الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَسورة المائدة الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا أَيْضًا أَحَد الْأَدِلَّة عَلَى أَنَّ الْقَوْل فِي أَمْر اِبْنَيْ آدَم بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَمْرو عَنْ الْحَسَن ; لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة لَوْ كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَمْ يَجْهَل الْقَاتِل دَفْن أَخِيهِ وَمُوَارَاة سَوْأَة أَخِيهِ , وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مِنْ وَلَد آدَم لِصُلْبِهِ . وَلَمْ يَكُنْ الْقَاتِل مِنْهُمَا أَخَاهُ عَلِمَ سُنَّة اللَّه فِي عَادَة الْمَوْتَى , وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع بِأَخِيهِ الْمَقْتُول , فَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلهُ عَلَى عَاتِقه حِينًا حَتَّى أَرَاحَتْ جِيفَته , فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعْرِيفَهُ السُّنَّة فِي مَوْتَى خَلْقه , فَقَيَّضَ لَهُ الْغُرَابَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ صِفَتهمَا فِي كِتَابه . ذِكْر الْأَخْبَار عَنْ أَهْل التَّأْوِيل بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ فِعْل الْقَاتِل مِنْ اِبْنَيْ آدَم بِأَخِيهِ الْمَقْتُول بَعْد قَتْله إِيَّاهُ : 9179 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي رِزْق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَكَثَ يَحْمِل أَخَاهُ فِي جِرَاب عَلَى رَقَبَته سَنَة , حَتَّى بَعَثَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ الْغُرَابَيْنِ , فَرَآهُمَا يَبْحَثَانِ , فَقَالَ : أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب ؟ فَدَفَنَ أَخَاهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ } بَعَثَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَاب مَيِّت , فَجَعَلَ الْغُرَاب الْحَيّ يُوَارِي سَوْأَة الْغُرَاب الْمَيِّت , فَقَالَا اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة . 9180 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِك . وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه . وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا مَاتَ الْغُلَام تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَا يَعْلَم كَيْفَ يُدْفَن , فَبَعَثَ اللَّه غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ , فَاقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه , فَحَفَرَ لَهُ , ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ , فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي } فَهُوَ قَوْل اللَّه : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ } . 9181 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَبْحَث } قَالَ : بَعَثَ اللَّه غُرَابًا حَتَّى حَفَرَ لِآخَر إِلَى جَنْبه مَيِّت وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر إِلَيْهِ , ثُمَّ بَحَثَ عَلَيْهِ حَتَّى غَيَّبَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } حَتَّى حَفَرَ لِآخَر مَيِّت إِلَى جَنْبه , فَغَيَّبَهُ , وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر إِلَيْهِ حَيْثُ يَبْحَث عَلَيْهِ , حَتَّى غَيَّبَهُ فَقَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور . عَنْ مُجَاهِد . قَوْله : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } قَالَ : بَعَثَ اللَّه غُرَابًا إِلَى غُرَاب , فَاقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه , فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَاب , فَقَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } قَالَ : جَاءَ غُرَاب إِلَى غُرَاب مَيِّت , فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ التُّرَاب حَتَّى وَارَاهُ , فَقَالَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة . 9182 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق . عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : لَمَّا قَتَلَهُ نَدِمَ , فَضَمَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْوَح , وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْر وَالسِّبَاع تَنْتَظِر مَتَى يَرْمِي بِهِ فَتَأْكُلهُ . 9183 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ } أَنَّهُ بَعَثَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره يَبْحَث فِي الْأَرْض ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا غُرَابَانِ اِقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه , وَذَلِكَ - يَعْنِي اِبْن آدَم - يَنْظُر , وَجَعَلَ الْحَيّ يَحْثِي عَلَى الْمَيِّت التُّرَاب , فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة , إِلَى قَوْله : { مِنْ النَّادِمِينَ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ قَتَادَة , قَالَ : أَمَّا قَوْله : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا } قَالَ : قَتَلَ غُرَاب غُرَابًا . فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَيْهِ , فَقَالَ اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ حِين رَآهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ } قَالَ : وَارَى الْغُرَاب . قَالَ : كَانَ يَحْمِلهُ عَلَى عَاتِقه مِائَة سَنَة لَا يَدْرِي مَا يَصْنَع بِهِ , يَحْمِلهُ وَيَضَعهُ إِلَى الْأَرْض حَتَّى رَأَى الْغُرَاب يَدْفِن الْغُرَاب , فَقَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . 9184 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْل اللَّه : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } قَالَ : بَعَثَ اللَّه غُرَابًا , فَجَعَلَ يَبْحَث عَلَى غُرَاب مَيِّت التُّرَاب , قَالَ : فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ { أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . 9185 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } بَعَثَ اللَّه غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَاب مَيِّت , فَجَعَلَ الْغُرَاب الْحَيّ يُوَارِي سَوْأَة الْغُرَاب الْمَيِّت , فَقَالَ اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة . 9186 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا يُذْكَر عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : لَمَّا قَتَلَهُ سُقِطَ فِي يَدَيْهِ , وَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُوَارِيه , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّل قَتِيل مِنْ بَنِي آدَم , وَأَوَّل مَيِّت قَالَ { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي } الْآيَة إِلَى قَوْله : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ } قَالَ : وَيَزْعُم أَهْل التَّوْرَاة أَنَّ قَابِيل حِين قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيل , قَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا قَابِيل أَيْنَ أَخُوك هَابِيل ؟ قَالَ : مَا أَدْرِي مَا كُنْت عَلَيْهِ رَقِيبًا . فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ : إِنَّ صَوْت دَم أَخِيك لَيُنَادِينِي مِنْ الْأَرْض , الْآن أَنْتَ مَلْعُون مِنْ الْأَرْض الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا فَبَلَعَتْ دَم أَخِيك مِنْ يَدك , فَإِذَا أَنْتَ عَمِلْت فِي الْأَرْض , فَإِنَّهَا لَا تَعُود تُعْطِيك حَرْثهَا حَتَّى تَكُون فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْض . قَالَ قَابِيل : عَظُمَتْ خَطِيئَتِي عَنْ أَنْ تَغْفِرهَا , قَدْ أَخْرَجْتنِي الْيَوْم عَنْ وَجْه الْأَرْض , وَأَتَوَارَى مِنْ قُدَّامك , وَأَكُون فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْض , وَكُلّ مَنْ لَقِيَنِي قَتَلَنِي ! فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَا يَكُون كُلّ قَاتِل قَتِيلًا يَجْزِي وَاحِدًا , وَلَكِنْ يَجْزِي سَبْعَة , وَجَعَلَ اللَّه فِي قَابِيل آيَة , لِئَلَّا يَقْتُلهُ كُلّ مَنْ وَجَدَهُ . وَخَرَجَ قَابِيل مِنْ قُدَّام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , مِنْ شَرْقِيّ عَدَن الْجَنَّة . 9187 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ نَشَّفَتْ الْأَرْضُ دَمَهُ , فَلُعِنَتْ , فَلَمْ تُنَشِّف الْأَرْض دَمًا بَعْدُ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَأَثَارَ اللَّه لِلْقَاتِلِ إِذْ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع بِأَخِيهِ الْمَقْتُول غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض , يَقُول : يَحْفِر فِي الْأَرْض , فَيُثِير تُرَابهَا لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ , يَقُول : لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي جِيفَة أَخِيهِ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَنَى بِالسَّوْأَةِ الْفَرْج , غَيْر أَنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْجِيفَة , وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل . وَفِي ذَلِكَ مَحْذُوف تُرِكَ ذِكْره , اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ , وَهُوَ : فَأَرَاهُ بِأَنْ بَحَثَ فِي الْأَرْض لِغُرَابٍ آخَر مَيِّت , فَوَارَاهُ فِيهَا , فَقَالَ الْقَاتِل أَخَاهُ حِينَئِذٍ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الَّذِي وَارَى الْغُرَاب الْآخَر الْمَيِّت { فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي } ؟ فَوَارَاهُ حِينَئِذٍ { فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي قَتْله أَخَاهُ . وَكُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَات , مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِبَنِي آدَم , وَحَرَّضَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِسْتِعْمَال الْعَفْو وَالصَّفْح عَنْ الْيَهُود , الَّذِينَ كَانُوا هَمُّوا بِقَتْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَتْلهمْ مِنْ بَنِي النَّضِير , إِذْ أَتَوْهُمْ يَسْتَعِينُونَهُمْ فِي دِيَة قَتِيلَيْ عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ , وَعَرَّفَهُمْ جَلَّ وَعَزَّ رَدَاءَة سَجِيَّة أَوَائِلهمْ وَسُوء اِسْتِقَامَتهمْ عَلَى مَنْهَج الْحَقّ مَعَ كَثْرَة أَيَادِيه وَآلَائِهِ عِنْدهمْ , وَضَرَبَ مَثَلهمْ فِي عَدُوّهُمْ وَمَثَل الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَفَاء لَهُمْ وَالْعَفْو عَنْهُمْ بِابْنَيْ آدَم الْمُقَرِّبَيْنِ قَرَابِينهمَا اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَات . ثُمَّ ذَلِكَ مَثَل لَهُمْ عَلَى التَّأَسِّي بِالْفَاضِلِ مِنْهُمَا دُون الطَّالِح , وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9188 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قُلْت لِبَكْرِ بْن عَبْد اللَّه : أَمَا بَلَغَك أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ ضَرَبَ لَكُمْ اِبْنَيْ آدَم مَثَلًا , فَخُذُوا خَيْرهمَا وَدَعُوا شَرّهمَا ؟ " قَالَ : بَلَى 9189 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اِبْنَيْ آدَم ضُرِبَا مَثَلًا لِهَذِهِ الْأُمَّة فَخُذُوا بِالْخَيْرِ مِنْهُمَا " * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه ضَرَبَ لَكُمْ اِبْنَيْ آدَم مَثَلًا , فَخُذُوا مِنْ خَيْرهمْ وَدَعُوا الشَّرّ "
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَسورة المائدة الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ } مِنْ جَرّ ذَلِكَ وَجَرِيرَته وَجِنَايَته , يَقُول : مِنْ جَرّ الْقَاتِل أَخَاهُ مِنْ اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ اِقْتَصَصْنَا قِصَّتهمَا الْجَرِيرَة الَّتِي جَرَّهَا وَجِنَايَته الَّتِي جَنَاهَا , كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . يُقَال مِنْهُ : أَجَّلْت هَذَا الْأَمْر : أَيْ جَرَرْته إِلَيْهِ وَكَسَبْته آجُلهُ لَهُ أَجْلًا , كَقَوْلِك : أَخَذْته أَخْذًا , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : وَأَهْل خِبَاء صَالِح ذَات بَيْنهمْ قَدْ احْتَرَبُوا فِي عَاجِل أَنَا آجِلهْ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَنَا آجِله : أَنَا الْجَارّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْجَانِي . فَمَعْنَى الْكَلَام : مِنْ جِنَايَة اِبْن آدَم الْقَاتِل أَخَاهُ ظُلْمًا , حَكَمْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا ظُلْمًا بِغَيْرِ نَفْس قَتَلَتْ فَقُتِلَ بِهَا قِصَاصًا ; { أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض } يَقُول : أَوْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا بِغَيْرِ فَسَاد كَانَ مِنْهَا فِي الْأَرْض , فَاسْتَحَقَّتْ بِذَلِكَ قَتْلهَا . وَفَسَادهَا فِي الْأَرْض إِنَّمَا يَكُون بِالْحَرْبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِخَافَة السَّبِيل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9190 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل } يَقُول : مِنْ أَجْل اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ظُلْمًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَام عَدْل , فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ شَدَّ عَلَى عَضُد نَبِيّ أَوْ إِمَام عَدْل , فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9191 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّار حُسَيْن بْن حُرَيْث الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن مُوسَى , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ شَدَّ عَلَى عَضُد نَبِيّ أَوْ إِمَام عَدْل فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا . وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَام عَدْل فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا وَاحِدَة حَرَّمْتهَا , فَهُوَ مِثْل مَنْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . { وَمَنْ أَحْيَاهَا } يَقُول : مَنْ تَرَكَ قَتْل نَفْس وَاحِدَة حَرَّمْتهَا مَخَافَتِي وَاسْتَحْيَا أَنْ يَقْتُلهَا , فَهُوَ مِثْل اِسْتِحْيَاء النَّاس جَمِيعًا ; يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } عِنْد الْمَقْتُول فِي الْإِثْم ; { وَمَنْ أَحْيَاهَا } فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَة { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } عِنْد الْمُسْتَنْقَذ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 9192 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِيمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَوْله : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } عِنْد الْمَقْتُول , يَقُول فِي الْإِثْم : وَمَنْ أَحْيَاهَا فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَة , فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا عِنْد الْمُسْتَنْقَذ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ قَاتِل النَّفْس الْمُحَرَّم قَتْلهَا يَصْلَى النَّار كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا : مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْل النَّاس جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9193 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا , وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . قَالَ : وَمَنْ أَوْبَقَهَا . 