الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَسورة المؤمنون الآية رقم 91
وَقَوْله : { مَا اتَّخَذَ اللَّه مِنْ وَلَد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا لِلَّهِ مِنْ وَلَد , وَلَا كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيم وَلَا حِين ابْتَدَعَ الْأَشْيَاء مَنْ تَصْلُح عِبَادَته , وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيم أَوْ عِنْد خَلْقه الْأَشْيَاء مَنْ تَصْلُح عِبَادَته { مِنْ إِلَه إِذًا لَذَهَبَ }


يَقُول : إِذًا لَاعْتَزَلَ كُلّ إِلَه مِنْهُمْ { بِمَا خَلَقَ } مِنْ شَيْء , فَانْفَرَدَ بِهِ , وَلَتَغَالَبُوا , فَلَعَلَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَغَلَبَ الْقَوِيّ مِنْهُمْ الضَّعِيف ; لِأَنَّ الْقَوِيّ لَا يَرْضَى أَنْ يَعْلُوهُ ضَعِيف , وَالضَّعِيف لَا يَصْلُح أَنْ يَكُون إِلَهًا , فَسُبْحَان اللَّه مَا أَبْلَغهَا مِنْ حُجَّة وَأَوْجَزهَا لِمَنْ عَقَلَ وَتَدَبَّرَ ! وَقَوْله : { إِذًا لَذَهَبَ } جَوَاب لِمَحْذُوفٍ , وَهُوَ : لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَه إِذَنْ لَذَهَبَ كُلّ إِلَه بِمَا خَلَقَ ; اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ.


وَقَوْله : { سُبْحَان اللَّه عَمَّا يَصِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَدًا , وَعَمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا , أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْقِدَم إِلَهًا يُعْبَد , تَبَارَكَ وَتَعَالَى !
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَسورة المؤمنون الآية رقم 92
وَقَوْله : { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هُوَ عَالِم مَا غَابَ عَنْ خَلْقه مِنَ الْأَشْيَاء , فَلَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُشَاهِدُوهُ , وَمَا رَأَوْهُ وَشَاهَدُوهُ . إِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّه خَبَر عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ : اتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا وَعَبَدُوا مِنْ دُونه آلِهَة , أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مُبْطِلُونَ مُخْطِئُونَ , فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْل فِي ذَلِكَ عَنْ غَيْر عِلْم , بَلْ عَنْ جَهْل مِنْهُمْ بِهِ ; وَإِنَّ الْعَالِم بِقَدِيمِ الْأُمُور وَبِحَدِيثِهَا وَشَاهِدهَا وَغَائِبهَا عَنْهُمْ , اللَّه الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , فَخَبَره هُوَ الْحَقّ دُون خَبَرهمْ . وَقَالَ : { عَالِم الْغَيْب } فَرُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاء , بِمَعْنَى : هُوَ عَالِم الْغَيْب , وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْفَاء فِي قَوْله : { فَتَعَالَى } كَمَا يُقَال : مَرَرْت بِأَخِيك الْمُحْسِن فَأَحْسَنْت إِلَيْهِ , فَتَرْفَع الْمُحْسِن إِذَا جَعَلْت فَأَحْسَنْت إِلَيْهِ بِالْفَاءِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام إِذَا كَانَ كَذَلِكَ : مَرَرْت بِأَخِيك هُوَ الْمُحْسِن , فَأَحْسَنْت إِلَيْهِ . وَلَوْ جُعِلَ الْكَلَام بِالْوَاوِ فَقِيلَ : وَأَحْسَنْت إِلَيْهِ , لَمْ يَكُنْ وَجْه الْكَلَام فِي " الْمُحْسِن " إِلَّا الْخَفْض عَلَى النَّعْت لِلْأَخِ , وَلِذَلِكَ لَوْ جَاءَ " فَتَعَالَى " بِالْوَاوِ كَانَ وَجْه الْكَلَام فِي عَالِم الْغَيْب الْخَفْض عَلَى الِاتِّبَاع لِإِعْرَابِ اسْم اللَّه , وَكَانَ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : سُبْحَان اللَّه عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَتَعَالَى ! فَيَكُون قَوْله : " وَتَعَالَى " حِينَئِذٍ مَعْطُوفًا عَلَى " سُبْحَان اللَّه " . وَقَدْ يَجُوز الْخَفْض مَعَ الْفَاء ; لِأَنَّ الْعَرَب قَدْ تَبْدَأ الْكَلَام بِالْفَاءِ , كَابْتِدَائِهَا بِالْوَاوِ , وَبِالْخَفْضِ كَانَ يَقْرَأ : { عَالِم الْغَيْب } فِي هَذَا الْمَوْضِع أَبُو عَمْرو , وَعَلَى خِلَافه فِي ذَلِكَ قِرَاءَة الْأَمْصَار . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : الرَّفْع , لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : إِجْمَاع الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَالثَّانِي : صِحَّته فِي الْعَرَبِيَّة .


