْت . 24097 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا خُلَيْد , عَنِ الْحَسَن , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ رَأَى فِضَّة قَدْ أُذِيبَتْ , فَقَالَ : هَذَا الْمُهْل. 24098 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوه } 18 29 قَالَ : دَخَلَ عَبْد اللَّه بَيْت الْمَال , فَأَخْرَجَ بَقَايَا كَانَتْ فِيهِ , فَأَوْقَدَ عَلَيْهَا النَّار حَتَّى تَلَأْلَأَتْ , قَالَ : أَيْنَ السَّائِل عَنِ الْمُهْل , هَذَا الْمُهْل . 24099 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , عَنْ عَوْف , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ ابْن مَسْعُود سُئِلَ عَنْ الْمُهْل الَّذِي يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة شَرَاب أَهْل النَّار , وَهُوَ عَلَى بَيْت الْمَال , قَالَ : فَدَعَا بِذَهَبٍ وَفِضَّة فَأَذَابَهُمَا , فَقَالَ : هَذَا أَشْبَه شَيْء فِي الدُّنْيَا بِالْمُهْلِ الَّذِي هُوَ لَوْن السَّمَاء يَوْم الْقِيَامَة , وَشَرَاب أَهْل النَّار , غَيْر أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَشَدّ حَرًّا مِنْ هَذَا . لَفْظ الْحَدِيث لِابْنِ بَشَّار وَحَدِيث ابْن الْمُثَنَّى نَحْوه . * -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنِ الْحَسَن , قَالَ : كَانَ مِنْ كَلَامه أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَجُل أَكْرَمَهُ اللَّه بِصُحْبَةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى بَيْت الْمَال , قَالَ : فَعَمَدَ إِلَى فِضَّة كَثِيرَة مُكَسَّرَة , فَخَدَّ لَهَا أُخْدُودًا , ثُمَّ أَمَرَ بِحَطَبٍ جَزْل فَأَوْقَدَ عَلَيْهَا , حَتَّى إِذَا أَمَاعَتْ وَتَزَبَّدَتْ وَعَادَتْ أَلْوَانًا , قَالَ : انْظُرُوا مَنْ بِالْبَابِ , فَأُدْخِلَ الْقَوْم فَقَالَ لَهُمْ : هَذَا أَشْبَه مَا رَأَيْنَا فِي الدُّنْيَا بِالْمُهْلِ. 24100 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم } . .. الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْن مَسْعُود أُهْدِيَتْ لَهُ سِقَايَة مِنْ ذَهَب وَفِضَّة , فَأَمَرَ بِأُخْدُودٍ فَخُدَّتْ فِي الْأَرْض , ثُمَّ قَذَفَ فِيهَا مِنْ جَزْل الْحَطَب , ثُمَّ قُذِفَتْ فِيهَا تِلْكَ السِّقَايَة , حَتَّى إِذَا أَزْبَدَتْ وَانْمَاعَتْ قَالَ لِغُلَامِهِ : ادْعُ مَنْ بِحَضْرَتِنَا مِنْ أَهْل الْكُوفَة , فَدَعَا رَهْطًا , فَلَمَّا دَخَلُوا قَالَ : أَتَرَوْنَ هَذَا ؟ قَالُوا نَعَمْ , قَالَ : مَا رَأَيْنَا فِي الدُّنْيَا شَبِيهًا لِلْمُهْل أَدْنَى مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة حِين أَزَبَد وَانْمَاعَ . 24101 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سُفْيَان الْأَسَدِيّ , قَالَ : أَذَابَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِضَّة , ثُمَّ قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُر إِلَى الْمُهْل فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { يَوْم تَكُون السَّمَاء كَالْمُهْلِ } 70 8 قَالَ : كَدُرْدِيِّ الزَّيْت. 24102 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { كَالْمُهْلِ } قَالَ : كَدُرْدِيِّ الزَّيْت . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْمَر بْن بِشْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : ثنا أَبُو الصَّبَّاح , قَالَ : سَمِعْت يَزِيد بْن أَبِي سُمَيَّة يَقُول : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول : هَلْ تَدْرُونَ مَا الْمُهْل ؟ الْمُهْل مُهْل الزَّيْت , يَعْنِي آخِره . * - قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم أَبُو إِسْحَاق الطَّالْقَانِيّ , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الصَّبَّاح الْأَيْلِيّ , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي سُمَيَّة , عَنِ ابْن عُمَر بِمِثْلِهِ . 