الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَسورة الشعراء الآية رقم 181
يَقُول : أَوْفُوا النَّاس حُقُوقهمْ مِنْ الْكَيْل .

يَقُول : وَلَا تَكُونُوا مِمَّنْ نَقَصَهُمْ حُقُوقهمْ .
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِسورة الشعراء الآية رقم 182
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم } يَعْنِي بِقَوْلِهِ { وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ } وَزِنُوا بِالْمِيزَانِ { الْمُسْتَقِيم } الَّذِي لَا بَخْس فِيهِ عَلَى مَنْ وَزَنْتُمْ لَهُ .
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَسورة الشعراء الآية رقم 183
يَقُول : وَلَا تَنْقُصُوا النَّاس حُقُوقهمْ فِي الْكَيْل وَالْوَزْن .


يَقُول : وَلَا تُكْثِرُوا فِي الْأَرْض الْفَسَاد. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلّه بِشَوَاهِدِهِ , ه وَاخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ فِيمَا مَضَى , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَسورة الشعراء الآية رقم 184
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَاتَّقُوا } أَيّهَا الْقَوْم عِقَاب رَبّكُمْ { الَّذِي خَلَقَكُمْ , /و } خَلَقَ { الْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ } يَعْنِي بِالْجِبِلَّةِ : الْخَلْق الْأَوَّلِينَ . وَفِي الْجِبِلَّة لِلْعَرَبِ لُغَتَانِ : كَسْر الْجِيم وَالْبَاء وَتَشْدِيد اللَّام , وَضَمّ الْجِيم وَالْبَاء وَتَشْدِيد اللَّام ; فَإِذَا نَزَعْت الْهَاء مِنْ آخِرهَا كَانَ الضَّمّ فِي الْجِيم وَالْبَاء أَكْثَر كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جَبِلًا كَثِيرًا } 36 62 وَرُبَّمَا سَكَّنُوا الْبَاء مِنْ الْجِبْل , كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : مَنَايَا يُقَرِّبْنَ الْحُتُوف لِأَهْلِهَا جِهَارًا وَيَسْتَمْتِعْنَ بِالْأَنَسِ الْجِبْل وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْجِبِلَّة قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20328 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ } يَقُول : خَلْق الْأَوَّلِينَ . 20329 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَالْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ } قَالَ : الْخَلِيقَة. 20330 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَالْجِبِلَّة الْأَوَّلِينَ } قَالَ : الْخَلْق الْأَوَّلِينَ , الْجِبِلَّة : الْخَلْق .
قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَسورة الشعراء الآية رقم 185
وَقَوْله : { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ } يَقُول : قَالُوا : إِنَّمَا أَنْتَ يَا شُعَيْب مُعَلَّل تُعَلَّل بِالطَّعَامِ وَالشَّرَاب , كَمَا نُعَلَّل بِهِمَا , وَلَسْت مَلَكًا .
وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَسورة الشعراء الآية رقم 186
{ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا } تَأْكُل وَتَشْرَب { وَإِنْ نَظُنّك لَمِنْ الْكَاذِبِينَ } . يَقُول : وَمَا نَحْسِبك فِيمَا تُخْبِرنَا وَتَدْعُونَا إِلَيْهِ , إِلَّا مِمَّنْ يَكْذِب فِيمَا يَقُول .
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَسورة الشعراء الآية رقم 187
فَإِنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا تَقُول بِأَنَّك رَسُول اللَّه كَمَا تَزْعُم { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء } يَعْنِي قِطَعًا مِنْ السَّمَاء , وَهِيَ جَمْع كِسْفَة , جُمِعَ كَذَلِكَ كَمَا تُجْمَع تَمْرَة : تَمْرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20331 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { كِسَفًا } يَقُول : قِطَعًا . 20332 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { كِسَفًا مِنْ السَّمَاء } : جَانِبًا مِنْ السَّمَاء . 20333 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنْ السَّمَاء } قَالَ : نَاحِيَة مِنْ السَّمَاء , عَذَاب ذَلِكَ الْكِسَف.
قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَسورة الشعراء الآية رقم 188
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبِّي أَعْلَم بِمَا تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ شُعَيْب لِقَوْمِهِ : { رَبِّي أَعْلَم بِمَا تَعْمَلُونَ } يَقُول : بِأَعْمَالِهِمْ هُوَ بِهَا مُحِيط , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِهَا جَزَاءَكُمْ .
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍسورة الشعراء الآية رقم 189
يَقُول : فَكَذَّبَهُ قَوْمه .


يَعْنِي بِالظُّلَّةِ : سَحَابَة ظَلَّلَتْهُمْ , فَلَمَّا تَتَامُّوا تَحْتهَا اِلْتَهَبَتْ عَلَيْهِمْ نَارًا , وَأَحْرَقَتْهُمْ , وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَار. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20334 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ زَيْد بْن مُعَاوِيَة , فِي قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } قَالَ : أَصَابَهُمْ حَرّ أَقْلَقَهُمْ فِي بُيُوتهمْ , فَنَشَأَتْ لَهُمْ سَحَابَة كَهَيْئَةِ الظُّلَّة , فَابْتَدَرُوهَا , فَلَمَّا تَتَامُّوا تَحْتهَا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة. 20335 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , فِي قَوْله : { عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } قَالَ : كَانُوا يَحْفِرُونَ الْأَسْرَاب لِيَتَبَرَّدُوا فِيهَا , فَإِذَا دَخَلُوهَا وَجَدُوهَا أَشَدّ حَرًّا مِنْ الظَّاهِر , وَكَانَتْ الظُّلَّة سَحَابَة 20336 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنِي جَرِير بْن حَازِم أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَة يَقُول : بُعِثَ شُعَيْب إِلَى أُمَّتَيْنِ : إِلَى قَوْمه أَهْل مَدْيَن , وَإِلَى أَصْحَاب الْأَيْكَة . وَكَانَتْ الْأَيْكَة مِنْ شَجَر مُلْتَفّ ; فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُعَذِّبهُمْ , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ حَرًّا شَدِيدًا , وَرَفَعَ لَهُمْ الْعَذَاب كَأَنَّهُ سَحَابَة ; فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُمْ خَرَجُوا إِلَيْهَا رَجَاء بَرْدهَا , فَلَمَّا كَانُوا تَحْتهَا مُطِرَتْ عَلَيْهِمْ نَارًا . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } . 20337 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن زَيْد أَخُو حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثَنَا حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة , قَالَ : ثَنِي يَزِيد الْبَاهِلِيّ , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم } فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَمَدَة وَحَرًّا شَدِيدًا , فَأَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ , فَدَخَلُوا الْبُيُوت , فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَجْوَاف الْبُيُوت , فَأَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ , فَخَرَجُوا مِنْ الْبُيُوت هِرَابًا إِلَى الْبَرِّيَّة , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ سَحَابَة , فَأَظَلَّتْهُمْ مِنْ الشَّمْس , فَوَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَلَذَّة , فَنَادَى بَعْضهمْ بَعْضًا , حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعُوا تَحْتهَا , أَرْسَلَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا . قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : فَذَلِكَ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة , إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم . 20338 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : " يَوْم الظُّلَّة " قَالَ : إِظْلَال الْعَذَاب إِيَّاهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيج , عَنْ مُجَاهِد : { عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } قَالَ : أَظَلَّ الْعَذَاب قَوْم شُعَيْب . قَالَ اِبْن جُرَيج : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَوَّل الْعَذَاب , أَخَذَهُمْ مِنْهُ حَرّ شَدِيد , فَرَفَعَ اللَّه لَهُمْ غَمَامَة , فَخَرَجَ إِلَيْهَا طَائِفَة مِنْهُمْ لِيَسْتَظِلُّوا بِهَا , فَأَصَابَهُمْ مِنْهَا رَوْح وَبَرْد وَرِيح طَيِّبَة , فَصَبَّ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقهمْ مِنْ تِلْكَ الْغَمَامَة عَذَابًا , فَذَلِكَ قَوْله : { عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } . 20339 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر بْن رَاشِد , قَالَ : ثَنِي رَجُل مِنْ أَصْحَابنَا , عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء قَالَ : كَانُوا عَطَّلُوا حَدًّا , فَوَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْق , ثُمَّ عَطَّلُوا حَدًّا , فَوَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْق , ثُمَّ عَطَّلُوا حَدًّا , فَوَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْق , فَجَعَلُوا كُلَّمَا عَطَّلُوا حَدًّا وَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْق , حَتَّى إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكهمْ سَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ حَرًّا لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَتَقَارُّوا , وَلَا يَنْفَعهُمْ ظِلّ وَلَا مَاء , حَتَّى ذَهَبَ ذَاهِب مِنْهُمْ , فَاسْتَظَلَّ تَحْت ظُلَّة , فَوَجَدَ رَوْحًا , فَنَادَى أَصْحَابه : هَلُمُّوا إِلَى الرَّوْح , فَذَهَبُوا إِلَيْهِ سِرَاعًا , حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعُوا أَلْهَبَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ نَارًا , فَذَلِكَ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة. 20340 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَنْ حَدَّثَك مِنْ الْعُلَمَاء مَا عَذَاب يَوْم الظُّلَّة ؟ فَكَذَّبَهُ . 20341 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } قَوْم شُعَيْب , حَبَسَ اللَّه عَنْهُمْ الظِّلّ وَالرِّيح , فَأَصَابَهُمْ حَرّ شَدِيد , ثُمَّ بَعَثَ اللَّه لَهُمْ سَحَابَة فِيهَا الْعَذَاب , فَلَمَّا رَأَوْا السَّحَابَة اِنْطَلَقُوا يَؤُمُّونَهَا , زَعَمُوا يَسْتَظِلُّونَ , فَاضْطَرَمَتْ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَهْلَكَتْهُمْ. 20342 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة , إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم } قَالَ : بَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ ظُلَّة مِنْ سَحَاب , وَبَعَثَ إِلَى الشَّمْس فَأَحْرَقَتْ مَا عَلَى وَجْه الْأَرْض , فَخَرَجُوا كُلّهمْ إِلَى تِلْكَ الظُّلَّة , حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعُوا كُلّهمْ , كَشَفَ اللَّه عَنْهُمْ الظُّلَّة , وَأَحْمَى عَلَيْهِمْ الشَّمْس , فَاحْتَرَقُوا كَمَا يَحْتَرِق الْجَرَاد فِي الْمِقْلَى .

وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة كَانَ عَذَاب يَوْم لِقَوْمِ شُعَيْب عَظِيم .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 190
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي تَعْذِيبنَا قَوْم شُعَيْب عَذَاب يَوْم الظُّلَّة , بِتَكْذِيبِهِمْ نَبِيّهمْ شُعَيْبًا , لَآيَة لِقَوْمِك يَا مُحَمَّد , وَعِبْرَة لِمَنْ اِعْتَبِرْ , إِنْ اِعْتَبَرُوا أَنَّ سُنَّتنَا فِيهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ , سُنَّتنَا فِي أَصْحَاب الْأَيْكَة .

فِي سَابِق عِلْمنَا فِيهِمْ
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُسورة الشعراء الآية رقم 191
{ وَإِنَّ رَبّك } يَا مُحَمَّد { لَهُوَ الْعَزِيز } فِي نِقْمَته مِمَّنْ اِنْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ أَعْدَائِهِ { الرَّحِيم } بِمَنْ تَابَ مِنْ خَلْقه , وَأَنَابَ إِلَى طَاعَته .
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الشعراء الآية رقم 192
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيل رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن { لَتَنْزِيل رَبّ الْعَالَمِينَ } وَالْهَاء فِي قَوْله { وَإِنَّهُ } كِنَايَة الذِّكْر الَّذِي فِي قَوْله : { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ الرَّحْمَن } 26 5 . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20343 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { لَتَنْزِيل رَبّ الْعَالَمِينَ } قَالَ : هَذَا الْقُرْآن .