وَقَوْله : { فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَارْتَفَعَ اللَّه وَعَلَا عَنْ شِرْك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِمَا يَصِفُونَ.
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَسورة المؤمنون الآية رقم 93
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ رَبّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : رَبّ إِنْ تُرِيَنِّي فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا تَعِدهُمْ مِنْ عَذَابك فَلَا تُهْلِكنِي بِمَا تُهْلِكهُمْ بِهِ , وَنَجِّنِي مِنْ عَذَابك وَسَخَطك فَلَا تَجْعَلنِي فِي الْقَوْم الْمُشْرِكِينَ ; وَلَكِنْ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ أَوْلِيَائِك . وَقَوْله : { فَلَا تَجْعَلنِي } جَوَاب لِقَوْلِهِ : { إِمَّا تُرِيَنِّي } اعْتَرَضَ بَيْنهمَا بِالنِّدَاءِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْله جَزَاء لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْكَلَام , لَا يُقَال : يَا زَيْد فَقُمْ , وَلَا يَا رَبّ فَاغْفِرْ ; لِأَنَّ النِّدَاء مُسْتَأْنَف , وَكَذَلِكَ الْأَمْر بَعْده مُسْتَأْنَف , لَا تَدْخُلهُ الْفَاء وَالْوَاو , إِلَّا أَنْ يَكُون جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْله.
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة المؤمنون الآية رقم 94
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : رَبّ إِنْ تُرِيَنِّي فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا تَعِدهُمْ مِنْ عَذَابك فَلَا تُهْلِكنِي بِمَا تُهْلِكهُمْ بِهِ , وَنَجِّنِي مِنْ عَذَابك وَسَخَطك فَلَا تَجْعَلنِي فِي الْقَوْم الْمُشْرِكِينَ ; وَلَكِنِ اجْعَلْنِي مِمَّنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ أَوْلِيَائِك . وَقَوْله : { فَلَا تَجْعَلنِي } جَوَاب لِقَوْلِهِ : { إِمَّا تُرِيَنِّي } اعْتَرَضَ بَيْنهمَا بِالنِّدَاءِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْله جَزَاء لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْكَلَام , لَا يُقَال : يَا زَيْد فَقُمْ , وَلَا يَا رَبّ فَاغْفِرْ ; لِأَنَّ النِّدَاء مُسْتَأْنَف , وَكَذَلِكَ الْأَمْر بَعْده مُسْتَأْنَف , لَا تَدْخُلهُ الْفَاء وَالْوَاو , إِلَّا أَنْ يَكُون جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْله .
وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَسورة المؤمنون الآية رقم 95
وَقَوْله : { وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيك مَا نَعِدهُمْ لَقَادِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّا يَا مُحَمَّد عَلَى أَنْ نُرِيك فِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا نَعِدهُمْ مِنْ تَعْجِيل الْعَذَاب لَهُمْ , لَقَادِرُونَ , فَلَا يَحْزُنَنَّك تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ بِمَا نَعِدهُمْ بِهِ , وَإِنَّمَا نُؤَخِّر ذَلِكَ لِيَبْلُغ الْكِتَاب أَجَله .
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَسورة المؤمنون الآية رقم 96
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : ادْفَعْ يَا مُحَمَّد بِالْخَلَّةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَن , وَذَلِكَ الْإِغْضَاء وَالصَّفْح عَنْ جَهَلَة الْمُشْرِكِينَ وَالصَّبْر عَلَى أَذَاهُمْ , وَذَلِكَ أَمْره إِيَّاهُ قَبْل أَمْره بِحَرْبِهِمْ , وَعَنَى بِالسَّيِّئَةِ : أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ وَتَكْذِيبهمْ لَهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , يَقُول لَهُ تَعَالَى ذِكْره : اصْبِرْ عَلَى مَا تَلْقَى مِنْهُمْ فِي ذَات اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19406 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } قَالَ : أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ . 19407 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ مُجَاهِد : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } قَالَ : هُوَ السَّلَام , تُسَلِّم عَلَيْهِ إِذَا لَقِيته . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19408 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة } قَالَ : وَاللَّه لَا يُصِيبهَا صَاحِبهَا حَتَّى يَكْظِم غَيْظًا وَيَصْفَح عَمَّا يَكْرَه .

وَقَوْله : { نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ اللَّه بِهِ , وَيَنْحَلُونَهُ مِنَ الْأَكَاذِيب وَالْفِرْيَة عَلَيْهِ , وَبِمَا يَقُولُونَ فِيك مِنَ السُّوء , وَنَحْنُ مُجَازُوهُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ , فَلَا يَحْزُنك مَا تَسْمَع مِنْهُمْ مِنْ قَبِيح الْقَوْل .
وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِسورة المؤمنون الآية رقم 97
وَقَوْله : { وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْ يَا مُحَمَّد رَبّ أَسْتَجِير بِك مِنْ خَنْق الشَّيَاطِين وَهَمَزَاتهَا , وَالْهَمْز : هُوَ الْغَمْز , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْهَمْزِ فِي الْكَلَام : هَمْزَة , وَالْهَمَزَات جَمْع هَمْزَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19409 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين } قَالَ : هَمَزَات الشَّيَاطِين : خَنْقهمْ النَّاس , فَذَلِكَ هَمَزَاتهمْ.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِسورة المؤمنون الآية رقم 98
وَقَوْله : { وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } يَقُول : وَقُلْ أَسْتَجِير بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ فِي أُمُورِي . كَالَّذِي : 19410 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } فِي شَيْء مِنْ أَمْرِي .
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِسورة المؤمنون الآية رقم 99
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمَوْت , وَعَايَنَ نُزُول أَمْر اللَّه بِهِ , قَالَ لِعَظِيمِ مَا يُعَايِن مِمَّا يَقْدَم عَلَيْهِ مِنْ عَذَاب اللَّه تَنَدُّمًا عَلَى مَا فَاتَ وَتَلَهُّفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْ طَاعَة اللَّه وَمَسْأَلَته لِلْإِقَالَةِ : { رَبّ ارْجِعُونِ } إِلَى الدُّنْيَا فَرُدُّونِي إِلَيْهَا , { لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا } يَقُول : كَيْ أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت قَبْل الْيَوْم مِنَ الْعَمَل فَضَيَّعْته وَفَرَّطْت فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19411 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , قَالَ : كَانَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقْرَأ عَلَيْنَا : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ } قَالَ مُحَمَّد : إِلَى أَيّ شَيْء يُرِيد ؟ إِلَى أَيّ شَيْء يَرْغَب ؟ أَجَمْع الْمَال , أَوْ غَرْس الْغِرَاس , أَوْ بَنْي بُنْيَان , أَوْ شَقّ أَنْهَار ؟ ثُمَّ يَقُول : { لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت } يَقُول الْجَبَّار : كَلَّا . 19412 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { رَبّ ارْجِعُونِ } قَالَ : هَذِهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمْ الْمَوْت } قَالَ : حِين تَنْقَطِع الدُّنْيَا وَيُعَايِن الْآخِرَة , قَبْل أَنْ يَذُوق الْمَوْت . 19413 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة : " إِذَا عَايَنَ الْمُؤْمِن الْمَلَائِكَة قَالُوا : نُرْجِعك إِلَى الدُّنْيَا ؟ فَيَقُول : إِلَى دَار الْهُمُوم وَالْأَحْزَان ؟ فَيَقُول : بَلْ قَدِّمَانِي إِلَى اللَّه . وَأَمَّا الْكَافِر فَيُقَال : نُرْجِعك ؟ فَيَقُول : لَعَلِّي أَعْمَل صَالِحًا فَمَا تَرَكْت ... " الْآيَة . 19414 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدهمُ الْمَوْت قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ } يَعْنِي أَهْل الشِّرْك . وَقِيلَ : " رَبّ ارْجِعُونِ " , فَابْتَدَأَ الْكَلَام بِخِطَابِ اللَّه تَعَالَى , ثُمَّ قِيلَ : " ارْجِعُونِ " , فَصَارَ إِلَى خِطَاب الْجَمَاعَة , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره وَاحِد . وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ مَسْأَلَة الْقَوْم الرَّدّ إِلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رُوحهمْ , كَمَا ذَكَرَ ابْن جُرَيْج أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ . وَإِنَّمَا ابْتُدِئَ الْكَلَام بِخِطَابِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ; لِأَنَّهُمْ اسْتَغَاثُوا بِهِ , ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَسْأَلَة الْمَلَائِكَة الرُّجُوع وَالرَّدّ إِلَى الدُّنْيَا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَى عَلَى وَصْف اللَّه نَفْسه مِنْ قَوْله : { وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ قَبْل وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } 19 9 فِي غَيْر مَكَان مِنَ الْقُرْآن , فَجَرَى هَذَا عَلَى ذَاكَ .
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَسورة المؤمنون الآية رقم 100
يَقُول : كَيْ أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت قَبْل الْيَوْم مِنَ الْعَمَل فَضَيَّعْته وَفَرَّطْت فِيهِ .