24103 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا رِشْدِينَ بْن سَعْد , عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ دَرَّاج أَبِي السَّمْح , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ } 18 29 " كَعَكِرِ الزَّيْت , فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَى وَجْهه , سَقَطَتْ فَرْوَة وَجْهه فِيهِ " . * - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْمَر بْن بِشْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا رِشْدِينَ بْن سَعْد , قَالَ : ثني عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي السَّمْح , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . وَقَوْله : { فِي الْبُطُون } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة " تَغْلِي " بِالتَّاءِ , بِمَعْنَى أَنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم تَغْلِي فِي بُطُونهمْ , فَأَنَّثُوا تَغْلِي لِتَأْنِيثِ الشَّجَرَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة { يَغْلِي } بِمَعْنَى : طَعَام الْأَثِيم يَغْلِي , أَوْ الْمَهْل يَغْلِي , فَذَكَرَهُ بَعْضهمْ لِتَذْكِيرِ الطَّعَام , وَوَجَّهَ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّ الطَّعَام هُوَ الَّذِي يَغْلِي فِي بُطُونهمْ وَبَعْضهمْ لِتَذْكِيرِ الْمَهْل , وَوَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ صِفَة لِلْمُهْلِ الَّذِي يَغْلِي . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
كَغَلْيِ الْحَمِيمِسورة الدخان الآية رقم 46
{ كَغَلْيِ الْحَمِيم } يَقُول : يَغْلِي ذَلِكَ فِي بُطُون هَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء كَغَلْيِ الْمَاء الْمَحْمُوم , وَهُوَ الْمُسَخَّن الَّذِي قَدْ أُوقِدَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنَاهَتْ شِدَّة حَرّه , وَقِيلَ : حَمِيم وَهُوَ مَحْمُوم ; لِأَنَّهُ مَصْرُوف مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , كَمَا يُقَال : قَتِيل مِنْ مَقْتُول .
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِسورة الدخان الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { خُذُوهُ } يَعْنِي هَذَا الْأَثِيم بِرَبِّهِ , الَّذِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ لَهُ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام { فَاعْتِلُوهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَادْفَعُوهُ وَسُوقُوهُ , يُقَال مِنْهُ : عَتَلَهُ يَعْتِلهُ عَتْلًا : إِذَا سَاقَهُ بِالدَّفْعِ وَالْجَذْب ; وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : لَيْسَ الْكِرَام بِنَاحِلَيْك أَبَاهُمْ حَتَّى تُرَدّ إِلَى عَطِيَّة تُعْتِل أَيْ تُسَاق دَفْعًا وَسَحْبًا. وَقَوْله : { إِلَى سَوَاء الْجَحِيم } : إِلَى وَسَط الْجَحِيم , وَمَعْنَى الْكَلَام : يُقَال يَوْم الْقِيَامَة : خُذُوا هَذَا الْأَثِيم فَسُوقُوهُ دَفْعًا فِي ظَهْره , وَسَحْبًا إِلَى وَسَط النَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { فَاعْتِلُوهُ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24104 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيم } قَالَ : خُذُوهُ فَادْفَعُوهُ . وَفِي قَوْله : { فَاعْتِلُوهُ } لُغَتَانِ : كَسْر التَّاء , وَهِيَ قِرَاءَة بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل مَكَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي الْعَرَب , يُقَال مِنْهُ : عَتَل يَعْتِل وَيَعْتُل , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . 24105 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِلَى سَوَاء الْجَحِيم } : إِلَى وَسَط النَّار .
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِسورة الدخان الآية رقم 48
وَقَوْله : { ثُمَّ صُبُّوا فَوْق رَأْسه مِنْ عَذَاب الْحَمِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ صُبُّوا عَلَى رَأْس هَذَا الْأَثِيم مِنْ عَذَاب الْحَمِيم , يَعْنِي : مِنَ الْمَاء الْمُسَخَّن الَّذِي وَصَفْنَا صِفَته , وَهُوَ الْمَاء الَّذِي قَالَ اللَّه { يُصْهَر بِهِ مَا فِي بُطُونهمْ وَالْجُلُود } 22 20 وَقَدْ بَيَّنْت صِفَته هُنَالِكَ .
ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُسورة الدخان الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُقَال لِهَذَا الْأَثِيم الشَّقِيّ : ذُقْ هَذَا الْعَذَاب الَّذِي تُعَذَّب بِهِ الْيَوْم { إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز } فِي قَوْمك { الْكَرِيم } عَلَيْهِمْ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَات نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل بْن هِشَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24106 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { ثُمَّ صُبُّوا فَوْق رَأْسه مِنْ عَذَاب الْحَمِيم } نَزَلَتْ فِي عَدُوّ اللَّه أَبِي جَهْل لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخَذَهُ فَهَزَّهُ , ثُمَّ قَالَ : أَوْلَى لَك يَا أَبَا جَهْل فَأَوْلَى , ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى , ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : أَيُوعِدُنِي مُحَمَّد , وَاللَّه لَأَنَا أَعَزّ مَنْ مَشَى بَيْن جَبَلَيْهَا , وَفِيهِ نَزَلَتْ { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } 76 24 وَفِيهِ نَزَلَتْ { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } 96 19 وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَتَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْم بَدْر { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَة اللَّه كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمهمْ دَار الْبَوَار } 14 28 وَالْبَوَار : الْهَلَاك ] . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } قَالَ قَتَادَة , قَالَ أَبُو جَهْل : مَا بَيْن جَبَلَيْهَا رَجُل أَعَزّ وَلَا أَكْرَم مِنِّي , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم } . 24107 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيم } قَالَ : هَذَا لِأَبِي جَهْل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ وَهُوَ يُهَان بِالْعَذَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه , وَيُذَلّ بِالْعَتْلِ إِلَى سَوَاء الْجَحِيم : إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم ؟ قِيلَ : إِنَّ قَوْله : { إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم } غَيْر وَصْف مِنْ قَائِل ذَلِكَ لَهُ بِالْعِزَّةِ وَالْكَرَم , وَلَكِنَّهُ تَقْرِيع مِنْهُ لَهُ بِمَا كَانَ يَصِف بِهِ نَفْسه فِي الدُّنْيَا , وَتَوْبِيخ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْه الْحِكَايَة ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي الدُّنْيَا يَقُول : إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم , فَقِيلَ لَهُ فِي الْآخِرَة , إِذْ عُذِّبَ بِمَا عُذِّبَ بِهِ فِي النَّار : ذُقْ هَذَا الْهَوَان الْيَوْم , فَإِنَّك كُنْت تَزْعُم إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم , وَإِنَّك أَنْتَ الذَّلِيل الْمَهِين , فَأَيْنَ الَّذِي كُنْت تَقُول وَتَدَّعِي مِنَ الْعِزّ وَالْكَرَم , هَلَّا تَمْتَنِع مِنَ الْعَذَاب بِعِزَّتِك . 24108 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا صَفْوَان بْن عِيسَى ; قَالَ ثنا ابْن عَجْلَان عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ كَعْب : لِلَّهِ ثَلَاثَة أَثْوَاب : اتَّزِرْ بِالْعِزِّ , وَتَسَرْبَلَ الرَّحْمَة , وَارْتَدَى الْكِبْرِيَاء تَعَالَى ذِكْره , فَمَنْ تَعَزَّزَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّهُ اللَّه فَذَاكَ الَّذِي يُقَال : ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم , وَمَنْ رَحِمَ النَّاس فَذَاكَ الَّذِي سَرْبَلَ اللَّه سِرْبَاله الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ فَذَاكَ الَّذِي نَازَعَ اللَّه رِدَاءَهُ إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَقُول : " لَا يَنْبَغِي لِمَنْ نَازَعَنِي رِدَائِي أَنْ أُدْخِلهُ الْجَنَّة " جَلَّ وَعَزَّ . وَأَجْمَعَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار جَمِيعًا عَلَى كَسْر الْأَلِف مِنْ قَوْله : { ذُقْ إِنَّك } عَلَى وَجْه الِابْتِدَاء , وَحِكَايَة قَوْل هَذَا الْقَائِل : إِنِّي أَنَا الْعَزِيز الْكَرِيم , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ " ذُقْ أَنَّك " بِفَتْحِ الْأَلِف عَلَى إِعْمَال قَوْله : { ذُقْ } فِي قَوْله : { إِنَّك } كَأَنَّك مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : ذُقْ هَذَا الْقَوْل الَّذِي قُلْته فِي الدُّنْيَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا كَسْر الْأَلِف مِنْ { إِنَّك } عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت لِقَارِئِهِ ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَشُذُوذ مَا خَالَفَهُ , وَكَفَى دَلِيلًا عَلَى خَطَأ قِرَاءَة خِلَافهَا , مَا مَضَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ , مَعَ بَعْدهَا مِنْ الصِّحَّة فِي الْمَعْنَى وَفِرَاقهَا تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل .
إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَسورة الدخان الآية رقم 50
وَقَوْله : { إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُقَال لَهُ : إِنَّ هَذَا الْعَذَاب الَّذِي تُعَذَّب بِهِ الْيَوْم , هُوَ الْعَذَاب الَّذِي كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَشُكُّونَ , فَتَخْتَصِمُونَ فِيهِ , وَلَا تُوقِنُونَ بِهِ فَقَدْ لَقِيتُمُوهُ , فَذُوقُوهُ .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍسورة الدخان الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَام أَمِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا اللَّه بِأَدَاءِ طَاعَته , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه فِي مَوْضِع إِقَامَة , آمِنِينَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع مِمَّا كَانَ يَخَاف مِنْهُ فِي مَقَامَات الدُّنْيَا مِنْ الْأَوْصَاب وَالْعِلَل وَالْأَنْصَاب وَالْأَحْزَان . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فِي مَقَام أَمِين } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة " فِي مُقَام أَمِين " بِضَمِّ الْمِيم , بِمَعْنَى : فِي إِقَامَة أَمِين مِنْ الظَّعْن , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَة وَالْبَصْرَة { فِي مَقَام } بِفَتْحِ الْمِيم عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا , وَتَوْجِيهًا إِلَى أَنَّهُمْ فِي مَكَان وَمَوْضِع أَمِين , وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24109 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَام أَمِين } إِي وَاللَّه , أَمِين مِنَ الشَّيْطَان وَالْأَنْصَاب وَالْأَحْزَان.
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍسورة الدخان الآية رقم 52
وَقَوْله : { فِي جَنَّات وَعُيُون } الْجَنَّات وَالْعُيُون تَرْجَمَة عَنِ الْمَقَام الْأَمِين , وَالْمَقَام الْأَمِين : هُوَ الْجَنَّات وَالْعُيُون , وَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين , وَالْعُيُون : عُيُون الْمَاء الْمُطَّرِد فِي أُصُول أَشْجَار الْجَنَّات .
يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَسورة الدخان الآية رقم 53
وَقَوْله : { يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُس } يَقُول : يَلْبَس هَؤُلَاءِ الْمُتَّقُونَ فِي هَذِهِ الْجَنَّات مِنْ سُنْدُس , وَهُوَ مَا رَقَّ مِنَ الدِّيبَاج وَإِسْتَبْرَق : وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاج. كَمَا : 24110 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { مِنْ سُنْدُس وَإِسْتَبْرَق } قَالَ : الْإِسْتَبْرَق : الدِّيبَاج الْغَلِيظ . وَقِيلَ : { يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُس وَإِسْتَبْرَق } وَلَمْ يَقُلْ لِبَاسًا , اسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ .

وَقَوْله : { مُتَقَابِلِينَ } يَعْنِي أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّة يُقَابِل بَعْضهمْ بَعْضًا بِالْوُجُوهِ , وَلَا يَنْظُر بَعْضهمْ فِي قَفَا بَعْض , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ فَمَا مَضَى , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته .
