الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 61
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي ضَلَالَة وَلَكِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ نُوح لِقَوْمِهِ مُجِيبًا لَهُمْ : يَا قَوْم لَمْ آمُرْكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ وَإِفْرَاده بِالطَّاعَةِ دُون الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة زَوَالًا مِنِّي عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ وَضَلَالًا لِسَبِيلِ الصَّوَاب , وَمَا بِي مَا تَظُنُّونَ مِنْ الضَّلَال , وَلَكِنِّي رَسُول إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِفْرَاده بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَار لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة .
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 62
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَأَنْصَح لَكُمْ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَبِيّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَكَذَّبُوهُ : وَلَكِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ , فَأَنَا أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي , وَأَنْصَح لَكُمْ فِي تَحْذِيرِي إِيَّاكُمْ عِقَاب اللَّه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ وَتَكْذِيبكُمْ إِيَّايَ وَرَدّكُمْ نَصِيحَتِي .

{ وَأَعْلَم مِنْ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } : مِنْ أَنَّ عِقَابه لَا يُرَدّ عَنْ الْقَوْم الْمُجْرِمِينَ .
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 63
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ عَلَى رَجُل مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قِيل نُوح لِقَوْمِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إِذْ رَدُّوا عَلَيْهِ النَّصِيحَة فِي اللَّه , وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون اللَّه بَعَثَهُ نَبِيًّا , وَقَالُوا لَهُ : { مَا نَرَاك إِلَّا بَشَرًا مِثْلنَا وَمَا نَرَاك اِتَّبَعَك إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِيَ الرَّأْي وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ } : { أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ تَذْكِير مِنْ اللَّه وَعِظَة , يُذَكِّركُمْ بِمَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ عَلَى رَجُل مِنْكُمْ . قِيلَ : مَعْنَى قَوْله : { عَلَى رَجُل مِنْكُمْ } مَعَ رَجُل مِنْكُمْ ; { لِيُنْذِركُمْ } يَقُول : لِيُنْذِركُمْ بَأْس اللَّه , وَيُخَوِّفكُمْ عِقَابه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ. { وَلِتَتَّقُوا } يَقُول : وَكَيْ تَتَّقُوا عِقَاب اللَّه وَبَأْسه , بِتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاص الْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ. { وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول : وَلِيَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ إِنْ اِتَّقَيْتُمْ اللَّه وَخِفْتُمُوهُ وَحَذِرْتُمْ بَأْسه . وَفُتِحَتْ الْوَاو مِنْ قَوْله : { أَوَعَجِبْتُمْ } لِأَنَّهَا وَاو عَطْف دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِف اِسْتِفْهَام .
فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 64
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَذَّبَ نُوحًا قَوْمه , إِذْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول إِلَيْهِمْ يَأْمُرهُمْ بِخَلْعِ الْأَنْدَاد وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَخَالَفُوا أَمْر رَبّهمْ وَلَجُّوا فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ , فَأَنْجَاهُ اللَّه فِي الْفُلْك وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَكَانُوا بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث عَشْرَة , فِيمَا : 11481 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : نُوح وَبَنُوهُ الثَّلَاثَة : سَام , وَحَام , وَيَافِث وَأَزْوَاجهمْ , وَسِتَّة أَنَاسِيّ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ . وَكَانَ حَمَلَ مَعَهُ فِي الْفُلْك مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ , كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَنْ آمَنَّ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل } 11 40 وَالْفُلْك : هُوَ السَّفِينَة .

{ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول : وَأَغْرَقَ اللَّه الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِهِ وَلَمْ يَتَّبِعُوا رُسُله وَلَمْ يَقْبَلُوا نَصِيحَته إِيَّاهُمْ فِي اللَّه بِالطُّوفَانِ .

{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ } يَقُول : عَمِينَ عَنْ الْحَقّ. كَمَا : 11482 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { عَمِينَ } قَالَ : عَنْ الْحَقّ . 11483 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { قَوْمًا عَمِينَ } قَالَ : الْعَمِي : الْعَامِي عَنْ الْحَقّ .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَسورة الأعراف الآية رقم 65
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ; وَلِذَلِكَ نَصَبَ " هُودًا " , لِأَنَّهُ مَعْطُوف بِهِ عَلَى نُوح عَلَيْهِمَا السَّلَام . { قَالَ } هُود : { يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه } فَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَة , وَلَا تَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ إِلَه غَيْره .

{ أَفَلَا تَتَّقُونَ } رَبّكُمْ فَتَحْذَرُونَهُ وَتَخَافُونَ عِقَابه بِعِبَادَتِكُمْ غَيْره , وَهُوَ خَالِقكُمْ وَرَازِقكُمْ دُون كُلّ مَا سِوَاهُ ؟
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَسورة الأعراف الآية رقم 66
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه إِنَّا لَنَرَاك فِي سَفَاهَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَمَّا أَجَابَ هُودًا بِهِ قَوْمه الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَأَنْكَرُوا رِسَالَة هُود إِلَيْهِمْ : { إِنَّا لَنَرَاك } يَا هُود { فِي سَفَاهَة } يَعْنُونَ فِي ضَلَالَة عَنْ الْحَقّ وَالصَّوَاب , بِتَرْكِك دِيننَا وَعِبَادَة آلِهَتنَا .

{ وَإِنَّا لَنَظُنّك مِنْ الْكَاذِبِينَ } فِي قِيلك إِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ .
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 67
{ قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَة } : يَقُول : أَيْ ضَلَالَة عَنْ الْحَقّ وَالصَّوَاب .

{ وَلَكِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ } أَرْسَلَنِي , فَأَنَا أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبَّى وَأُؤَدِّيهَا إِلَيْكُمْ كَمَا أَمَرَنِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا .
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌسورة الأعراف الآية رقم 68
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي } : أُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم .

{ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِح } : يَقُول : وَأَنَا لَكُمْ فِي أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِعِبَادَةِ اللَّه دُون مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , وَدُعَائِكُمْ إِلَى تَصْدِيقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , نَاصِح , فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي , فَإِنِّي أَمِين عَلَى وَحْي اللَّه وَعَلَى مَا اِئْتَمَنَنِي اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الرِّسَالَة , لَا أَكْذِب فِيهِ وَلَا أَزِيد وَلَا أُبَدِّل , بَلْ أُبَلِّغ مَا أُمِرْت بِهِ كَمَا أُمِرْت .
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة الأعراف الآية رقم 69
{ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ رَبّكُمْ عَلَى رَجُل مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ } يَقُول : أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ أَنْزَلَ اللَّه وَحْيه بِتَذْكِيرِكُمْ وَعِظَتكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الضَّلَالَة , عَلَى رَجُل مِنْكُمْ , لِيُنْذِركُمْ بَأْس اللَّه وَيُخَوِّفكُمْ عِقَابه .

{ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم نُوح } يَقُول : فَاتَّقُوا اللَّه فِي أَنْفُسكُمْ , وَاذْكُرُوا مَا حَلَّ بِقَوْمِ نُوح مِنْ الْعَذَاب إِذْ عَصَوْا رَسُولهمْ وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمْ , فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا جَعَلَكُمْ رَبّكُمْ خُلَفَاء فِي الْأَرْض مِنْهُمْ , لَمَّا أَهْلَكَهُمْ أَبْدَلَكُمْ مِنْهُمْ فِيهَا , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ يَحِلّ بِكُمْ نَظِير مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة فَيُهْلِككُمْ وَيُبْدِل مِنْكُمْ غَيْركُمْ , سُنَّته فِي قَوْم نُوح قَبْلكُمْ عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إِيَّاهُ وَكُفْركُمْ بِهِ .

{ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْق بَسْطَة } : زَادَ فِي أَجْسَامكُمْ طُولًا وَعِظَمًا عَلَى أَجْسَام قَوْم نُوح , وَفِي قَوَامكُمْ عَلَى قَوَامهمْ , نِعْمَة مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ , فَاذْكُرُوا نِعَمه وَفَضْله الَّذِي فَضَّلَكُمْ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي أَجْسَامكُمْ وَقَوَامكُمْ , وَاشْكُرُوا اللَّه عَلَى ذَلِكَ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ وَتَرْك الْإِشْرَاك بِهِ وَهَجْر الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَقُول : كَيْ تُفْلِحُوا , فَتُدْرِكُوا الْخُلُود وَالْبَقَاء فِي النِّعَم فِي الْآخِرَة , وَتَنْجَحُوا فِي طَلَبَاتكُمْ عِنْده . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11484 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم نُوح } يَقُول : ذَهَبَ بِقَوْمِ نُوح وَاسْتَخْلَفَكُمْ مِنْ بَعْدهمْ . 11485 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم نُوح } : أَيْ سَاكِنِي الْأَرْض بَعْد قَوْم نُوح . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْق بَسْطَة } قَالَ : مَا لِقَوَامِ قَوْم عَاد . وَأَمَّا الْآلَاء فَإِنَّهَا جَمْع , وَاحِدهَا : " إلًى " بِكَسْرِ الْأَلِف فِي تَقْدِير مِعًى , وَيُقَال : " أَلًى " فِي تَقْدِير قَفًا بِفَتْحِ الْأَلِف . وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب إلْيٌ مِثْل حِسْي . وَالْآلَاء : النِّعَم . وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11487 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه } أَيْ نِعَم اللَّه. 11488 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { آلَاء اللَّه } فَنِعَم اللَّه. 11489 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه } قَالَ : آلَاؤُهُ : نِعَمه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَعَاد هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ هُودًا يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيد اللَّه وَاتِّبَاع مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده , هُمْ فِيمَا : 11490 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : وَلَد عَاد بْن إِرَم بْن عَوْص بْن سَام بْن نُوح . وَكَانَتْ مَسَاكِنهمْ الشِّحْر مِنْ أَرْض الْيَمَن , وَمَا وَالَى بِلَاد حَضْرَمَوْت إِلَى عُمَان . كَمَا : 11491 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : إِنَّ عَادًا قَوْم كَانُوا بِالْيَمَنِ بِالْأَحْقَافِ . 11492 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَعِيد الْخُزَاعِيّ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَامِر بْن وَاثِلَة , قَالَ : سَمِعْت عَلِيَّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول لِرَجُلٍ مِنْ حَضْرَمَوْت : هَلْ رَأَيْت كَثِيبًا أَحْمَر يُخَالِطهُ مَدَرَة حَمْرَاء ذَا أَرَاكٍ وَسِدْر كَثِير بِنَاحِيَةِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْض حَضْرَمَوْت , هَلْ رَأَيْته ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , وَاَللَّه إِنَّك لَتَنْعَتهُ نَعْت رَجُل قَدْ رَآهُ . قَالَ : لَا , وَلَكِنِّي قَدْ حُدِّثْت عَنْهُ . فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ : وَمَا شَأْنه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : فِيهِ قَبْر هُود صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ . 11493 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَتْ مَنَازِل عَادٍ وَجَمَاعَتهمْ حِين بَعَثَ اللَّه فِيهِمْ هُودًا الْأَحْقَاف , قَالَ : وَالْأَحْقَاف : الرَّمْل فِيمَا بَيْن عُمَان إِلَى حَضْرَمَوْت بِالْيَمَنِ , وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ فَشَوْا فِي الْأَرْض كُلّهَا , وَقَهَرُوا أَهْلهَا بِفَضْلِ قُوَّتهمْ الَّتِي أَتَاهُمْ اللَّه , وَكَانُوا أَصْحَاب أَوْثَان يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه : صَنَم يُقَال لَهُ صُدَاء , وَصَنَم يُقَال لَهُ صمود , وَصَنَم يُقَال لَهُ الهباء . فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ هُودًا , وَهُوَ مِنْ أَوْسَطهمْ نَسَبًا وَأَفْضَلهمْ مَوْضِعًا , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّه وَلَا يَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْ ظُلْم النَّاس , وَلَمْ يَأْمُرهُمْ فِيمَا يُذْكَر وَاَللَّه أَعْلَم بِغَيْرِ ذَلِكَ . فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ , وَقَالُوا : مَنْ أَشَدّ مِنَّا قُوَّة ! وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ نَاس وَهُمْ يَسِير , يَكْتُمُونَ إِيمَانهمْ , وَكَانَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ رَجُل مِنْ عَاد يُقَال لَهُ مَرْثَد بْن سَعْد بْن عُفَيْر , وَكَانَ يَكْتُم إِيمَانه , فَلَمَّا عَتَوْا عَلَى اللَّه وَكَذَّبُوا نَبِيّهمْ , وَأَكْثَرُوا فِي الْأَرْض الْفَسَاد , وَتَجَبَّرُوا وَبَنَوْا بِكُلِّ رِيع آيَة عَبَثًا بِغَيْرِ نَفْع , كَلَّمَهُمْ هُود , فَقَالَ : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع آيَة تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِع لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ } 26 128 : 131 { قَالُوا يَا هُود مَا جِئْتنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتنَا عَنْ قَوْلك وَمَا نَحْنُ لَك بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُول إِلَّا اِعْتَرَاك بَعْض آلِهَتنَا بِسُوءٍ } أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جِئْتنَا بِهِ إلَّا جُنُون أَصَابَك بِهِ بَعْض آلِهَتنَا هَذِهِ الَّتِي تَعِيب , { قَالَ إنِّي أُشْهِد اللَّه وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونه فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ } إِلَى قَوْله : { صِرَاط مُسْتَقِيم } 11 54 : 56 فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكَ اللَّه عَنْهُمْ الْمَطَر مِنْ السَّمَاء ثَلَاث سِنِينَ فِيمَا يَزْعُمُونَ , حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ . وَكَانَ النَّاس فِي ذَلِكَ الزَّمَان إِذَا نَزَلَ بِهِمْ بَلَاء أَوْ جَهْد , فَطَلَبُوا إِلَى اللَّه الْفَرَج مِنْهُ , كَانَتْ طَلِبَتهمْ إِلَى اللَّه عِنْد بَيْته الْحَرَام بِمَكَّة , مُسْلِمهمْ وَمُشْرِكهمْ , فَيَجْتَمِع بِمَكَّة نَاس كَثِير شَتَّى مُخْتَلِفَة أَدْيَانهمْ , وَكُلّهمْ مُعَظِّم لِمَكَّة يَعْرِف حُرْمَتهَا وَمَكَانهَا مِنْ اللَّه . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ الْبَيْت فِي ذَلِكَ الزَّمَان مَعْرُوفًا مَكَانه , وَالْحَرَم قَائِمًا فِيمَا يَذْكُرُونَ , وَأَهْل مَكَّة يَوْمئِذٍ الْعَمَالِيق ; وَإِنَّمَا سُمُّوا الْعَمَالِيق , لِأَنَّ أَبَاهُمْ عِمْلِيق بْن لَاوَذ بْن سَام بْن نُوح , وَكَانَ سَيِّد الْعَمَالِيق إِذْ ذَاكَ بِمَكَّة فِيمَا يَزْعُمُونَ رَجُلًا يُقَال لَهُ : مُعَاوِيَة بْن بَكْر , وَكَانَ أَبُوهُ حَيًّا فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدْ كَبِرَ , وَكَانَ اِبْنه يَرْأَس قَوْمه , وَكَانَ السُّؤْدُد وَالشَّرَف مِنْ الْعَمَالِيق فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي أَهْل ذَلِكَ الْبَيْت , وَكَانَتْ أُمّ مُعَاوِيَة بْن بَكْر كَلْهَدَة اِبْنَة الْخَيْبَرِيّ رَجُل مِنْ عَاد . فَلَمَّا قَحَطَ الْمَطَر عَنْ عَاد وَجَهَدُوا , قَالُوا : جَهِّزُوا مِنْكُمْ وَفْدًا إِلَى مَكَّة , فَلْيَسْتَسْقُوا لَكُمْ , فَإِنَّكُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ ! فَبَعَثُوا قَيْل بْن عير وَلُقَيْم بْن هُزَال مِنْ هُذَيْل وَعُقَيْل بْن ضِدّ بْن عَاد الْأَكْبَر وَمَرْثَد بْن سَعْد بْن عُفَيْر , وَكَانَ مُسْلِمًا يَكْتُم إِسْلَامه , وَجُلْهُمَة بْن الْخَيْبَرِيّ خَال مُعَاوِيَة بْن بَكْر أَخُو أُمّه , ثُمَّ بَعَثُوا لُقْمَان بْن عَاد بْن فُلَان بْن فُلَان بْن ضِدّ بْن عَاد الْأَكْبَر . فَانْطَلَقَ كُلّ رَجُل مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم مَعَهُ رَهْط مِنْ قَوْمه حَتَّى بَلَغَ عِدَّة وَفْدهمْ سَبْعِينَ رَجُلًا . فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّة , نَزَلُوا عَلَى مُعَاوِيَة بْن بَكْر وَهُوَ بِظَاهِرِ مَكَّة خَارِجًا مِنْ الْحَرَم , فَأَنْزَلَهُمْ وَأَكْرَمَهُمْ , وَكَانُوا أَخْوَاله وَأَصْهَاره. فَلَمَّا نَزَلَ. وَفْد عَاد عَلَى مُعَاوِيَة بْن بَكْر , أَقَامُوا عِنْده شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْر وَتُغَنِّيهِمْ الْجَرَادَتَانِ , قَيْنَتَانِ لِمُعَاوِيَةَ بْن بَكْر , وَكَانَ مَسِيرهمْ شَهْرًا وَمُقَامهمْ شَهْرًا . فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَة بْن بَكْر طُول مُقَامهمْ وَقَدْ بَعَثَهُمْ قَوْمهمْ يَتَغَوَّثُونَ بِهِمْ مِنْ الْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُمْ , شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : هَلَكَ أَخْوَالِي وَأَصْهَارِي , وَهَؤُلَاءِ مُقِيمُونَ عِنْدِي وَهُمْ ضَيْفِي نَازِلُونَ عَلَيَّ ! وَاَللَّه مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَع بِهِمْ ! إِنْ أَمَرْتهمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَا بُعِثُوا لَهُ فَيَظُنُّوا أَنَّهُ ضِيق مِنِّي بِمُقَامِهِمْ عِنْدِي , وَقَدْ هَلَكَ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ قَوْمهمْ جَهْدًا وَعَطَشًا. أَوْ كَمَا قَالَ . فَشَكَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمْ إِلَى قَيْنَتَيْهِ الْجَرَادَتَيْنِ , فَقَالَتَا : قُلْ شِعْرًا نُغَنِّيهِمْ بِهِ لَا يَدْرُونَ مَنْ قَالَهُ , لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحَرِّكهُمْ . فَقَالَ مُعَاوِيَة بْن بَكْر حِين أَشَارَتَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ : أَلَا يَا قَيْل وَيْحك قُمْ فَهَيْنِمْ لَعَلَّ اللَّه يَسْقِينَا غَمَامَا فَيَسْقِي أَرْض عَادٍ إِنَّ عَادًا قَدْ امْسَوْا لَا يُبِينُونَ الْكَلَامَا مِنْ الْعَطَش الشَّدِيد فَلَيْسَ نَرْجُو بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا الْغُلَامَا وَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمْ بِخَيْرٍ فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمْ عَيَامَى وَإِنَّ الْوَحْش يَأْتِيهِمْ جِهَارًا وَلَا يَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامًا وَأَنْتُمْ هَا هُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ نَهَاركُمْ وَلَيْلكُمْ التَّمَامَا فَقُبِّحَ وَفْدكُمْ مِنْ وَفْد قَوْم وَلَا لُقُّوا التَّحِيَّة وَالسَّلَامَا فَلَمَّا قَالَ مُعَاوِيَة ذَلِكَ الشِّعْر , غَنَّتْهُمْ بِهِ الْجَرَادَتَانِ , فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْم مَا غَنَّتَا بِهِ , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم إِنَّمَا بَعَثَكُمْ قَوْمكُمْ يَتَغَوَّثُونَ بِكُمْ مِنْ هَذَا الْبَلَاء الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ , وَقَدْ أَبْطَأْتُمْ عَلَيْهِمْ , فَادْخُلُوا هَذَا الْحَرَم وَاسْتَسْقُوا لِقَوْمِكُمْ ! فَقَالَ لَهُمْ مَرْثَد بْن سَعْد بْن عُفَيْر : إِنَّكُمْ وَاَللَّه لَا تُسْقَوْنَ بِدُعَائِكُمْ , وَلَكِنْ إِنْ أَطَعْتُمْ نَبِيّكُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَيْهِ سُقِيتُمْ . فَأَظْهَرَ إِسْلَامه عِنْد ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُمْ جُلْهُمَة بْن الْخَيْبَرِيّ خَال مُعَاوِيَة بْن بَكْر حِين سَمِعَ قَوْله وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ اِتَّبَعَ دِين هُود وَآمَنَ بِهِ : أَبَا سَعْد فَإِنَّك مِنْ قَبِيل ذَوِي كَرْم وَأُمّك مِنْ ثَمُود فَإِنَّا لَا نُطِيعك مَا بَقِينَا وَلَسْنَا فَاعِلِينَ لِمَا تُرِيد أَتَأْمُرُنَا لِنَتْرُك دِين رِفْد وَرَمْل وَالصُّدَاء مَعَ الصُّمُود وَنَتْرُك دِين آبَاء كِرَام ذَوِي رَأْي وَنَتْبَع دِين هُود ثُمَّ قَالُوا لِمُعَاوِيَةَ بْن أَبِي بَكْر وَأَبِيهِ بَكْر : اِحْبِسَا عَنَّا مَرْثَد بْن سَعْد , فَلَا يَقْدَمَنَّ مَعَنَا مَكَّة , فَإِنَّهُ قَدْ اِتَّبَعَ دِين هُود وَتَرَك دِيننَا ! ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى مَكَّة يَسْتَسْقُونَ بِهَا لِعَادٍ ; فَلَمَّا وَلَّوْا إِلَى مَكَّة , خَرَجَ مَرْثَد بْن سَعْد مِنْ مَنْزِل مُعَاوِيَة بْن بَكْر , حَتَّى أَدْرَكَهُمْ بِهَا , فَقَالَ : لَا أَدْعُو اللَّه بِشَيْءٍ مِمَّا خَرَجُوا لَهُ ! فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَيْهِمْ , قَامَ يَدْعُو اللَّه بِمَكَّة , وَبِهَا وَفْد عَاد قَدْ اِجْتَمَعُوا يَدْعُونَ , يَقُول : اللَّهُمَّ أَعْطِنِي سُؤْلِي وَحْدِي , وَلَا تُدْخِلنِي فِي شَيْء مِمَّا يَدْعُوك بِهِ وَفْد عَاد ! وَكَانَ قَيْل بْن عير رَأْس وَفْد عَاد , وَقَالَ وَفْد عَاد : اللَّهُمَّ أَعْطِ قَيْلًا مَا سَأَلَك , وَاجْعَلْ سُؤْلنَا مَعَ سُؤْله . وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ وَفْد عَاد حِين دَعَا لُقْمَان بْن عَادٍ وَكَانَ سَيِّد عَاد حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ دَعْوَتهمْ , قَامَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُك وَحْدِي فِي حَاجَتِي , فَأَعْطِنِي سُؤْلِي ! . وَقَالَ قِيل بْن عير حِين دَعَا : يَا إِلَهنَا إِنْ كَانَ هُود صَادِقًا فَاسْقِنَا , فَإِنَّا قَدْ هَلَكْنَا ! فَأَنْشَأَ اللَّه لَهُمْ سَحَائِب ثَلَاثًا : بَيْضَاء وَحَمْرَاء وَسَوْدَاء , ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ السَّحَاب : يَا قَيْل اِخْتَرْ لِنَفْسِك وَلِقَوْمِك مِنْ هَذِهِ السَّحَائِب ! فَقَالَ : اِخْتَرْت السَّحَابَة السَّوْدَاء فَإِنَّهَا أَكْثَر السَّحَاب مَاء , فَنَادَاهُ مُنَادٍ : اِخْتَرْت رَمَادًا رِمْدِدًا , لَا تُبْقِ مِنْ آل عَاد أَحَدًا , لَا وَالِدًا تَتْرُك وَلَا وَلَدًا , إِلَّا جَعَلْته هُمَّدًا , إِلَّا بَنِي اللَّوْذِيَّة الْمُهَدَّى . وَبَنُو اللَّوْذِيَّة : بَنُو لُقَيْم بْن هُزَال بْن هُزَيْلَة بْن بَكْر وَكَانُوا سُكَّانًا بِمَكَّة مَعَ أَخْوَالهمْ , وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ عَاد بِأَرْضِهِمْ , فَهُمْ عَاد الْآخِرَة وَمَنْ كَانَ مِنْ نَسْلهمْ الَّذِينَ بَقُوا مِنْ عَاد . وَسَاقَ اللَّه السَّحَابَة السَّوْدَاء فِيمَا يَذْكُرُونَ الَّتِي اِخْتَارَهَا قَيْل بْن عير بِمَا فِيهَا مِنْ النِّقْمَة إِلَى عَاد , حَتَّى خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَال لَهُ الْمُغِيث ; فَلَمَّا رَأَوْهَا اِسْتَبْشَرُوا بِهَا { وَقَالُوا هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا } يَقُول اللَّه : { بَلْ هُوَ مَا اِسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيح فِيهَا عَذَاب أَلِيم تُدَمِّر كُلّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا } 46 24 : 25 أَيْ كُلّ شَيْء أُمِرَتْ بِهِ . وَكَانَ أَوَّل مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيح فِيمَا يَذْكُرُونَ , اِمْرَأَة مِنْ عَاد يُقَال لَهَا مَهْدَد . فَلَمَّا تَيَقَّنَتْ مَا فِيهَا , صَاحَتْ ثُمَّ صُعِقَتْ ; فَلَمَّا أَنْ أَفَاقَتْ قَالُوا : مَاذَا رَأَيْت يَا مَهْدَد ؟ قَالَتْ : رَأَيْت رِيحًا فِيهَا كَشُهُبِ النَّار , أَمَامهَا رِجَال يَقُودُونَهَا . فَسَخَّرَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام حُسُومًا , كَمَا قَالَ اللَّه - وَالْحُسُوم : الدَّائِمَة - فَلَمْ تَدَع مِنْ عَاد أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ . فَاعْتَزَلَ هُود فِيمَا ذُكِرَ لِي وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَظِيرَة , مَا يُصِيبهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الرِّيح إِلَّا مَا تَلِين عَلَيْهِ الْجُلُود وَتَلْتَذّ بِهِ الْأَنْفُس , وَإِنَّهَا لَتَمُرّ عَلَى عَاد بِالظُّعْن بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَتَدْمَغهُمْ بِالْحِجَارَةِ . وَخَرَجَ وَفْد عَاد مِنْ مَكَّة , حَتَّى مَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْن بَكْر وَابْنه , فَنَزَلُوا عَلَيْهِ , فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْده إِذْ أَقْبَلَ رَجُل عَلَى نَاقَة لَهُ فِي لَيْلَة مُقْمِرَة مَسَاء ثَالِثَة مِنْ مُصَاب عَادٍ , فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَر , فَقَالُوا لَهُ : أَيْنَ فَارَقْت هُودًا وَأَصْحَابه ؟ قَالَ : فَارَقْتهمْ بِسَاحِلِ الْبَحْر , فَكَأَنَّهُمْ شَكُّوا فِيمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ , فَقَالَتْ هُذَيْلَة بِنْت بَكْر : صَدَقَ وَرَبّ الْكَعْبَة 11494 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عَاصِم , عَنْ الْحَارِث بْن حَسَّان الْبَكْرِيّ , قَالَ : قَدِمْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَرَرْت عَلَى اِمْرَأَة بِالرَّبَذَة , فَقَالَتْ : هَلْ أَنْتَ حَامِلِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْت : نَعَمْ . فَحَمَلْتهَا حَتَّى قَدِمْت الْمَدِينَة , فَدَخَلْتُ الْمَسْجِد , فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر , وَإِذَا بِلَال مُتَقَلِّد السَّيْف , وَإِذَا رَايَات سُود , قَالَ : قُلْت : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : عَمْرو بْن الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَته . فَلَمَّا نَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَلَى مِنْبَره أَتَيْته فَاسْتَأْذَنْت فَأَذِنَ لِي , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ بِالْبَابِ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي تَمِيم , وَقَدْ سَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلهَا إِلَيْك. قَالَ : " يَا بِلَال اِئْذَنْ لَهَا ! " قَالَ : فَدَخَلَتْ , فَلَمَّا جَلَسَتْ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ بَيْنكُمْ وَبَيْن تَمِيم شَيْء ؟ " قَالَتْ : نَعَمْ , وَكَانَتْ لَنَا الدَّائِرَة عَلَيْهِمْ , فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَجْعَل الدَّهْنَاء بَيْننَا وَبَيْنهمْ حَاجِزًا فَعَلْت . قَالَ تَقُول الْمَرْأَة : فَإِلَى أَيْنَ يُضْطَرّ مُضْطَرّك يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : قُلْت : إِنَّ مَثَلِي مَثَل مَا قَالَ الْأَوَّل : مِعْزًى حَمَلَتْ حَتْفهَا. قَالَ : قُلْت : وَحَمَلْتُك تَكُونِينَ عَلَيَّ خَصْمًا ؟ أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ يَكُون كَوَافِدِ عَاد ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا وَافِد عَاد ؟ " قَالَ : قُلْت : عَلَى الْخَبِير سَقَطْتَ , إنَّ عَادًا قُحِطَتْ , فَبَعَثَتْ مَنْ يَسْتَسْقِي لَهَا , فَبَعَثُوا رِجَالًا , فَمَرُّوا عَلَى بَكْر بْن مُعَاوِيَة فَسَقَاهُمْ الْخَمْر وَتَغَنَّتْهُمْ الْجَرَادَتَانِ شَهْرًا , ثُمَّ فَصَلُوا مِنْ عِنْده حَتَّى أَتَوْا جِبَال مَهْرَة , فَدَعَوْا , فَجَاءَتْ سَحَابَات , قَالَ : وَكُلَّمَا جَاءَتْ سَحَابَة , قَالَ : اِذْهَبِي إِلَى كَذَا , حَتَّى جَاءَتْ سَحَابَة , فَنُودِيَ : خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا , لَا تَدَع مِنْ عَاد أَحَدًا . قَالَ : فَسَمِعَهُ وَكَلَّمَهُمْ , حَتَّى جَاءَهُمْ الْعَذَاب . قَالَ أَبُو كُرَيْب : قَالَ أَبُو بَكْر بَعْد ذَلِكَ فِي حَدِيث عَاد , قَالَ : فَأَقْبَلَ الَّذِينَ أَتَاهُمْ فَأَتَى جِبَال مُهْرَة , فَصَعِدَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَجِئْك لِأَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ , وَلَا لِمَرِيضٍ فَأَشْفِيَهُ , فَاسْقِ عَادًا مَا كُنْت مُسْقِيهِ ! قَالَ : فَرُفِعَتْ لَهُ سَحَابَات ; قَالَ : فَنُودِيَ مِنْهَا : اِخْتَرْ ! قَالَ : فَجَعَلَ يَقُول : اِذْهَبِي إِلَى بَنِي فُلَان , اِذْهَبِي إِلَى بَنِي فُلَان . قَالَ : فَمَرَّتْ آخِرهَا سَحَابَة سَوْدَاء , فَقَالَ : اِذْهَبِي إِلَى عَاد . فَنُودِيَ مِنْهَا : خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تَدَعْ مِنْ عَاد أَحَدًا . قَالَ : وَكَلِّمْهُمْ , وَالْقَوْم عِنْد بَكْر بْن مُعَاوِيَة يَشْرَبُونَ , قَالَ : وَكَرِهَ بَكْر بْن مُعَاوِيَة أَنْ يَقُول لَهُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ عِنْده وَأَنَّهُمْ فِي طَعَامه . قَالَ : فَأَخَذَ فِي الْغِنَاء وَذَكَّرَهُمْ . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , قَالَ : ثنا سَلَام أَبُو الْمُنْذِر النَّحْوِيّ , قَالَ : ثنا عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ الْحَارِث بْن يَزِيد الْبَكْرِيّ , قَالَ : خَرَجْت لِأَشْكُوَ الْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَرَرْت بِالرَّبَذَة , فَإِذَا عَجُوز مُنْقَطِع بِهَا مِنْ بَنِي تَمِيم , فَقَالَتْ : يَا عَبْد اللَّه , إِنَّ لِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَة , فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ ؟ قَالَ : فَحَمَلْتهَا فَقَدِمْت الْمَدِينَة . قَالَ : فَإِذَا رَايَات , قُلْت : مَا شَأْن النَّاس ؟ قَالُوا : يُرِيد أَنْ يَبْعَث عَمْرو بْن الْعَاصِ وَجْهًا , قَالَ : فَجَلَسْت حَتَّى فَرَغَ . قَالَ : فَدَخَلَ مَنْزِله - أَوْ قَالَ : رَحْله - فَاسْتَأْذَنْت عَلَيْهِ , فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْت , فَقَعَدْت , فَقَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ كَانَ بَيْنكُمْ وَبَيْن تَمِيم شَيْء ؟ " قُلْت : نَعَمْ , وَكَانَتْ لَنَا الدَّائِرَة عَلَيْهِمْ , وَقَدْ مَرَرْت بِالرَّبَذَة فَإِذَا عَجُوز مِنْهُمْ مُنْقَطِع بِهَا , فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلهَا إِلَيْك وَهَا هِيَ بِالْبَابِ . فَأَذِنَ لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَخَلَتْ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه اِجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْن تَمِيم الدَّهْنَاء حَاجِزًا ! فَحَمِيَتْ الْعَجُوز وَاسْتَوْفَزَتْ وَقَالَتْ : إِلَى أَيْنَ يُضْطَرّ مُضْطَرّك يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : قُلْت : أَنَا كَمَا قَالَ الْأَوَّل : مِعْزًى حَمَلَتْ حَتْفهَا , حَمَلْت هَذِهِ وَلَا أَشْعُر أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا , أَعُوذ بِاَللَّهِ وَرَسُوله أَنْ أَكُون كَوَافِدِ عَاد قَالَ : " وَمَا وَافِد عَاد ؟ " قَالَ : عَلَى الْخَبِير سَقَطَتْ , قَالَ : وَهُوَ يَسْتَطْعِمنِي الْحَدِيث , قُلْت : إِنَّ عَادًا قَحَطُوا فَبَعَثُوا قَيْلًا وَافِدًا , فَنَزَلَ عَلَى بَكْر , فَسَقَاهُ الْخَمْر شَهْرًا , وَغَنَّتْهُ جَارِيَتَانِ يُقَال لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ , فَخَرَجَ إِلَى جِبَال مُهْرَة , فَنَادَى : إِنِّي لَمْ أَجِيء لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ , وَلَا لِأَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ , اللَّهُمَّ اِسْقِ عَادًا مَا كُنْت مُسْقِيه ! فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَات سُود , فَنُودِيَ مِنْهَا : خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا , لَا تُبْقِ مِنْ عَادٍ أَحَدًا . قَالَ : فَكَانَتْ الْمَرْأَة تَقُول : لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ ; فَفِيمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّيح يَا رَسُول اللَّه إِلَّا قَدْر مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي . قَالَ أَبُو وَائِل : فَكَذَلِكَ بَلَغَنِي. 11495 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره } : إِنَّ عَادَا أَتَاهُمْ هُود , فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ بِمَا قَصَّ اللَّه فِي الْقُرْآن . فَكَذَّبُوهُ وَكَفَرُوا , وَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَاب , فَقَالَ لَهُمْ : { إِنَّمَا الْعِلْم عِنْد اللَّه وَأُبَلِّغكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ } 46 23 وَإِنَّ عَادًا أَصَابَهُمْ حِين كَفَرُوا قُحُوط الْمَطَر , حَتَّى جَهَدُوا لِذَلِكَ جَهْدًا شَدِيدًا , وَذَلِكَ أَنَّ هُودًا دَعَا عَلَيْهِمْ , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الرِّيح الْعَقِيم , وَهِيَ الرِّيح الَّتِي لَا تُلَقِّح الشَّجَر ; فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهَا قَالُوا : { هَذَا عَارِض مُمْطِرنَا } 46 24 فَلَمَّا دَنَتْ مِنْهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْإِبِل وَالرِّجَال تَطِير بِهِمْ الرِّيح بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض ; فَلَمَّا رَأَوْهَا تَنَادَوْا : الْبُيُوت ! فَلَمَّا دَخَلُوا الْبُيُوت دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَأَهْلَكَتْهُمْ فِيهَا , ثُمَّ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ الْبُيُوت , فَأَصَابَتْهُمْ فِي يَوْم نَحْس , وَالنَّحْس : هُوَ الشُّؤْم , وَمُسْتَمِرّ - : اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام حُسُومًا , حَسَمَتْ كُلّ شَيْء مَرَّتْ بِهِ . فَلَمَّا أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ الْبُيُوت , قَالَ اللَّه : { تَنْزِع النَّاس } مِنْ الْبُيُوت , { كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر } 54 20 اِنْقَعَرَ مِنْ أُصُوله , خَاوِيَة : خَوَتْ فَسَقَطَتْ . فَلَمَّا أَهْلَكَهُمْ اللَّه , أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ طَيْرًا سُودًا , فَنَقَلَتْهُمْ إِلَى الْبَحْر فَأَلْقَتْهُمْ فِيهِ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنهمْ } 46 25 وَلَمْ تَخْرُج رِيح قَطُّ إِلَّا بِمِكْيَالٍ إِلَّا يَوْمئِذٍ , فَإِنَّهَا عَتَتْ عَلَى الْخَزَنَة فَغَلَبَتْهُمْ , فَلَمْ يَعْلَمُوا كَمْ كَانَ مِكْيَالهَا ; وَذَلِكَ قَوْله : { فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَر عَاتِيَة } 69 6 وَالصَّرْصَر : ذَات الصَّوْت الشَّدِيد .
قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَسورة الأعراف الآية رقم 70
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا أَجِئَتنَا لِنَعْبُد اللَّه وَحْده وَنَذَر مَا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ عَاد لِهُودٍ : أَجِئْتنَا تَتَوَعَّدنَا بِالْعِقَابِ مِنْ اللَّه عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الدِّين كَيْ نَعْبُد اللَّه وَحْده وَنَدِين لَهُ بِالطَّاعَةِ خَالِصًا وَنَهْجُر عِبَادَة الْآلِهَة وَالْأَصْنَام الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَهَا وَنَتَبَرَّأ مِنْهَا ؟ فَلَسْنَا فَاعِلِي ذَلِكَ وَلَا مُتَّبِعِيك عَلَى مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ , فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا مِنْ الْعِقَاب وَالْعَذَاب عَلَى تَرْكنَا إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ , وَعِبَادَتنَا مَا نَعْبُد مِنْ دُونه مِنْ الْأَوْثَان إِنْ كُنْت مِنْ أَهْل الصِّدْق عَلَى مَا تَقُول وَتَعِد !
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 71
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ رِجْس وَغَضَب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ هُود لِقَوْمِهِ : قَدْ حَلَّ بِكُمْ عَذَاب وَغَضَب مِنْ اللَّه . وَكَانَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهُ , يَزْعُم أَنَّ الرِّجْز وَالرِّجْس بِمَعْنًى وَاحِد , وَأَنَّهَا مَقْلُوبَة , قُلِبَتْ السِّين زَايًا , كَمَا قُلِبَتْ شَئِزَ وَهِيَ مِنْ شَئِسَ بِسِينٍ , وَكَمَا قَالُوا قَرَبُوس وَقَرَبُوز , وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : أَلَا لَحَى اللَّه بَنِي السِّعْلَات عَمْرو بْن يَرْبُوع لِئَام النَّاتِ لَيْسُوا بِأَعْفَاف وَلَا أَكْيَات يُرِيد النَّاس . وَأَكْيَاس فَقُلِبَتْ السِّين تَاء , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : كَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ عَدِيد مُبْزِي حَتَّى وَقَمْنَا كَيْده بِالرِّجْزِ وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الرِّجْز : السَّخَط . 11496 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ رِجْس } يَقُول : سَخَط .