9194 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَنْ أَوْبَقَ نَفْسًا فَكَمَا لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ طَلَبهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْل النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ طَلَبهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْل النَّاس جَمِيعًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } لَمْ يَقْتُلهَا , وَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ النَّاس جَمِيعًا لَمْ يَقْتُل أَحَدًا . 9195 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة , قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا . أَوْ سَمِعْته يُسْأَل عَنْ قَوْله : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا كَانَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا , وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ , وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة , عَنْ الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : الَّذِي يَقْتُل النَّفْس الْمُؤْمِنَة مُتَعَمِّدًا , جَعَلَ اللَّه جَزَاءَهُ جَهَنَّم , وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ , وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا يَقُول : لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى مِثْل ذَلِكَ مِنْ الْعَذَاب قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ لَمْ يَقْتُل أَحَدًا فَقَدْ اِسْتَرَاحَ النَّاس مِنْهُ . 9196 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَانِ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَوْبَقَ نَفْسًا . 9197 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : فِي الْإِثْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } , وَقَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : يَصِير إِلَى جَهَنَّم بِقَتْلِ الْمُؤْمِن , كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا لَصَارَ إِلَى جَهَنَّم . 9198 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : هُوَ كَمَا قَالَ . وَقَالَ : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } فَإِحْيَاؤُهَا لَا يَقْتُل نَفْسًا حَرَّمَهَا اللَّه , فَذَلِكَ الَّذِي أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا , يَعْنِي أَنَّهُ مَنْ حَرَّمَ قَتْلهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاس مِنْهُ جَمِيعًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْيَاهَا } قَالَ : وَمَنْ حَرَّمَهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْعَلَاء , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : { مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا . 9199 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : هِيَ كَاَلَّتِي فِي النِّسَاء : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } فِي جَزَائِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } كَاَلَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } فِي جَزَائِهِ { وَمَنْ أَحْيَاهَا } وَلَمْ يَقْتُل أَحَدًا فَقَدْ حَيِيَ النَّاس مِنْهُ . 9200 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : اِلْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ : هُوَ هَذَا وَهَذَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاص بِهِ وَالْقَوَد بِقَتْلِهِ , مِثْل الَّذِي يَجِب عَلَيْهِ مِنْ الْقَوَد وَالْقِصَاص لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9201 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : يَجِب عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْل مِثْل لَوْ أَنَّهُ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا } مَنْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاص مِنْهُ فَلَمْ يَقْتُلهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9202 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ أَحْيَاهَا أَعْطَاهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مِنْ الْأَجْر مِثْل لَوْ أَنَّهُ أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا . أَحْيَاهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا وَعَفَا عَنْهَا . قَالَ : وَذَلِكَ وَلِيّ الْقَتِيل , وَالْقَتِيل نَفْسه يَعْفُو عَنْهُ قَبْل أَنْ يَمُوت . قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ . 9203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ عَفَا . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ قَتَلَ حَمِيم لَهُ فَعَفَا عَنْ دَمه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : الْعَفْو بَعْد الْقُدْرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } وَمَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَق أَوْ حَرْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9204 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَق أَوْ حَرْق أَوْ هَلَكَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مِنْ غَرَق أَوْ حَرْق أَوْ هَدْم . 9205 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْيَاهَا } قَالَ : أَنْجَاهَا . وَقَالَ الضَّحَّاك بِمَا : 9206 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي عَامِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس } قَالَ : مَنْ تَوَرَّعَ أَوْ لَمْ يَتَوَرَّع . 9207 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } يَقُول : لَوْ لَمْ يَقْتُلهُ لَكَانَ قَدْ أَحْيَا النَّاس , فَلَمْ يَسْتَحِلّ مُحَرَّمًا . وَقَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن فِي ذَلِكَ بِمَا : . 9208 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض } قَالَ : عَظَّمَ ذَلِكَ . 9209 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس } الْآيَة : مَنْ قَتَلَهَا عَلَى غَيْر نَفْس وَلَا فَسَاد أَفْسَدَتْهُ { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } عَظَّمَ وَاَللَّه أَجْرَهَا , وَعَظَّمَ وِزْرَهَا ! فَأَحْيِهَا يَا اِبْن آدَم بِمَالِك , وَأَحْيِهَا بِعَفْوِك إِنْ اِسْتَطَعْت , وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . وَإِنَّا لَا نَعْلَمهُ يَحِلّ دَم رَجُل مُسْلِم مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقِبْلَة إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : رَجُل كَفَرَ بَعْد إِسْلَامه فَعَلَيْهِ الْقَتْل , أَوْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه فَعَلَيْهِ الرَّجْم , أَوْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَد . 9210 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : تَلَا قَتَادَة : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : عَظَّمَ وَاَللَّه أَجْرَهَا , وَعَظَّمَ وَاَللَّه وِزْرَهَا ! . 9211 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سَلَّام بْن مِسْكِين , قَالَ : ثني سُلَيْمَان بْن عَلِيّ الرَّبَعِيّ , قَالَ : قُلْت لِلْحَسَنِ : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس } الْآيَة , أَهِيَ لَنَا يَا أَبَا سَعِيد كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل ؟ فَقَالَ : إِي وَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره , كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل ! وَمَا جَعَلَ دِمَاء بَنِي إِسْرَائِيل أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْ دِمَائِنَا . 9212 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : سَمِعْت خَالِدًا أَبَا الْفَضْل , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } ثُمَّ قَالَ : عَظَّمَ وَاَللَّه فِي الْوِزْر كَمَا تَسْمَعُونَ , وَرَغَّبَ وَاَللَّه فِي الْأَجْر كَمَا تَسْمَعُونَ ! إِذَا ظَنَنْت يَا اِبْن آدَم أَنَّك لَوْ قَتَلْت النَّاس جَمِيعًا فَإِنَّ لَك مِنْ عَمَلك مَا تَفُوز بِهِ مِنْ النَّار , كَذَبَتْك وَاَللَّه نَفْسك , وَكَذَبَك الشَّيْطَان . 9213 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : وِزْرًا { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : أَجْرًا . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُؤْمِنَة بِغَيْرِ نَفْس قَتَلَتْهَا فَاسْتَحَقَّتْ الْقَوَد بِهَا وَالْقَتْل قِصَاصًا , أَوْ بِغَيْرِ فَسَاد فِي الْأَرْض , بِحَرْبِ اللَّه وَرَسُوله وَحَرْب الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا , فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا فِيمَا اِسْتَوْجَبَ مِنْ عَظِيم الْعُقُوبَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , كَمَا أَوْعَدَهُ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ رَبُّهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } فَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِهِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَنْ حَرَّمَ قَتْل مَنْ حَرَّمَ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَتْله عَلَى نَفْسه , فَلَمْ يَتَقَدَّم عَلَى قَتْله , فَقَدْ حَيِيَ النَّاس مِنْهُ بِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ , وَذَلِكَ إِحْيَاؤُهُ إِيَّاهَا . وَذَلِكَ نَظِير خَبَر اللَّه عَزَّ ذِكْره عَمَّنْ حَاجَّ إِبْرَاهِيم فِي رَبّه , إِذْ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم : { رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت } فَكَانَ مَعْنَى الْكَافِر فِي قِيله : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت : أَنَا أَتْرُك مَنْ قَدَرْت عَلَى قَتْله ; وَفِي قَوْله : وَأُمِيت : قَتْله مَنْ قَتَلَهُ . فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْإِحْيَاء فِي قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا } مَنْ سَلِمَ النَّاس مِنْ قَتْله إِيَّاهُمْ , إِلَّا فِيمَا أَذِنَ اللَّه فِي قَتْله مِنْهُمْ { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّهُ لَا نَفْس يَقُوم قَتْلهَا فِي عَاجِل الضُّرّ مَقَام قَتْل جَمِيع النُّفُوس , وَلَا إِحْيَاؤُهَا مَقَام إِحْيَاء جَمِيع النُّفُوس فِي عَاجِل النَّفْع , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاء : سَلَامَة جَمِيع النُّفُوس مِنْهُ ; لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّم عَلَى نَفْس وَاحِدَة , فَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ جَمِيع النُّفُوس , وَأَنَّ الْوَاحِدَة مِنْهَا الَّتِي يَقُوم قَتْلهَا مَقَام جَمِيعهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْوِزْر ; لِأَنَّهُ لَا نَفْس مِنْ نُفُوس بَنِي آدَم يَقُوم فَقْدهَا مَقَام فَقْد جَمِيعهَا وَإِنْ كَانَ فَقْد بَعْضهَا أَعَمّ ضَرَرًا مِنْ فَقْد بَعْض .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ } وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَقْسَمَ بِهِ , أَنَّ رُسُله صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ قَدْ أَتَتْ بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قَصَصهمْ وَذَكَرَ نَبَأَهُمْ فِي الْآيَات الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } إِلَى هَذَا الْمَوْضِع . { بِالْبَيِّنَاتِ } يَعْنِي : بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَة , وَالْحُجَج الْبَيِّنَة عَلَى حَقِّيَّة مَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ وَصِحَّة مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان بِهِمْ وَأَدَاء فَرَائِض اللَّه عَلَيْهِمْ , يَقُول اللَّه عَزَّ ذِكْره : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ } يَعْنِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ } مِنْ ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ } بَعْد ذَلِكَ , يَعْنِي بَعْد مَجِيء رُسُل اللَّه بِالْبَيِّنَاتِ فِي الْأَرْض . { لَمُسْرِفُونَ } يَعْنِي : أَنَّهُمْ فِي الْأَرْض لَعَامِلُونَ بِمَعَاصِي اللَّه , وَمُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَمُحَادُّو اللَّه وَرُسُله , بِاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ وَخِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ; وَذَلِكَ كَانَ إِسْرَافهمْ فِي الْأَرْض .
إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة المائدة الآية رقم 33
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } وَهَذَا بَيَان مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ حُكْم الْفَسَاد فِي الْأَرْض الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْله : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض } أَعْلَمَ عِبَاده مَا الَّذِي يَسْتَحِقّ الْمُفْسِد فِي الْأَرْض مِنْ الْعُقُوبَة وَالنَّكَال , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَا جَزَاء لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْقَتْل وَالصَّلْب وَقَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف أَوْ النَّفْي مِنْ الْأَرْض , خِزْيًا لَهُمْ ; وَأَمَّا فِي الْآخِرَة إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الدُّنْيَا فَعَذَاب عَظِيم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , كَانُوا أَهْل مُوَادَعَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , فَعَرَّفَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْم فِيهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9214 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : كَانَ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب بَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد وَمِيثَاق , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض ; فَخَيَّرَ اللَّه رَسُوله , إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُل وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف . 9215 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ قَوْم بَيْنهمْ وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاق , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَقَطَعُوا السَّبِيل وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض ; فَخَيَّرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ , وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9216 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَالَ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُشْرِكِينَ , فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيل ; وَلَيْسَتْ تُحْرِز هَذِهِ الْآيَة الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ الْحَدّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض أَوْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , لَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَام فِيهِ الْحَدّ الَّذِي أَصَابَ . 9217 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الشِّرْك . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ عُرَيْنَة وَعُكْل اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , وَحَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9218 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس : أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْل وَعُرَيْنَة أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا أَهْل ضَرْع وَلَمْ نَكُنْ أَهْل رِيف وَإِنَّا اِسْتَوْخَمْنَا الْمَدِينَة . فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا . فَقَتَلُوا رَاعِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْتَاقُوا الذَّوْد , وَكَفَرُوا بَعْد إِسْلَامهمْ . فَأُتِيَ بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ , وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ , وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّة حَتَّى مَاتُوا . فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمْ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا هِشَام بْن أَبِي عَبْد اللَّه , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة . 9219 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَقُول : أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَة , عَنْ عَبْد الْكَرِيم وَسُئِلَ عَنْ أَبْوَال الْإِبِل , فَقَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ الْمُحَارَبِينَ , فَقَالَ : كَانَ نَاس أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : نُبَايِعك عَلَى الْإِسْلَام ! فَبَايَعُوهُ وَهُمْ كَذَبَة , وَلَيْسَ الْإِسْلَامَ يُرِيدُونَ . ثُمَّ قَالُوا : إِنَّا نَجْتَوِي الْمَدِينَة . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذِهِ اللِّقَاح تَغْدُو عَلَيْكُمْ وَتَرُوح , فَاشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا " . قَالَ : فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ الصَّرِيخ , فَصَرَخَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : قَتَلُوا الرَّاعِي , وَسَاقُوا النَّعَم ! فَأَمَرَ نَبِيّ اللَّه فَنُودِيَ فِي النَّاس , أَنْ : يَا خَيْل اللَّه اِرْكَبِي . قَالَ : فَرَكِبُوا لَا يَنْتَظِر فَارِس فَارِسًا . قَالَ : فَرَكِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَثَرهمْ , فَلَمْ يَزَالُوا يَطْلُبُونَهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مَأْمَنهمْ , فَرَجَعَ صَحَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَسَرُوا مِنْهُمْ , فَأَتَوْا بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : فَكَانَ نَفْيهمْ أَنْ نَفَوْهُمْ , حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مَأْمَنهمْ وَأَرْضهمْ , وَنَفَوْهُمْ مِنْ أَرْض الْمُسْلِمِينَ , وَقَتَلَ نَبِيّ اللَّه مِنْهُمْ وَصَلَبَ وَقَطَعَ وَسَمَلَ الْأَعْيُن قَالَ : فَمَا مَثَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ . قَالَ : " نَهَى عَنْ الْمُثْلَة , وَقَالَ : وَلَا تُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ " قَالَ : فَكَانَ أَنَس بْن مَالِك يَقُول ذَلِكَ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ بَعْد مَا قَتَلَهُمْ . قَالَ : وَبَعْضهمْ يَقُول : هُمْ نَاس مِنْ بَنِي سُلَيْم , وَمِنْهُمْ مِنْ عُرَيْنَة وَنَاس مِنْ بَجِيلَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 9220 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن هَنَّاد , عَنْ عَمْرو بْن هَاشِم , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ جَرِير , قَالَ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْم مِنْ عُرَيْنَة حُفَاة مَضْرُورِينَ , فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا صَحُّوا وَاشْتَدُّوا قَتَلُوا رِعَاء اللِّقَاح , ثُمَّ خَرَجُوا بِاللِّقَاحِ عَامِدِينَ بِهَا إِلَى أَرْض قَوْمهمْ . قَالَ جَرِير : فَبَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فِي نَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُمْ بَعْد مَا أَشْرَفُوا عَلَى بِلَاد قَوْمهمْ , فَقَدِمْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف , وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ , وَجَعَلُوا يَقُولُونَ : الْمَاء ! وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " النَّار " حَتَّى هَلَكُوا . قَالَ : وَكَرِهَ اللَّه سَمْل الْأَعْيُن , فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى آخِر الْآيَة 9221 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي الْأَسْوَد مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر . وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن سَالِم , وَسَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , وَابْن سَمْعَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَغَارَ نَاس مِنْ عُرَيْنَة عَلَى لِقَاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَاقُوهَا وَقَتَلُوا غُلَامًا لَهُ فِيهَا , فَبَعَثَ فِي آثَارهمْ فَأُخِذُوا , فَقَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ . 9222 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر - أَوْ عَمْرو , شَكَّ يُونُس - عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , وَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَة الْمُحَارَبَة . 9223 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَدِمَ ثَمَانِيَة نَفَر مِنْ عُكْل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَسْلَمُوا , ثُمَّ اِجْتَوَوْا الْمَدِينَة , فَأَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إِبِل الصَّدَقَة فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا , فَفَعَلُوا , فَقَتَلُوا رُعَاتهَا , وَاسْتَاقُوا الْإِبِل . فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرهمْ قَافَة , فَأُتِيَ بِهِمْ , فَقَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ , وَتَرَكَهُمْ فَلَمْ يَحْسِمهُمْ حَتَّى مَاتُوا . 9224 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثني سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : . كَانُوا أَرْبَعَة نَفَر مِنْ عُرَيْنَة وَثَلَاثَة مِنْ عُكْل , فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمْ قَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ وَلَمْ يَحْسِمهُمْ , وَتَرَكَهُمْ يَتَلَقَّمُونَ الْحِجَارَة بِالْحَرَّةِ , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِي ذَلِكَ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة . 9225 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب أَنَّ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كَتَبَ إِلَى أَنَس يَسْأَلهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَس يُخْبِرهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أُولَئِكَ النَّفَر الْعُرَنِيِّينَ , وَهُمْ مِنْ بَجِيلَة , قَالَ أَنَس : فَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , وَقَتَلُوا الرَّاعِي , وَاسْتَاقُوا الْإِبِل , وَأَخَافُوا السَّبِيل , وَأَصَابُوا الْفَرْج الْحَرَام . 9226 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي سُودَان عُرَيْنَة , قَالَ : أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِمْ الْمَاء الْأَصْفَر , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا إِلَى إِبِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدَقَة , فَقَالَ : " اِشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا " . فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا , حَتَّى إِذَا صَحُّوا وَبَرَءُوا , قَتَلُوا الرُّعَاة وَاسْتَاقُوا الْإِبِل . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرِفَة حُكْمه عَلَى مَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَصَص الَّتِي قَصَّهَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَبْل هَذِهِ الْآيَة وَبَعْدهَا مِنْ قَصَص بَنِي إِسْرَائِيل وَأَنْبَائِهِمْ , فَأَنْ يَكُون ذَلِكَ مُتَوَسِّطًا مِنْهُ يُعْرَف الْحُكْم فِيهِمْ وَفِي نُظَرَائِهِمْ أَوْلَى وَأَحَقّ . وَقُلْنَا : كَانَ نُزُول ذَلِكَ بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْآيَةِ لِمَا وَصَفْنَا , فَتَأْوِيلهَا : مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ سَعَى بِفَسَادٍ فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا , وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ , ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ , يَقُول : لَسَاعُونَ فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ , وَقَاتِلُو النُّفُوس بِغَيْرِ نَفْس وَغَيْر سَعْي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ حَرْبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّد , فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْحَال الَّتِي ذَكَرْت مِنْ حَال نَقْضِ كَافِر مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَهْده , وَمِنْ قَوْلك إِنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة حُكْم مِنْ اللَّه فِي أَهْل الْإِسْلَام دُون أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؟ قِيلَ : جَازَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ حُكْم مَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا مِنْ أَهْل ذِمَّتنَا وَمِلَّتنَا وَاحِد , وَاَلَّذِينَ عُنُوا بِالْآيَةِ كَانُوا أَهْل عَهْد وَذِمَّة , وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي حُكْمهَا كُلّ ذِمِّيّ وَمِلِّيّ , وَلَيْسَ يَبْطُل بِدُخُولِ مَنْ دَخَلَ فِي حُكْم الْآيَة مِنْ النَّاس أَنْ يَكُون صَحِيحًا نُزُولهَا فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي نَسْخ حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُرَنِيِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ حُكْم مَنْسُوخ , نَسَخَهُ نَهْيه عَنْ الْمُثْلَة بِهَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } الْآيَة , وَقَالُوا : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة عِتَابًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ حُكْم ثَابِت فِي نُظَرَائِهِمْ أَبَدًا , لَمْ يُنْسَخ وَلَمْ يُبَدَّل . وَقَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , حُكْم مِنْ اللَّه فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا بِالْحِرَابَةِ . قَالُوا : وَالْعُرَنِيُّونَ اِرْتَدُّوا وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله , فَحُكْمهمْ غَيْر حُكْم الْمُحَارِب السَّاعِي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام وَالذِّمَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَسْمُل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُن الْعُرَنِيِّينَ , وَلَكِنَّهُ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَسْمُل , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَرِّفهُ الْحُكْم فِيهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ سَمْل أَعْيُنهمْ . ذِكْر الْقَائِلِينَ مَا وَصَفْنَا : 9227 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ذَاكَرْت اللَّيْث بْن سَعْد مَا كَانَ مِنْ سَمْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنهمْ وَتَرْكه حَسْمهمْ حَتَّى مَاتُوا , فَقَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَجْلَان يَقُول : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاتَبَة فِي ذَلِكَ , وَعَلَّمَهُ عُقُوبَة مِثْلهمْ مِنْ الْقَطْع وَالْقَتْل وَالنَّفْي , وَلَمْ يَسْمُل بَعْدهمْ غَيْرهمْ . قَالَ : وَكَانَ هَذَا الْقَوْل ذُكِرَ لِأَبِي عَمْرو , فَأَنْكَرَ أَنْ تَكُون نَزَلَتْ مُعَاتَبَة , وَقَالَ : بَلَى كَانَتْ عُقُوبَة أُولَئِكَ النَّفَر بِأَعْيَانِهِمْ , ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي عُقُوبَة غَيْرهمْ مَنْ حَارَبَ بَعْدهمْ فَرُفِعَ عَنْهُمْ السَّمْل 9228 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأُتِيَ بِهِمْ - يَعْنِي الْعُرَنِيِّينَ - فَأَرَادَ أَنْ يَسْمُل أَعْيُنهمْ , فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيم فِيهِمْ الْحُدُود كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمُسْتَحِقّ اِسْم الْمُحَارِب لِلَّهِ وَرَسُوله الَّذِي يَلْزَمهُ حُكْم هَذِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9229 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } الْآيَة , قَالَا : هَذَا هُوَ اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق , فَهُوَ مُحَارِب . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اللِّصّ الْمُجَاهِر بِلُصُوصِيَّتِهِ , الْمُكَابِر فِي الْمِصْر وَغَيْره . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيّ . 9230 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْعَبَّاس عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ , وَعَنْ مَالِك وَاللَّيْث بْن سَعْد وَابْن لَهِيعَة . 9231 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قُلْت لِمَالِك بْن أَنَس : تَكُون مُحَارَبَة فِي الْمِصْر ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَالْمُحَارِب عِنْدنَا مَنْ حَمَلَ السِّلَاح عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْر أَوْ خَلَاء , فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى غَيْر نَائِرَة كَانَتْ بَيْنهمْ وَلَا ذَحْل وَلَا عَدَاوَة , قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ وَالطَّرِيق وَالدِّيَار , مُخِيفًا لَهُمْ بِسِلَاحِهِ , فَقَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ الْإِمَام كَقَتْلِهِ الْمُحَارَب لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول فِيهِ عَفْو وَلَا قَوَد . 9232 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ اللَّيْث بْن سَعْد وَابْن لَهِيعَة , قُلْت : تَكُون الْمُحَارَبَة فِي دُور الْمِصْر وَالْمَدَائِن وَالْقُرَى ؟ فَقَالَا : نَعَمْ , إِذَا هُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ بِالسُّيُوفِ عَلَانِيَة , أَوْ لَيْلًا بِالنِّيرَانِ . قُلْت : فَقَتَلُوا أَوْ أَخَذُوا الْمَال وَلَمْ يَقْتُلُوا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ هُمْ الْمُحَارِبُونَ , فَإِنْ قَتَلُوا قُتِلُوا , وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَأَخَذُوا الْمَال قُطِعُوا مِنْ خِلَاف إِذَا هُمْ خَرَجُوا بِهِ مِنْ الدَّار , لَيْسَ مَنْ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخَلَاء وَالسَّبِيل بِأَعْظَم مِنْ مُحَارَبَة مَنْ حَارَبَهُمْ فِي حَرِيمهمْ وَدُورهمْ . 9233 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : وَتَكُون الْمُحَارَبَة فِي الْمِصْر شُهِرَ عَلَى أَهْله بِسِلَاحِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا . قَالَ عَلِيّ : قَالَ الْوَلِيد : وَأَخْبَرَنِي مَالِك أَنَّ قَتْل الْغِيلَة عِنْده بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارَبَة . قُلْت : وَمَا قَتْل الْغِيلَة ؟ قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَخْدَع الرَّجُل وَالصَّبِيّ , فَيُدْخِلهُ بَيْتًا أَوْ يَخْلُو بِهِ فَيَقْتُلهُ وَيَأْخُذ مَاله , فَالْإِمَام وَلِيّ قَتْل هَذَا , وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّم وَالْجُرْح قَوَد وَلَا قِصَاص . وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُحَارِب : هُوَ قَاطِع الطَّرِيق ; فَأَمَّا الْمُكَابِر فِي الْأَمْصَار فَلَيْسَ بِالْمُحَارِبِ الَّذِي لَهُ حُكْم الْمُحَارِبِينَ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه . 9234 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : تَذَاكَرْنَا الْمُحَارِب وَنَحْنُ عِنْد اِبْن هُبَيْرَة فِي نَاس مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , فَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ أَنَّ الْمُحَارِب مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْر . وَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : . 9235 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : الزِّنَا وَالسَّرِقَة , وَقَتْل النَّاس , وَإِهْلَاك الْحَرْث وَالنَّسْل . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : الْفَسَاد : الْقَتْل , وَالزِّنَا , وَالسَّرِقَة . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْمُحَارِب لِلَّهِ وَرَسُوله مَنْ حَارَبَ فِي سَابِلَة الْمُسْلِمِينَ وَذِمَّتهمْ , وَالْمُغِير عَلَيْهِمْ فِي أَمْصَارهمْ وَقُرَاهُمْ حِرَابَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْحُجَّة أَنَّ مَنْ نَصَبَ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الظُّلْم مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَهُمْ مُحَارِب , وَلَا خِلَاف فِيهِ . فَاَلَّذِي وَصَفْنَا صِفَته , لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَهُمْ مُنَاصِب حَرْبًا ظُلْمًا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء كَانَ نَصْبه الْحَرْب لَهُمْ فِي مِصْرهمْ وَقُرَاهُمْ أَوْ فِي سُبُلهمْ وَطُرُقهمْ فِي أَنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَارِب بِحَرْبِهِ مَنْ نَهَاهُ اللَّه وَرَسُوله عَنْ حَرْبه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : يَعْمَلُونَ فِي أَرْض اللَّه بِالْمَعَاصِي مِنْ إِخَافَة سُبُل عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَوْ سُبُل ذِمَّتهمْ وَقَطْع طُرُقهمْ , وَأَخْذ أَمْوَالهمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا , وَالتَّوَثُّب عَلَى حُرُمهمْ فُجُورًا وَفُسُوقًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا لِلَّذِي حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا مِنْ أَهْل مِلَّة الْإِسْلَام أَوْ ذِمَّتهمْ إِلَّا بَعْض هَذِهِ الْخِلَال الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْخِلَال أَتَلْزَمُ الْمُحَارِب بِاسْتِحْقَاقِهِ اِسْم الْمُحَارَبَة , أَمْ يَلْزَمهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْر جُرْمه مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَجْرَامه ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : يَلْزَمهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْر جُرْمه , مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَجْرَامه ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي . عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : إِذَا حَارَبَ فَقَتَلَ , فَعَلَيْهِ الْقَتْل إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْل تَوْبَته . وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ , فَعَلَيْهِ الصَّلْب إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْل تَوْبَته . وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَذَ وَلَمْ يَقْتُل , فَعَلَيْهِ قَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْل تَوْبَته . وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَاف السَّبِيل , فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّفْي . 9237 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : إِذَا خَرَجَ فَأَخَافَ السَّبِيل وَأَخَذَ الْمَال , قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف . وَإِذَا أَخَافَ السَّبِيل وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال وَقَتَلَ , صُلِبَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم - فِيمَا أَرَى - فِي الرَّجُل يَخْرُج مُحَارِبًا , قَالَ : إِنْ قَطَعَ الطَّرِيق وَأَخَذَ الْمَال قُطِعَتْ يَده وَرِجْله , وَإِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ قُتِلَ , وَإِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ وَمَثَّلَ : صُلِبَ . 9238 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة . قَالَ : إِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال وَأَخَافَ السَّبِيل صُلِبَ , وَإِذَا قَتَلَ لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ قُتِلَ , إِذَا أَخَذَ الْمَال لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ قُطِعَ , وَإِذَا كَانَ يُفْسِد نُفِيَ . 9239 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا الْحَمَّانِيّ , قَالَ ثنا شَرِيك , عَنْ سِمَاك , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : إِذَا أَخَافَ الطَّرِيق وَلَمْ يَقْتُل وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال نُفِيَ . 9240 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : كَانَ يُقَال : مَنْ حَارَبَ فَأَخَافَ السَّبِيل وَأَخَذَ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف . وَإِذَا أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ : صُلِبَ . 9241 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } حُدُود أَرْبَعَة أَنْزَلَهَا اللَّه . فَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الدَّم وَالْمَال جَمِيعًا : صُلِبَ ; وَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الدَّم وَكَفَّ عَنْ الْمَال : قُتِلَ ; وَمَنْ أَصَابَ الْمَال وَكَفَّ عَنْ الدَّم : قُطِعَ ; وَمَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ هَذَا : نُفِيَ . 9242 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . قَالَ : نَهَى اللَّه نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ أَنْ يَسْمُل أَعْيُن الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَى لِقَاحه , وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيم فِيهِمْ الْحُدُود كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَيْهِ . فَنَظَرَ إِلَى مَنْ أَخَذَ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل فَقَطَعَ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف , يَده الْيُمْنَى وَرِجْله الْيُسْرَى . وَنَظَرَ إِلَى مَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا فَقَتَلَهُ . وَنَظَرَ إِلَى مَنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ فَصَلَبَهُ . وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ أَخَافَ طَرِيق الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ أَنْ يُصْنَع بِهِ إِنْ أُخِذَ وَقَدْ أَخَذَ مَالًا قُطِعَتْ يَده بِأَخْذِهِ الْمَال رِجْله بِإِخَافَةِ الطَّرِيق , وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا قُتِلَ , وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : صُلِبَ . 9243 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , قَالَ سَمِعْت السُّدِّيّ يَسْأَل عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ رَجُل مُحَارِب خَرَجَ , فَأَخَذَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا وَلَمْ يُهْرِق دَمًا . قَالَ : النَّفْي بِالسَّيْفِ ; وَإِنْ أَخَذَ مَالًا فَيَده بِالْمَالِ وَرِجْله بِمَا أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ ; وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا : قُتِلَ ; وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : صُلِبَ . وَأَكْبَر ظَنِّيّ أَنَّهُ قَالَ : تُقْطَع يَده وَرِجْله . 9244 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : هَذَا اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق , فَهُوَ مُحَارِب . فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا : صُلِبَ ; وَإِنْ قَتَلَ , وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا : قُتِلَ ; وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُل : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله ; وَإِنْ أُخِذَ قَبْل أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ : نُفِيَ . 9245 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَنْ خَرَجَ فِي الْإِسْلَام مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُوله فَقَتَلَ وَأَصَابَ مَالًا , فَإِنَّهُ يُقْتَل وَيُصْلَب ; وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا , فَإِنَّهُ يُقْتَل كَمَا قَتَلَ ; وَمَنْ أَصَابَ مَالًا وَلَمْ يُقْتَل , فَإِنَّهُ يُقْطَع مِنْ خِلَاف ; وَإِنْ أَخَافَ سَبِيل الْمُسْلِمِينَ نُفِيَ مِنْ بَلَده إِلَى غَيْره , لِقَوْلِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } . 9246 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : كَانَ نَاس يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَقَتَلُوا وَقَطَعُوا السَّبِيل , فَصُلِبَ أُولَئِكَ . وَكَانَ آخَرُونَ حَارَبُوا وَاسْتَحَلُّوا الْمَال وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ , فَقُطِعَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ . وَآخَرُونَ حَارَبُوا وَاعْتَزَلُوا وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ , فَأُولَئِكَ أُخْرِجُوا مِنْ الْأَرْض . 9247 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ مُوَرِّق الْعِجْلِيّ فِي الْمُحَارِب , قَالَ : إِنْ كَانَ خَرَجَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : صُلِبَ ; وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال : قُتِلَ ; وَإِنْ كَانَ أَخَذَ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل : قُطِعَ ; وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مُشَاقًّا لِلْمُسْلِمِينَ : نُفِيَ . 9248 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا خَرَجَ الْمُحَارِب وَأَخَافَ الطَّرِيق وَأَخَذَ الْمَال : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف ; فَإِنْ هُوَ خَرَجَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف ثُمَّ صُلِبَ ; وَإِنْ خَرَجَ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال : قُتِلَ ; وَإِنْ أَخَافَ السَّبِيل وَلَمْ يَقْتُل وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال : نُفِيَ . 9249 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ ; وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَا : إِنْ أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ , فَاقْتَطَعَ الْمَال , وَلَمْ يَسْفِك : قُطِعَ ; وَإِذَا سَفَكَ دَمًا : قُتِلَ وَصُلِبَ ; وَإِنْ جَمَعَهُمَا فَاقْتَطَعَ مَالًا وَسَفَكَ دَمًا : قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ . كَأَنَّ الصَّلْب مُثْلَة , وَكَأَنَّ الْقَطْع { السَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } , وَكَأَنَّ الْقَتْل . النَّفْس بِالنَّفْسِ . وَإِنْ اِمْتَنَعَ فَإِنَّ مِنْ الْحَقّ عَلَى الْإِمَام وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَطْلُبُوهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ فَيُقِيمُوا عَلَيْهِ حُكْم كِتَاب اللَّه , أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض مِنْ أَرْض الْإِسْلَام إِلَى أَرْض الْكُفْر . وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة لِقَوْلِهِمْ هَذَا , بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه أَوْجَبَ عَلَى الْقَاتِل الْقَوَد , وَعَلَى السَّارِق الْقَطْع ; وَقَالُوا : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث خِلَال : رَجُل قَتَلَ فَقُتِلَ , وَرَجُل زَنَى بَعْد إِحْصَان فَرُجِمَ , وَرَجُل كَفَرَ بَعْد إِسْلَامه " قَالُوا : فَحَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْل رَجُل مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَال الثَّلَاث , فَإِمَّا أَنْ يُقْتَل مِنْ أَجْل إِخَافَته السَّبِيل مِنْ غَيْر أَنْ يَقْتُل أَوْ يَأْخُذ مَالًا , فَذَلِكَ تَقَدُّم عَلَى اللَّه وَرَسُوله بِالْخِلَافِ عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْم . قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْل مَنْ قَالَ : الْإِمَام فِيهِ بِالْخِيَارِ إِذَا قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيل وَأَخَذَ الْمَال ; فَهُنَالِكَ خِيَار الْإِمَام فِي قَوْلهمْ بَيْن الْقَتْل أَوْ الْقَتْل وَالصَّلْب , أَوْ قَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف . وَأَمَّا صَلْبه بِاسْمِ الْمُحَارَبَة مِنْ غَيْر أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ قَتْل أَوْ أَخْذ مَال , فَذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِم . وَقَالَ آخَرُونَ : الْإِمَام فِيهِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَفْعَل أَيّ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي كِتَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9250 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ عَطَاء , وَعَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي الْمُحَارِب : أَنَّ الْإِمَام مُخَيَّر فِيهِ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ . 9251 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عُبَيْدَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : الْإِمَام مُخَيَّر فِي الْمُحَارِب , أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ : إِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ , وَإِنْ شَاءَ نَفَى , وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ . 9252 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : يَأْخُذ الْإِمَام بِأَيِّهِمَا أَحَبَّ . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : الْإِمَام مُخَيَّر فِيهَا . 9253 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 9254 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , قَالَ : قَالَ عَطَاء : يَصْنَع الْإِمَام فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ : إِنْ شَاءَ قَتَلَ , أَوْ قَطَعَ , أَوْ نَفَى , لِقَوْلِ اللَّه : { أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَام الْحَاكِم يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . 9255 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : مَنْ شَهَرَ السِّلَاح فِي فِئَة الْإِسْلَام , وَأَخَافَ السَّبِيل , ثُمَّ ظُفِرَ بِهِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ , فَإِمَام الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِالْخِيَارِ , إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَده وَرِجْله . 