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُسورة الشعراء الآية رقم 193
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة { نَزَلَ } بِهِ مُخَفَّفَة { الرُّوح الْأَمِين } رَفْعًا بِمَعْنَى : أَنَّ الرُّوح الْأَمِين هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّد , وَهُوَ جِبْرِيل . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة. { نَزَّلَ } مُشَدَّدَة الزَّاي { الرُّوح الْأَمِين } نَصْبًا , بِمَعْنَى : أَنَّ رَبّ الْعَالَمِينَ نَزَّلَ بِالْقُرْآنِ الرُّوحَ الْأَمِين , وَهُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَذَلِكَ أَنَّ الرُّوح الْأَمِين إِذَا نَزَلَ عَلَى مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ , لَمْ يَنْزِل بِهِ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّه إِيَّاهُ بِالنُّزُولِ , وَلَنْ يَجْهَل أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ذُو إِيمَان بِاَللَّهِ , وَأَنَّ اللَّه إِذَا أَنْزَلَهُ بِهِ نَزَلَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي أَنَّ الْمَعْنِيّ بِالرُّوحِ الْأَمِين فِي هَذَا الْمَوْضِع جِبْرِيل قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20344 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . فِي قَوْله : { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين } قَالَ : جِبْرِيل . 20345 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْل اللَّه : { نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين } قَالَ : جِبْرِيل . 20346 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : { الرُّوح الْأَمِين } جِبْرِيل . 20347 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { الرُّوح الْأَمِين } قَالَ : جِبْرِيل .
عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَسورة الشعراء الآية رقم 194
وَقَوْله { عَلَى قَلْبك } يَقُول : نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين فَتَلَاهُ عَلَيْك يَا مُحَمَّد , حَتَّى وَعَيْته بِقَلْبِك.

وَقَوْله : { لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ } يَقُول : لِتَكُونَ مِنْ رُسُل اللَّه الَّذِينَ كَانُوا يُنْذِرُونَ مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ مِنْ قَوْمهمْ , فَتُنْذِر بِهَذَا التَّنْزِيل قَوْمك الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه .
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍسورة الشعراء الآية رقم 195
وَقَوْله : { بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول : لِتُنْذِر قَوْمك بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين , يُبَيِّن لِمَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ عَرَبِيّ , وَبِلِسَانِ الْعَرَب نَزَلَ , وَالْبَاء مِنْ قَوْله { بِلِسَانٍ } مِنْ صِلَة قَوْله : { نَزَلَ } , وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ نَزَلَ هَذَا الْقُرْآن بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين فِي هَذَا الْمَوْضِع , إِعْلَامًا مِنْهُ مُشْرِكِي قُرَيْش أَنَّهُ أَنْزَلَهُ كَذَلِكَ , لِئَلَّا يَقُولُوا إِنَّهُ نَزَلَ بِغَيْرِ لِسَاننَا , فَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْرِض عَنْهُ وَلَا نَسْمَعهُ , لِأَنَّا لَا نَفْهَمهُ , وَإِنَّمَا هَذَا تَقْرِيع لَهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ الرَّحْمَن مُحْدَث إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } 26 5 . ثُمَّ قَالَ : لَمْ يُعْرِضُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَعَانِيه , بَلْ يَفْهَمُونَهَا , لِأَنَّهُ تَنْزِيل رَبّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين بِلِسَانِهِمْ الْعَرَبِيّ , وَلَكِنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهُ تَكْذِيبًا بِهِ وَاسْتِكْبَارًا { فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } 26 6 . كَمَا أَتَى هَذِهِ الْأُمَم الَّتِي قَصَصْنَا نَبَأَهَا فِي هَذِهِ السُّورَة حِين كَذَّبَتْ رُسُلهَا أَنْبَاء مَا كَانُوا بِهِ يُكَذِّبُونَ.