وَأَمَّا قَوْله : { أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } فَإِنَّهُ يَقُول : أَتُخَاصِمُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَصْنَامًا لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ { مَا نَزَّلَ اللَّه بِهَا مِنْ سُلْطَان } يَقُول : مَا جَعَلَ اللَّه لَكُمْ فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهَا مِنْ حُجَّة تَحْتَجُّونَ بِهَا وَلَا مَعْذِرَة تَعْتَذِرُونَ بِهَا . لِأَنَّ الْعِبَادَة إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ ضَرَّ وَنَفَعَ وَأَثَابَ عَلَى الطَّاعَة وَعَاقَبَ عَلَى الْمَعْصِيَة وَرَزَقَ وَمَنَعَ , فَأَمَّا الْجَمَاد مِنْ الْحِجَارَة وَالْحَدِيد وَالنُّحَاس فَإِنَّهُ لَا نَفْع فِيهِ وَلَا ضُرّ , إِلَّا أَنْ تُتَّخَذ مِنْهُ آلَة , وَلَا حُجَّة لِعَابِدٍ عَبَدَهُ مِنْ دُون اللَّه فِي عِبَادَته إِيَّاهُ ; لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَأْذَن بِذَلِكَ , فَيُعْذَر مَنْ عَبَدَهُ بِأَنَّهُ يَعْبُدهُ اِتِّبَاعًا مِنْهُ أَمْر اللَّه فِي عِبَادَته إِيَّاهُ , وَلَا هُوَ إِذْ كَانَ اللَّه لَمْ يَأْذَن فِي عِبَادَته مِمَّا يُرْجَى نَفْعه أَوْ يُخَاف ضُرّه فِي عَاجِل أَوْ آجِل , فَيُعْبَد رَجَاء نَفْعه أَوْ دَفْع ضُرّه.


{ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ } يَقُول : فَانْتَظِرُوا حُكْم اللَّه فِينَا وَفِيكُمْ , إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ حُكْمه وَفَصْل قَضَائِهِ فِينَا وَفِيكُمْ .
فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَسورة الأعراف الآية رقم 72
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِر الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْجَيْنَا نُوحًا وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَتْبَاعه عَلَى الْإِيمَان بِهِ وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِمَا عَادَ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَهَجْر الْآلِهَة وَالْأَوْثَان { بِرَحْمَة مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِر الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول : وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ قَوْم هُود بِحُجَجِنَا جَمِيعًا عَنْ آخِرهمْ , فَلَمْ نُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. كَمَا : 11497 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقَطَعْنَا دَابِر الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } قَالَ : اِسْتَأْصَلْنَاهُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى قَوْله : { فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا } 6 45 بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

{ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَمْ يَكُونُوا مُصَدِّقِينَ بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ هُود .
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة الأعراف الآية رقم 73
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود أَخَاهُمْ صَالِحًا . وَثَمُود : هُوَ ثَمُود بْن عَابِر بْن إرَم بْن سَام بْن نُوح , وَهُوَ أَخُو جُدَيس بْن عَابِر , وَكَانَتْ مَسَاكِنهمَا الْحِجْر بَيْن الْحِجَاز وَالشَّام إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَا حَوْله . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَإِلَى بَنِي ثَمُود أَخَاهُمْ صَالِحًا . وَإِنَّمَا مُنِعَ ثَمُود , لِأَنَّ ثَمُود قَبِيلَة كَمَا بَكْر قَبِيلَة , وَكَذَلِكَ تَمِيم . قَالَ : { يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره } يَقُول : قَالَ صَالِح لِثَمُود : يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , فَمَا لَكُمْ إِلَه يَجُوز أَنْ تَعْبُدُوهُ غَيْره , وَقَدْ جَاءَتْكُمْ حُجَّة وَبُرْهَان عَلَى صِدْق مَا أَقُول وَحَقِيقَة مَا إِلَيْهِ أَدْعُو مِنْ إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ وَإِفْرَاده بِالْعِبَادَةِ دُون مَا سِوَاهُ وَتَصْدِيقِي عَلَى أَنِّي لَهُ رَسُول وَبَيِّنَتِي عَلَى مَا أَقُول وَحَقِيقَة مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبِّي , وَحُجَّتِي عَلَيْهِ هَذِهِ النَّاقَة الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّه مِنْ هَذِهِ الْهَضْبَة دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِي وَصِدْق مَقَالَتِي , فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي لَا يَقْدِر عَلَى مِثْلهَا أَحَد إِلَّا اللَّه . وَإِنَّمَا اِسْتَشْهَدَ صَالِح فِيمَا بَلَغَنِي عَلَى صِحَّة نُبُوَّته عِنْد قَوْمه ثَمُود بِالنَّاقَةِ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ إِيَّاهَا آيَة وَدَلَالَة عَلَى حَقِيقَة قَوْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَذِكْر سَبَب قَتْل قَوْم صَالِح النَّاقَة : 11498 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : قَالَتْ ثَمُود لِصَالِحٍ : { اِئْتِنَا بِآيَة إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ } قَالَ : فَقَالَ لَهُمْ صَالِح : اُخْرُجُوا إِلَى هَضْبَة مِنْ الْأَرْض ! فَخَرَجُوا , فَإِذَا هِيَ تَتَمَخَّض كَمَا تَتَمَخَّض الْحَامِل . ثُمَّ إِنَّهَا اِنْفَرَجَتْ , فَخَرَجَتْ مِنْ وَسَطهَا النَّاقَة , فَقَالَ صَالِح : { هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب أَلِيم } { لَهَا شِرْب وَلَكُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم } 26 155 فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا , فَقَالَ لَهُمْ : { تَمَتَّعُوا فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْر مَكْذُوب } 11 65 قَالَ عَبْد الْعَزِيز , وَحَدَّثَنِي رَجُل آخَر أَنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ : إِنَّ آيَة الْعَذَاب أَنْ تُصْبِحُوا غَدًا حُمْرًا , وَالْيَوْم الثَّانِي صُفْرًا , وَالْيَوْم الثَّالِث سُودًا . قَالَ : فَصَبَّحَهُمْ الْعَذَاب , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ تَحَنَّطُوا وَاسْتَعَدُّوا . 11499 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُمْ صَالِحًا } قَالَ : إِنَّ اللَّه بَعَثَ صَالِحًا إِلَى ثَمُود , فَدَعَاهُمْ فَكَذَّبُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن , فَسَأَلُوهُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ , فَجَاءَهُمْ بِالنَّاقَةِ , لَهَا شِرْب وَلَهُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم , وَقَالَ : { ذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ } فَأَقَرُّوا بِهَا جَمِيعًا , فَذَلِكَ قَوْله : { فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } 41 17 وَكَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِهِ عَلَى وَجْه النِّفَاق وَالتَّقِيَّة , وَكَانَتْ النَّاقَة لَهَا شِرْب , فَيَوْم تَشْرَب فِيهِ الْمَاء تَمُرّ بَيْن جَبَلَيْنِ فَيَرْجُمُونَهَا , فَفِيهِمَا أَثَرهَا حَتَّى السَّاعَة , ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِف لَهُمْ حَتَّى يَحْلُبُوا اللَّبَن فَيَرْوِيهِمْ , فَكَانَتْ تَصُبّ اللَّبَن صَبًّا , وَيَوْم يَشْرَبُونَ الْمَاء لَا تَأْتِيهِمْ . وَكَانَ مَعَهَا فَصِيل لَهَا , فَقَالَ لَهُمْ صَالِح : إِنَّهُ يُولَد فِي شَهْركُمْ هَذَا غُلَام يَكُون هَلَاككُمْ عَلَى يَدَيْهِ ! فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْر , فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ , ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَح اِبْنه , وَكَانَ لَمْ يُولَد لَهُ قَبْل ذَلِكَ شَيْء , فَكَانَ اِبْن الْعَاشِر أَزْرَق أَحْمَر , فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا , فَإِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ فَرَأَوْهُ , قَالُوا : لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاء كَانُوا مِثْل هَذَا , فَغَضِبَ التِّسْعَة عَلَى صَالِح لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ أَبْنَائِهِمْ , { فَتَقَاسَمُوا بِاَللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْله ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِك أَهْله وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } 27 49 قَالُوا : نَخْرُج , فَيَرَى النَّاس أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَر , فَنَأْتِي الْغَار فَنَكُون فِيهِ , حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْل وَخَرَجَ صَالِح إِلَى الْمَسْجِد أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَار فَكُنَّا فِيهِ , ثُمَّ رَجَعْنَا فَقُلْنَا مَا شَهِدْنَا مَهْلِك أَهْله وَإِنَّا لَصَادِقُونَ , يُصَدِّقُونَنَا يَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَر . فَانْطَلَقُوا ; فَلَمَّا دَخَلُوا الْغَار أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ اللَّيْل , فَسَقَطَ عَلَيْهِمْ الْغَار فَقَتَلَهُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ } حَتَّى بَلَغَ هَهُنَا : { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمهمْ أَجْمَعِينَ } 27 48 : 51 وَكَبِرَ الْغُلَام اِبْن الْعَاشِر , وَنَبَتَ نَبَاتًا عَجَبًا مِنْ السُّرْعَة , فَجَلَسَ مَعَ قَوْم يُصِيبُونَ مِنْ الشَّرَاب , فَأَرَادُوا مَاء يَمْزُجُونَ بِهِ شَرَابهمْ , وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْم يَوْم شِرْب النَّاقَة , فَوَجَدُوا الْمَاء قَدْ شَرِبَتْهُ النَّاقَة , فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا فِي شَأْن النَّاقَة : مَا نَصْنَع نَحْنُ بِاللَّبَنِ ؟ لَوْ كُنَّا نَأْخُذ هَذَا الْمَاء الَّذِي تَشْرَبهُ هَذِهِ النَّاقَة , فَنَسْقِيه أَنْعَامنَا وَحُرُوثَنَا , كَانَ خَيْرًا لَنَا ! فَقَالَ الْغُلَام اِبْن الْعَاشِر : هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أَعْقِرهَا لَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَأَظْهَرُوا دِينهمْ , فَأَتَاهَا الْغُلَام , فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِ شَدَّتْ عَلَيْهِ , فَهَرَبَ مِنْهَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ , دَخَلَ خَلْف صَخْرَة عَلَى طَرِيقهَا فَاسْتَتَرَ بِهَا , فَقَالَ : أَحِيشُوهَا عَلَيَّ ! فَأَحَاشُوهَا عَلَيْهِ , فَلَمَّا جَازَتْ بِهِ نَادَوْهُ : عَلَيْك ! فَتَنَاوَلَهَا فَعَقَرَهَا , فَسَقَطَتْ ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { فَنَادَوْا صَاحِبهمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ } 54 29 وَأَظْهَرُوا حِينَئِذٍ أَمْرَهُمْ , وَعَقَرُوا النَّاقَة , وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ , وَقَالُوا : يَا صَالِح اِئْتِنَا بِمَا تَعِدنَا ! وَفَزِعَ نَاس مِنْهُمْ إِلَى صَالِح وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاقَة قَدْ عُقِرَتْ , فَقَالَ : عَلَيَّ بِالْفَصِيلِ ! فَطَلَبُوا الْفَصِيل فَوَجَدُوهُ عَلَى رَابِيَة مِنْ الْأَرْض , فَطَلَبُوهُ , فَارْتَفَعَتْ بِهِ حَتَّى حَلَّقَتْ بِهِ فِي السَّمَاء , فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ . ثُمَّ دَعَا الْفَصِيل إِلَى اللَّه , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى صَالِح أَنْ مُرْهُمْ فَلْيَتَمَتَّعُوا فِي دَارهمْ ثَلَاثَة أَيَّام , فَقَالَ لَهُمْ صَالِح : { تَمَتَّعُوا فِي دَاركُمْ ثَلَاثَة أَيَّام } وَآيَة ذَلِكَ أَنْ تُصْبِح وُجُوهكُمْ أَوَّل يَوْم مُصْفَرَّة , وَالثَّانِي مُحْمَرَّة , وَالْيَوْم الثَّالِث مُسَوَّدَة , وَالْيَوْم الرَّابِع فِيهِ الْعَذَاب . فَلَمَّا رَأَوْا الْعَلَامَات تَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا وَلَطَّخُوا أَنْفُسهمْ بِالْمُرِّ , وَلَبِسُوا الْأَنْطَاع , وَحَفَرُوا الْأَسْرَاب , فَدَخَلُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ الصَّيْحَة , حَتَّى جَاءَهُمْ الْعَذَاب فَهَلَكُوا ; فَذَلِكَ قَوْله : { فَدَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمهمْ أَجْمَعِينَ } 11500 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : لَمَّا أَهْلَكَ اللَّه عَادًا وَتَقَضَّى أَمْرهَا , عَمَّرَتْ ثَمُود بَعْدهَا وَاسْتُخْلِفُوا فِي الْأَرْض , فَنَزَلُوا فِيهَا وَانْتَشَرُوا . ثُمَّ عَتَوْا عَلَى اللَّه , فَلَمَّا ظَهَرَ فَسَادهمْ وَعَبَدُوا غَيْر اللَّه , بَعَثَ إِلَيْهِمْ صَالِحًا - وَكَانُوا قَوْمًا عَرَبًا , وَهُوَ مِنْ أَوْسَطهمْ نَسَبًا وَأَفْضَلهمْ مَوْضِعًا - رَسُولًا . وَكَانَتْ مَنَازِلهمْ الْحِجْر إِلَى قُرْح , وَهُوَ وَادِي الْقُرَى , وَبَيْن ذَلِكَ ثَمَانِيَة عَشَر مِيلًا فِيمَا بَيْن الْحِجَاز وَالشَّام . فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ غُلَامًا شَابًّا , فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه , حَتَّى شَمَط وَكَبِرَ , لَا يَتْبَعهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيل مُسْتَضْعَفُونَ ; فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِمْ صَالِح بِالدُّعَاءِ , وَأَكْثَرَ لَهُمْ التَّحْذِير , وَخَوَّفَهُمْ مِنْ اللَّه الْعَذَاب وَالنِّقْمَة , سَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَة تَكُون مِصْدَاقًا لِمَا يَقُول فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ , فَقَالَ لَهُمْ : أَيّ آيَة تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : تَخْرُج مَعَنَا إِلَى عِيدنَا هَذَا - وَكَانَ لَهُمْ عِيد يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ بِأَصْنَامِهِمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه فِي يَوْم مَعْلُوم مِنْ السَّنَة - فَتَدْعُو إِلَهك وَنَدْعُو آلِهَتنَا , فَإِنْ اُسْتُجِيبَ لَك اِتَّبَعْنَاك , وَإِنْ اُسْتُجِيبَ لَنَا اِتَّبَعْتَنَا . فَقَالَ لَهُمْ صَالِح : نَعَمْ . فَخَرَجُوا بِأَوْثَانِهِمْ إِلَى عِيدهمْ ذَلِكَ , وَخَرَجَ صَالِح مَعَهُمْ إِلَى اللَّه , فَدَعَوْا أَوْثَانهمْ وَسَأَلُوهَا أَنْ لَا يُسْتَجَاب لِصَالِحٍ فِي شَيْء مِمَّا يَدْعُو بِهِ , ثُمَّ قَالَ لَهُ جُنْدُع بْن عَمْرو بْن حِرَاش بْن عَمْرو بْن الدُّمَيْل , وَكَانَ يَوْمئِذٍ سَيِّد ثَمُود وَعَظِيمهمْ : يَا صَالِح أَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة - لِصَخْرَةٍ مُنْفَرِدَة فِي نَاحِيَة الْحِجْر يُقَال لَهَا الْكَاثِبَة - نَاقَة مُخْتَرَجَة جَوْفَاء وَبْرَاء - وَالْمُخْتَرَجَة : مَا شَاكَلَتْ الْبُخْت مِنْ الْإِبِل. وَقَالَتْ ثَمُود لِصَالِحٍ مِثْل مَا قَالَ جُنْدُع بْن عَمْرو - فَإِنْ فَعَلْت آمَنَّا بِك وَصَدَّقْنَاك وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْت بِهِ هُوَ حَقّ ! وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ صَالِح مَوَاثِيقهمْ : لَئِنْ فَعَلْت وَفَعَلَ اللَّه لَتُصَدِّقُنِّي وَلَتُؤْمِنُنَّ بِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ , فَأَعْطَوْهُ عَلَى ذَلِكَ عُهُودهمْ , فَدَعَا صَالِح رَبّه بِأَنْ يُخْرِجهَا لَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْهَضْبَة كَمَا وَصَفْت . 11501 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ يَعْقُوب بْن عُتْبَة بْن الْمُغِيرَة بْن الْأَخْنَس , أَنَّهُ حَدَّثَ : أَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْهَضْبَة حِين دَعَا اللَّه صَالِح بِمَا دَعَا بِهِ تَتَمَخَّض بِالنَّاقَةِ تَمَخُّض النَّتُوج بِوَلَدِهَا , فَتَحَرَّكَتْ الْهَضْبَة ثُمَّ أَسْقَطَتْ النَّاقَة , فَانْصَدَعَتْ عَنْ نَاقَة كَمَا وَصَفُوا جَوْفَاء وَبْرَاء نَتُوج , مَا بَيْن جَنْبَيْهَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه عِظَمًا . فَآمَنَ بِهِ جُنْدُع بْن عَمْرو وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى أَمْره مِنْ رَهْطه , وَأَرَادَ أَشْرَاف ثَمُود أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوا , فَنَهَاهُمْ ذُؤَاب بْن عَمْرو بْن لَبِيد وَالْحُبَاب صَاحِب أَوْثَانهمْ وَرَبَاب بْن صَمْعَر بْن جلهس , وَكَانُوا مِنْ أَشْرَاف ثَمُود , وَرَدُّوا أَشْرَافهَا عَنْ الْإِسْلَام , وَالدُّخُول فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ صَالِح مِنْ الرَّحْمَة وَالنَّجَاة . وَكَانَ لِجُنْدُع اِبْن عَمّ يُقَال لَهُ شِهَاب بْن خَلِيفَة بْن مخلاة بْن لَبِيد بْن جواس , فَأَرَادَ أَنْ يُسْلِم فَنَهَاهُ أُولَئِكَ الرَّهْط عَنْ ذَلِكَ , فَأَطَاعَهُمْ , وَكَانَ مِنْ أَشْرَاف ثَمُود وَأَفَاضِلهَا , فَقَالَ رَجُل مِنْ ثَمُود يُقَال لَهُ مهوس بْن عَنْمَة بْن الدُّمَيْل , وَكَانَ مُسْلِمًا : وَكَانَتْ عُصْبَة مِنْ آل عَمْرو إِلَى دِين النَّبِيّ دَعَوْا شِهَابَا عَزِيز ثَمُود كُلّهمْ جَمِيعًا فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيب وَلَوْ أَجَابَا لَأَصْبَحَ صَالِحًا فِينَا عَزِيزًا وَمَا عَدَلُوا بِصَاحِبِهِمْ ذُؤَابَا وَلَكِنَّ الْغُوَاة مِنْ آل حِجْر تَوَلَّوْا بَعْد رُشْدهمْ ذِئَابَا فَمَكَثَتْ النَّاقَة الَّتِي أَخْرَجَهَا اللَّه لَهُمْ مَعَهَا سِقْبهَا فِي أَرْض ثَمُود تَرْعَى الشَّجَر وَتَشْرَب الْمَاء , فَقَالَ لَهُمْ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام : { هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب أَلِيم } وَقَالَ اللَّه لِصَالِحٍ : إنَّ الْمَاء قِسْمَة بَيْنهمْ , كُلّ شِرْب مُحْتَضَر ; أَيْ إِنَّ الْمَاء نِصْفَانِ : لَهُمْ يَوْم وَلَهَا يَوْم وَهِيَ مُحْتَضَرَة , فَيَوْمهَا لَا تَدَع شِرْبهَا وَقَالَ { لَهَا شِرْب وَلَكُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم } 26 155 فَكَانَتْ فِيمَا بَلَغَنِي وَاَللَّه أَعْلَم إِذَا وَرَدَتْ - وَكَانَتْ تَرِد غِبًّا - وَضَعَتْ رَأْسَهَا فِي بِئْر فِي الْحِجْر يُقَال لَهَا بِئْر النَّاقَة , فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا مِنْهَا كَانَتْ تَشْرَب , إِذَا وَرَدَتْ تَضَع رَأَسْهَا فِيهَا , فَمَا تَرْفَعهُ حَتَّى تَشْرَب كُلّ قَطْرَة مَاء فِي الْوَادِي , ثُمَّ تَرْفَع رَأَسْهَا فَتَفَشَّج - يَعْنِي تَفَحَّج - لَهُمْ , فَيَحْتَلِبُونَ مَا شَاءُوا مِنْ لَبَن , فَيَشْرَبُونَ وَيَدَّخِرُونَ حَتَّى يَمْلَئُوا كُلّ آنِيَتهمْ , ثُمَّ تَصْدُر مِنْ غَيْر الْفَجّ الَّذِي مِنْهُ وَرَدَتْ , لَا تَقْدِر عَلَى أَنْ تَصْدُر مِنْ حَيْثُ تَرِد لِضِيقِهِ عَنْهَا , فَلَا تَرْجِع مِنْهُ ; حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَد كَانَ يَوْمهمْ , فَيَشْرَبُونَ مَا شَاءُوا مِنْ الْمَاء , وَيَدَّخِرُونَ مَا شَاءُوا لِيَوْمِ النَّاقَة , فَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَة . وَكَانَتْ النَّاقَة فِيمَا يَذْكُرُونَ تَصِيف إِذَا كَانَ الْحَرّ بِظَهْرِ الْوَادِي , فَتَهْرُب مِنْهَا الْمَوَاشِي أَغْنَامهمْ وَأَبْقَارهمْ وَإِبِلهمْ , فَتَهْبِط إِلَى بَطْن الْوَادِي فِي حَرّه وَجَدْبه ; وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاشِي تَنْفِر مِنْهَا إِذَا رَأَتْهَا , وَتَشْتُو فِي بَطْن الْوَادِي إِذَا كَانَ الشِّتَاء , فَتَهْرُب مَوَاشِيهمْ إِلَى ظَهْر الْوَادِي فِي الْبَرْد وَالْجَدْب , فَأَضَرّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمْ لِلْبَلَاءِ وَالِاخْتِبَار . وَكَانَتْ مَرَاتِعهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ الْجِنَاب وَحِسْمَى , كُلّ ذَلِكَ تَرْعَى مَعَ وَادِي الْحِجْر . فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ , وَأَجْمَعُوا فِي عَقْر النَّاقَة رَأْيهمْ . وَكَانَتْ اِمْرَأَة مِنْ ثَمُود يُقَال لَهَا عُنَيْزَة بِنْت غَنْم بْن مِجْلَز , تُكَنَّى بِأُمِّ غَنْم , وَهِيَ مِنْ بَنِي عُبَيْد بْن المهل أَخِي دُمَيْل بْن المهل , وَكَانَتْ اِمْرَأَة ذُؤَاب بْن عَمْرو , وَكَانَتْ عَجُوزًا مُسِنَّة , وَكَانَتْ ذَات بَنَات حِسَان , وَكَانَتْ ذَات مَال مِنْ إبِل وَبَقَر وَغَنَم , وَامْرَأَة أُخْرَى يُقَال لَهَا صَدُوف بِنْت الْمُحَيَّا بْن زُهَيْر بْن الْمُحَيَّا سَيِّد بَنِي عُبَيْد وَصَاحِب أَوْثَانهمْ فِي الزَّمَن الْأَوَّل . وَكَانَ الْوَادِي يُقَال لَهُ وَادِي الْمُحَيَّا , وَهُوَ الْمُحَيَّا الْأَكْبَر جَدّ الْمُحَيَّا الْأَصْغَر أَبِي صَدُوف . وَكَانَتْ صَدُوف مِنْ أَحْسَن النَّاس , وَكَانَتْ غَنِيَّة ذَات مَال مِنْ إِبِل وَغَنَم وَبَقَر , وَكَانَتَا مِنْ أَشَدّ اِمْرَأَتَيْنِ فِي ثَمُود عَدَاوَة لِصَالِحٍ وَأَعْظَمهمْ بِهِ كُفْرًا , وَكَانَتَا تُحِبَّانِ أَنْ تُعْقَر النَّاقَة مَعَ كُفْرهمَا بِهِ لِمَا أَضَرَّتْ بِهِ مِنْ مَوَاشِيهمَا . وَكَانَتْ صَدُوف عِنْد اِبْن خَال لَهَا يُقَال لَهُ صنتم بْن هِرَاوَة بْن سَعْد بْن الْغِطْرِيف مِنْ بَنِي هُلَيْل , فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامه , وَكَانَتْ صَدُوف قَدْ فَوَّضَتْ إِلَيْهِ مَالهَا , فَأَنْفَقَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَاب صَالِح حَتَّى رَقَّ الْمَال. فَاطَّلَعَتْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِسْلَامه صَدُوف , فَعَاتَبَتْهُ عَلَى ذَلِكَ , فَأَظْهَرَ لَهَا دِينه وَدَعَاهَا إِلَى اللَّه وَإِلَى الْإِسْلَام , فَأَبَتْ عَلَيْهِ , وَسَبَتْ وَلَده , فَأَخَذَتْ بَنِيهِ وَبَنَاته مِنْهُ فَغَيَّبَتْهُمْ فِي بَنِي عُبَيْد بَطْنهَا الَّذِي هِيَ مِنْهُ . وَكَانَ صنتم زَوْجهَا مِنْ بَنِي هُلَيْل , وَكَانَ اِبْن خَالهَا , فَقَالَ لَهَا : رُدِّي عَلَيَّ وَلَدِي ! فَقَالَتْ : حَتَّى أُنَافِركَ إِلَى بَنِي صَنْعَان بْن عُبَيْد أَوْ إِلَى بَنِي جُنْدُع بْن عُبَيْد . فَقَالَ لَهَا صنتم : بَلْ أَنَا أَقُول إِلَى بَنِي مِرْدَاس بْن عُبَيْد ! وَلَك أَنَّ بَنِي مِرْدَاس بْن عُبَيْد كَانُوا قَدْ سَارَعُوا فِي الْإِسْلَام وَأَبْطَأَ عَنْهُ الْآخَرُونَ , فَقَالَتْ . لَا أُنَافِركَ إِلَّا إِلَى مَنْ دَعَوْتُك إِلَيْهِ ! فَقَالَ بَنُو مِرْدَاس : وَاَللَّه لَتُعْطِيَنَّهُ وَلَده طَائِعَة أَوْ كَارِهَة ! فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُمْ . ثُمَّ إِنَّ صَدُوف وَعُنَيْزَة تَحَيَّلَا فِي عَقْر النَّاقَة لِلشَّقَاءِ الَّذِي نَزَلَ , فَدَعَتْ صَدُوف رَجُلًا مِنْ ثَمُود يُقَال لَهُ الْحُبَاب لِعَقْرِهِ النَّاقَة. وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسهَا بِذَلِكَ إِنْ هُوَ فَعَلَ , فَأَبَى عَلَيْهَا . فَدَعَتْ اِبْن عَمّ لَهَا يُقَال لَهُ مِصْدَع بْن مُهَرِّج بْن الْمُحَيَّا , وَجَعَلَتْ لَهُ نَفْسهَا عَلَى أَنْ يَعْقِر النَّاقَة , وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَن النَّاس . وَكَانَتْ غَنِيَّة كَثِيرَة الْمَال , فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ. وَدَعَتْ عُنَيْزَة بِنْت غَنْم قَدَّار بْن سَالِف بْن جُنْدُع رَجُلًا مِنْ أَهْل قُرْح . وَكَانَ قَدَّار رَجُلًا أَحْمَر أَزْرَق قَصِيرًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ لِزِنْيَةٍ مِنْ رَجُل يُقَال لَهُ صهياد , وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ سَالِف الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ وُلِدَ عَلَى فِرَاش سَالِف , وَكَانَ يُدْعَى لَهُ وَيُنْسَب إِلَيْهِ , فَقَالَتْ . أُعْطِيك أَيّ بَنَاتِي شِئْت عَلَى أَنْ تَعْقِر النَّاقَة ! وَكَانَتْ عُنَيْزَة شَرِيفَة مِنْ نِسَاء ثَمُود , وَكَانَ زَوْجهَا ذُؤَاب بْن عَمْرو مِنْ أَشْرَاف رِجَال ثَمُود . وَكَانَ قَدَّار عَزِيزًا مَنِيعًا فِي قَوْمه. فَانْطَلَقَ قَدَّار بْن سَالِف وَمِصْدَع بْن مُهَرِّج , فَاسْتَنْفَرَا غُوَاة مِنْ ثَمُود . فَاتَّبَعَهُمَا سَبْعَة نَفَر , فَكَانُوا تِسْعَة نَفَر , أَحَد النَّفَر الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمَا رَجُل يُقَال لَهُ هويل بْن ميلغ خَال قَدَّار بْن سَالِف أَخُو أُمّه لِأَبِيهَا وَأُمّهَا , وَكَانَ عَزِيزًا مِنْ أَهْل حِجْر , ودعير بْن غَنْم بْن دَاعِر , وَهُوَ مِنْ بَنِي حَلَاوَة بْن المهل . وَدَأْب بْن مُهَرِّج أَخُو مِصْدَع بْن مُهَرِّج , وَخَمْسَة لَمْ تُحْفَظ لَنَا أَسْمَاؤُهُمْ . فَرَصَدُوا النَّاقَة حِين صَدَرَتْ عَنْ الْمَاء , وَقَدْ كَمَنَ لَهَا قَدَّار فِي أَصْل صَخْرَة عَلَى طَرِيقهَا , وَكَمَنَ لَهَا مِصْدَع فِي أَصْل أُخْرَى , فَمَرَّتْ عَلَى مِصْدَع فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ , فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَة سَاقهَا . وَخَرَجَتْ أُمّ غَنْم عُنَيْزَة وَأَمَرَتْ اِبْنَتهَا وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَن النَّاس وَجْهًا. فَأَسْفَرَتْ عَنْهُ لِقَدَّار وَأَرَتْهُ إِيَّاهُ , ثُمَّ ذَمَّرَتْهُ , فَشَدَّ عَلَى النَّاقَة بِالسَّيْفِ , فَكَشَفَ عُرْقُوبهَا , فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاة وَاحِدَة تُحَذِّر سَقْبَهَا . ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّتهَا فَنَحَرَهَا . وَانْطَلَقَ سَقْبهَا حَتَّى أَتَى جَبَلًا مَنِيعًا , ثُمَّ أَتَى صَخْرَة فِي رَأْس الْجَبَل فَرَغَا وَلَاذَ بِهَا - وَاسْم الْجَبَل فِيمَا يَزْعُمُونَ صُور - فَأَتَاهُمْ صَالِح , فَلَمَّا رَأَى النَّاقَة قَدْ عُقِرَتْ , قَالَ : اِنْتَهَكْتُمْ حُرْمَة اللَّه , فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنِقْمَته ! فَاتَّبَعَ السَّقْب أَرْبَعَة نَفَر مِنْ التِّسْعَة الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَة , وَفِيهِمْ مِصْدَع بْن مُهَرِّج , فَرَمَاهُ مِصْدَع بِسَهْمٍ , فَانْتَظَمَ قَلْبه , ثُمَّ جَرّ بِرِجْلِهِ فَأَنْزَلَهُ , ثُمَّ أَلْقَوْا لَحْمه مَعَ لَحْم أُمّه . فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِح : أَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّه وَنِقْمَته ! قَالُوا لَهُ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ : وَمَتَى ذَلِكَ يَا صَالِح ؟ وَمَا آيَة ذَلِكَ ؟ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَيَّام فِيهِمْ : الْأَحَد : أَوَّل , وَالِاثْنَيْنِ : أَهْوَن , وَالثُّلَاثَاء : دُبَار , وَالْأَرْبِعَاء : جُبَار , وَالْخَمِيس : مُؤْنِس , وَالْجُمُعَة : الْعَرُوبَة , وَالسَّبْت : شِيَار , وَكَانُوا عَقَرُوا النَّاقَة يَوْم الْأَرْبِعَاء ; فَقَالَ لَهُمْ صَالِح حِين قَالُوا ذَلِكَ : تُصْبِحُونَ غَدَاة يَوْم مُؤْنِس - يَعْنِي يَوْم الْخَمِيس - وَوُجُوهكُمْ مُصْفَرَّة . ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْم الْعَرُوبَة - يَعْنِي يَوْم الْجُمُعَة - وَوُجُوهكُمْ مُحْمَرَّة . ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْم شِيَار - يَعْنِي يَوْم السَّبْت - وَوُجُوهكُمْ مُسْوَدَّة. ثُمَّ يَصَبحكُمْ الْعَذَاب يَوْم الْأَوَّل ; يَعْنِي يَوْم الْأَحَد. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِح ذَلِكَ , قَالَ التِّسْعَة الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَة : هَلُمُّوا فَلْنَقْتُلْ صَالِحًا إِنْ كَانَ صَادِقًا عَجَّلْنَاهُ قَبْلنَا , وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا يَكُون قَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ ! فَأَتَوْهُ لَيْلًا لِيُبَيِّتُوهُ فِي أَهْله , فَدَمَغَتْهُمْ الْمَلَائِكَة بِالْحِجَارَةِ . فَلَمَّا أَبْطَئُوا عَلَى أَصْحَابهمْ أَتَوْا مَنْزِل صَالِح , فَوَجَدُوهُمْ مُشَدَّخِينَ قَدْ رُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ , فَقَالُوا لِصَالِحٍ : أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ ! ثُمَّ هَمُّوا بِهِ , فَقَامَتْ عَشِيرَته دُونه وَلَبِسُوا السِّلَاح , وَقَالُوا لَهُمْ : وَاَللَّه لَا تَقْتُلُونَهُ أَبَدًا , فَقَدْ وَعَدَكُمْ أَنَّ الْعَذَاب نَازِل بِكُمْ فِي ثَلَاث , فَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ تَزِيدُوا رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ إِلَّا غَضَبًا , وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَنْتُمْ مِنْ وَرَاء مَا تُرِيدُونَ. فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ لَيْلَتهمْ تِلْكَ , وَالنَّفَر الَّذِينَ رَضَخَتْهُمْ الْمَلَائِكَة بِالْحِجَارَةِ التِّسْعَة الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ } إِلَى قَوْله : { لَآيَة لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } 27 48 : 52 فَأَصْبَحُوا مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي اِنْصَرَفُوا فِيهَا عَنْ صَالِح وُجُوههمْ مُصْفَرَّة , فَأَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ , وَعَرَفُوا أَنَّ صَالِحًا قَدْ صَدَقَهُمْ , فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ , وَخَرَجَ صَالِح هَارِبًا مِنْهَا حَتَّى لَجَأَ إِلَى بَطْن مِنْ ثَمُود يُقَال لَهُمْ بَنُو غَنْم , فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدهمْ رَجُل مِنْهُمْ يُقَال لَهُ نُفَيْل يُكَنَّى بِأَبِي هُدْب , وَهُوَ مُشْرِك , فَغَيَّبَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. فَغَدَوْا عَلَى أَصْحَاب صَالِح , فَعَذَّبُوهُمْ لِيَدُلُّوهُمْ عَلَيْهِ , فَقَالَ رَجُل مِنْ أَصْحَاب صَالِح يُقَال لَهُ ميدع بْن هَرِم : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّهُمْ لَيُعَذِّبُونَا لِنَدُلّهُمْ عَلَيْك , أَفَنَدُلُّهُمْ عَلَيْك ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ميدع بْن هَرِم , فَلَمَّا عَلِمُوا بِمَكَانِ صَالِح أَتَوْا أَبَا هُدْب فَكَلَّمُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ : عِنْدِي . صَالِح , وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيل . فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ , وَشَغَلَهُمْ عَنْهُ مَا أَنْزَلَ اللَّه بِهِمْ مِنْ عَذَابه , فَجَعَلَ بَعْضهمْ يُخْبِر بَعْضًا بِمَا يَرَوْنَ فِي وُجُوههمْ حِين أَصْبَحُوا مِنْ يَوْم الْخَمِيس , وَذَلِكَ أَنَّ وُجُوههمْ أَصْبَحَتْ مُصْفَرَّة , ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْم الْجُمُعَة وَوُجُوههمْ مُحْمَرَّة , ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْم السَّبْت وَوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة , حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَة الْأَحَد خَرَجَ صَالِح مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ إِلَى الشَّام , فَنَزَلَ رَمْلَة فِلَسْطِين , وَتَخَلَّفَ رَجُل مِنْ أَصْحَابه يُقَال لَهُ ميدع بْن هَرِم , فَنَزَلَ قُرْح وَهِيَ وَادِي الْقُرَى , وَبَيْن الْقُرْح وَبَيْن الْحِجْر ثَمَانِيَة عَشَر مِيلًا , فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدهمْ رَجُل يُقَال لَهُ عَمْرو بْن غَنْم , وَقَدْ كَانَ أَكَلَ مِنْ لَحْم النَّاقَة وَلَمْ يَشْتَرِك فِي قَتْلهَا , فَقَالَ لَهُ ميدع بْن هَرِم : يَا عَمْرو بْن غَنْم , اخْرُجْ مِنْ هَذَا الْبَلَد , فَإِنَّ صَالِحًا قَالَ مَنْ أَقَامَ فِيهِ هَلَكَ وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ نَجَا ! فَقَالَ عَمْرو : مَا شَرِكْت فِي عَقْرهَا , وَمَا رَضِيت مَا صُنِعَ بِهَا . فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَة الْأَحَد أَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا هَلَكَ , إِلَّا جَارِيَة مُقْعَدَة يُقَال لَهَا الدريعة , وَهِيَ كَلْبِيَّة اِبْنَة السلق , كَانَتْ كَافِرَة شَدِيدَة الْعَدَاوَة لِصَالِحٍ , فَأَطْلَقَ اللَّه لَهَا رِجْلَيْهَا بَعْدَمَا عَايَنَتْ الْعَذَاب أَجْمَع , فَخَرَجَتْ كَأَسْرَع مَا يُرَى شَيْء قَطُّ , حَتَّى أَتَتْ حَيًّا مِنْ الْأَحْيَاء , فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا عَايَنَتْ مِنْ الْعَذَاب وَمَا أَصَابَ ثَمُود مِنْهُ , ثُمَّ اِسْتَسْقَتْ مِنْ الْمَاء فَسُقِيَتْ , فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ . 11502 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : قَالَ مَعْمَر : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَن يَقُول : لَمَّا عَقَرَتْ ثَمُود النَّاقَة ذَهَبَ فَصِيلهَا حَتَّى صَعِدَ تَلًّا , فَقَالَ : يَا رَبّ أَيْنَ أُمِّي ؟ ثُمَّ رَغَا رَغْوَة , فَنَزَلَتْ الصَّيْحَة , فَأَخْمَدَتْهُمْ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : أُصْعِدَ تَلًّا . 11503 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ حِين عَقَرُوا النَّاقَة : تَمَتَّعُوا ثَلَاثَة أَيَّام ! وَقَالَ لَهُمْ : آيَة هَلَاككُمْ أَنْ تُصْبِح وُجُوهكُمْ مُصْفَرَّة , ثُمَّ تُصْبِح الْيَوْم الثَّانِي مُحْمَرَّة , ثُمَّ تُصْبِح الْيَوْم الثَّالِث مُسْوَدَّة ! فَأَصْبَحَتْ كَذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ تَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا , ثُمَّ أَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة فَأَهْمَدَتْهُمْ . قَالَ قَتَادَة : قَالَ عَاقِر النَّاقَة لَهُمْ : لَا أَقْتُلهَا حَتَّى تَرْضَوْا أَجْمَعِينَ . فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَة فِي خِدْرهَا , فَيَقُولُونَ : أَتَرْضِينَ ؟ فَتَقُول : نَعَمْ ! وَالصَّبِيّ , حَتَّى رَضُوا أَجْمَعِينَ , فَعَقَرَهَا. 11504 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ , قَالَ : " لَا تَسْأَلُوا الْآيَات , فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْم صَالِح , فَكَانَتْ تَرِد مِنْ هَذَا الْفَجّ وَتَصْدُر مِنْ الْفَجّ , فَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ فَعَقَرُوهَا . وَكَانَتْ تَشْرَب مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنهَا يَوْمًا , فَعَقَرُوهَا فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَة ; أَهْمَدَ اللَّه مَنْ تَحْت أَدِيم السَّمَاء مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَم اللَّه " . قِيلَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : " أَبُو رِغَال , فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَم أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمه " . 11505 - قَالَ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ مَعْمَر : وَأَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرِ أَبِي رِغَال , فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا هَذَا " قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : " هَذَا قَبْر أَبِي رِغَال " . قَالُوا فَمَنْ أَبُو رِغَال ؟ قَالَ : " رَجُل مِنْ ثَمُود كَانَ فِي حَرَم اللَّه , فَمَنَعَهُ حَرَم اللَّه عَذَاب اللَّه , فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمه , فَدُفِنَ هَهُنَا , وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْن مِنْ ذَهَب " . فَنَزَلَ الْقَوْم فَابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ , فَبَحَثُوا عَلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْن. قَالَ عَبْد الرَّزَّاق : قَالَ : مَعْمَر : قَالَ الزُّهْرِيّ : أَبُو رِغَال : أَبُو ثَقِيف . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ جَابِر , قَالَ : مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : قَالُوا : مَنْ هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " أَبُو رِغَال " . 11506 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ يُقَال أَنَّ أَحْمَر ثَمُود الَّذِي عَقَرَ النَّاقَة , كَانَ وَلَد زِنْيَة . 11507 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ أَبُو مُوسَى : أَتَيْت أَرْض ثَمُود , فَذَرَعْت مَصْدَر النَّاقَة فَوَجَدْته سِتِّينَ ذِرَاعًا . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , وَأَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة بِنَحْوِ هَذَا , يَعْنِي بِنَحْوِ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ جَابِر , قَالَ : " مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرِ أَبِي رِغَال , قَالُوا : وَمَنْ أَبُو رِغَال ؟ قَالَ : وَأَبُو ثَقِيف , كَانَ فِي الْحَرَم لَمَّا أَهْلَكَ اللَّه قَوْمه , مَنَعَهُ حَرَم اللَّه مِنْ عَذَاب اللَّه ; فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمه وَدُفِنَ هَهُنَا وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْن مِنْ ذَهَب " . قَالَ : فَابْتَدَرَهُ الْقَوْم يَبْحَثُونَ عَنْهُ حَتَّى اِسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ الْغُصْن . وَقَالَ الْحَسَن : كَانَ لِلنَّاقَةِ يَوْم وَلَهُمْ يَوْم , فَأَضَرَّ بِهِمْ . 11508 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : لَمَّا مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ قَالَ : " لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِن الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ , إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبكُمْ مِنْ الَّذِي أَصَابَهُمْ " . ثُمَّ قَالَ : " هَذَا وَادِي النَّفْر " . ثَمَّ رَفَعَ رَأْسه وَأَسْرَعَ السَّيْر حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَلَا تَمَسُّوا نَاقَة اللَّه بِعَقْرٍ وَلَا نَحْر

{ فَيَأْخُذكُمْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي مُوجِع .
وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَسورة الأعراف الآية رقم 74
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد عَاد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل صَالِح لِقَوْمِهِ وَاعِظًا لَهُمْ : { وَاذْكُرُوا } أَيّهَا الْقَوْم نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ , { إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء } يَقُول تَخْلُفُونَ عَادًا فِي الْأَرْض بَعْد هَلَاكهَا. وَخُلَفَاء : جَمْع خَلِيفَة , وَإِنَّمَا جَمْع خَلِيفَة خُلَفَاء وَفُعَلَاء إِنَّمَا هِيَ جَمْع فَعِيل , كَمَا الشُّرَكَاء جَمْع شَرِيك , وَالْعُلَمَاء جَمْع عَلِيم , وَالْحُلَمَاء جَمْع حَلِيم ; لِأَنَّهُ ذُهِبَ بِالْخَلِيفَةِ إِلَى الرَّجُل , فَكَانَ وَاحِدهمْ خَلِيف , ثُمَّ جُمِعَ خُلَفَاء . فَأَمَّا لَوْ جُمِعَتْ الْخَلِيفَة عَلَى أَنَّهَا نَظِيرَة كَرِيمَة وَحَلِيلَة وَرَغِيبَة قِيلَ خَلَائِف , كَمَا يُقَال : كَرَائِم وَحَلَائِل وَرَغَائِب , إِذْ كَانَتْ مِنْ صِفَات الْإِنَاث , وَإِنَّمَا جُمِعَتْ الْخَلِيفَة عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ جَاءَ بِهِمَا الْقُرْآن , لِأَنَّهَا جُمِعَتْ مَرَّة عَلَى لَفْظهَا , وَمَرَّة عَلَى مَعْنَاهَا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْض } فَإِنَّهُ يَقُول : وَأَنْزَلَكُمْ فِي الْأَرْض , وَحَمَلَ لَكُمْ فِيهَا مَسَاكِن وَأَزْوَاجًا .
{ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال بُيُوتًا } ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُبُونَ الصَّخْر مَسَاكِن , كَمَا : 11509 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَاضِل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال بُيُوتًا } كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي الْجِبَال الْبُيُوت .

