الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَسورة العنكبوت الآية رقم 61
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر لَيَقُولُن اللَّه فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَسَوَّاهُنَّ , وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر لِعِبَادِهِ , يَجْرِيَانِ دَائِبَيْنِ لِمَصَالِح خَلْق اللَّه , لَيَقُولَن الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ اللَّه { فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَنَّى يُصْرَفُونَ عَمَّنْ صَنَعَ ذَلِكَ , فَيَعْدِلُونَ عَنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ . كَمَا : 21213 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } : أَيْ يَعْدِلُونَ .
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة العنكبوت الآية رقم 62
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَيَقْدِر لَهُ إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه يُوَسِّع مِنْ رِزْقه لِمَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , وَيُضَيِّق فَيُقَتِّر لِمَنْ يَشَاء مِنْهُمْ . يَقُول : فَأَرْزَاقكُمْ وَقِسْمَتهَا بَيْنكُمْ أَيّهَا النَّاس بِيَدِي دُون كُلّ أَحَد سِوَايَ ; أَبْسُط لِمَنْ شِئْت مِنْهَا , وَأُقَتِّر عَلَى مَنْ شِئْت , فَلَا يُخَلِّفَنكُمْ عَنْ الْهِجْرَة وَجِهَاد عَدُوّكُمْ خَوْف الْعَيْلَة { إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلِيم بِمَصَالِحِكُمْ , وَمَنْ لَا يَصْلُح لَهُ إِلَّا الْبَسْط فِي الرِّزْق , وَمَنْ لَا يَصْلُح لَهُ إِلَّا التَّقْتِير عَلَيْهِ , وَهُوَ عَالِم بِذَلِكَ .
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَسورة العنكبوت الآية رقم 63
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض مِنْ بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاء مَاء , وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي يُنَزِّلهُ اللَّه مِنْ السَّحَاب { فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض } يَقُول : فَأَحْيَا بِالْمَاءِ الَّذِي نَزَلَ مِنْ السَّمَاء الْأَرْض , وَإِحْيَاؤُهَا : إِنْبَاته النَّبَات فِيهَا { مِنْ بَعْد مَوْتهَا } مِنْ بَعْد جَدُوبهَا وَقُحُوطهَا. وَقَوْله : { لَيَقُولُنَّ اللَّه } يَقُول : لَيَقُولُنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ اللَّه الَّذِي لَهُ عِبَادَة كُلّ شَيْء . وَقَوْله : { قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ } يَقُول : وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , فَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } يَقُول : بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ لَا يَعْقِلُونَ مَا لَهُمْ فِيهِ النَّفْع مِنْ أَمْر دِينهمْ , وَمَا فِيهِ الضُّرّ , فَهُمْ لِجَهْلِهِمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ لِعِبَادَتِهِمْ الْآلِهَة دُون اللَّه , يَنَالُونَ بِهَا عِنْد اللَّه زُلْفَة وَقُرْبَة , وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ هَالِكُونَ مُسْتَوْجِبُونَ الْخُلُود فِي النَّار .
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَسورة العنكبوت الآية رقم 64
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا لَهْو وَلَعِب وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا } الَّتِي يَتَمَتَّع مِنْهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ { إِلَّا لَهْو وَلَعِب } يَقُول : إِلَّا تَعْلِيل النُّفُوس بِمَا تَلْتَذّ بِهِ , ثُمَّ هُوَ مُنْقَضٍ عَنْ قَرِيب , لَا بَقَاء لَهُ وَلَا دَوَام { وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان } يَقُول : وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَفِيهَا الْحَيَاة الدَّائِمَة الَّتِي لَا زَوَال لَهَا وَلَا اِنْقِطَاع وَلَا مَوْت مَعَهَا . كَمَا : 21214 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } حَيَاة لَا مَوْت فِيهَا . 12115 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَا : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { لَهِيَ الْحَيَوَان } قَالَ : لَا مَوْت فِيهَا. 21216 - حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان } يَقُول : بَاقِيَة . وَقَوْله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } يَقُول : لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَقَصُرُوا عَنْ تَكْذِيبهمْ بِاَللَّهِ , وَإِشْرَاكهمْ غَيْره فِي عِبَادَته , وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ .
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَسورة العنكبوت الآية رقم 65
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا رَكِبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ السَّفِينَة فِي الْبَحْر , فَخَافُوا الْغَرَق وَالْهَلَاك فِيهِ { دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين } يَقُول : أَخْلَصُوا لِلَّهِ عِنْد الشِّدَّة الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ التَّوْحِيد , وَأَفْرَدُوا لَهُ الطَّاعَة , وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودَةِ , وَلَمْ يَسْتَغِيثُوا بِآلِهَتِهِمْ وَأَنْدَادهمْ , وَلَكِنْ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ } يَقُول : فَلَمَّا خَلَّصَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ وَسَلَّمَهُمْ , فَصَارُوا إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّه شَرِيكًا فِي عِبَادَتهمْ , وَيَدْعُونَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان مَعَهُ أَرْبَابًا . 21217 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } فَالْخَلْق كُلّهمْ يُقِرُّونَ لِلَّهِ أَنَّهُ رَبّهمْ , ثُمَّ يُشْرِكُونَ بَعْد ذَلِكَ .
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَسورة العنكبوت الآية رقم 66
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا نَجَّى اللَّه هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْبَحْر مِنْ الْخَوْف وَالْحَذَر مِنْ الْغَرَق إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ بَعْد أَنْ صَارُوا إِلَى الْبَرّ يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : لِيَجْحَدُوا نِعْمَة اللَّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ . { وَلِيَتَمَتَّعُوا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { وَلِيَتَمَتَّعُوا } بِكَسْرِ اللَّام , بِمَعْنَى : وَكَيْ يَتَمَتَّعُوا آتَيْنَاهُمْ ذَلِكَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " وَلْيَتَمَتَّعُوا " بِسُكُونِ اللَّام عَلَى وَجْه الْوَعِيد وَالتَّوْبِيخ : أَيْ اُكْفُرُوا فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَلْقَوْنَ مِنْ عَذَاب اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِهِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ اللَّام عَلَى وَجْه التَّهْدِيد وَالْوَعِيد , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِكَسْرِ اللَّام زَعَمُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا اِخْتَارُوا كَسْرهَا عَطْفًا بِهَا عَلَى اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { وَلِيُكَفِّرُوا } وَأَنَّ قَوْله { لِيَكْفُرُوا } لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ : كَيْ يَكْفُرُوا كَانَ الصَّوَاب فِي قَوْله { وَلِيَتَمَتَّعُوا } أَنْ يَكُون : وَكَيْ يَتَمَتَّعُوا , إِذْ كَانَ عَطْفًا عَلَى قَوْله : لِيَكْفُرُوا عِنْدهمْ , وَلَيْسَ الَّذِي ذَهَبُوا مِنْ ذَلِكَ بِمَذْهَبٍ , وَذَلِكَ لِأَنَّ لَام قَوْله { لِيَكْفُرُوا } صَلَحَتْ أَنْ تَكُون بِمَعْنَى كَيْ , لِأَنَّهَا شَرْط لِقَوْلِهِ : إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ كَيْ يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ النِّعَم , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قَوْله { وَلِيَتَمَتَّعُوا } لِأَنَّ إِشْرَاكهمْ بِاَللَّهِ كَانَ يَكْفُرُوا بِنِعْمَتِهِ , وَلَيْسَ إِشْرَاكهمْ بِهِ تَمَتُّعًا بِالدُّنْيَا , وَإِنْ كَانَ الْإِشْرَاك بِهِ يُسَهِّل لَهُمْ سَبِيل التَّمَتُّع بِهَا فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَوْجِيهه إِلَى مَعْنَى الْوَعِيد أَوْلَى وَأَحَقّ مِنْ تَوْجِيهه إِلَى مَعْنَى : وَكَيْ يَتَمَتَّعُوا . وَبَعْد فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " وَتَمَتَّعُوا " وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى صِحَّة مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ اللَّام بِمَعْنَى الْوَعِيد .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَسورة العنكبوت الآية رقم 67
وَقَوْله : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُذَكِّرًا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش , الْقَائِلِينَ : لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة مِنْ رَبّه , نِعْمَته عَلَيْهِمْ الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا دُون سَائِر النَّاس غَيْرهمْ مَعَ كُفْرهمْ بِنِعْمَتِهِ وَإِشْرَاكهمْ فِي عِبَادَته الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد : أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش , مَا خَصَّصْنَاهُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَتنَا عَلَيْهِمْ دُون سَائِر عِبَادنَا , فَيَشْكُرُونَا عَلَى ذَلِكَ , وَيَنْزَجِرُوا عَنْ كُفْرهمْ بِنَا , وَإِشْرَاكهمْ مَا لَا يَنْفَعنَا وَلَا يَضُرّهُمْ فِي عِبَادَتنَا أَنَّا جَعَلْنَا بَلَدهمْ حَرَمًا , حَرَّمْنَا عَلَى النَّاس أَنْ يَدْخُلُوهُ بِغَارَةٍ أَوْ حَرْب , آمِنًا , يَأْمَن فِيهِ مَنْ سَكَنَهُ , فَأَوَى إِلَيْهِ مِنْ السِّبَاء وَالْخَوْف وَالْحَرَام الَّذِي لَا يَأْمَنهُ غَيْرهمْ مِنْ النَّاس { وَيُتَخَطَّف النَّاس مِنْ حَوْلهمْ } يَقُول : وَتُسْلَب النَّاس مِنْ حَوْلهمْ قَتْلًا وَسِبَاء . كَمَا : 21218 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّف النَّاس مِنْ حَوْلهمْ } قَالَ : كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ آيَة أَنَّ النَّاس يُغْزَوْنَ وَيُتَخَطَّفُونَ وَهُمْ آمِنُونَ .


وَقَوْله : { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : أَفَبِالشِّرْكِ بِاَللَّهِ يُقِرُّونَ بِأُلُوهَةِ الْأَوْثَان بِأَنْ يُصَدِّقُوا , وَبِنِعْمَةِ اللَّه الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا مِنْ أَنْ جَعَلَ بَلَدهمْ حَرَمًا آمِنًا يَكْفُرُونَ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ " يَكْفُرُونَ " : يَجْحَدُونَ . كَمَا : 21219 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } : أَيْ بِالشِّرْكِ { وَبِنِعْمَةِ اللَّه يَكْفُرُونَ } أَيْ يَجْحَدُونَ .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَسورة العنكبوت الآية رقم 68
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ أَظْلَم أَيّهَا النَّاس مِمَّنْ اِخْتَلَقَ عَلَى اللَّه كَذِبًا , فَقَالُوا إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة : وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا , وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا , وَاَللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ { أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ } يَقُول : أَوْ كَذَّبَ بِمَا بَعَثَ اللَّه بِهِ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَوْحِيده , وَالْبَرَاءَة مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد لِمَا جَاءَهُ هَذَا الْحَقّ مِنْ عِنْد اللَّه { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يَقُول : أَلَيْسَ فِي النَّار مَثْوًى وَمَسْكَن لِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَجَحَدَ تَوْحِيده وَكَذَّبَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَهَذَا تَقْرِير , وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ , إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ جَرِير : أَلَسْتُمْ خَيْر مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُون رَاحِ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ لِلْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ مَسْكَنًا فِي النَّار , وَمَنْزِلًا يَثْوُونَ فِيهِ.
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَسورة العنكبوت الآية رقم 69
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه كَذِبًا مِنْ كُفَّار قُرَيْش , الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ لِمَا جَاءَهُمْ فِينَا , مُبْتَغِينَ بِقِتَالِهِمْ عُلُوّ كَلِمَتنَا , وَنُصْرَة دِيننَا { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا } يَقُول : لَنُوَفِّقَنَّهُمْ لِإِصَابَةِ الطَّرِيق الْمُسْتَقِيمَة , وَذَلِكَ إِصَابَة دِين اللَّه الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام الَّذِي بَعَثَ اللَّه بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ مَنْ أَحْسَنَ مِنْ خَلْقه , فَجَاهَدَ فِيهِ أَهْل الشِّرْك , مُصَدِّقًا رَسُوله فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه بِالْعَوْنِ لَهُ , وَالنُّصْرَة عَلَى مَنْ جَاهَدَ مِنْ أَعْدَائِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21220 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } فَقُلْت لَهُ : قَاتَلُوا فِينَا , قَالَ : نَعَمْ . آخِر تَفْسِير سُورَة الْعَنْكَبُوت
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3