وَقَوْله : { كَلَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ الْأَمْر عَلَى مَا قَالَ هَذَا الْمُشْرِك ; لَنْ يُرْجَع إِلَى الدُّنْيَا وَلَنْ يُعَاد إِلَيْهَا.


يَقُول : هَذِهِ الْكَلِمَة , وَهُوَ قَوْله : { رَبّ ارْجِعُونِ } كَلِمَة هُوَ قَائِلهَا ; يَقُول : هَذَا الْمُشْرِك هُوَ قَائِلهَا . كَمَا : 19415 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَة هُوَ قَائِلهَا } لَا بُدّ لَهُ أَنْ يَقُولهَا .


يَقُول : وَمِنْ أَمَامهمْ حَاجِز يَحْجِز بَيْنهمْ وَبَيْن الرُّجُوع , يَعْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورهمْ , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة ; وَالْبَرْزَخ وَالْحَاجِز وَالْمُهْلَة مُتَقَارِبَات فِي الْمَعْنَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول : أَجَل إِلَى حِين . 19417 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ } قَالَ : مَا بَعْد الْمَوْت . 19418 -حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْد الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا أَبُو حَيْوَة شُرَيْح بْن يَزِيد , قَالَ : ثنا أَرْطَاة , عَنْ أَبِي يُوسُف , قَالَ : خَرَجْت مَعَ أَبِي أُمَامَة فِي جِنَازَة , فَلَمَّا وُضِعَتْ فِي لَحْدهَا , قَالَ أَبُو أُمَامَة : هَذَا بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ . 19419 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مَطَر , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : مَا بَيْن الْمَوْت إِلَى الْبَعْث . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : حِجَاب بَيْن الْمَيِّت وَالرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 19420 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : بَرْزَخ بَقِيَّة الدُّنْيَا . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19421 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قَالَ : الْبَرْزَخ مَا بَيْن الْمَوْت إِلَى الْبَعْث . 19422 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : الْبَرْزَخ : مَا بَيْن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَسورة المؤمنون الآية رقم 101
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّوَر فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور } مِنَ النَّفْخَتَيْنِ أَيَّتهمَا عُنِيَ بِهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا النَّفْخَة الْأُولَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19423 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُطَرِّف , عَنِ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ : سَمِعْت اللَّه يَقُول : { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ } . . . الْآيَة , وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى : { وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } 37 27 فَقَالَ : أَمَّا قَوْله : { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } فَذَلِكَ فِي النَّفْخَة الْأُولَى , فَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْض شَيْء ; { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } . وَأَمَّا قَوْله : { وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } 37 27 فَإِنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْجَنَّة أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ . 19424 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } قَالَ : فِي النَّفْخَة الْأُولَى . 19425 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } فَذَلِكَ حِين يُنْفَخ فِي الصُّوَر , فَلَا حَيّ يَبْقَى إِلَّا اللَّه . { وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } 37 27 فَذَلِكَ إِذَا بُعِثُوا فِي النَّفْخَة الثَّانِيَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور , فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا , وَلَا يَتَسَاءَلُونَ , وَلَا يَتَزَاوَرُونَ , فَيَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَحْوَالهمْ وَأَنْسَابهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ . بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ النَّفْخَة الثَّانِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19426 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ هَارُون بْن أَبِي وَكِيع , قَالَ : سَمِعْت زَاذَان يَقُول : أَتَيْت ابْن مَسْعُود , وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاس إِلَيْهِ فِي دَاره , فَلَمْ أَقْدِر عَلَى مَجْلِس , فَقُلْت : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , مِنْ أَجْل أَنِّي رَجُل مِنَ الْعَجَم تَحْقِرنِي ؟ قَالَ : ادْنُ ! قَالَ : فَدَنَوْت , فَلَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنه جَلِيس , فَقَالَ : " يُؤْخَذ بِيَدِ الْعَبْد أَوْ الْأَمَة يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , قَالَ : وَيُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا إِنَّ هَذَا فُلَان ابْن فُلَان , فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقّ قِبَله فَلْيَأْتِ إِلَى حَقّه , قَالَ : فَتَفْرَح الْمَرْأَة يَوْمئِذٍ أَنْ يَكُون لَهَا حَقّ عَلَى ابْنهَا أَوْ عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى أَخِيهَا أَوْ عَلَى زَوْجهَا ; { فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } . 19427 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ; ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ زَاذَان , قَالَ : سَمِعْت ابْن مَسْعُود يَقُول : " يُؤْخَذ الْعَبْد أَوْ الْأَمَة يَوْم الْقِيَامَة , فَيُنْصَب عَلَى رُءُوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : فَيَقُول الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْعَبْدِ : أَعْطِ هَؤُلَاءِ حُقُوقهمْ ! فَيَقُول : أَيْ رَبّ , فَنِيَتِ الدُّنْيَا , فَمِنْ أَيْنَ أُعْطِيهِمْ ؟ فَيَقُول لِلْمَلَائِكَةِ : خُذُوا مِنْ أَعْمَاله الصَّالِحَة وَأَعْطُوا لِكُلِّ إِنْسَان بِقَدْرِ طِلْبَته ! فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْل مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل , ضَاعَفَهَا اللَّه لَهُ حَتَّى يُدْخِلهُ بِهَا الْجَنَّة , ثُمَّ تَلَا ابْن مَسْعُود : { إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِثْقَال ذَرَّة وَإِنْ تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْه أَجْرًا عَظِيمًا } 4 40 وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَتِ الْمَلَائِكَة : رَبّنَا , فَنِيَتْ حَسَنَاته وَبَقِيَ طَالِبُونَ كَثِير , فَيَقُول : خُذُوا مِنْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاته , وَصُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّار ! " . 19428 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } قَالَ : لَا يُسْأَل أَحَد يَوْمئِذٍ بِنَسَبٍ شَيْئًا , وَلَا يَتَسَاءَلُونَ , وَلَا يُمَتّ إِلَيْهِ بِرَحِمٍ . 19429 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ حَفْص بْن الْمُغِيرَة , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَيْسَ شَيْء أَبْغَض إِلَى الْإِنْسَان يَوْم الْقِيَامَة مَنْ أَنْ يَرَى مَنْ يَعَافهُ , مَخَافَة أَنْ يَذُوب لَهُ عَلَيْهِ شَيْء , ثُمَّ قَرَأَ : { يَوْم يَفِرّ الْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّه وَأَبِيهِ وَصَاحِبَته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه } 80 34 : 37 . 19430 - قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن سِنَان , عَنْ سَدُوس صَاحِب السَّائِرِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار , نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَهْل الْعَرْش : يَا أَهْل التَّظَالُم تَدَارَكُوا مَظَالِمكُمْ وَادْخُلُوا الْجَنَّة ! " .
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَسورة المؤمنون الآية رقم 102
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه } مَوَازِين حَسَنَاته وَخَفَّتْ مَوَازِين سَيِّئَاته .