وَقَوْله : { فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه } يَقُول : فَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ .


{ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 11510 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . قَوْله : { وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ } يَقُول : لَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِد . وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَسورة الأعراف الآية رقم 75
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَل مِنْ رَبّه قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه } قَالَ الْجَمَاعَة الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْم صَالِح عَنْ اِتِّبَاع صَالِح وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِهِ , { لِلَّذِينَ اِسْتُضْعِفُوا } يَعْنِي : لِأَهْلِ الْمَسْكَنَة مِنْ تُبَّاع صَالِح وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ , دُون ذَوِي شَرَفهمَا وَأَهْل السُّؤْدُد مِنْهُمْ : أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَل مِنْ رَبّه أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ ؟ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِصَالِحٍ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْهُمْ : إِنَّا بِمَا أَرْسَلَ اللَّه بِهِ صَالِحًا مِنْ الْحَقّ وَالْهُدَى مُؤْمِنُونَ - يَقُول : مُصَدِّقُونَ - مُقِرُّونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنَّ اللَّه أَمَرَ بِهِ وَعَنْ أَمْر اللَّه دَعَانَا صَالِح إِلَيْهِ.
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 76
قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا عَنْ أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله صَالِح : { إِنَّا } أَيّهَا الْقَوْم { بِاَلَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ } يَقُول : صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ نُبُوَّة صَالِح , وَأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه { كَافِرُونَ } يَقُول جَاحِدُونَ مُنْكِرُونَ , لَا نُصَدِّق بِهِ وَلَا نُقِرّ .
فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَسورة الأعراف الآية رقم 77
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَعَقَرُوا النَّاقَة وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَقَرَتْ ثَمُود النَّاقَة الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ آيَة . { وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } يَقُول : تَكَبَّرُوا وَتَجَبَّرُوا عَنْ اِتِّبَاع اللَّه , وَاسْتَعْلَوْا عَنْ الْحَقّ . كَمَا : 11511 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَتَوْا } عُلُوًّا عَنْ الْحَقّ لَا يُبْصِرُونَهُ. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { عَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } : عُلُوًّا فِي الْبَاطِل . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } قَالَ : عَتَوْا فِي الْبَاطِل وَتَرَكُوا الْحَقّ. * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ } قَالَ : عُلُوًّا فِي الْبَاطِل . وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : جَبَّار عَاتٍ : إِذَا كَانَ عَالِيًا فِي تَجَبُّره .

{ وَقَالُوا يَا صَالِح اِئْتِنَا بِمَا تَعِدنَا } يَقُول : قَالُوا : جِئْنَا يَا صَالِح بِمَا تَعِدنَا مِنْ عَذَاب اللَّه وَنِقْمَته ! اِسْتِعْجَالًا مِنْهُمْ لِلْعَذَابِ.

{ إِنْ كُنْت مِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْت لِلَّهِ رَسُولًا إِلَيْنَا , فَإِنَّ اللَّه يَنْصُر رُسُله عَلَى أَعْدَائِهِ . فَعَجِّلْ ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا اِسْتَعْجَلُوهُ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ }
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 78
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَخَذَتْ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَة مِنْ ثَمُود الرَّجْفَة , وَهِيَ الصَّيْحَة , وَالرَّجْفَة : الْفَعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَجَفَ بِفُلَانٍ كَذَا يَرْجُف رَجْفًا , وَذَلِكَ إِذَا حَرَّكَهُ وَزَعْزَعَهُ , كَمَا قَالَ الْأَخْطَل : إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْب مِنْ كِبَر كَالنَّسْرِ أَرْجُف وَالْإِنْسَان مَهْدُود . وَإِنَّمَا عَنَى بِالرَّجْفَةِ هَهُنَا : الصَّيْحَة الَّتِي زَعْزَعَتهمْ وَحَرَّكَتْهُمْ لِلْهَلَاكِ , لِأَنَّ ثَمُود هَلَكَتْ بِالصَّيْحَةِ فِيمَا ذَكَرَ أَهْل الْعِلْم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11512 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : الرَّجْفَة , قَالَ : الصَّيْحَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11513 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } وَهِيَ الصَّيْحَة. * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } قَالَ : الصَّيْحَة.