9256 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَال , قَالَ : أَخْبَرَنَا قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحَارِب : ذَلِكَ إِلَى الْإِمَام , إِذَا أَخَذَهُ يَصْنَع بِهِ مَا شَاءَ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي هِلَال , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ الْحَسَن فِي الْمُحَارِب , قَالَا : ذَاكَ إِلَى الْإِمَام يَصْنَع بِهِ مَا شَاءَ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : ذَلِكَ إِلَى الْإِمَام . وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنْ قَالُوا : وَجَدْنَا الْعُطُوف الَّتِي بِأَوْ فِي الْقُرْآن بِمَعْنَى التَّخْيِير فِي كُلّ مَا أَوْجَبَ اللَّه بِهِ فَرْضًا مِنْهَا , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتهمْ أَوْ تَحْرِير رَقَبَة } , وَكَقَوْلِهِ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسه فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك } , وَكَقَوْلِهِ : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالُوا : فَإِذَا كَانَتْ الْعُطُوف الَّتِي بِأَوْ فِي الْقُرْآن فِي كُلّ مَا أَوْجَبَ اللَّه بِهِ فَرْضًا مِنْهَا فِي سَائِر الْقُرْآن بِمَعْنَى التَّخْيِير , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي آيَة الْمُحَارِبِينَ الْإِمَام مُخَيَّر فِيمَا رَأَى الْحُكْم بِهِ عَلَى الْمُحَارِب إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْل التَّوْبَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا تَأْوِيل مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُحَارِب مِنْ الْعُقُوبَة عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه وَجَعَلَ الْحُكْم عَلَى الْمُحَارِبِينَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَفْعَالهمْ , فَأَوْجَبَ عَلَى مُخِيف السَّبِيل مِنْهُمْ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْل التَّوْبَة وَقَبْل أَخْذ مَال أَوْ قَتْل : النَّفْي مِنْ الْأَرْض ; وَ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ بَعْد أَخْذ الْمَال وَقَتْل النَّفْس الْمُحَرَّم قَتْلهَا : الصَّلْب ; لِمَا ذَكَرْت مِنْ الْعِلَّة قَبْل لِقَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة . فَأَمَّا مَا اِعْتَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ : إِنَّ الْإِمَام فِيهِ بِالْخِيَارِ مِنْ أَنَّ " أَوْ " فِي الْعَطْف تَأْتِي بِمَعْنَى التَّخْيِير فِي الْفَرْض , فَنَقُول : لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ " أَوْ " فِي كَلَام الْعَرَب قَدْ تَأْتِي بِضُرُوبٍ مِنْ الْمَعَانِي لَوْلَا كَرَاهَة إِطَالَة الْكِتَاب بِذِكْرِهَا لَذَكَرْتهَا , وَقَدْ بَيَّنْت كَثِيرًا مِنْ مَعَانِيهَا فِيمَا مَضَى وَسَنَأْتِي عَلَى بَاقِيهَا فِيمَا يُسْتَقْبَل فِي أَمَاكِنهَا إِنْ شَاءَ اللَّه . فَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِع فَإِنَّ مَعْنَاهَا : التَّعْقِيب , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : إِنَّ جَزَاء الْمُؤْمِنِينَ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يُدْخِلهُمْ الْجَنَّة , أَوْ يَرْفَع مَنَازِلهمْ فِي عِلِّيِّينَ , أَوْ يُسْكِنهُمْ مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ . فَمَعْلُوم أَنَّ قَائِل ذَلِكَ غَيْر قَاصِد بِقِيلِهِ إِلَى أَنَّ جَزَاء كُلّ مُؤْمِن آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَهُوَ فِي مَرْتَبَة وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِب وَمَنْزِلَة وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِل بِإِيمَانِهِ , بَلْ الْمَعْقُول عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ جَزَاء الْمُؤْمِن لَمْ يَخْلُو عِنْد اللَّه مِنْ بَعْض هَذِهِ الْمَنَازِل , فَالْمُقْتَصِد مَنْزِلَته دُون مَنْزِلَة السَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ أَعْلَى مِنْهُ مَنْزِلَة , وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ دُونهمَا , وَكُلٌّ فِي الْجَنَّة كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْعُطُوف بِأَوْ فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , إِنَّمَا هُوَ التَّعْقِيب . فَتَأْوِيله : إِنَّ الَّذِي يُحَارِب اللَّه وَرَسُوله , وَيَسْعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , لَنْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَسْتَحِقّ الْجَزَاء بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَال الْأَرْبَع الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه عَزَّ ذِكْره , لَا أَنَّ الْإِمَام مُحَكَّم فِيهِ , وَمُخَيَّر فِي أَمْره كَائِنَة مَا كَانَتْ حَالَته , عَظُمَتْ جَرِيرَته أَوْ خَفَّتْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لِلْإِمَامِ قَتْل مَنْ شَهَرَ السِّلَاح مُخِيفًا السَّبِيل وَصَلْبه , وَإِنْ لَمْ يَأْخُذ مَالًا وَلَا قَتَلَ أَحَدًا , وَكَانَ لَهُ نَفْي مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال وَأَخَافَ السَّبِيل . وَذَلِكَ قَوْل إِنْ قَالَهُ قَائِل خِلَاف مَا صَحَّتْ بِهِ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : " لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : رَجُل قَتَلَ رَجُلًا فَقُتِلَ , أَوْ زَنَى بَعْد إِحْصَان فَرُجِمَ , أَوْ اِرْتَدَّ عَنْ دِينه " وَخِلَاف قَوْله : " الْقَطْع فِي رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا " وَغَيْر الْمَعْرُوف مِنْ أَحْكَامه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَام الَّتِي ذَكَرْت كَانَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْر الْمُحَارِب , وَلِلْمُحَارِبِ حُكْم غَيْر ذَلِكَ مُنْفَرِد بِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : فَمَا الْحُكْم الَّذِي اِنْفَرَدَ بِهِ الْمُحَارِب فِي سُنَنه , فَإِنْ اِدَّعَى عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا خِلَاف الَّذِي ذَكَرْنَا , أَكَذَبَهُ جَمِيع أَهْل الْعِلْم ; لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْر مَوْجُود بِنَقْلِ وَاحِد وَلَا جَمَاعَة , وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْم هُوَ مَا فِي ظَاهِر الْكِتَاب . قِيلَ لَهُ : فَإِنَّ أَحْسَن حَالَاتك أَنْ يُسَلَّم لَك أَنَّ ظَاهِر الْآيَة قَدْ يَحْتَمِل مَا قُلْت , وَمَا قَالَهُ مَنْ خَالَفَك فَمَا بُرْهَانك عَلَى أَنَّ تَأْوِيلك أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِنْ تَأْوِيله . وَبَعْد : فَإِذَا كَانَ الْإِمَام مُخَيَّرًا فِي الْحُكْم عَلَى الْمُحَارِب مِنْ أَجْل أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى التَّخْيِير فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدك , أَفَلَهُ أَنْ يَصْلُبهُ حَيًّا وَيَتْرُكهُ عَلَى الْخَشَبَة مَصْلُوبًا حَتَّى يَمُوت مِنْ غَيْر قَتْله ؟ فَإِنْ قَالَ : ذَلِكَ لَهُ , خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأُمَّة . وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ , وَإِنَّمَا لَهُ قَتْله ثُمَّ صَلْبه أَوْ صَلْبه ثُمَّ قَتْله , تَرَكَ عِلَّته مِنْ أَنَّ الْإِمَام إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْخِيَار فِي الْحُكْم عَلَى الْمُحَارِب مِنْ أَجْل أَنَّ " أَوْ " تَأْتِي بِمَعْنَى التَّخْيِير , وَقِيلَ لَهُ : فَكَيْفَ كَانَ لَهُ الْخِيَار فِي الْقَتْل أَوْ النَّفْي أَوْ الْقَطْع وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَار فِي الصَّلْب وَحْده , حَتَّى تَجْمَع إِلَيْهِ عُقُوبَة أُخْرَى ؟ وَقِيلَ لَهُ : هَلْ بَيْنك وَبَيْن مَنْ جَعَلَ الْخِيَار حَيْثُ أَبَيْت وَأَبَى ذَلِكَ حَيْثُ جَعَلْته لَهُ , فَرْق مِنْ أَصْل أَوْ قِيَاس ؟ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْحِيحِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا فِي إِسْنَاده نَظَر . وَذَلِكَ مَا 9257 - حَدَّثَنَا بِهِ عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب : أَنَّ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كَتَبَ إِلَى أَنَس بْن مَالِك يَسْأَلهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَس يُخْبِرهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أُولَئِكَ النَّفَر الْعُرَنِيِّينَ , وَهُمْ مِنْ بُجَيْلَة . قَالَ أَنَس : فَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , وَقَتَلُوا الرَّاعِي , وَسَاقُوا الْإِبِل , وَأَخَافُوا السَّبِيل , وَأَصَابُوا الْفَرْج الْحَرَام . قَالَ أَنَس : فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ الْقَضَاء فِيمَنْ حَارَبَ , فَقَالَ : " مَنْ سَرَقَ وَأَخَافَ السَّبِيل فَاقْطَعْ يَده بِسَرِقَتِهِ وَرِجْله بِإِخَافَتِهِ . وَمَنْ قَتَلَ فَاقْتُلْهُ . وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيل وَاسْتَحَلَّ الْفَرْج الْحَرَام فَاصْلُبْهُ " . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ مُخَالِفًا فِي قَطْعهَا قَطْع أَرْجُلهمْ , وَذَلِكَ أَنْ تُقَطَّع أَيْمُن أَيْدِيهمْ وَأَشْمُل أَرْجُلهمْ , فَذَلِكَ الْخِلَاف بَيْنهمَا فِي الْقَطْع . وَلَوْ كَانَ مَكَان " مِنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع " عَلَى " أَوْ الْبَاء , فَقِيلَ : أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ خِلَاف أَوْ بِخِلَافٍ , لَأَدَّيَا عَمَّا أَدَّتْ عَنْهُ " مِنْ " مِنْ الْمَعْنَى . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى النَّفْي الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُطْلَب حَتَّى يُقْدَر عَلَيْهِ , أَوْ يَهْرُب مِنْ دَار الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9258 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : يَطْلُبهُمْ الْإِمَام بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال حَتَّى يَأْخُذهُمْ , فَيُقِيم فِيهِمْ الْحُكْم , أَوْ يُنْفَوْا مِنْ أَرْض الْمُسْلِمِينَ . 9259 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَفْيه : أَنْ يُطْلَب . 9260 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } يَقُول : أَوْ يَهْرُبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَار الْإِسْلَام إِلَى دَار الْحَرْب . 9261 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , عَنْ كِتَاب أَنَس بْن مَالِك , إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ : " وَنَفْيه : أَنْ يَطْلُبهُ الْإِمَام حَتَّى يَأْخُذهُ , فَإِذَا أَخَذَهُ أَقَامَ عَلَيْهِ إِحْدَى هَذِهِ الْمَنَازِل الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِمَا اِسْتَحَلَّ " . 9262 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلَّيْثِ بْن سَعْد , فَقَالَ : نَفْيه : طَلَبه مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد حَتَّى يُؤْخَذ , أَوْ يُخْرِجهُ طَلَبه مِنْ دَار الْإِسْلَام إِلَى دَار الشِّرْك وَالْحَرْب , إِذَا كَانَ مُحَارِبًا مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَام . قَالَ الْوَلِيد : وَسَأَلْت مَالِك بْن أَنَس , فَقَالَ مِثْله . 9263 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قُلْت لِمَالِكِ بْن أَنَس وَاللَّيْث بْن سَعْد : . وَكَذَلِكَ يُطْلَب الْمُحَارِب الْمُقِيم عَلَى إِسْلَامه , يَضْطَرّهُ بِطَلَبِهِ مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد حَتَّى يَصِير إِلَى ثَغْر مِنْ ثُغُور الْمُسْلِمِينَ , أَوْ أَقْصَى جِوَار الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ هُمْ طَلَبُوهُ دَخَلَ دَار الشِّرْك ؟ قَالَا : لَا يُضْطَرّ مُسْلِم إِلَى ذَلِكَ . 9264 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : أَنْ يَطْلُبُوهُ حَتَّى يَعْجِزُوا . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . 9265 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : يُنْفَى حَتَّى لَا يُقْدَر عَلَيْهِ . 9266 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : أُخْرِجُوا مِنْ الْأَرْض أَيْنَمَا أُدْرِكُوا , أُخْرِجُوا حَتَّى يَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْعَدُوّ . 9267 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : نَفْيه : أَنْ يُطْلَب فَلَا يُقْدَر عَلَيْهِ , كُلَّمَا سُمِعَ بِهِ فِي أَرْض طُلِبَ . 9268 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : إِذَا لَمْ يَقْتُل وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا , طُلِبَ حَتَّى يَعْجِز . 9269 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } مِنْ أَرْض الْإِسْلَام إِلَى أَرْض الْكُفْر . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى النَّفْي فِي هَذَا الْمَوْضِع : أَنَّ الْإِمَام إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ نَفَاهُ مِنْ بَلْدَته إِلَى بَلْدَة أُخْرَى غَيْرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9270 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : مَنْ أَخَافَ سَبِيل الْمُسْلِمِينَ نُفِيَ مِنْ بَلَده إِلَى غَيْره , لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } . 9271 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي اللَّيْث , قَالَ : ثني يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب وَغَيْره , عَنْ حِبَّان بْن شُرَيْح , أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فِي اللُّصُوص , وَوَصَفَ لَهُ لُصُوصِيَّتهمْ وَحَبَسَهُمْ فِي السُّجُون , قَالَ : قَالَ اللَّه فِي كِتَابه : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف } , وَتَرَكَ : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : أَمَّا بَعْد , فَإِنَّك كَتَبْت إِلَيَّ تَذْكُر قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف } , وَتَرَكْت قَوْل اللَّه : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } , فَنَبِيّ أَنْتَ يَا حِبَّان اِبْن أُمّ حِبَّان ! لَا تُحَرِّك الْأَشْيَاء عَنْ مَوَاضِعهَا , أَتَجَرَّدْت لِلْقَتْلِ وَالصَّلْب كَأَنَّك عَبْد بَنِي عَقِيل مِنْ غَيْر مَا أُشَبِّهك بِهِ ؟ إِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَانْفِهِمْ إِلَى شَغْبٍ . * - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ يَزِيد وَغَيْره بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيث , غَيْر أَنَّ يُونُس قَالَ فِي حَدِيثه : كَأَنَّك عَبْد بَنِي أَبِي عِقَال مِنْ غَيْر أَنْ أُشَبِّهك بِهِ . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , أَنَّ الصَّلْت كَاتِب حِبَّان بْن شُرَيْح , أَخْبَرَهُمْ أَنَّ حِبَّان كَتَبَ إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : أَنَّ نَاسًا مِنْ الْقِبْط قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمْ حَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله وَسَعَوْا فِي الْأَرْض فَسَادًا , وَأَنَّ اللَّه يَقُول : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف } وَسَكَتَ عَنْ النَّفْي , وَكَتَبَ إِلَيْهِ : فَإِنْ رَأَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاء اللَّه فِيهِمْ , فَلْيَكْتُبْ بِذَلِكَ . فَلَمَّا قَرَأَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كِتَابه , قَالَ : لَقَدْ اِجْتَزَأَ حِبَّان . ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي كِتَابك وَفَهِمْته , وَلَقَدْ اجْتَزَأْت كَأَنَّمَا كَتَبْت بِكِتَابِ يَزِيد بْن أَبِي مُسْلِم أَوْ عِلْج صَاحِب الْعِرَاق مِنْ غَيْر أَنْ أُشَبِّهك بِهِمَا , فَكَتَبْت بِأَوَّلِ الْآيَة ثُمَّ سَكَتّ عَنْ آخِرهَا , وَإِنَّ اللَّه يَقُول : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } فَإِنْ كَانَتْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْبَيِّنَة بِمَا كَتَبْت بِهِ , فَاعْقِدْ فِي أَعْنَاقهمْ حَدِيدًا , ثُمَّ غَيِّبْهُمْ إِلَى شَغْب وَبَدَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : شَغْب وَبَدَا : مَوْضِعَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى النَّفْي مِنْ الْأَرْض فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْحَبْس , وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى النَّفْي مِنْ الْأَرْض فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ نَفْيه مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد غَيْره وَحَبْسه فِي السِّجْن فِي الْبَلَد الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ , حَتَّى تَظْهَر تَوْبَته مِنْ فُسُوقه وَنُزُوعه عَنْ مَعْصِيَته رَبّه . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ ; لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَحَد الْأَوْجُه الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكَرْت . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا جَعَلَ جَزَاء الْمُحَارِب : الْقَتْل أَوْ الصَّلْب , أَوْ قَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف , بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ لَا فِي حَال اِمْتِنَاعه ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ النَّفْي أَيْضًا إِنَّمَا هُوَ جَزَاؤُهُ بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ لَا قَبْلهَا , وَلَوْ كَانَ هُرُوبه مِنْ الطَّلَب نَفْيًا لَهُ مِنْ الْأَرْض , كَانَ قَطْع يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف فِي حَال اِمْتِنَاعه وَحَرْبه عَلَى وَجْه الْقِتَال بِمَعْنَى إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ . وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقُوم مَقَام نَفْيه الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَدًّا لَهُ بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ . وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ , وَهُوَ النَّفْي مِنْ بَلْدَة إِلَى أُخْرَى غَيْرهَا أَوْ السِّجْن . فَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ , فَلَا شَكّ أَنَّهُ إِذَا نُفِيَ مِنْ بَلْدَة إِلَى أُخْرَى غَيْرهَا فَلَمْ يُنْفَ مِنْ الْأَرْض , بَلْ إِنَّمَا نُفِيَ مِنْ أَرْض دُون أَرْض . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِنَفْيِهِ مِنْ الْأَرْض , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى نَفْيه مِنْ الْأَرْض إِلَّا بِحَبْسِهِ فِي بُقْعَة مِنْهَا عَنْ سَائِرهَا , فَيَكُون مَنْفِيًّا حِينَئِذٍ عَنْ جَمِيعهَا , إِلَّا مَا لَا سَبِيل إِلَى نَفْيه مِنْهُ . وَأَمَّا مَعْنَى النَّفْي فِي كَلَام الْعَرَب : فَهُوَ الطَّرْد , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَوْس بْن حُجْر : يُنْفَوْنَ عَنْ طُرُق الْكِرَام كَمَا يَنْفِي الْمُطَارِق مَا يَلِي الْقَرَد وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَة وَغَيْرهَا مِنْ كُلّ شَيْء : النِّفَايَة . وَأَمَّا الْمَصْدَر مِنْ نَفَيْت , فَإِنَّهُ النَّفْي وَالنِّفَايَة , وَيُقَال : الدَّلْو يَنْفِي الْمَاء . وَيُقَال لِمَا تَطَايَرَ مِنْ الْمَاء مِنْ الدَّلْو النَّفْي , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنْ النَّفْي مَوَاقِع الطَّيْر عَلَى الصُّفِيّ وَمِنْهُ قِيلَ : نَفَى شَعَره : إِذَا سَقَطَ , يُقَال : حَال لَوْنك وَنَفَى شَعْرك .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْي فِي الدُّنْيَا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } هَذَا الْجَزَاء الَّذِي جَازَيْت بِهِ الَّذِينَ حَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله وَسَعَوْا فِي الْأَرْض فَسَادًا فِي الدُّنْيَا , مِنْ قَتْل , أَوْ صَلْب , أَوْ قَطْع يَد وَرِجْل مِنْ خِلَاف { لَهُمْ } يَعْنِي لِهَؤُلَاءِ الْمُحَارَبِينَ { خِزْي فِي الدُّنْيَا } يَقُول هُوَ لَهُمْ شَرّ وَعَار وَذِلَّة , وَنَكَال وَعُقُوبَة فِي عَاجِل الدُّنْيَا قَبْل الْآخِرَة , يُقَال مِنْهُ : أَخْزَيْت فُلَانًا فَخَزِيَ هُوَ خِزْيًا .