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَسورة الشعراء الآية رقم 196
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُر الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن لَفِي زُبُر الْأَوَّلِينَ : يَعْنِي فِي كُتُب الْأَوَّلِينَ , وَخَرَجَ مَخْرَج الْعُمُوم وَمَعْنَاهُ الْخُصُوص , وَإِنَّمَا هُوَ : وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن لَفِي بَعْض زُبُر الْأَوَّلِينَ ; يَعْنِي : أَنَّ ذِكْره وَخَبَره فِي بَعْض مَا نَزَلَ مِنْ الْكُتُب عَلَى بَعْض رُسُله .
أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَسورة الشعراء الآية رقم 197
وَقَوْله : { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَمَّا يَأْتِيك يَا مُحَمَّد مِنْ ذِكْر رَبّك , دَلَالَة عَلَى أَنَّك رَسُول رَبّ الْعَالَمِينَ , أَنْ يَعْلَم حَقِيقَة ذَلِكَ وَصِحَّته عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل . وَقِيلَ : عُنِيَ بِعُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل فِي هَذَا الْمَوْضِع : عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَمَنْ أَشْبَهَهُ مِمَّنْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي عَصْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20348 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام مِنْ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ مِنْ خِيَارهمْ , فَآمَنَ بِكِتَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ اللَّه : أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل وَخِيَارهمْ. 20349 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَغَيْره مِنْ عُلَمَائِهِمْ . 20350 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة } قَالَ مُحَمَّد : { أَنْ يَعْلَمهُ } قَالَ : يَعْرِفهُ. { عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل } . قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل : عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَغَيْره مِنْ عُلَمَائِهِمْ . 20351 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَة أَنْ يَعْلَمهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : أَوَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ آيَة , عَلَامَة أَنَّ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ .
وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَسورة الشعراء الآية رقم 198
وَقَوْله : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ نَزَّلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى بَعْض الْبَهَائِم الَّتِي لَا تَنْطِق , وَإِنَّمَا قِيلَ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ , وَلَمْ يَقُلْ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِيِّينَ , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول إِذَا نَعَتَتْ الرَّجُل بِالْعُجْمَةِ وَأَنَّهُ لَا يُفْصِح بِالْعَرَبِيَّةِ : هَذَا رَجُل أَعْجَم , وَلِلْمَرْأَةِ : هَذِهِ اِمْرَأَة عَجْمَاء , وَلِلْجَمَاعَةِ : هَؤُلَاءِ قَوْم عَجَم وَأَعْجَمُونَ , وَإِذَا أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى وُصِفَ بِهِ الْعَرَبِيّ وَالْأَعْجَمِيّ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهُ غَيْر فَصِيح اللِّسَان , وَقَدْ يَكُون كَذَلِكَ , وَهُوَ مِنْ الْعَرَب وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْل الشَّاعِر : مِنْ وَائِل لَا حَيّ يَعْدِلهُمْ مِنْ سُوقَة عَرَب وَلَا عَجَم فَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ نِسْبَة الرَّجُل إِلَى أَصْله مِنْ الْعَجَم , لَا وَصْفه بِأَنَّهُ غَيْر فَصِيح اللِّسَان , فَإِنَّهُ يُقَال : هَذَا رَجُل عَجَمِيّ , وَهَذَانِ رَجُلَانِ عَجَمِيَّانِ , وَهَؤُلَاءِ قَوْم عُجْم , كَمَا يُقَال : عَرَبِيّ , وَعَرَبِيَّانِ , وَقَوْم عَرَب . وَإِذَا قِيلَ : هَذَا رَجُل أَعْجَمِيّ , فَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَى نَفْسه كَمَا يُقَال لِلْأَحْمَرِ : هَذَا أَحْمَرِيّ ضَخْم , وَكَمَا قَالَ الْعَجَاج : وَالدَّهْر بِالْإِنْسَانِ دَوَّارِيّ وَمَعْنَاهُ : دَوَّار , فَنَسَبَهُ إِلَى فِعْل نَفْسه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20352 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا دَاوُد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , قَالَ : كُنْت وَاقِفًا إِلَى جَنْب عَبْد اللَّه بْن مُطِيع بِعَرَفَة , فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ . فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } قَالَ : لَوْ نَزَلَ عَلَى بَعِيرِي هَذَا فَتَكَلَّمَ بِهِ مَا آمَنُوا بِهِ { لَقَالُوا : لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاته } 41 44 حَتَّى يَفْقَههُ عَرَبِيّ وَعَجَمِيّ , لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه بْن مُطِيع وَاقِفًا بِعَرَفَة , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ } فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَقَالَ : جَمَلِي هَذَا أَعْجَم , فَلَوْ أُنْزِلَ عَلَى هَذَا مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ . وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة فِي ذَلِكَ مَا . 20353 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ } قَالَ : لَوْ نَزَّلَهُ اللَّه أَعْجَمِيًّا كَانُوا أَخْسَر النَّاس بِهِ , لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ بِالْعَجَمِيَّةِ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَتَادَة قَوْل لَا وَجْه لَهُ , لِأَنَّهُ وَجَّهَ الْكَلَام أَنَّ مَعْنَاهُ : وَلَوْ أَنْزَلْنَاهُ أَعْجَمِيًّا , وَإِنَّمَا التَّنْزِيل { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ } يَعْنِي : وَلَوْ نَزَّلْنَا هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ عَلَى بَهِيمَة مِنْ الْعَجَم أَوْ بَعْض مَا لَا يُفْصِح , وَلَمْ يَقُلْ : وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ أَعْجَمِيًّا . فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام مَا قَالَهُ .
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 199
وَقَوْله { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ } يَقُول : فَقَرَأَ هَذَا الْقُرْآن عَلَى كُفَّار قَوْمك يَا مُحَمَّد الَّذِينَ حَتَّمْت عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُؤْمِنُوا ذَلِكَ الْأَعْجَم مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ . يَقُول : لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بِهِ , لِمَا قَدْ جَرَى لَهُمْ فِي سَابِق عِلْمِي مِنْ الشَّقَاء , وَهَذَا تَسْلِيَة مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْمه , لِئَلَّا يَشْتَدّ وَجْده بِإِدْبَارِهِمْ عَنْهُ , وَإِعْرَاضهمْ عَنْ الِاسْتِمَاع لِهَذَا الْقُرْآن , لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدًا حِرْصه عَلَى قَبُولهمْ مِنْهُ , وَالدُّخُول فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ , حَتَّى عَاتَبَهُ رَبّه عَلَى شِدَّة حِرْصه عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ , فَقَالَ لَهُ : { لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَنْ لَا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } 26 3 ثُمَّ قَالَ مُؤْيِسه مِنْ إِيمَانهمْ وَأَنَّهُمْ هَالِكُونَ بِبَعْضِ مَثُلَاته , كَمَا هَلَكَ بَعْض الْأُمَم الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة. وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ يَا مُحَمَّد لَا عَلَيْك , فَإِنَّك رَجُل مِنْهُمْ , وَيَقُولُونَ لَك : مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَر مِثْلنَا , وَهَلَّا نَزَلَ بِهِ مَلَك , فَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْجَم عَلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآن , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلَّة يَدْفَعُونَ بِهَا أَنَّهُ حَقّ , وَأَنَّهُ تَنْزِيل مِنْ عِنْدِي , مَا كَانُوا بِهِ مُصَدِّقِينَ , فَخَفِّضْ مِنْ حِرْصك عَلَى إِيمَانهمْ بِهِ , ثُمَّ وَكَّدَ تَعَالَى ذِكْره الْخَبَر عَمَّا قَدْ حَتَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , الَّذِينَ آيَسَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِيمَانهمْ مِنْ الشَّقَاء وَالْبَلَاء , فَقَالَ : كَمَا حَتَّمْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا الْقُرْآن { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْض الْأَعْجَمِينَ } فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ .
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَسورة الشعراء الآية رقم 200
{ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } التَّكْذِيب وَالْكُفْر { فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : سَلَكْنَا : أَدْخَلْنَا , وَالْهَاء فِي قَوْله { سَلَكْنَاهُ } كِنَايَة مِنْ ذِكْر قَوْله { مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } , كَأَنَّهُ قَالَ : كَذَلِكَ أَدْخَلْنَا فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ تَرْك الْإِيمَان بِهَذَا الْقُرْآن. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20353 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } قَالَ : الْكُفْر { فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ } . 20355 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ . لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم } . 20356 -حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , فِي هَذِهِ الْآيَة : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ } قَالَ : خَلَقْنَاهُ. 20357 - قَالَ : ثَنَا زَيْد , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن فِي بَيْت أَبِي خَلِيفَة , عَنْ قَوْله { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوب الْمُجْرِمِينَ } قَالَ : الشِّرْك سَلَكَهُ فِي قُلُوبهمْ .
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَسورة الشعراء الآية رقم 201
وَقَوْله : { لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم } يَقُول : فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ لِئَلَّا يُصَدِّقُوا بِهَذَا الْقُرْآن , حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم فِي عَاجِل الدُّنْيَا , كَمَا رَأَتْ ذَلِكَ الْأُمَم الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قَصَصهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة . وَرُفِعَ قَوْله { لَا يُؤْمِنُونَ } لِأَنَّ الْعَرَب مِنْ شَأْنهَا إِذَا وَضَعَتْ فِي مَوْضِع مِثْل هَذَا الْمَوْضِع " لَا " رُبَّمَا جَزَمَتْ مَا بَعْدهَا , وَرُبَّمَا رَفَعَتْ فَتَقُول : رَبَطْت الْفَرَس لَا تَنْفَلِت , وَأَحْكَمْت الْعِقْد لَا يَنْحَلّ , جَزْمًا وَرَفْعًا . وَإِنَّمَا تَفْعَل ذَلِكَ لِأَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : إِنْ لَمْ أُحْكِم الْعِقْد اِنْحَلَّ , فَجَزْمه عَلَى التَّأْوِيل , وَرَفْعه بِأَنَّ الْجَازِم غَيْر ظَاهِر . وَمِنْ الشَّاهِد عَلَى الْجَزْم فِي ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : لَوْ كُنْت إِذْ جِئْتنَا حَاوَلْت رُؤْيَتنَا أَوْ جِئْتنَا مَاشِيًا لَا يَعْرِف الْفَرَس وَقَوْل الْآخَر : لَطَالَمَا حَلَّأْتمَاهَا لَا تَرِد فَخَلِّيَاهَا وَالسِّجَال تَبْتَرِد
فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَسورة الشعراء الآية رقم 202
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَيَأْتِيهِمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَيَأْتِي هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِهَذَا الْقُرْآن , الْعَذَاب الْأَلِيم بَغْتَة , يَعْنِي فَجْأَة { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول : لَا يَعْلَمُونَ قَبْل ذَلِكَ بِمَجِيئِهِ حَتَّى يَفْجَأهُمْ بَغْتَة .
فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَسورة الشعراء الآية رقم 203
{ فَيَقُولُوا } حِين يَأْتِيهِمْ بَغْتَة { هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ } : أَيْ هَلْ نَحْنُ مُؤَخَّر عَنَّا الْعَذَاب , وَمُنَسَّأ فِي آجَالنَا لِنَثُوبَ , وَنُنِيب إِلَى اللَّه مِنْ شِرْكنَا وَكُفْرنَا بِاَللَّهِ , فَنُرَاجِع الْإِيمَان بِهِ , وَنُنِيب إِلَى طَاعَته .
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَسورة الشعراء الآية رقم 204
وَقَوْله : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَبِعَذَابِنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَعْجِلُونَ بِقَوْلِهِمْ : لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى تُسْقِط السَّمَاء كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسَفًا .
أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَسورة الشعراء الآية رقم 205
لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنِّف لِهَذِهِ الْآيَة بِالتَّفْسِيرِ
ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَسورة الشعراء الآية رقم 206
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ جَاءَهُمْ الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ عَلَى كُفْرهمْ بِآيَاتِنَا , وَتَكْذِيبهمْ رَسُولنَا .
مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَسورة الشعراء الآية رقم 207
يَقُول : أَيّ شَيْء أَغْنَى عَنْهُمْ التَّأْخِير الَّذِي أَخَّرْنَا فِي آجَالهمْ , وَالْمَتَاع الَّذِي مَتَّعْنَاهُمْ بِهِ مِنْ الْحَيَاة , إِذْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكهمْ , هَلْ زَادَهُمْ تَمْتِيعنَا إِيَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَّا خَبَالًا , وَهَلْ نَفَعَهُمْ شَيْئًا , بَلْ ضَرَّهُمْ بِازْدِيَادِهِمْ مِنْ الْآثَام , وَاكْتِسَابهمْ مِنْ الْإِجْرَام مَا لَوْ لَمْ يُمَتَّعُوا لَمْ يَكْتَسِبُوهُ . 20358 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَفَرَأَيْت إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } إِلَى قَوْله { مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْكُفْر.
وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَسورة الشعراء الآية رقم 208
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة } مِنْ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي وُصِفَتْ فِي هَذِهِ السُّوَر { إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ } يَقُول : إِلَّا بَعْد إِرْسَالنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا يُنْذِرُونَهُمْ بَأْسنَا عَلَى كُفْرهمْ وَسُخْطنَا عَلَيْهِمْ .
ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَسورة الشعراء الآية رقم 209
يَقُول : إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ يُنْذِرُونَهُمْ , تَذْكِرَة لَهُمْ وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى مَا فِيهِ النَّجَاة لَهُمْ مِنْ عَذَابنَا . فَفِي الذِّكْرَى وَجْهَانِ مِنْ الْإِعْرَاب : أَحَدهمَا النَّصْب عَلَى الْمَصْدَر مِنْ الْإِنْذَار عَلَى مَا بَيَّنْت , وَالْآخَر : الرَّفْع عَلَى الِابْتِدَاء , كَأَنَّهُ قِيلَ : ذِكْرَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20359 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَة إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ. ذِكْرَى } قَالَ : الرُّسُل . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وقَوْله : { ذِكْرَى } قَالَ : الرُّسُل .

قَوْله : { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } يَقُول : وَمَا كُنَّا ظَالِمَيْهِمْ فِي تَعْذِيبِنَاهُمْ وَإِهْلَاكهمْ , لِأَنَّا إِنَّمَا أَهْلَكْنَاهُمْ , إِذْ عَتَوْا عَلَيْنَا , وَكَفَرُوا نِعْمَتنَا , وَعَبَدُوا غَيْرنَا بَعْد الْإِعْذَار عَلَيْهِمْ وَالْإِنْذَار , وَمُتَابَعَة الْحُجَج عَلَيْهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلُوهُ , فَأَبَوْا إِلَّا التَّمَادِي فِي الْغَيّ .
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُسورة الشعراء الآية رقم 210
وَقَوْله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهَذَا الْقُرْآن الشَّيَاطِين عَلَى مُحَمَّد , وَلَكِنَّهُ يَنْزِل بِهِ الرُّوح الْأَمِين . وَالْقُرَّاء مُجْمِعَة عَلَى قِرَاءَة { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين } بِالتَّاءِ وَرَفْع النُّون , لِأَنَّهَا نُون أَصْلِيَّة , وَاحِدهمْ شَيْطَان , كَمَا وَاحِد الْبَسَاتِين بُسْتَان . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ " بِالْوَاوِ , وَذَلِكَ لَحْن , وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا عَنْهُ , أَنْ يَكُون تَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ نَظِير الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ , وَذَلِكَ بَعِيد مِنْ هَذَا .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8