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍسورة الدخان الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْكَرَامَة بِإِدْخَالِنَاهُمُ الْجَنَّات , وَإِلْبَاسِنَاهُمْ فِيهَا السُّنْدُس وَالْإِسْتَبْرَق , كَذَلِكَ أَكْرَمْنَاهُمْ بِأَنْ زَوَّجْنَاهُمْ أَيْضًا فِيهَا حُورًا مِنْ النِّسَاء , وَمِنَ النَّقِيَّات الْبَيَاض , وَاحِدَتهنَّ : حَوْرَاء , وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي مَعْنَى الْحُور , مَا : 24111 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِين } قَالَ : أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا. قَالَ : وَالْحُور : اللَّاتِي يَحَار فِيهِنَّ الطَّرَف بَادٍ مُخّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاء ثِيَابهنَّ , وَيَرَى النَّاظِر وَجْهه فِي كَبِد إِحْدَاهُنَّ كَالْمِرْآةِ مِنْ رِقَّة الْجِلْد , وَصَفَاء اللَّوْن . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ الْحُور إِنَّمَا مَعْنَاهَا : أَنَّهُ يَحَار فِيهَا الطَّرَف , قَوْل لَا مَعْنَى لَهُ فِي كَلَام الْعَرَب ; لِأَنَّ الْحُور إِنَّمَا هُوَ جَمْع حَوْرَاء , كَالْحُمْرِ جَمْع حَمْرَاء , وَالسُّود : جَمْع سَوْدَاء , وَالْحَوْرَاء إِنَّمَا هِيَ فَعْلَاء مِنَ الْحَوَر وَهُوَ نَقَاء الْبَيَاض , كَمَا قِيلَ لِلنَّقِيِّ الْبَيَاض مِنْ الطَّعَام الْحَوَارِيّ , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ سَائِر أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24112 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِين } قَالَ : بَيْضَاء عَيْنَاء , قَالَ : وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود " بِعِيسٍ عِين " . * - حَدَّثَنَا بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { بِحُورٍ عِين } قَالَ : بِيض عِين , قَالَ : وَفِي حَرْف ابْن مَسْعُود " بِعِيسٍ عِين " . وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود هَذِهِ , يَعْنِي أَنَّ مَعْنَى الْحُور غَيْر الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مُجَاهِد ; لِأَنَّ الْعِيس عِنْد الْعَرَب جَمْع عَيْسَاء , وَهِيَ الْبَيْضَاء مِنْ الْإِبِل , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : وَمَهْمَه نَازِح تَعْوِي الذِّئَاب بِهِ كَلَّفْت أَعْيَس تَحْت الرَّحْل نَعَّابَا يَعْنِي بِالْأَعْيَسِ : جَمَلًا أَبْيَض . فَأَمَّا الْعِين فَإِنَّهَا جَمْع عَيْنَاء , وَهِيَ الْعَظِيمَة الْعَيْنَيْنِ مِنْ النِّسَاء .
يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَسورة الدخان الآية رقم 55
وَقَوْله : { يَدْعُونَ فِيهَا } . .. الْآيَة , يَقُول : يَدْعُو هَؤُلَاءِ الْمُتَّقُونَ فِي الْجَنَّة بِكُلِّ نَوْع مِنْ فَوَاكِه الْجَنَّة اشْتَهَوْهُ , آمِنِينَ فِيهَا مِنْ انْقِطَاع ذَلِكَ عَنْهُمْ وَنَفَاده وَفَنَائِهِ , وَمِنْ غَائِلَة أَذَاهُ وَمَكْرُوهه , يَقُول : لَيْسَتْ تِلْكَ الْفَاكِهَة هُنَالِكَ كَفَاكِهَةِ الدُّنْيَا الَّتِي نَأْكُلهَا , وَهُمْ يَخَافُونَ مَكْرُوه عَاقِبَتهَا , وَغِبّ أَذَاهَا مَعَ نَفَادهَا مِنْ عِنْدهمْ , وَعَدَمهَا فِي بَعْض الْأَزْمِنَة وَالْأَوْقَات . وَكَانَ قَتَادَة يُوَجِّه تَأْوِيل قَوْله : { آمِنِينَ } إِلَى مَا : 24113 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَة آمِنِينَ } أَمِنُوا مِنْ الْمَوْت وَالْأَوْصَاب وَالشَّيْطَان .