يَعْنِي الْخَالِدُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم .
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَسورة المؤمنون الآية رقم 103
يَقُول : وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِين حَسَنَاته , فَرَجَحَتْ بِهَا مَوَازِين سَيِّئَاته .

يَقُول : غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ رَحْمَة اللَّه .


يَقُول : هُمْ فِي نَار جَهَنَّم .
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَسورة المؤمنون الآية رقم 104
وَقَوْله : { تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار } يَقُول : تَسْفَع وُجُوههمْ النَّار . كَمَا : 19431 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار } قَالَ : تَنْفَح .


وَالْكُلُوح : أَنْ تَتَقَلَّص الشَّفَتَانِ عَنِ الْأَسْنَان حَتَّى تَبْدُو الْأَسْنَان , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : وَلَهُ الْمُقَدَّم لَا مِثْل لَهُ سَاعَة الشِّدْق عَنِ النَّاب كَلَحْ فَتَأْوِيل الْكَلَام : يَسْفَع وُجُوههمْ لَهَب النَّار فَتَحْرُقهَا , وَهُمْ فِيهَا مُتَقَلِّصُو الشِّفَاه عَنِ الْأَسْنَان مِنْ إِحْرَاق النَّار وُجُوههمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19432 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } يَقُول : عَابِسُونَ . 19433 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْس الْمَشِيط قَدْ بَدَتْ أَسْنَانه وَقَلَصَتْ شَفَتَاهُ ؟ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه , قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار } . . . الْآيَة , قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْس الْمَشِيط بِالنَّارِ وَقَدْ قَلَصَتْ شَفَتَاهُ وَبَدَتْ أَسْنَانه ؟ . 19434 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْغَنَم إِذَا مَسَّتْ النَّار وُجُوههَا كَيْفَ هِيَ ؟ .
أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَسورة المؤمنون الآية رقم 105
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُقَال لَهُمْ : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَعْنِي آيَات الْقُرْآن تُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا , { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } . وَتَرَكَ ذِكْر " يُقَال " لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَسورة المؤمنون الآية رقم 106
{ قَالُوا رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } بِكَسْرِ الشِّين , وَبِغَيْرِ أَلِف . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " شَقَاوَتنَا " بِفَتْحِ الشِّين وَالْأَلِف . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , وَقَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالُوا : رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا مَا سَبَقَ لَنَا فِي سَابِق عِلْمك وَخُطَّ لَنَا فِي أُمّ الْكِتَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19435 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } قَالَ : الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19436 -وَقَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج : بَلَغَنَا أَنَّ أَهْل النَّار نَادَوْا خَزَنَة جَهَنَّم : أَنِ { ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب } 40 49 فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ مَا شَاءَ اللَّه ; فَلَمَّا أَجَابُوهُمْ بَعْد حِين قَالُوا : { ادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال } 40 50 قَالَ : ثُمَّ نَادَوْا مَالِكًا : يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك ! فَسَكَتَ عَنْهُمْ مَالِك خَازِن جَهَنَّم أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ أَجَابَهُمْ فَقَالَ : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } 43 77 ثُمَّ نَادَى الْأَشْقِيَاء رَبّهمْ , فَقَالُوا : { رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فَسَكَتَ عَنْهُمْ مِثْل مِقْدَار الدُّنْيَا , ثُمَّ أَجَابَهُمْ بَعْد ذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . 19437 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : " يُنَادِي أَهْل النَّار أَهْل الْجَنَّة فَلَا يُجِيبُونَهُمْ مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ يَقُول : أَجِيبُوهُمْ ! وَقَدْ قَطَعَ الرَّحِم وَالرَّحْمَة . فَيَقُول أَهْل الْجَنَّة : يَا أَهْل النَّار عَلَيْكُمْ غَضَب اللَّه ! يَا أَهْل النَّار عَلَيْكُمْ لَعْنَة اللَّه ! يَا أَهْل النَّار , لَا لَبَّيْكُمْ وَلَا سَعْدَيْكُمْ ! مَاذَا تَقُولُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ نَكُ فِي الدُّنْيَا آبَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : بَلَى . فَيَقُولُونَ : { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه قَالُوا إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } 7 50 " . 19438 -قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ ; قَالَ : وثني عَبْدَة الْمَرْوَزِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي لَيْلَى , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب , زَادَ أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه , قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : بَلَغَنِي , أَوْ ذُكِرَ لِي , أَنَّ أَهْل النَّار اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ , ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب ! فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا قَالَ اللَّه ; فَلَمَّا أَيِسُوا نَادَوْا : يَا مَالِك - وَهُوَ عَلَيْهِمْ , وَلَهُ مَجْلِس فِي وَسَطهَا , وَجُسُور تَمُرّ عَلَيْهَا مَلَائِكَة الْعَذَاب , فَهُوَ يَرَى أَقْصَاهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا - فَقَالُوا : يَا مَالِك , لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك - سَأَلُوا الْمَوْت . فَمَكَثَ لَا يُجِيبهُمْ ثَمَانِينَ أَلْف سَنَة مِنْ سِنِي الْآخِرَة , أَوْ كَمَا قَالَ , ثُمَّ انْحَطَّ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } 43 77 فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا : فَاصْبِرُوا , فَلَعَلَّ الصَّبْر يَنْفَعنَا كَمَا صَبَرَ أَهْل الدُّنْيَا عَلَى طَاعَة اللَّه ! قَالَ : فَصَبَرُوا , فَطَالَ صَبْرهمْ , فَنَادَوْا : { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص } 14 21 أَيْ مَنْجَى , فَقَامَ إِبْلِيس عِنْد ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ , فَقَالَ : { إِنَّ اللَّه وَعَدَكُمْ وَعْد الْحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان } 14 22 , فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتهمْ , مَقَتُوا أَنْفُسهمْ , قَالَ : فَنُودُوا : { لَمَقْت اللَّه أَكْبَر مِنْ مَقْتكُمْ أَنْفُسكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا ... } 40 10 : 11 الْآيَة , قَالَ : فَيُجِيبهُمْ اللَّه فِيهَا : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّه وَحْده كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَك بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْم لِلَّهِ الْعَلِيّ الْكَبِير } 40 12 . قَالَ : فَيَقُولُونَ : مَا أَيِسْنَا بَعْد ! قَالَ : ثُمَّ دَعَوْا مَرَّة أُخْرَى , فَيَقُولُونَ : { رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } 32 12 قَالَ : فَيَقُول الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلّ نَفْس هُدَاهَا } 32 13 يَقُول الرَّبّ : لَوْ شِئْت لَهَدَيْت النَّاس جَمِيعًا فَلَمْ يَخْتَلِف مِنْهُمْ أَحَد { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْل مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنَ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا } 32 13 : 14 يَقُول : بِمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَعْمَلُوا لِيَوْمِكُمْ هَذَا , { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } 32 14 أَيْ تَرَكْنَاكُمْ , { وَذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } 32 14 . قَالَ : فَيَقُولُونَ : مَا أَيِسْنَا بَعْد ! قَالَ : فَيَدْعُونَ مَرَّة أُخْرَى : { رَبّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَل قَرِيب نُجِبْ دَعْوَتك وَنَتَّبِعِ الرُّسُل } 14 44 قَالَ : فَيُقَال لَهُمْ : { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْل مَا لَكُمْ مِنْ زَوَال وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِن الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } 14 44 : 45 الْآيَة , قَالَ : فَيَقُولُونَ : مَا أَيِسْنَا بَعْد ! ثُمَّ قَالُوا مَرَّة أُخْرَى : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَل صَالِحًا غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل } 35 37 , قَالَ : فَيَقُول : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير ... } 35 37 إِلَى : { نَصِير } 35 37 , ثُمَّ مَكَثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ نَادَاهُمْ : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } 23 105 فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا : الْآن يَرْحَمنَا ! فَقَالُوا عِنْد ذَلِكَ : { رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا } أَيْ الْكِتَاب الَّذِي كُتِبَ عَلَيْنَا { وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ... } الْآيَة , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : فَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا أَبَدًا . فَانْقَطَعَ عِنْد ذَلِكَ الدُّعَاء وَالرَّجَاء مِنْهُمْ , وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ يَنْبَح فِي وَجْه بَعْض , فَأُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ . قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك فِي حَدِيثه : فَحَدَّثَنِي الْأَزْهَر بْن أَبِي الْأَزْهَر أَنَّهُ قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { هَذَا يَوْم لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } 77 35 : 36 . 19439 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ : فَوَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآن عَلَى مُحَمَّد وَالتَّوْرَاة عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيل عَلَى عِيسَى , مَا تَكَلَّمَ أَهْل النَّار كَلِمَة بَعْدهَا إِلَّا الشَّهِيق وَالزَّعِيق فِي الْخُلْد أَبَدًا لَيْسَ لَهُ نَفَاد . 19440 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , قَالَ : كُنَّا فِي جِنَازَة وَمَعَنَا أَبُو جَعْفَر الْقَارِي , فَجَلَسْنَا , فَتَنَحَّى أَبُو جَعْفَر , فَبَكَى , فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك يَا أَبَا جَعْفَر ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِي زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّ أَهْل النَّار لَا يَتَنَفَّسُونَ .