وَقَوْله : { فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ } يَقُول : فَأَصْبَحَ الَّذِينَ أَهْلَكَ اللَّه مِنْ ثَمُود فِي دَارهمْ , يَعْنِي فِي أَرْضهمْ الَّتِي هَلَكُوا فِيهَا وَبَلْدَتهمْ ; وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الدَّار وَلَمْ يَجْمَعهَا فَيَقُول " فِي دُورهمْ ". وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهَا الدُّور , وَلَكِنْ وَجَّهَ بِالْوَاحِدَةِ إِلَى الْجَمْع , كَمَا قِيلَ : { وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } 103 1 : 2

وَقَوْله : { جَاثِمِينَ } يَعْنِي : سُقُوطًا صَرْعَى لَا يَتَحَرَّكُونَ لِأَنَّهُمْ لَا أَرْوَاح فِيهِمْ قَدْ هَلَكُوا , وَالْعَرَب تَقُول لِلْبَارِكِ عَلَى الرُّكْبَة : جَاثِم , وَمِنْهُ قَوْل جَرِير : عَرَفْت الْمُنْتَأَى وَعَرَفْت مِنْهَا مَطَايَا الْقِدْر كَالْحِدَإِ الْجُثُوم وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11514 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ } قَالَ : مَيِّتِينَ.
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَسورة الأعراف الآية رقم 79
الْقَوْل فِي تَأْوِيل أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَدْبَرَ صَالِح عَنْهُمْ حِين اِسْتَعْجَلُوهُ الْعَذَاب وَعَقَرُوا نَاقَة اللَّه خَارِجًا عَنْ أَرْضهمْ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَوْحَى إِلَيْهِ : إِنِّي مُهْلِكهمْ بَعْد ثَلَاثَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ تَهْلَك أُمَّة وَنَبِيّهَا بَيْن أَظْهُرهَا , فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ خُرُوج صَالِح مِنْ بَيْن قَوْمه الَّذِينَ عَتَوْا عَلَى رَبّهمْ حِين أَرَادَ اللَّه إِحْلَال عُقُوبَته بِهِمْ , فَقَالَ : فَتَوَلَّى عَنْهُمْ صَالِح , وَقَالَ لِقَوْمِهِ ثَمُود : لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَة رَبِّي , وَأَدَّيْت إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَنِي بِأَدَائِهِ إِلَيْكُمْ رَبِّي مِنْ أَمْره وَنَهْيه , وَنَصَحْت لَكُمْ فِي أَدَائِي رِسَالَة اللَّه إِلَيْكُمْ فِي تَحْذِيركُمْ بَأْسه بِإِقَامَتِكُمْ عَلَى كُفْركُمْ بِهِ وَعِبَادَتكُمْ الْأَوْثَان .

{ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } لَكُمْ فِي اللَّه النَّاهِينَ لَكُمْ عَنْ اِتِّبَاع أَهْوَائِكُمْ الصَّادِّينَ لَكُمْ عَنْ شَهَوَات أَنْفُسكُمْ .
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 80
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا لُوطًا . وَلَوْ قِيلَ : مَعْنَاهُ : وَاذْكُرْ لُوطًا يَا مُحَمَّد إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ - إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام صِلَة الرِّسَالَة كَمَا كَانَ فِي ذِكْر عَاد وَثَمُود - كَانَ مَذْهَبًا . وَقَوْله : { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } يَقُول : حِين قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ سَدُوم , وَإِلَيْهِمْ كَانَ أُرْسِلَ لُوط : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة } , وَكَانَتْ فَاحِشَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَأْتُونَهَا الَّتِي عَاقَبَهُمْ اللَّه عَلَيْهَا : إِتْيَان الذُّكُور .

{ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول : مَا سَبَقَكُمْ بِفِعْلِ هَذِهِ الْفَاحِشَة أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ. وَذَلِكَ كَاَلَّذِي : 11515 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَوْله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَا رُئِيَ ذَكَر عَلَى ذَكَر حَتَّى كَانَ قَوْم لُوط .
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَسورة الأعراف الآية رقم 81
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال شَهْوَة مِنْ دُون النِّسَاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ } يُخْبِر بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ لُوط أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ , تَوْبِيخًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى فِعْلهمْ : { إِنَّكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { لَتَأْتُونَ الرِّجَال } فِي أَدْبَارهمْ , { شَهْوَة } مِنْكُمْ لِذَلِكَ , { مِنْ دُون } الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّه لَكُمْ وَأَحَلَّهُ مِنْ { النِّسَاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ } يَقُول : إِنَّكُمْ لَقَوْم تَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ وَتَعْصُونَهُ بِفِعْلِكُمْ هَذَا , وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْرَاف فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالشَّهْوَة : الْفَعْلَة , وَهِيَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : شَهِيت هَذَا الشَّيْء أَشْهَاهُ شَهْوَة ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَأَشْعَث يَشْهَى النَّوْم قُلْت لَهُ اِرْتَحِلْ إِذَا مَا النُّجُوم أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّت فَقَامَ يَجُرّ الْبُرْد لَوْ أَنَّ نَفْسه يُقَال لَهُ خُذْهَا بِكَفَّيْك خَرَّتْ
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَسورة الأعراف الآية رقم 82
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا كَانَ جَوَاب قَوْم لُوط لِلُوطٍ إِذْ وَبَّخَهُمْ عَلَى فِعْلهمْ الْقَبِيح وَرُكُوبهمْ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل الْخَبِيث إِلَّا أَنْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَخْرِجُوا لُوطًا وَأَهْله ! وَلِذَلِكَ قِيلَ : أَخْرِجُوهُمْ , فَجَمَعَ وَقَدْ جَرَى قَبْل ذِكْر لُوط وَحْده دُون غَيْره. وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِنَّمَا جَمَعَ بِمَعْنَى : أَخْرِجُوا لُوطًا وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينه مِنْ قَرْيَتكُمْ , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ لُوط فِي أَوَّل الْكَلَام عَنْ ذِكْر أَتْبَاعه , ثُمَّ جَمَعَ فِي آخِر الْكَلَام , كَمَا قِيلَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء } 65 1 وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.

{ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } يَقُول : إِنَّ لُوطًا وَمَنْ تَبِعَهُ أُنَاس يَتَنَزَّهُونَ عَمَّا نَفْعَلهُ نَحْنُ مِنْ إِتْيَان الرِّجَال فِي الْأَدْبَار. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11516 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَانِئ بْن سَعِيد النَّخَعِيّ , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَأَدْبَار النِّسَاء . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَأَدْبَار النِّسَاء . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : يَتَطَهَّرُونَ مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَالنِّسَاء . 11517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عِمَارَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : مِنْ أَدْبَار الرِّجَال وَمِنْ أَدْبَار النِّسَاء . 11518 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } قَالَ : يَتَحَرَّجُونَ. 11519 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ } يَقُول : عَابُوهُمْ بِغَيْرِ عَيْب , وَذَمُّوهُمْ بِغَيْرِ ذَمّ .
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 83
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْله إِلَّا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا أَبَى قَوْم لُوط مَعَ تَوْبِيخ لُوط إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يَأْتُونَ مِنْ الْفَاحِشَة , وَإِبْلَاغه إِيَّاهُمْ رِسَالَة رَبّه بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , إِلَّا التَّمَادِي فِي غَيّهمْ , أَنْجَيْنَا لُوطًا وَأَهْله الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إِلَّا اِمْرَأَته فَإِنَّهَا كَانَتْ لِلُوطٍ خَائِنَة وَبِاَللَّهِ كَافِرَة . وَقَوْله : { مِنْ الْغَابِرِينَ } يَقُول : مِنْ الْبَاقِينَ. وَقِيلَ " مِنْ الْغَابِرِينَ " وَلَمْ يَقُلْ " الْغَابِرَات " , لِأَنَّهُ يُرِيد أَنَّهَا مِمَّنْ بَقِيَ مَعَ الرِّجَال , فَلَمَّا ضُمَّ ذِكْرهَا إِلَى ذِكْر الرِّجَال قِيلَ مِنْ الْغَابِرِينَ , وَالْفِعْل مِنْهُ : غَبَرَ يَغْبُر غُبُورًا وَغَبْرًا , وَذَلِكَ إِذَا بَقِيَ ; كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : عَضَّ بِمَا أَبْقَى الْمَوَاسِي لَهُ مِنْ أُمّه فِي الزَّمَن الْغَابِر وَكَمَا قَالَ الْآخَر : وَأَبِي الَّذِي فَتَحَ الْبِلَاد بِسَيْفِهِ فَأَذَلَّهَا لِبَنِي أَبَان الْغَابِر يَعْنِي : الْبَاقِي . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَانَتْ اِمْرَأَة لُوط مِمَّنْ نَجَا مِنْ الْهَلَاك الَّذِي هَلَكَ بِهِ قَوْم لُوط ؟ قِيلَ : لَا , بَلْ كَانَتْ فِيمَنْ هَلَكَ . فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ قِيلَ : { إِلَّا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ } وَقَدْ قُلْت إِنَّ مَعْنَى الْغَابِر الْبَاقِي , فَقَدْ وَجَبَ أَنْ تَكُون قَدْ بَقِيَتْ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ ; وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ : إِلَّا اِمْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْبَاقِينَ قَبْل الْهَلَاك وَالْمُعَمَّرِينَ الَّذِينَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِمْ دَهْر كَبِير وَمَرَّ بِهِمْ زَمَن كَثِير , حَتَّى هَرِمَتْ فِيمَنْ هَرَم مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ مِمَّنْ عُمِّرَ الدَّهْر الطَّوِيل قَبْل هَلَاك الْقَوْم , فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَوْم لُوط حِين جَاءَهُمْ الْعَذَاب . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مِنْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11520 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ } 26 171 فِي عَذَاب اللَّه.
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 84
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمْطَرْنَا عَلَى قَوْم لُوط الَّذِينَ كَذَّبُوا لُوطًا وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ مَطَرًا مِنْ حِجَارَة مِنْ سِجِّيل أَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ .

{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرِمِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد إِلَى عَاقِبَة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَوْم لُوط , فَاجْتَرَمُوا مَعَاصِي اللَّه وَرَكِبُوا الْفَوَاحِش وَاسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ أَدْبَار الرِّجَال , كَيْفَ كَانَتْ وَإِلَى أَيّ شَيْء صَارَتْ ! هَلْ كَانَتْ إِلَّا الْبَوَار وَالْهَلَاك ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْ نَظِيره مِنْ الْعُقُوبَة , عَاقِبَة مِنْ كَذَّبَك وَاسْتَكْبَرَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقك إِنْ لَمْ يَتُوبُوا , مِنْ قَوْمك .
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة الأعراف الآية رقم 85
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَرْسَلْنَا إِلَى وَلَد مَدْيَن . وَمَدْيَن : هُمْ وَلَد مَدْيَن بْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , فِيمَا : 11521 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق . فَإِنْ كَانَ الْأَمْر كَمَا قَالَ : فَمَدْيَن قَبِيلَة كَتَمِيم . وَزَعَمَ أَيْضًا اِبْن إِسْحَاق أَنَّ شُعَيْبًا الَّذِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ وَلَد مَدْيَن هَذَا , وَأَنَّهُ شُعَيْب بْن ميكيل بْن يشجر , قَالَ : وَاسْمه بِالسُّرْيَانِيَّةِ بثرون . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن إِسْحَاق : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى وَلَد مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْب بْن ميكيل , يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَة اللَّه وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَتَرْك السَّعْي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ وَالصَّدّ عَنْ سَبِيله , فَقَالَ لَهُمْ شُعَيْب : يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه يَسْتَوْجِب عَلَيْكُمْ الْعِبَادَة غَيْر الْإِلَه الَّذِي خَلَقَكُمْ وَبِيَدِهِ نَفْعكُمْ وَضُرّكُمْ .

{ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : قَدْ جَاءَتْكُمْ عَلَامَة وَحُجَّة مِنْ اللَّه بِحَقِيقَةِ مَا أَقُول وَصِدْق مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ .

{ فَأَوْفُوا الْكَيْل وَالْمِيزَان } يَقُول : أَتِمُّوا لِلنَّاسِ حُقُوقهمْ بِالْكَيْلِ الَّذِي تَكِيلُونَ بِهِ وَبِالْوَزْنِ الَّذِي تَزِنُونَ بِهِ .

{ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ } يَقُول وَلَا تَظْلِمُوا النَّاس حُقُوقهمْ وَلَا تُنْقِصُوهُمْ إِيَّاهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلهمْ : تَحْسَبهَا حَمْقَاء وَهِيَ بَاخِسَة , بِمَعْنَى ظَالِمَة , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْس } 12 20 يَعْنِي بِهِ : رَدِيء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11522 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ } يَقُول : لَا تَظْلِمُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ . 11523 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تَبْخَسُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ } : قَالَ : لَا تَظْلِمُوا النَّاس أَشْيَاءَهُمْ .

وَقَوْله : { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض } يَقُول : وَلَا تَعْمَلُوا فِي أَرْض اللَّه بِمَعَاصِيهِ وَمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ قَبْل أَنْ يَبْعَث اللَّه إِلَيْكُمْ نَبِيّه , مِنْ عِبَادَة غَيْر اللَّه وَالْإِشْرَاك بِهِ وَبَخْس النَّاس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن.

{ بَعْد إِصْلَاحهَا } يَقُول : بَعْد أَنْ قَدْ أَصْلَحَ اللَّه الْأَرْض بِابْتِعَاثِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فِيكُمْ , يَنْهَاكُمْ عَمَّا لَا يَحِلّ لَكُمْ وَمَا يَكْرَههُ اللَّه لَكُمْ .

{ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَكُمْ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَإِيفَاء النَّاس حُقُوقهمْ مِنْ الْكَيْل وَالْوَزْن وَتَرْك الْفَسَاد فِي الْأَرْض , خَيْر لَكُمْ فِي عَاجِل دُنْيَاكُمْ وَآجِل آخِرَتكُمْ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة .

{ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ فِيمَا أَقُول لَكُمْ وَأُؤَدِّي إِلَيْكُمْ عَنْ اللَّه مِنْ أَمْره وَنَهْيه.
وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَسورة الأعراف الآية رقم 86
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } : وَلَا تَجْلِسُوا بِكُلِّ طَرِيق - وَهُوَ الصِّرَاط - تُوعِدُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَتْلِ . وَكَانُوا فِيمَا ذُكِرَ يَقْعُدُونَ عَلَى طَرِيق مَنْ قَصَدَ شُعَيْبًا وَأَرَادَهُ لِيُؤْمِن بِهِ , فَيَتَوَعَّدُونَهُ وَيُخَوِّفُونَهُ وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ كَذَّاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11524 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } قَالَ : كَانُوا يُوعِدُونَ مَنْ أَتَى شُعَيْبًا وَغَشِيَهُ فَأَرَادَ الْإِسْلَام. 11525 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } وَالصِّرَاط : الطَّرِيق , يُخَوِّفُونَ النَّاس أَنْ يَأْتُوا شُعَيْبًا . 11526 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الطَّرِيق ; فَيُخْبِرُونَ مَنْ أَتَى عَلَيْهِمْ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَام كَذَّاب , فَلَا يَفْتِنكُمْ عَنْ دِينكُمْ . 11527 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } : كُلّ سَبِيل حَقّ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نُجِيع , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 11528 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } كَانُوا يَقْعُدُونَ عَلَى كُلّ طَرِيق يُوعِدُونَ الْمُؤْمِنِينَ . 11529 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } قَالَ : الْعَشَّارُونَ . 11530 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - أَوْ غَيْره , شَكَّ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ - قَالَ : أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ عَلَى خَشَبَة عَلَى الطَّرِيق لَا يَمُرّ بِهَا ثَوْب إِلَّا شَقَّتْهُ وَلَا شَيْء إِلَّا خَرَقَتْهُ , قَالَ : " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ " قَالَ : هَذَا مَثَل أَقْوَام مِنْ أُمَّتك يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيق فَيَقْطَعُونَهُ ; ثُمَّ تَلَا : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ } وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ عِنْد أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ نَبِيّ اللَّه شُعَيْبًا إِنَّمَا نَهَى قَوْمه بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } عَنْ قَطْع الطَّرِيق , وَأَنَّهُمْ كَانُوا قُطَّاع الطَّرِيق . وَقِيلَ : { وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ } وَلَوْ قِيلَ فِي غَيْر الْقُرْآن : لَا تَقْعُدُوا فِي كُلّ صِرَاط كَانَ جَائِزًا فَصِيحًا فِي الْكَلَام ; وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّرِيق لَيْسَ بِالْمَكَانِ الْمَعْلُوم , فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا جَازَ أَنْ يُقَال : قَعَدَ لَهُ بِمَكَانِ كَذَا , وَعَلَى مَكَان كَذَا , وَفِي مَكَان كَذَا. قَالَ : { تُوعِدُونَ } وَلَمْ يَقُلْ : " تَعْدُونَ " , لِأَنَّ الْعَرَب كَذَلِكَ تَفْعَل فِيمَا أَبْهَمَتْ وَلَمْ تُفْصِح بِهِ مِنْ الْوَعِيد , تَقُول : " أَوْعَدْته " بِالْأَلْفِ " وَتَقَدَّمَ مِنِّي إِلَيْهِ وَعِيد " , فَإِذَا بَيَّنَتْ عَمَّا أَوْعَدَتْ وَأَفْصَحَتْ بِهِ , قَالَتْ : " وَعَدْته خَيْرًا , وَوَعَدْته شَرًّا " بِغَيْرِ أَلِف , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { النَّار وَعَدَهَا اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا } 22 72

وَأَمَّا قَوْله : { وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ بِهِ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَتَرُدُّونَ عَنْ طَرِيق اللَّه - وَهُوَ الرَّدّ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ - مَنْ آمَنَ بِهِ , يَقُول : تَرُدُّونَ عَنْ طَرِيق اللَّه مَنْ صَدَّقَ بِاَللَّهِ وَوَحَّدَهُ. { وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } يَقُول : وَتَلْتَمِسُونَ لِمَنْ سَلَكَ سَبِيل اللَّه وَآمَنَ بِهِ وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ , عِوَجًا عَنْ الْقَصْد وَالْحَقّ إِلَى الزَّيْغ وَالضَّلَال . كَمَا : 11531 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : أَهْلهَا , { وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } تَلْتَمِسُونَ لَهَا الزَّيْغ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 11532 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } قَالَ : تَبْغُونَ السَّبِيل عَنْ الْحَقّ عِوَجًا . 11533 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } عَنْ الْإِسْلَام تَبْغُونَ السَّبِيل { عِوَجًا } : هَلَاكًا .

وَقَوْله : { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ } يُذَكِّرهُمْ شُعَيْب نِعْمَة اللَّه عِنْدهمْ بِأَنْ كَثَّرَ جَمَاعَتهمْ بَعْد أَنْ كَانُوا قَلِيلًا عَدَدهمْ , وَأَنْ رَفَعَهُمْ مِنْ الذِّلَّة وَالْخَسَاسَة . يَقُول لَهُمْ : فَاشْكُرُوا اللَّه الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة , وَاتَّقُوا عُقُوبَته بِالطَّاعَةِ , وَاحْذَرُوا نِقْمَته بِتَرْكِ الْمَعْصِيَة .

{ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ } يَقُول : وَانْظُرُوا مَا نَزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ مِنْ الْأُمَم حِين عَتَوْا عَلَى رَبّهمْ وَعَصَوْا رُسُله مِنْ الْمَثُلَات وَالنِّقْمَات , وَكَيْفَ وَجَدُوا عُقْبَى عِصْيَانهمْ إِيَّاهُ , أَلَمْ يُهْلِك بَعْضهمْ غَرَقًا بِالطُّوفَانِ وَبَعْضهمْ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ وَبَعْضهمْ بِالصَّيْحَةِ ؟ وَالْإِفْسَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهُ : مَعْصِيَة اللَّه .
وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 87
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ آمَنُوا بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ } وَإِنْ كَانَتْ جَمَاعَة مِنْكُمْ وَفِرْقَة آمَنُوا , يَقُول : صَدَّقُوا , { بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ } مِنْ إِخْلَاص الْعِبَادَة لِلَّهِ وَتَرْك مَعَاصِيه وَظُلْم النَّاس وَبَخْسهمْ فِي الْمَكَايِيل وَالْمَوَازِين , فَاتَّبَعُونِي عَلَى ذَلِكَ .

{ وَطَائِفَة لَمْ يُؤْمِنُوا } يَقُول : وَجَمَاعَة أُخْرَى لَمْ يُصَدِّقُوا بِذَلِكَ , وَلَمْ يَتَّبِعُونِي عَلَيْهِ .

{ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْننَا } يَقُول : فَاحْتَبِسُوا عَلَى قَضَاء اللَّه الْفَاصِل بَيْننَا وَبَيْنكُمْ .

{ وَهُوَ خَيْر الْحَاكِمِينَ } يَقُول : وَاَللَّه خَيْر مَنْ يَفْصِل وَأَعْدَل مَنْ يَقْضِي , لِأَنَّهُ لَا يَقَع فِي حُكْمه مَيْل إِلَى أَحَد , وَلَا مُحَابَاة لِأَحَدٍ ; وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَسورة الأعراف الآية رقم 88
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا } يَعْنِي بِالْمَلَأِ : الْجَمَاعَة مِنْ الرِّجَال , وَيَعْنِي بِاَلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا : الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَاتِّبَاع رَسُوله شُعَيْب لَمَّا حَذَّرَهُمْ شُعَيْب بَأْس اللَّه عَلَى خِلَافهمْ أَمْر رَبّهمْ , وَكُفْرهمْ بِهِ .

{ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْب } وَمَنْ تَبِعَك وَصَدَّقَك وَآمَنَ بِك , وَبِمَا جِئْت بِهِ مَعَك مِنْ قَرْيَتنَا .

{ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتنَا } يَقُول : لَتَرْجِعُنَّ أَنْتَ وَهُمْ فِي دِيننَا وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ .

قَالَ شُعَيْب مُجِيبًا لَهُمْ : { أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } ؟ وَمَعْنَى الْكَلَام : أَنَّ شُعَيْبًا قَالَ لِقَوْمِهِ : أَتُخْرِجُونَنَا مِنْ قَرْيَتكُمْ , وَتَصُدُّونَنَا عَنْ سَبِيل اللَّه , وَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ لِذَلِكَ ؟ ثُمَّ أُدْخِلَتْ أَلِف الِاسْتِفْهَام عَلَى وَاو " أَوَلَوْ " .
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَسورة الأعراف الآية رقم 89
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ اِفْتَرَيْنَا عَلَى اللَّه كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتكُمْ بَعْد إِذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا وَمَا يَكُون لَنَا أَنْ نَعُود فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّنَا وَسِعَ رَبّنَا كُلّ شَيْء عِلْمًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ شُعَيْب لِقَوْمِهِ , إِذْ دَعَوْهُ إِلَى الْعَوْد إِلَى مِلَّتهمْ وَالدُّخُول فِيهَا , وَتَوَعَّدُوهُ بِطَرْدِهِ وَمَنْ اِتَّبَعَهُ مِنْ قَرْيَتهمْ إِنْ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ هُوَ وَهُمْ : { قَدْ اِفْتَرَيْنَا عَلَى اللَّه كَذِبًا } يَقُول : قَدْ اِخْتَلَقْنَا عَلَى اللَّه كَذِبًا , وَتَخَرَّصْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل بَاطِلًا إِنْ نَحْنُ عُدْنَا فِي مِلَّتكُمْ , فَرَجَعْنَا فِيهَا بَعْد إِذْ أَنْقَذَنَا اللَّه مِنْهَا , بِأَنْ بَصَّرَنَا خَطَأَهَا وَصَوَاب الْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ , وَمَا يَكُون لَنَا أَنْ نَرْجِع فِيهَا فَنَدِين بِهَا وَنَتْرُك الْحَقّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ . { إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّنَا } : إِلَّا أَنْ يَكُون سَبَقَ لَنَا فِي عِلْم اللَّه أَنَّا نَعُود فِيهَا , فَيَمْضِي فِينَا حِينَئِذٍ قَضَاء اللَّه , فَيُنْفِذ مَشِيئَته عَلَيْنَا. { وَسِعَ رَبّنَا كُلّ شَيْء عِلْمًا } يَقُول : فَإِنَّ عِلْم رَبّنَا وَسِعَ كُلّ شَيْء فَأَحَاطَ بِهِ , فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء كَانَ وَلَا شَيْء هُوَ كَائِن ; فَإِنْ يَكُنْ سَبَقَ لَنَا فِي عِلْمه أَنَّا نَعُود فِي مِلَّتكُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء كَانَ وَلَا شَيْء هُوَ كَائِن , فَلَا بُدّ مِنْ أَنْ يَكُون مَا قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمه , وَإِلَّا فَإِنَّا غَيْر عَائِدِينَ فِي مِلَّتكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11534 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَدْ اِفْتَرَيْنَا عَلَى اللَّه كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتكُمْ بَعْد إذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا وَمَا يَكُون لَنَا أَنْ نَعُود فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّنَا وَسِعَ رَبّنَا كُلّ شَيْء عِلْمًا عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } يَقُول : مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعُود فِي شِرْككُمْ بَعْد إِذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه رَبّنَا , فَاَللَّه لَا يَشَاء الشِّرْك , وَلَكِنْ يَقُول : إِلَّا أَنْ يَكُون اللَّه قَدْ عَلِمَ شَيْئًا , فَإِنَّهُ وَسِعَ كُلّ شَيْء عِلْمًا .

وَقَوْله : { عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا } يَقُول : عَلَى اللَّه نَعْتَمِد فِي أُمُورنَا وَإِلَيْهِ نَسْتَنِد فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ شِرْككُمْ أَيّهَا الْقَوْم , فَإِنَّهُ الْكَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ .

ثُمَّ فَزِعَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ إِلَى رَبّه بِالدُّعَاءِ عَلَى قَوْمه , إِذْ أَيِسَ مِنْ فَلَاحهمْ , وَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُ مِنْ إِذْعَانهمْ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَار لَهُ بِالرِّسَالَةِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسه وَعَلَى مَنْ اِتَّبَعَهُ مِنْ مُؤْمِنِي قَوْمه مِنْ فَسَقَتهمْ الْعَطَب وَالْهَلَكَة ; بِتَعْجِيلِ النِّقْمَة , فَقَالَ : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } يَقُول : اُحْكُمْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ بِحُكْمِك الْحَقّ الَّذِي لَا جَوْر فِيهِ وَلَا حَيْف وَلَا ظُلْم , وَلَكِنَّهُ عَدْل وَحَقّ ; { وَأَنْتَ خَيْر الْفَاتِحِينَ } يَعْنِي : خَيْر الْحَاكِمِينَ . ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ أَهْل عُمَان يُسَمُّونَ الْقَاضِي : الْفَاتِح وَالْفَتَّاح . وَذَكَرَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب أَنَّهُ مِنْ لُغَة مُرَاد , وَأَنْشَدَ بَعْضهمْ بَيْتًا وَهُوَ : أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عُصْم رَسُولًا فَإِنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11535 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مِسْعَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا كُنْت أَدْرِي مَا قَوْله : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } حَتَّى سَمِعْت اِبْنَة ذِي يَزَنْ تَقُول : تَعَالَ أُفَاتِحك , يَعْنِي : أُقَاضِيك . 11536 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دُكَيْن , قَالَ : ثنا مِسْعَر , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يَقُول : قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا كُنْت أَدْرِي مَا قَوْله : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } حَتَّى سَمِعْت اِبْنَة ذِي يَزَنْ تَقُول : تَعَالَ أُفَاتِحك . 11537 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } : أَيْ اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ. 11538 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا قَوْله : { اِفْتَحْ بَيْننَا } فَيَقُول : اُحْكُمْ بَيْننَا . 11539 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : اِفْتَحْ : اُحْكُمْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا , و { إِنَّا فَتْحنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا } 48 1 حَكَمْنَا لَك حُكْمًا مُبِينًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِفْتَحْ : اِقْضِ . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا { اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } حَتَّى سَمِعْت ابْنَة ذِي يَزَنْ تَقُول لِزَوْجِهَا : اِنْطَلِقْ أُفَاتِحك .
وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذَاً لَّخَاسِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 90
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه لَئِنْ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إذًا لَخَاسِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَتْ الْجَمَاعَة مِنْ كَفَرَة رِجَال قَوْم شُعَيْب , وَهُمْ الْمَلَأ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَات اللَّه وَكَذَّبُوا رَسُوله وَتَمَادَوْا فِي غَيّهمْ , لِآخَرِينَ مِنْهُمْ : لَئِنْ أَنْتُمْ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا عَلَى مَا يَقُول وَأَجَبْتُمُوهُ إِلَى مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَنَهْيه وَأَقْرَرْتُمْ بِثُبُوتِهِ , { إِنَّكُمْ إذًا لَخَاسِرُونَ } يَقُول : لَمَغْبُونُونَ فِي فِعْلكُمْ , وَتَرْككُمْ مِلَّتكُمْ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ إِلَى دِينه الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ , وَهَالِكُونَ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلكُمْ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7