وَقَوْله : { وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم } يَقُول عَزَّ ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله وَسَعَوْا فِي الْأَرْض فَسَادًا فَلَمْ يَتُوبُوا مِنْ فِعْلهمْ ذَلِكَ , حَتَّى هَلَكُوا فِي الْآخِرَة مَعَ الْخِزْي الَّذِي جَازَيْتهمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا , وَالْعُقُوبَة الَّتِي عَاقَبْتهمْ بِهَا فِيهَا عَذَاب عَظِيم , يَعْنِي : عَذَاب جَهَنَّم .
إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة المائدة الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ شِرْكهمْ وَمُنَاصَبَتهمْ الْحَرْب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَالسَّعْي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ بِالْإِسْلَامِ , وَالدُّخُول فِي الْإِيمَان مِنْ قَبْل قُدْرَة الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّهُ لَا سَبِيل لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَات الَّتِي حَمَلَهَا اللَّه جَزَاء لِمَنْ حَارَبَهُ وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , مِنْ قَتْل , أَوْ صَلْب , أَوْ قَطْع يَد وَرِجْل مِنْ خِلَاف , أَوْ نَفْي مِنْ الْأَرْض , فَلَا تِبَاعَة قِبَله لِأَحَدٍ فِيمَا كَانَ أَصَابَ فِي حَال كُفْره وَحَرْبه الْمُؤْمِنِينَ فِي مَال وَلَا دَم وَلَا حُرْمَة قَالُوا : فَأَمَّا الْمُسْلِم إِذَا حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُعَاهَدِينَ وَأَتَى بَعْض مَا يَجِب عَلَيْهِ الْعُقُوبَة , فَلَنْ تَضَع تَوْبَتُهُ عَنْهُ عُقُوبَة ذَنْبه , بَلْ تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَعَلَى الْإِمَام إِقَامَة الْحَدّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْهِ وَأَخْذه بِحُقُوقِ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9272 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض } إِلَى قَوْله : { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُشْرِكِينَ , فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيل , وَلَيْسَ تُحْرِز هَذِهِ الْآيَة الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ الْحَدّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض أَوْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , ذَلِكَ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ الَّذِي أَصَابَ . 9273 - حَدَّثَنَا بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا شِبْل , أَنَّ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : هَذَا لِأَهْلِ الشِّرْك إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا فِي شِرْكهمْ , فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم إِذَا تَابُوا وَأَسْلَمُوا . 9274 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي , نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } بِالزِّنَا , وَالسَّرِقَة وَقَتْل النَّفْس , وَإِهْلَاك الْحَرْث وَالنَّسْل { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } عَلَى عَهْد الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9275 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ قَوْم بَيْنهمْ وَبَيْن الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاق , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَقَطَعُوا السَّبِيل وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , فَخَيَّرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ , وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف , فَمَنْ تَابَ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْهُ 9276 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْو قَوْل الضَّحَّاك , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَام قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُؤَاخَذ بِمَا سَلَفَ . 9277 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } قَالَ : هَذَا لِأَهْلِ الشِّرْك إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي شِرْكهمْ ثُمَّ تَابُوا وَأَسْلَمُوا , فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم . 9278 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة , أَمَّا قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } فَهَذِهِ لِأَهْلِ الشِّرْك , فَمَنْ أَصَابَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ لَهُمْ حَرْب , فَأَخَذَ مَالًا أَوْ أَصَابَ دَمًا ثُمَّ تَابَ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ , أَهْدَرَ عَنْهُ مَا مَضَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ الْآيَة مَعْنِيّ بِالْحُكْمِ بِهَا الْمُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله الْحُرَّاب مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , مَنْ قَطَعَ مِنْهُمْ الطَّرِيق وَهُوَ مُقِيم عَلَى إِسْلَامه , ثُمَّ اِسْتَأْمَنَ فَأُومِنَ عَلَى جِنَايَاته الَّتِي جَنَاهَا وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْب . وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَام ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب , ثُمَّ اِسْتَأْمَنَ فَأُومِنَ ; قَالُوا : فَإِذَا أَمَّنَهُ الْإِمَام عَلَى جِنَايَاته الَّتِي سَلَفَتْ لَمْ يَكُنْ قِبَله لِأَحَدٍ تَبَعَة فِي دَم وَلَا مَال أَصَابَهُ قَبْل تَوْبَته وَقَبْل أَمَان الْإِمَام إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9279 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَة عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ : أَنَّ حَارِثَة بْن بَدْر خَرَجَ مُحَارِبًا , فَأَخَافَ السَّبِيل , وَسَفَكَ الدَّم , وَأَخَذَ الْأَمْوَال , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , فَقَبِلَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام تَوْبَته , وَجَعَلَ لَهُ أَمَانًا مَنْشُورًا عَلَى مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ دَم أَوْ مَال . 9280 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ حَارِثَة بْن بَدْر حَارَبَ فِي عَهْد عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , فَأَتَى الْحَسَن بْن عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا , فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِنَ لَهُ مِنْ عَلِيّ , فَأَبَى . ثُمَّ أَتَى اِبْن جَعْفَر , فَأَبَى عَلَيْهِ . فَأَتَى سَعِيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ فَأَمَّنَهُ , وَضَمَّهُ إِلَيْهِ , وَقَالَ لَهُ : اِسْتَأْمَنَ إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ! قَالَ : فَلَمَّا صَلَّى عَلِيّ الْغَدَاة , أَتَاهُ سَعِيد بْن قَيْس , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , مَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله ؟ قَالَ : أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ . قَالَ سَعِيد : وَإِنْ كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر ! قَالَ : فَهَذَا حَارِثَة بْن بَدْر قَدْ جَاءَ تَائِبًا فَهُوَ آمِن ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَجَاءَ بِهِ فَبَايَعَهُ , وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ , وَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا . 9281 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء , عَنْ مُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر قَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض وَحَارَبَ ثُمَّ تَابَ , وَكَلَّمَ لَهُ عَلِيّ فَلَمْ يُؤَمِّنهُ . فَأَتَى سَعِيد بْن قَيْس فَكَلَّمَهُ , فَانْطَلَقَ سَعِيد بْن قَيْس إِلَى عَلِيّ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , مَا تَقُول فِيمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله ؟ فَقَرَأَ الْآيَة كُلّهَا , فَقَالَ : أَرَأَيْت مَنْ تَابَ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِر عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَقُول كَمَا قَالَ اللَّه . قَالَ : فَإِنَّهُ حَارِثَة بْن بَدْر . قَالَ : فَأَمَّنَهُ عَلِيّ , فَقَالَ حَارِثَة : أَلَا أَبْلِغَن هَمَدَان إِمَّا لَقِيتهَا عَلَى النَّأْي لَا يَسْلَم عَدُوّ يَعِيبهَا لَعَمْر أَبِيهَا إِنَّ هَمْدَان تَتَّقِي الْ إِلَه وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبهَا 9282 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } وَتَوْبَته مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُب إِلَى الْإِمَام يَسْتَأْمِنهُ عَلَى مَا قَتَلَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْض : فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنِّي عَلَى ذَلِكَ اِزْدَدْت فَسَادًا وَقَتْلًا وَأَخْذًا لِلْأَمْوَالِ أَكْثَر مِمَّا فَعَلْت ذَلِكَ قَبْل . فَعَلَى الْإِمَام مِنْ الْحَقّ أَنْ يُؤَمِّنهُ عَلَى ذَلِكَ , فَإِذَا أَمَّنَهُ الْإِمَام جَاءَ حَتَّى يَضَع يَده فِي يَد الْإِمَام . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاس أَنْ يَتَّبِعهُ وَلَا يَأْخُذهُ بِدَمٍ سَفَكَهُ وَلَا مَال أَخَذَهُ , وَكُلّ مَال كَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ , لِكَيْلَا يَقْتُل الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَيُفْسِدهُ . فَإِذَا رَجَعَ إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فَهُوَ وَلِيّه يَأْخُذهُ بِمَا صَنَعَ . وَتَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن الْإِمَام وَالنَّاس , فَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَام وَقَدْ تَابَ فِيمَا يَزْعُم إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْل أَنْ يُؤَمِّنهُ الْإِمَام فَلْيُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدّ . 9283 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , أَخْبَرَنِي مَكْحُول , أَنَّهُ قَالَ : إِذَا أَعْطَاهُ الْإِمَام أَمَانًا , فَهُوَ آمِن وَلَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ مَا كَانَ أَصَابَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كُلّ مَنْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ الْحُرَّاب قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , اِسْتَأْمَنَ الْإِمَام فَأَمَّنَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْمِنهُ بَعْد أَنْ يَجِيء مُسْتَسْلِمًا تَارِكًا لِلْحَرْبِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9284 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر , قَالَ : جَاءَ رَجُل مِنْ مُرَاد إِلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ عَلَى الْكُوفَة فِي إِمْرَة عُثْمَان بَعْد مَا صَلَّى الْمَكْتُوبَة , فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَى هَذَا مَقَام الْعَائِذ بِك , أَنَا فُلَان اِبْن فُلَان الْمُرَادِيّ , كُنْت حَارَبْت اللَّه وَرَسُوله وَسَعَيْت فِي الْأَرْض , وَإِنِّي تُبْت مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيَّ . فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ : هَذَا فُلَان اِبْن فُلَان , وَإِنَّهُ كَانَ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , وَإِنَّهُ تَابَ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , فَمَنْ لَقِيَهُ فَلَا يَعْرِض لَهُ إِلَّا بِخَيْرٍ . فَأَقَامَ الرَّجُل مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ , فَأَدْرَكَهُ اللَّه بِذُنُوبِهِ فَقَتَلَهُ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى أَبِي مُوسَى , فَذَكَرَ نَحْوه . 9285 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قُلْت لِمَالِك : . أَرَأَيْت هَذَا الْمُحَارِب الَّذِي قَدْ أَخَافَ السَّبِيل وَأَصَابَ الدَّم وَالْمَال , فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب أَوْ تَمَنَّعَ فِي بِلَاد الْإِسْلَام , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ ؟ قَالَ : تُقْبَل تَوْبَته . قَالَ : قُلْت : فَلَا يُتْبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه ؟ قَالَ : لَا , إِلَّا أَنْ يُوجَد مَعَهُ مَال بِعَيْنِهِ فَيُرَدّ إِلَى صَاحِبه , أَوْ يَطْلُبهُ وَلِيّ مَنْ قُتِلَ بِدَمٍ فِي حَرْبه يَثْبُت بِبَيِّنَةٍ أَوْ اِعْتِرَاف فَيُقَاد بِهِ ; وَأَمَّا الدِّمَاء الَّتِي أَصَابَهَا وَلَمْ يَطْلُبهَا أَوْلِيَاؤُهَا فَلَا يَتَّبِعهُ الْإِمَام بِشَيْءٍ . قَالَ عَلِيّ : قَالَ الْوَلِيد : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي عَمْرو , فَقَالَ : تُقْبَل تَوْبَته إِذَا كَانَ مُحَارِبًا لِلْعَامَّةِ وَالْأَئِمَّة قَدْ آذَاهُمْ بِحَرْبِهِ فَشَهَرَ سِلَاحه وَأَصَابَ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال , فَكَانَتْ لَهُ مَنَعَة أَوْ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهِمْ , أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , قُبِلَتْ تَوْبَته وَلَمْ يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْهُ . 9286 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : سَمِعْت اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ يَقُول ذَلِكَ . 9287 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : فَذَكَرْت قَوْل أَبِي عَمْرو وَمَالِك لِلَّيْثِ بْن سَعْد فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة , فَقَالَ : إِذَا أَعْلَنَ بِالْمُحَارَبَةِ لِلْعَامَّةِ وَالْأَئِمَّة وَأَصَابَ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال , فَامْتَنَعَ بِمُحَارَبَتِهِ مِنْ الْحُكُومَة عَلَيْهِ , أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , قُبِلَتْ تَوْبَته وَلَمْ يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه فِي حَرْبه مِنْ دَم خَاصَّة وَلَا عَامَّة وَإِنْ طَلَبه وَلِيُّهُ . 9288 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ اللَّيْث : وَكَذَلِكَ ثني مُوسَى بْن إِسْحَاق الْمَدَنِيّ , وَهُوَ الْأَمِير عِنْدنَا : أَنَّ عَلِيًّا الْأَسَدِيّ حَارَبَ وَأَخَافَ السَّبِيل وَأَصَابَ الدَّم وَالْمَال , فَطَلَبَتْهُ الْأَئِمَّة وَالْعَامَّة , فَامْتَنَعَ وَلَمْ يُقْدَر عَلَيْهِ , حَتَّى جَاءَ تَائِبًا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } الْآيَة , فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا عَبْد اللَّه , أَعِدْ قِرَاءَتهَا فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ . فَغَمَدَ سَيْفه , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا , حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَة مِنْ السَّحَر , فَاغْتَسَلَ , ثُمَّ أَتَى مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى الصُّبْح , ثُمَّ قَعَدَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فِي غِمَار أَصْحَابه ; فَلَمَّا أَسْفَرَ عَرَفَهُ النَّاس وَقَامُوا إِلَيْهِ , فَقَالَ : لَا سَبِيل لَكُمْ عَلَيَّ , جِئْت تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيَّ ! فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : صَدَقَ . وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَبُو هُرَيْرَة حَتَّى أَتَى مَرْوَان بْن الْحَكَم فِي إِمْرَته عَلَى الْمَدِينَة فِي زَمَن مُعَاوِيَة , فَقَالَ : هَذَا عَلِيّ , جَاءَ تَائِبًا وَلَا سَبِيل لَكُمْ عَلَيْهِ وَلَا قَتْل . قَالَ : فَتُرِكَ مِنْ ذَلِكَ كُلّه . قَالَ : وَخَرَجَ عَلِيّ تَائِبًا مُجَاهِدًا فِي سَبِيل اللَّه فِي الْبَحْر , فَلَقُوا الرُّوم , فَقَرَّبُوا سَفِينَته إِلَى سَفِينَة مِنْ سُفُنهمْ , فَاقْتَحَمَ عَلَى الرُّوم فِي سَفِينَتهمْ , فَهُزِمُوا مِنْهُ إِلَى سَفِينَتهمْ الْأُخْرَى , فَمَالَتْ بِهِمْ وَبِهِ فَغَرِقُوا جَمِيعًا . 9289 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن مَعْقِل , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء قَالَ فِي رَجُل سَرَقَ سَرِقَة فَجَاءَ بِهَا تَائِبًا مِنْ غَيْر أَنْ يُؤْخَذ : فَهَلْ عَلَيْهِ حَدّ ؟ قَالَ : لَا , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } الْآيَة . 9290 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَا : إِنْ جَاءَ تَائِبًا لَمْ يَقْتَطِع مَالًا وَلَمْ يَسْفِك دَمًا تُرِكَ , فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّه : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُ لَمْ يَسْفِك دَمًا وَلَمْ يَقْتَطِع مَالًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ التَّائِب مِنْ حَرْبه اللَّه وَرَسُوله وَالسَّعْي فِي الْأَرْض فَسَادًا , بَعْد لَحَاقه فِي حَرْبه بِدَارِ الْكُفْر ; فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ حِرَابَته وَحَرْبه وَهُوَ مُقِيم فِي دَار الْإِسْلَام وَدَاخِل فِي غِمَار الْأُمَّة , فَلَيْسَتْ تَوْبَته وَاضِعَة عَنْهُ شَيْئًا مِنْ حُدُود اللَّه وَلَا مِنْ حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ , بَلْ يُؤْخَذ بِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9291 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة : أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عُرْوَة عَمَّنْ تَلَصَّص فِي الْإِسْلَام فَأَصَابَ حُدُودًا ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا , فَقَالَ : لَا تُقْبَل تَوْبَته , لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ اِجْتَرَءُوا عَلَيْهِ وَكَانَ فَسَادًا كَبِيرًا , وَلَكِنْ لَوْ فَرَّ إِلَى الْعَدُوّ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا , لَمْ أَرَ عَلَيْهِ عُقُوبَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَة خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَهُوَ مَا : 9292 - حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة قَالَ : يُقَام عَلَيْهِ حَدّ مَا فَرَّ مِنْهُ , وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ فِيهِ أَمَان - يَعْنِي : الَّذِي يُصِيب حَدًّا - ثُمَّ يَفِرّ فَيَلْحَق الْكُفَّار , ثُمَّ يَجِيء تَائِبًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنْ كَانَتْ حِرَابَته وَحَرْبه فِي دَار الْإِسْلَام , وَهُوَ فِي غَيْر مَنَعَة مِنْ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهَا , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , فَإِنَّ تَوْبَته لَا تَضَع عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الْعُقُوبَة وَلَا مِنْ حُقُوق النَّاس . وَإِنْ كَانَتْ حِرَابَته وَحَرْبه فِي دَار الْإِسْلَام أَوْ هُوَ لَاحِق بِدَارِ الْكُفْر , غَيْر أَنَّهُ فِي كُلّ ذَلِكَ كَانَ يَلْجَأ إِلَى فِئَة تَمْنَع مَنْ أَرَادَهُ مِنْ سُلْطَان الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , فَإِنَّ تَوْبَته تَضَع عَنْهُ كُلّ مَا كَانَ مِنْ إِحْدَاثه فِي أَيَّام حِرَابَته تِلْكَ , إِلَّا أَنْ يَكُون أَصَابَ حَدًّا أَوْ أَمَرَ الرُّفْقَة بِمَا فِيهِ عُقُوبَة أَوْ غُرْم لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَد , وَهُوَ غَيْر مُلْتَجِئ إِلَى فِئَة تَمْنَعهُ , فَإِنَّهُ يُؤْخَذ بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ , وَلَا يَضَع ذَلِكَ عَنْهُ تَوْبَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9293 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : إِذَا قَطَعَ الطَّرِيق لِصّ أَوْ جَمَاعَة مِنْ اللُّصُوص , فَأَصَابُوا مَا أَصَابُوا مِنْ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَة يَلْجَئُونَ إِلَيْهَا وَلَا مَنَعَة وَلَا يَأْمَنُونَ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي غِمَار أُمَّتهمْ وَسَوَاد عَامَّتهمْ , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , لَمْ تُقْبَل تَوْبَته وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّه مَا كَانَ . 9294 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ذَكَرْت لِأَبِي عَمْرو قَوْل عُرْوَة : يُقَام عَلَيْهِ حَدّ مَا فَرَّ مِنْهُ , وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ فِيهِ أَمَان . فَقَالَ أَبُو عَمْرو : إِنْ فَرَّ مِنْ حَدَثه فِي دَار الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُ إِمَام أَمَانًا , لَمْ يَجُزْ أَمَانه . وَإِنْ هُوَ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب , ثُمَّ سَأَلَ إِمَامًا عَلَى أَحْدَاثه , لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيه أَمَانًا , وَإِنْ أَعْطَاهُ الْإِمَام أَمَانًا وَهُوَ غَيْر عَالِم بِأَحْدَاثِهِ , فَهُوَ آمِنٌ , وَإِنْ جَاءَ أَحَد يَطْلُبهُ بِدَمٍ أَوْ مَال , رُدَّ إِلَى مَأْمَنه , فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِع فَهُوَ آمِن , وَلَا يُتَعَرَّض لَهُ . قَالَ : وَإِنْ أَعْطَاهُ أَمَانًا عَلَى أَحْدَاثه وَهُوَ يَعْرِفهَا , فَالْإِمَام ضَامِن وَاجِب عَلَيْهِ عَقْل مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ دَم أَوْ مَال , وَكَانَ فِيمَا عَطَّلَ مِنْ تِلْكَ الْحُدُود وَالدِّمَاء آثِمًا , وَأَمْره إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . قَالَ : وَقَالَ أَبُو عَمْرو : فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ وَكَانَتْ لَهُ مَنَعَة أَوْ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهَا , أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , قُبِلَتْ تَوْبَته , وَلَمْ يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه الَّتِي أَصَابَهَا فِي حَرْبه , إِلَّا أَنْ يُوجَد مَعَهُ شَيْء قَائِم بِعَيْنِهِ فَيُرَدّ إِلَى صَاحِبه . 9295 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ رَبِيعَة , قَالَ : تُقْبَل تَوْبَته , وَلَا يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه فِي حَرْبه إِلَّا أَنْ يَطْلُبهُ أَحَد بِدَمٍ كَانَ أَصَابَهُ فِي سِلْمه قَبْل حَرْبه فَإِنَّهُ يُقَاد بِهِ . 9296 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مَعْمَر الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , قَالَ : قَاتَلَ اللَّه الْحَجَّاج ! إِنْ كَانَ لَيَفْقَه ! أَمَّنَ رَجُلًا مِنْ مُحَارَبَته , فَقَالَ : اُنْظُرُوا هَلْ أَصَابَ شَيْئًا قَبْل خُرُوجه ؟ . وَقَالَ آخَرُونَ تَضَع تَوْبَته عَنْهُ حَدّ اللَّه الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِمُحَارَبَتِهِ , وَلَا يَسْقُط عَنْهُ حُقُوق بَنِي آدَم . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ , حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : تَوْبَة الْمُحَارِب الْمُمْتَنِع بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَمَاعَةٍ مَعَهُ قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , تَضَع عَنْهُ تَبِعَات الدُّنْيَا الَّتِي كَانَتْ لَزِمَتْهُ فِي أَيَّام حَرْبه وَحِرَابَته مِنْ حُدُود اللَّه , وَغُرْم لَازِم وَقَوَد وَقِصَاص , إِلَّا مَا كَانَ قَائِمًا فِي يَده مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ بِعَيْنِهِ , فَيُرَدّ عَلَى أَهْله ; لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم الْجَمَاعَة الْمُمْتَنِعَة الْمُحَارِبَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ السَّاعِيَة فِي الْأَرْض فَسَادًا عَلَى وَجْه الرِّدَّة عَنْ الْإِسْلَام , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ مُمْتَنِع سَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , جَمَاعَة كَانُوا أَوْ وَاحِدًا , فَأَمَّا الْمُسْتَخْفِي بِسَرِقَتِهِ وَالْمُتَلَصِّص عَلَى وَجْه إِغْفَال مَنْ سَرَقَهُ , وَالشَّاهِر السِّلَاح فِي خَلَاء عَلَى بَعْض السَّابِلَة , وَهُوَ عِنْد الطَّلَب غَيْر قَادِر عَلَى الِامْتِنَاع , فَإِنَّ حُكْم اللَّه عَلَيْهِ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ مَاضٍ , وَبِحُقُوقِ مَنْ أَخَذَ مَاله أَوْ أَصَابَ وَلِيّه بِدَمٍ أَوْ خَتْل مَأْخُوذ , وَتَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه ; قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ سِلْم ثُمَّ صَارَ لَهُمْ حَرْبًا , أَنَّ حَرْبه إِيَّاهُمْ لَنْ يَضَع عَنْهُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَلَا لِآدَمِيٍّ , فَكَذَلِكَ حُكْمه إِذَا أَصَابَ ذَلِكَ فِي خَلَاء أَوْ بِاسْتِخْفَاءٍ وَهُوَ غَيْر مُمْتَنِع مِنْ السُّلْطَان بِنَفْسِهِ إِنْ أَرَادَهُ , وَلَا لَهُ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهَا مَانِعَة مِنْهُ . وَفِي قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } دَلِيل وَاضِح لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ , أَنَّ الْحُكْم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْمُحَارِبِينَ يَجْرِي فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ دُون الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ نَصَبُوا لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبًا . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حُكْمًا فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُون الْمُسْلِمِينَ وَدُون ذِمَّتهمْ لَوَجَبَ أَوْ لَا يَسْقُط إِسْلَامهمْ عَنْهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا أَوْ تَابُوا بَعْد قُدْرَتنَا عَلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَبْل إِسْلَامهمْ وَتَوْبَتهمْ مِنْ الْقَتْل وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَفِي إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ أَنَّ إِسْلَام الْمُشْرِك الْحَرْبِيّ يَضَع عَنْهُ بَعْد قُدْرَة الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَا كَانَ وَاضِعه عَنْهُ إِسْلَامه قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَنْ قَالَ : عَنَى بِآيَةِ الْمُحَارِبِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : حُرَّاب أَهْل الْإِسْلَام أَوْ الذِّمَّة دُون مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ مُشْرِكِي أَهْل الْحَرْب .