وَقَوْله : { وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ } يَقُول : كُنَّا قَوْمًا ضَلَلْنَا عَنْ سَبِيل الرَّشَاد وَقَصْد الْحَقّ .
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَسورة المؤمنون الآية رقم 107
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الَّذِينَ خَفَّتْ مَوَازِين صَالِح أَعْمَالهمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم : رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنَ النَّار , فَإِنْ عُدْنَا لِمَا تَكْرَه مِنَّا مِنْ عَمَل فَإِنَّا ظَالِمُونَ .
قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِسورة المؤمنون الآية رقم 108
وَقَوْله : { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الرَّبّ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُجِيبًا : { اخْسَئُوا فِيهَا } أَيْ اقْعُدُوا فِي النَّار . يُقَال مِنْهُ : خَسَأْت فُلَانًا أَخْسَؤُهُ خَسْئًا وَخُسُوءًا , وَخَسِئَ هُوَ يَخْسَأ وَمَا كَانَ خَاسِئًا وَلَقَدْ خُسِئَ . { وَلَا تُكَلِّمُونِ } فَعِنْد ذَلِكَ أَيِسَ الْمَسَاكِين مِنَ الْفَرَج وَلَقَدْ كَانُوا طَامِعِينَ فِيهِ ; كَمَا : 19441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : ثني أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قِصَّة ذَكَرَهَا فِي الشَّفَاعَة , قَالَ : فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَلَّا يُخْرِج مِنْهَا - يَعْنِي مِنَ النَّار - أَحَدًا , غَيَّرَ وُجُوههمْ وَأَلْوَانهَا , فَيَجِيء الرَّجُل مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَشْفَع فِيهِمْ , فَيَقُول : يَا رَبّ ! فَيَقُول : مَنْ عَرَفَ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ ! قَالَ : فَيَجِيء الرَّجُل فَيَنْظُر فَلَا يَعْرِف أَحَدًا , فَيَقُول : يَا فُلَان يَا فُلَان ! فَيَقُول : مَا أَعْرِفك . فَعِنْد ذَلِكَ يَقُولُونَ : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فَيَقُول : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ جَهَنَّم فَلَا يَخْرُج مِنْهَا بَشَر . 19442 -حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ مَعْدِي كَرِب , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : يُرْسَل - أَوْ يُصَبّ - عَلَى أَهْل النَّار الْجُوع , فَيُعْدَل مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَاب , فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ الَّذِي لَا يُسْمِن وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوع , فَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا فَيَسْتَغِيثُونَ , فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّة , فَإِذَا أَكَلُوهُ نَشِبَ فِي حُلُوقهمْ , فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَحْدُرُونَ الْغُصَّة بِالْمَاءِ . فَيَسْتَغِيثُونَ , فَيُرْفَع إِلَيْهِمُ الْحَمِيم فِي كَلَالِيب الْحَدِيد , فَإِذَا انْتَهَى إِلَى وُجُوههمْ شَوَى وُجُوههمْ , فَإِذَا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ . قَالَ : فَيُنَادُونَ مَالِكًا : لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك ! قَالَ : فَيَتْرُكهُمْ أَلْف سَنَة , ثُمَّ يُجِيبهُمْ : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ . قَالَ : فَيُنَادُونَ خَزَنَة جَهَنَّم : ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب ! قَالُوا : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالُوا : فَادْعُوا , وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال ! قَالَ : فَيَقُولُونَ مَا نَجِد أَحَدًا خَيْرًا لَنَا مِنْ رَبّنَا , فَيُنَادُونَ رَبّهمْ : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } قَالَ : فَيَقُول اللَّه : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلّ خَيْر , فَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالشَّهِيق وَالثُّبُور . 19443 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن يُوسُف الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا قُطْبَة بْن عَبْد الْعَزِيز الْأَسَدِيّ , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ شَمِر بْن عَطِيَّة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أُمّ الدَّرْدَاء , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُلْقَى عَلَى أَهْل النَّار الْجُوع . .. " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ . 19444 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : يَرَى أَهْل النَّار فِي كُلّ سَبْعِينَ عَامًا سَاق مَالِك خَازِن النَّار , فَيَقُولُونَ : { يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } 43 77 ! فَيُجِيبهُمْ بِكَلِمَةٍ , ثُمَّ لَا يَرَوْنَهُ سَبْعِينَ عَامًا , فَيَسْتَغِيثُونَ بِالْخَزَنَةِ , فَيَقُولُونَ لَهُمْ : ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَاب ! فَيُجِيبُونَهُمْ : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ . .. } 40 50 الْآيَة . فَيَقُولُونَ : ادْعُوا رَبّكُمْ , فَلَيْسَ أَحَد أَرْحَم مِنْ رَبّكُمْ ! فَيَقُولُونَ : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } . قَالَ : فَيُجِيبهُمْ : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . فَعِنْد ذَلِكَ يَيْأَسُونَ مِنْ كُلّ خَيْر , وَيَأْخُذُونَ فِي الشَّهِيق وَالْوَيْل وَالثُّبُور . 19445 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُنَادُونَ مَالِكًا فَيَقُولُونَ : لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك ! فَيَسْكُت عَنْهُمْ قَدْر أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ يَقُول : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } 43 77 . قَالَ : ثُمَّ يُنَادُونَ رَبّهمْ , فَيَسْكُت عَنْهُمْ قَدْر الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ , ثُمَّ يَقُول : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } . قَالَ : فَيَيْأَس الْقَوْم , فَلَا يَتَكَلَّمُونَ بَعْدهَا كَلِمَة , وَكَانَ إِنَّمَا هُوَ الزَّفِير وَالشَّهِيق . قَالَ قَتَادَة : صَوْت الْكَافِر فِي النَّار مِثْل صَوْت الْحِمَار : أَوَّله زَفِير , وَآخِره شَهِيق . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19446 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عِيسَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي زِيَاد الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : أَسْنَدَهُ إِلَى بَعْض أَهْل الْعِلْم , فَنَسِيته , فِي قَوْله : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قَالَ : فَيَسْكُتُونَ , قَالَ : فَلَا يُسْمَع فِيهَا حِسّ إِلَّا كَطَنِينِ الطَّسْت . 19447 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } هَذَا قَوْل الرَّحْمَن عَزَّ وَجَلَّ , حِين انْقَطَعَ كَلَامهمْ مِنْهُ .
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَسورة المؤمنون الآية رقم 109