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِسورة الدخان الآية رقم 56
وَقَوْله : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَذُوق هَؤُلَاءِ الْمُتَّقُونَ فِي الْجَنَّة الْمَوْت بَعْد الْمَوْتَة الْأُولَى الَّتِي ذَاقُوهَا فِي الدُّنْيَا . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه " إِلَّا " فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى سِوَى , وَيَقُول : مَعْنَى الْكَلَام : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت سِوَى الْمَوْتَة الْأُولَى , وَيُمَثِّلهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } 4 22 بِمَعْنَى : سِوَى مَا قَدْ فَعَلَ آبَاؤُكُمْ , وَلَيْسَ لِلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي وَجْه مَفْهُوم ; لِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ قَوْل الْقَائِل : لَا أَذُوق الْيَوْم الطَّعَام إِلَّا الطَّعَام الَّذِي ذُقْته قَبْل الْيَوْم أَنَّهُ يُرِيد الْخَبَر عَنْ قَائِله أَنَّ عِنْده طَعَامًا فِي ذَلِكَ الْيَوْم ذَائِقه وَطَاعِمه دُون سَائِر الْأَطْعِمَة غَيْره , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَاهُ وَجَبَ أَنْ يَكُون قَدْ أَثْبَتَ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى } مَوْتَة مِنْ نَوْع الْأُولَى هُمْ ذَائِقُوهَا , وَمَعْلُوم أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ آمَنَ أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة إِذَا هُمْ دَخَلُوهَا مِنَ الْمَوْت , وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَاهُ , وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ تُوضَع " إِلَّا " فِي مَوْضِع " بَعْد " لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا فِي هَذَا الْمَوْضِع وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِل إِذَا قَالَ : لَا أُكَلِّم الْيَوْم رَجُلًا إِلَّا رَجُلًا عِنْد عَمْرو قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسه أَنْ لَا يُكَلِّم ذَلِكَ الْيَوْم رَجُلًا بَعْد كَلَام الرَّجُل الَّذِي عِنْد عَمْرو , وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ : لَا أُكَلِّم الْيَوْم رَجُلًا بَعْد رَجُل عِنْد عَمْرو , قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسه أَنْ لَا يُكَلِّم ذَلِكَ الْيَوْم رَجُلًا إِلَّا رَجُلًا عِنْد عَمْرو , فَبَعْد , وَإِلَّا : مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَمِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ تَضَع الْكَلِمَة مَكَان غَيْرهَا إِذَا تَقَارَبَ مَعْنَيَاهُمَا , وَذَلِكَ كَوَضْعِهِمُ الرَّجَاء مَكَان الْخَوْف لِمَا فِي مَعْنَى الرَّجَاء مِنَ الْخَوْف ; لِأَنَّ الرَّجَاء لَيْسَ بِيَقِينٍ , وَإِنَّمَا هُوَ طَمَع , وَقَدْ يَصْدُق وَيَكْذِب كَمَا الْخَوْف يَصْدُق أَحْيَانًا وَيَكْذِب , فَقَالَ فِي ذَلِكَ أَبُو ذُؤَيْب : إِذَا لَسَعَتْهُ الدَّبْر لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا وَخَالَفَهَا فِي بَيْت نُوب عَوَامِل فَقَالَ : لَمْ يَرْجُ لَسْعهَا , وَمَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ : لَمْ يَخَفْ لَسْعهَا , وَكَوَضْعِهِمْ الظَّنّ مَوْضِع الْعِلْم الَّذِي لَمْ يُدْرَك مِنْ قَبْل الْعِيَان , وَإِنَّمَا أَدْرَكَ اسْتِدْلَالًا أَوْ خَبَرًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَقُلْت لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّج سَرَاتهمْ فِي الْفَارِسِيّ الْمُسَرَّد بِمَعْنَى : أَيْقِنُوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّج وَاعْلَمُوا , فَوَضَعَ الظَّنّ مَوْضِع الْيَقِين , إِذْ لَمْ يَكُنْ الْمَقُول لَهُمْ ذَلِكَ قَدْ عَايَنُوا أَلْفَيْ مُدَجَّج , وَلَا رَأَوْهُمْ , وَإِنَّ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ هَذَا الْمُخْبِر , فَقَالَ لَهُمْ ظُنُّوا الْعِلْم بِمَا لَمْ يُعَايِن مِنْ فِعْل الْقَلْب , فَوَضَعَ أَحَدهمَا مَوْضِع الْآخَر لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا فِي نَظَائِر لِمَا ذَكَرْت يَكْثُر إِحْصَاؤُهَا , كَمَا يَتَقَارَب مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ فِي بَعْض الْمَعَانِي , وَهُمَا مُخْتَلِفَتَا الْمَعْنَى فِي أَشْيَاء أُخَر , فَتَضَع الْعَرَب إِحْدَاهُمَا مَكَان صَاحِبَتهَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَتَقَارَب مَعْنَيَاهُمَا فِيهِ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى } وُضِعَتْ " إِلَّا " فِي مَوْضِع " بَعْد " لِمَا نَصِف مِنْ تَقَارُب مَعْنَى " إِلَّا " , و " بَعْد " فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَكَذَلِكَ { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } 4 22 إِنَّمَا مَعْنَاهُ : بَعْد الَّذِي سَلَفَ مِنْكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَأَمَّا إِذَا وُجِّهَتْ " إِلَّا " فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى مَعْنَى سِوَى , فَإِنَّمَا هُوَ تَرْجَمَة عَنْ الْمَكَان , وَبَيَان عَنْهَا بِمَا هُوَ أَشَدّ الْتِبَاسًا عَلَى مَنْ أَرَادَ عِلْم مَعْنَاهَا مِنْهَا .
فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُسورة الدخان الآية رقم 57
وَقَوْله : { وَوَقَاهُمْ عَذَاب الْجَحِيم فَضْلًا مِنْ رَبّك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَوَقَى هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ رَبّهمْ يَوْمئِذٍ عَذَاب النَّار . تَفَضُّلًا يَا مُحَمَّد مِنْ رَبّك عَلَيْهِمْ , وَإِحْسَانًا مِنْهُ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ , وَلَمْ يُعَاقِبهُمْ بِجُرْمٍ سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَلَوْلَا تَفَضُّله عَلَيْهِمْ بِصَفْحِهِ لَهُمْ عَنِ الْعُقُوبَة لَهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ , لَمْ يَقِهِمْ عَذَاب الْجَحِيم , وَلَكِنْ كَانَ يَنَالهُمْ وَيُصِيبهُمْ أَلَمه وَمَكْرُوهه .


وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي الْآخِرَة مِنَ الْكَرَامَة الَّتِي وَصَفْت فِي هَذِهِ الْآيَات , هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم : يَقُول : هُوَ الظَّفَر الْعَظِيم بِمَا كَانُوا يَطْلُبُونَ مِنْ إِدْرَاكه فِي الدُّنْيَا بِأَعْمَالِهِمْ وَطَاعَتهمْ لِرَبِّهِمْ , وَاتِّقَائِهِمْ إِيَّاهُ , فِيمَا امْتَحَنَهُمْ بِهِ مِنْ الطَّاعَات وَالْفَرَائِض , وَاجْتِنَاب الْمَحَارِم .
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَسورة الدخان الآية رقم 58
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّمَا سَهَّلْنَا قِرَاءَة هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد بِلِسَانِك ; لِيَتَذَكَّر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِمْ بِعِبَرِهِ وَحُجَجه , وَيَتَّعِظُوا بِعِظَاتِهِ , وَيَتَفَكَّرُوا فِي آيَاته إِذَا أَنْتَ تَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ , فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَة رَبّهمْ , وَيُذْعِنُوا لِلْحَقِّ عِنْد تَبَيُّنِهُمُوهُ . كَمَا : 24114 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك } : أَيْ هَذَا الْقُرْآن { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } . 24115 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك } قَالَ : الْقُرْآن , وَيَسَّرْنَاهُ : أَطْلَقَ بِهِ لِسَانه .
فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَسورة الدخان الآية رقم 59
وَقَوْله : { فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَانْتَظِرْ أَنْتَ يَا مُحَمَّد الْفَتْح مِنْ رَبّك , وَالنَّصْر عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمك مِنْ قُرَيْش , إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ عِنْد أَنْفُسهمْ قَهْرك وَغَلَبَتك بِصَدِّهِمْ عَمَّا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنَ الْحَقّ مَنْ أَرَادَ قَبُوله وَاتِّبَاعك عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24116 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ } : أَيْ فَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ . آخِر تَفْسِير سُورَة الدُّخَان .
الصفحة 1الصفحة 2