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيق مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّاحِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّهُ } وَهَذِهِ الْهَاء فِي قَوْله " إِنَّهُ " هِيَ الْهَاء الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْل الْعَرَبِيَّة الْمَجْهُولَة . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَاهَا فِيمَا مَضَى قَبْل , وَمَعْنَى دُخُولهَا فِي الْكَلَام , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { كَانَ فَرِيق مِنْ عِبَادِي } يَقُول : كَانَتْ جَمَاعَة مِنْ عِبَادِي , وَهُمْ أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ , يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا : { رَبّنَا آمَنَّا } بِك وَبِرُسُلِك , وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدك . { فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَارْحَمْنَا } وَأَنْتَ خَيْر مَنْ رَحِمَ أَهْل الْبَلَاء , فَلَا تُعَذِّبنَا بِعَذَابِك .
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَسورة المؤمنون الآية رقم 110
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاتَّخَذْتُمْ أَيّهَا الْقَائِلُونَ لِرَبِّهِمْ { رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ } فِي الدُّنْيَا , الْقَائِلِينَ فِيهَا { رَبّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّاحِمِينَ } سِخْرِيًّا . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ } مِنْ ذِكْر الْفَرِيق . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سِخْرِيًّا } فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا } بِكَسْرِ السِّين , وَيَتَأَوَّلُونَ فِي كَسْرهَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْهُزْء , وَيَقُولُونَ : إِنَّهَا إِذَا ضُمَّتْ فَمَعْنَى الْكَلِمَة : السُّخْرَة وَالِاسْتِعْبَاد , فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ : فَاتَّخَذَهُمْ أَهْل الْإِيمَان بِي فِي الدُّنْيَا هُزُؤًا وَلَعِبًا , تَهْزَءُونَ بِهِمْ , حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : " فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْرِيًّا " بِضَمِّ السِّين , وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلِمَة فِي الضَّمّ وَالْكَسْر وَاحِد . وَحَكَى بَعْضهمْ عَنِ الْعَرَب سَمَاعًا لِجِّيّ وَلُجِّيّ , وَدِرِّيّ , وَدُرِّيّ , مَنْسُوب إِلَى الدُّرّ , وَكَذَلِكَ كِرْسِيّ وَكُرْسِيّ ; وَقَالُوا ذَلِكَ مِنْ قِيلهمْ كَذَلِكَ : نَظِير قَوْلهمْ فِي جَمْع الْعَصَا : الْعِصِيّ بِكَسْرِ الْعَيْن , وَالْعُصِيّ بِضَمِّهَا ; قَالُوا : وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الضَّمّ فِي السُّخْرِيّ ; لِأَنَّهُ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ ذَلِكَ فَمُصِيب , وَلَيْسَ يُعْرَف مَنْ فَرَّقَ بَيْن مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا كُسِرَتِ السِّين وَإِذَا ضُمَّتْ , لِمَا ذَكَرْت مِنَ الرِّوَايَة عَمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْعَرَب مَا حَكَيْت عَنْهُ . ذِكْر الرِّوَايَة بِهِ عَنْ بَعْض مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْن مَعْنَاهُ مَكْسُورَة سِينه وَمَضْمُومَة : 19448 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا } قَالَ : هُمَا مُخْتَلِفَتَانِ : سِخْرِيًّا , وَسُخْرِيًّا , يَقُول اللَّه : { وَرَفَعْنَا بَعْضهمْ فَوْق بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذ بَعْضهمْ بَعْضًا سِخْرِيًّا } 43 32 قَالَ : هَذَا سِخْرِيًّا : يُسَخِّرُونَهُمْ , وَالْآخَرُونَ : الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ هُمْ " سُخْرِيًّا " , فَتِلْكَ " سِخْرِيًّا " يُسَخِّرُونَهُمْ عِنْدك , فَسَخَّرَك : رَفَعَك فَوْقه ; وَالْآخَرُونَ : اسْتَهْزَءُوا بِأَهْلِ الْإِسْلَام هِيَ " سُخْرِيًّا " يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ , فَهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأ مِنْ قَوْمه سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَر مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } 11 38 وَقَالَ : يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ كَمَا سَخِرَ قَوْم نُوح بِنُوحٍ , " اتَّخَذُوهُمْ سُخْرِيًّا " : اتَّخَذُوهُمْ هُزُؤًا , لَمْ يَزَالُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ . وَقَوْله : { حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي } يَقُول : لَمْ يَزَلْ اسْتِهْزَاؤُكُمْ بِهِمْ , أَنْسَاكُمْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلكُمْ بِهِمْ ذِكْرِي , فَأَلْهَاكُمْ عَنْهُ . { وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } , كَمَا : 19449 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي } قَالَ : أَنْسَى هَؤُلَاءِ اللَّه اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِمْ وَضَحِكهمْ بِهِمْ . وَقَرَأَ : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } 83 29 حَتَّى بَلَغَ : { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } 83 32 .
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَسورة المؤمنون الآية رقم 111
وَقَوْله : { إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنِّي أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الْمُخَلَّدُونَ فِي النَّار , جَزَيْت الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ فِي الدُّنْيَا سِخْرِيًّا مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِي , وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ . { الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا } عَلَى مَا كَانُوا يَلْقَوْنَ بَيْنكُمْ مِنْ أَذَى سُخْرِيَّتكُمْ وَضَحِككُمْ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا . { أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } . اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة : " إِنَّهُمْ " فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { أَنَّهُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنَّهُمْ " بِمَعْنَى : جَزَيْتهمْ هَذَا فَ " أَنَّ " فِي قِرَاءَة هَؤُلَاءِ : فِي مَوْضِع نَصْب بِوُقُوعِ قَوْله : " جَزَيْتهمْ " عَلَيْهَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم الْفَوْز بِالْجَنَّةِ . وَقَدْ يَحْتَمِل النَّصْب مِنْ وَجْه آخَر , وَهُوَ أَنْ يَكُون مُوَجَّهًا مَعْنَاهُ إِلَى : إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا لَقُوا فِي ذَات اللَّه . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " إِنِّي " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْهَا , بِمَعْنَى الِابْتِدَاء , وَقَالُوا : ذَلِكَ ابْتِدَاء مِنَ اللَّه مَدْحهمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْأَلِف ; لِأَنَّ قَوْله : " جَزَيْتهمْ " , قَدْ عَمِلَ فِي الْهَاء وَالْمِيم , وَالْجَزَاء إِنَّمَا يَعْمَل فِي مَنْصُوبَيْنِ , وَإِذَا عَمِلَ فِي الْهَاء وَالْمِيم لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَمَل فِي " أَنَّ " فَيَصِير عَامِلًا فِي ثَلَاثَة إِلَّا أَنْ يَنْوِي بِهِ التَّكْرِير , فَيَكُون نَصْب " أَنَّ " حِينَئِذٍ بِفِعْلٍ مُضْمَر لَا بِقَوْلِهِ : " جَزَيْتهمْ " , وَإِنْ هِيَ نُصِبَتْ بِإِضْمَارِ لَام لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا كَبِير مَعْنًى ; لِأَنَّ جَزَاء اللَّه عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ , إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ صَالِح أَعْمَالهمْ فِي الدُّنْيَا وَجَزَاؤُهُ إِيَّاهُمْ وَذَلِكَ فِي الْآخِرَة هُوَ الْفَوْز , فَلَا مَعْنَى لِأَنْ يَشْرُط لَهُمُ الْفَوْز بِالْأَعْمَالِ ثُمَّ يُخْبِر أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَازُوا لِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة مَا ذَكَرْنَا : إِنِّي جَزَيْتهمُ الْيَوْم الْجَنَّة بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَذَاكُمْ بِهَا , فِي أَنَّهُمْ الْيَوْم هُمُ الْفَائِزُونَ بِالنَّعِيمِ الدَّائِم وَالْكَرَامَة الْبَاقِيَة أَبَدًا , بِمَا عَمِلُوا مِنْ صَالِحَات الْأَعْمَال فِي الدُّنْيَا وَلَقُوا فِي طَلَب رِضَايَ مِنَ الْمَكَارِه فِيهَا .
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَسورة المؤمنون الآية رقم 112
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَفِي قَوْله : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْخَبَر : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } وَكَذَلِكَ قَوْله : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ } . وَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى أَنَّ اللَّه قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء مِنْ أَهْل النَّار وَهُمْ فِي النَّار : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَأَنَّهُمْ أَجَابُوا اللَّه فَقَالُوا : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } , فَنَسِيَ الْأَشْقِيَاء , لِعَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاء وَالْعَذَاب , مُدَّة مُكْثهمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , وَقَصُرَ عِنْدهمْ أَمَد مُكْثهمْ الَّذِي كَانَ فِيهَا , لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَة اللَّه , حَتَّى حَسِبُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَكَثُوا فِيهَا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , وَلَعَلَّ بَعْضهمْ كَانَ قَدْ مَكَثَ فِيهَا الزَّمَان الطَّوِيل وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْأَمْر لَهُمْ بِالْقَوْلِ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ; قُولُوا كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض ؟ وَأَخْرَجَ الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر لِلْوَاحِدِ وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْجَمَاعَة , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ . وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَة مَنِ اخْتَارَهَا مِنْ أَهْل الْكُوفَة لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ : " قُلْ " بِغَيْرِ أَلِف , وَفِي غَيْر مَصَاحِفهمْ بِالْأَلِفِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } عَلَى وَجْه الْخَبَر ; لِأَنَّ وَجْه الْكَلَام لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا , أَنْ يَكُون " قُولُوا " عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلْجَمْعِ ; لِأَنَّ الْخِطَاب فِيمَا قَبْل ذَلِكَ وَبَعْده جَرَى لِجَمَاعَةِ أَهْل النَّار , فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُون كَذَلِكَ قَوْله : " وَقُولُوا " ; لَوْ كَانَ الْكَلَام جَاءَ عَلَى وَجْه الْأَمْر , وَإِنْ كَانَ الْآخَر جَائِزًا , أَعْنِي التَّوْحِيد ; لِمَا بَيَّنْت مِنَ الْعِلَّة لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَاءَ الْكَلَام بِالتَّوْحِيدِ فِي قِرَاءَة جَمِيع الْقُرَّاء , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنِ الْوَاحِد أَشْبَه , إِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيح الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ اللَّه كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَد سِنِينَ ؟ قَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : لَبِثْنَا فِيهَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ , لِأَنَّا لَا نَدْرِي , قَدْ نَسِينَا ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْعَادِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمُ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَال بَنِي آدَم وَيُحْصُونَ عَلَيْهِمْ سَاعَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمُ الْحُسَّاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19451 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلِ الْحُسَّاب . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلْ أَهْل الْحِسَاب . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } وَهُمُ الَّذِينَ يَعُدُّونَ عَدَد الشُّهُور وَالسِّنِينَ وَغَيْر ذَلِكَ . وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا الْمَلَائِكَة , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا بَنِي آدَم وَغَيْرهمْ , وَلَا حُجَّة بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ ثَبَتَتْ صِحَّتهَا ; فَغَيْر جَائِز تَوْجِيه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى بَعْض الْعَادِّينَ دُون بَعْض .
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَسورة المؤمنون الآية رقم 113
اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَفِي قَوْله : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْخَبَر : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } وَكَذَلِكَ قَوْله : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ } . وَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى أَنَّ اللَّه قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء مِنْ أَهْل النَّار وَهُمْ فِي النَّار : { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ } وَأَنَّهُمْ أَجَابُوا اللَّه فَقَالُوا : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } , فَنَسِيَ الْأَشْقِيَاء , لِعَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاء وَالْعَذَاب , مُدَّة مُكْثهمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , وَقَصُرَ عِنْدهمْ أَمَد مُكْثهمْ الَّذِي كَانَ فِيهَا , لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَة اللَّه , حَتَّى حَسِبُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَكَثُوا فِيهَا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , وَلَعَلَّ بَعْضهمْ كَانَ قَدْ مَكَثَ فِيهَا الزَّمَان الطَّوِيل وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة عَلَى وَجْه الْأَمْر لَهُمْ بِالْقَوْلِ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ; قُولُوا كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض ؟ وَأَخْرَجَ الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر لِلْوَاحِدِ وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْجَمَاعَة , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ , وَإِنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَة مَنِ اخْتَارَهَا مِنْ أَهْل الْكُوفَة لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ : " قُلْ " بِغَيْرِ أَلِف , وَفِي غَيْر مَصَاحِفهمْ بِالْأَلِفِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } عَلَى وَجْه الْخَبَر ; لِأَنَّ وَجْه الْكَلَام لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا , أَنْ يَكُون " قُولُوا " عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلْجَمْعِ ; لِأَنَّ الْخِطَاب فِيمَا قَبْل ذَلِكَ وَبَعْده جَرَى لِجَمَاعَةِ أَهْل النَّار , فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُون كَذَلِكَ قَوْله : " وَقُولُوا " ; لَوْ كَانَ الْكَلَام جَاءَ عَلَى وَجْه الْأَمْر , وَإِنْ كَانَ الْآخَر جَائِزًا , أَعْنِي التَّوْحِيد ; لِمَا بَيَّنْت مِنَ الْعِلَّة لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَاءَ الْكَلَام بِالتَّوْحِيدِ فِي قِرَاءَة جَمِيع الْقُرَّاء , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قِرَاءَة ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنِ الْوَاحِد أَشْبَه , إِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيح الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ اللَّه كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَد سِنِينَ ؟ قَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ : لَبِثْنَا فِيهَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ , لِأَنَّا لَا نَدْرِي , قَدْ نَسِينَا ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْعَادِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمُ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَال بَنِي آدَم وَيُحْصُونَ عَلَيْهِمْ سَاعَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمُ الْحُسَّاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19451 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلِ الْحُسَّاب . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } قَالَ : فَاسْأَلْ أَهْل الْحِسَاب . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } وَهُمُ الَّذِينَ يَعُدُّونَ عَدَد الشُّهُور وَالسِّنِينَ وَغَيْر ذَلِكَ , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا الْمَلَائِكَة , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا بَنِي آدَم وَغَيْرهمْ , وَلَا حُجَّة بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ ثَبَتَتْ صِحَّتهَا ; فَغَيْر جَائِز تَوْجِيه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى بَعْض الْعَادِّينَ دُون بَعْض .
قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَسورة المؤمنون الآية رقم 114
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا } اخْتِلَافهمْ فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } . وَالْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَحْو الْقَوْل الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبْل فِي قَوْله : { كَمْ لَبِثْتُمْ } وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قِرَاءَتنَا : قَالَ اللَّه لَهُمْ : مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض إِلَّا قَلِيلًا يَسِيرًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قَدْر لُبْثكُمْ فِيهَا .
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَسورة المؤمنون الآية رقم 115
وَقَوْله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَحَسِبْتُمْ أَيّهَا الْأَشْقِيَاء أَنَّا إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ إِذْ خَلَقْنَاكُمْ لَعِبًا وَبَاطِلًا , وَأَنَّكُمْ إِلَى رَبّكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ لَا تَصِيرُونَ أَحْيَاء فَتُجْزَوْنَ بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ ؟ . وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { لَا تُرْجَعُونَ } بِضَمِّ التَّاء : لَا تُرَدُّونَ , وَقَالُوا : إِنَّمَا هُوَ مِنْ مَرْجِع الْآخِرَة لَا مِنَ الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " لَا تُرْجَعُونَ " وَقَالُوا : سَوَاء فِي ذَلِكَ مَرْجِع الْآخِرَة وَالرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّ مَنْ رَدَّهُ اللَّه إِلَى الْآخِرَة مِنَ الدُّنْيَا بَعْد فَنَائِهِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَيْهَا , وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إِلَيْهَا فَبِرَدِّ اللَّه إِيَّاهُ إِلَيْهَا رَجَعَ . وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19452 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } قَالَ : بَاطِلًا.
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِسورة المؤمنون الآية رقم 116
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ عَمَّا يَصِفهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا , وَعَمَّا يُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنْ اتِّخَاذ الْبَنَات . { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا مَعْبُود تَنْبَغِي لَهُ الْعُبُودَة إِلَّا اللَّه الْمَلِك الْحَقّ ; { رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم } وَالرَّبّ : مَرْفُوع بِالرَّدِّ عَلَى الْحَقّ , وَمَعْنَى الْكَلَام : فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ , رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم , لَا إِلَه إِلَّا هُوَ .
وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَسورة المؤمنون الآية رقم 117
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ الْمَعْبُود الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ مَعْبُودًا آخَر , لَا حُجَّة لَهُ بِمَا يَقُول وَيَعْمَل مِنْ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَة . كَمَا : 19453 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } قَالَ : بَيِّنَة . 19454 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } قَالَ : حُجَّة . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَا بُرْهَان لَهُ بِهِ } قَالَ : لَا حُجَّة .

وَقَوْله : { فَإِنَّمَا حِسَابه عِنْد رَبّه } يَقُول : فَإِنَّمَا حِسَاب عَمَله السَّيِّئ عِنْد رَبّه , وَهُوَ مُوَفِّيه جَزَاءَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ .


يَقُول : إِنَّهُ لَا يَنْجَح أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ عِنْده وَلَا يُدْرِكُونَ الْخُلُود وَالْبَقَاء فِي النَّعِيم .
وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَسورة المؤمنون الآية رقم 118
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ رَبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد رَبّ اسْتُرْ عَلَيَّ ذُنُوبِي بِعَفْوِك عَنْهَا وَارْحَمْنِي بِقَبُولِ تَوْبَتك وَتَرْكك عِقَابِي عَلَى مَا اجْتَرَمْت .

يَقُول : وَقُلْ أَنْتَ يَا رَبّ خَيْر مَنْ رَحِمَ ذَا ذَنْب فَقَبِلَ تَوْبَته وَلَمْ يُعَاقِبهُ عَلَى ذَنْبه .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4