وَأَمَّا قَوْله : { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ اللَّه غَيْر مُؤَاخِذ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْل الْحَرْب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَغَيْرهمْ بِذُنُوبِهِ , وَلَكِنَّهُ يَعْفُو عَنْهُ فَيَسْتُرهَا عَلَيْهِ وَلَا يَفْضَحهُ بِهَا بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , رَحِيم بِهِ فِي عَفْوه عَنْهُ وَتَرْكه عُقُوبَته عَلَيْهَا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة المائدة الآية رقم 35
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَخْبَرَهُمْ وَوَعَدَهُمْ مِنْ الثَّوَاب , وَأَوْعَدَ مِنْ الْعِقَاب { اِتَّقُوا اللَّه } يَقُول : أَجِيبُوا اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ , وَحَقِّقُوا إِيمَانكُمْ وَتَصْدِيقكُمْ رَبّكُمْ وَنَبِيّكُمْ بِالصَّالِحِ مِنْ أَعْمَالكُمْ .

يَقُول : وَاطْلُبُوا الْقُرْبَة إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيه . وَالْوَسِيلَة : هِيَ الْفِعْلِيَّة مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَوَسَّلْت إِلَى فُلَان بِكَذَا , بِمَعْنَى : تَقَرَّبْت إِلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : إِنَّ الرِّجَال لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَة إِنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبِي يَعْنِي بِالْوَسِيلَةِ : الْقُرْبَة . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : إِذَا غَفَلَ الْوَاشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا وَعَادَ التَّصَافِي بَيْننَا وَالْوَسَائِل وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9297 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرْبَة فِي الْأَعْمَال . 9298 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع ( ح ) , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ طَلْحَة , عَنْ عَطَاء : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرْبَة . 9299 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : . { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : هِيَ الْمَسْأَلَة وَالْقُرْبَة . 9300 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } أَيْ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يُرْضِيه . 9301 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } الْقُرْبَة إِلَى اللَّه . 9302 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرْبَة . 9303 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرَب . 9304 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله . { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْمَحَبَّة , تَحَبَّبُوا إِلَى اللَّه . وَقَرَأَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَاهِدُوا فِي سَبِيله } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : وَجَاهِدُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَائِي وَأَعْدَاءَكُمْ فِي سَبِيلِي , يَعْنِي : فِي دِينه وَشَرِيعَته الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ , وَهِيَ الْإِسْلَام , يَقُول : أَتْعِبُوا أَنْفُسكُمْ فِي قِتَالهمْ وَحَمْلهمْ عَلَى الدُّخُول فِي الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة .

يَقُول : كَيْمَا تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْبَقَاء الدَّائِم , وَالْخُلُود فِي جَنَّاته . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْفَلَاح فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة المائدة الآية رقم 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول عَزَّ ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رُبُوبِيَّة رَبّهمْ وَعَبَدُوا غَيْره مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْل وَمِنْ غَيْرهمْ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَهَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ قَبْل التَّوْبَة . لَوْ أَنَّ لَهُمْ مُلْك مَا فِي الْأَرْض كُلّهَا وَضَعْفه مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عِقَاب اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى تَرْكهمْ أَمْره وَعِبَادَتهمْ غَيْره يَوْم الْقِيَامَة , فَافْتَدَوْا بِذَلِكَ كُلّه مَا تَقَبَّلَ اللَّه مِنْهُمْ ذَلِكَ فِدَاء وَعِوَضًا مِنْ عَذَابهمْ وَعِقَابهمْ , بَلْ هُوَ مُعَذِّبهمْ فِي حَمِيم يَوْم الْقِيَامَة عَذَابًا مُوجِعًا لَهُمْ . وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ وَغَيْرهمْ مِنْ سَائِر الْمُشْرِكِينَ بِهِ سَوَاء عِنْده فِيمَا لَهُمْ مِنْ الْعَذَاب الْأَلِيم وَالْعِقَاب الْعَظِيم , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : { لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } وَاغْتِرَارًا بِاَللَّهِ وَكَذِبًا عَلَيْهِ . فَكَذَّبَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِهَذِهِ الْآيَة وَبِالَّتِي بَعْدهَا , وَحَسَمَ طَمَعهمْ , فَقَالَ لَهُمْ وَلِجَمِيعِ الْكَفَرَة بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم } يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلَا تَطْمَعُوا أَيّهَا الْكَفَرَة فِي قَبُول الْفِدْيَة مِنْكُمْ وَلَا فِي خُرُوجكُمْ مِنْ النَّار بِوَسَائِل آبَائِكُمْ عِنْدِي بَعْد دُخُولكُمُوهَا إِنْ أَنْتُمْ مُتُّمْ عَلَى كُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ , وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَى اللَّه تَوْبَة نَصُوحًا .
يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌسورة المائدة الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار } يُرِيد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار بَعْد دُخُولهَا ,

يَقُول : لَهُمْ عَذَاب دَائِم ثَابِت لَا يَزُول عَنْهُمْ وَلَا يَنْتَقِل أَبَدًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَإِنَّ لَكُمْ بِيَوْمِ الشِّعْب مِنِّي عَذَابًا دَائِمًا لَكُمْ مُقِيمَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 9305 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّ نَافِع بْن الْأَزْرَق قَالَ لِابْنِ عَبَّاس : يَا أَعْمَى الْبَصَر , أَعْمَى الْقَلْب , تَزْعُم أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار , وَقَدْ قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا } ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَيْحك , اقْرَأ مَا فَوْقهَا ! هَذِهِ لِلْكُفَّارِ .
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌسورة المائدة الآية رقم 38
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ سَرَقَ مِنْ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة , فَاقْطَعُوا أَيّهَا النَّاس يَده . وَلِذَلِكَ رَفَعَ السَّارِق وَالسَّارِقَة , لِأَنَّهُمَا غَيْر مُعَيَّنَيْنِ , وَلَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ سَارِق وَسَارِقَة بِأَعْيَانِهِمَا لَكَانَ وَجْه الْكَلَام النَّصْب . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَات " . 9306 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : فِي قِرَاءَتنَا قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه - : " وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَات فَاقْطَعُوا أَيْمَانهمَا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم : فِي قِرَاءَتنَا : " وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَات فَاقْطَعُوا أَيْمَانهمَا " . وَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَاهُ , وَصِحَّة الرَّفْع فِيهِ , وَأَنَّ السَّارِق وَالسَّارِقَة مَرْفُوعَانِ بِفِعْلِهِمَا عَلَى مَا وَصَفْت لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْت . وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } وَالْمَعْنَى أَيْدِيهمَا الْيُمْنَى ; كَمَا : 9307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } الْيُمْنَى . 9308 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْمَانهمَا " . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي السَّارِق الَّذِي عَنَاهُ اللَّه , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ سَارِق ثَلَاثَة دَرَاهِم فَصَاعِدًا ; وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , مِنْهُمْ مَالِك بْن أَنَس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : سَارِق رُبُع دِينَار أَوْ قِيمَته . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْقَطْع فِي رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ سَارِق عَشَرَة دَرَاهِم فَصَاعِدًا . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَابْن عَبَّاس , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَته عَشَرَة دَرَاهِم " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ سَارِق الْقَلِيل وَالْكَثِير . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَة عَلَى الظَّاهِر , وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصّ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَقَالُوا : لَمْ يَصِحّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر بِأَنَّ ذَلِكَ فِي خَاصّ مِنْ السُّرَّاق . قَالُوا : وَالْأَخْبَار فِيمَا قَطَعَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَرِبَة مُخْتَلِفَة , وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَد أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقِ دِرْهَم فَخَلَّى عَنْهُ , وَإِنَّمَا رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم . قَالُوا : وَمُمْكِن أَنْ يَكُون لَوْ أُتِيَ بِسَارِقٍ مَا قِيمَته دَانَق أَنْ يُقْطَع . قَالُوا : وَقَدْ قَطَعَ اِبْن الزُّبَيْر فِي دِرْهَم . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْآيَة عَلَى الْعُمُوم . 9309 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ نَجْدَة الْحَنَفِيّ , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة } أَخَاصّ أَمْ عَامّ ؟ . فَقَالَ : بَلْ عَامّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا خَاصّ مِنْ السُّرَّاق , وَهُمْ سُرَّاق رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا أَوْ قِيمَته , لِصِحَّةِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْقَطْع فِي رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا " . وَقَدْ اِسْتَقْصَيْت ذِكْر أَقْوَال الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلَلهمْ الَّتِي اِعْتَلُّوا بِهَا لِأَقْوَالِهِمْ , وَالتَّلْمِيح عَنْ أَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ بِشَوَاهِدِهِ فِي كِتَابنَا كِتَاب السَّرِقَة , فَكَرِهْنَا إِطَالَة الْكِتَاب بِإِعَادَةِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّه } يَقُول : مُكَافَأَة لَهُمَا عَلَى سَرِقَتهمَا وَعَمَلهمَا فِي التَّلَصُّص بِمَعْصِيَةِ اللَّه . { نَكَالًا مِنْ اللَّه } يَقُول : عُقُوبَة مِنْ اللَّه عَلَى لُصُوصِيَّتهمَا . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9310 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم }

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّه } لَا تَرْثُوا لَهُمْ أَنْ تُقِيمُوا فِيهِمْ الْحُدُود , فَإِنَّهُ وَاَللَّه مَا أَمَرَ اللَّه بِأَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صَلَاح , وَلَا نَهَى عَنْ أَمْر قَطُّ إِلَّا وَهُوَ فَسَاد . وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول : اِشْتَدُّوا عَلَى السُّرَّاق فَاقْطَعُوهُمْ يَدًا يَدًا وَرِجْلًا رِجْلًا .

وَقَوْله : { وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه عَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ هَذَا السَّارِق وَالسَّارِقَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَهْل مَعَاصِيه , حَكِيم فِي حُكْمه فِيهِمْ وَقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ . يَقُول : فَلَا تُفَرِّطُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي إِقَامَة حُكْمِي عَلَى السَّارِق وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْجَرَائِم الَّذِينَ أَوْجَبْت عَلَيْهِمْ حُدُودًا فِي الدُّنْيَا عُقُوبَة لَهُمْ , فَإِنِّي بِحُكْمِي قَضَيْت ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَعِلْمِي بِصَلَاحِ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَكُمْ .
فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة المائدة الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه وَأَصْلَحَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَمَنْ تَابَ } مِنْ هَؤُلَاءِ السُّرَّاق , يَقُول : مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ عَمَّا يَكْرَههُ اللَّه مِنْ مَعْصِيَته إِيَّاهُ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَته مِنْ بَعْد ظُلْمه ; وَظُلْمه : هُوَ اِعْتِدَاؤُهُ وَعَمَله مَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ مِنْ سَرِقَة أَمْوَال النَّاس . يَقُول : وَأَصْلَحَ نَفْسه بِحَمْلِهَا عَلَى مَكْرُوههَا فِي طَاعَة اللَّه وَالتَّوْبَة إِلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَته . وَكَانَ مُجَاهِد فِيمَا ذُكِرَ لَنَا يَقُول : تَوْبَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , الْحَدّ الَّذِي يُقَام عَلَيْهِ . 9311 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه وَأَصْلَحَ } يَقُول : فَتَابَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ . 9312 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ حُيَيّ بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحُبْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : سَرَقَتْ اِمْرَأَة حُلِيًّا , فَجَاءَ الَّذِينَ سَرَقَتْهُمْ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه سَرَقَتْنَا هَذِهِ الْمَرْأَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِقْطَعُوا يَدهَا الْيُمْنَى ! " فَقَالَتْ الْمَرْأَة : هَلْ مِنْ تَوْبَة ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْتِ الْيَوْم مِنْ خَطِيئَتك كَيَوْمِ وَلَدَتْك أُمّك " . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّه يَتُوب عَلَيْهِ } .

وَقَوْله : { فَإِنَّ اللَّه يَتُوب عَلَيْهِ } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ يُرْجِعهُ إِلَى مَا يُحِبّ وَيَرْضَى عَمَّا يَكْرَههُ وَيَسْخَط مِنْ مَعْصِيَته .

وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره سَاتِر عَلَى مَنْ تَابَ وَأَنَابَ عَنْ مَعَاصِيه إِلَى طَاعَته ذُنُوبه بِالْعَفْوِ عَنْ عُقُوبَته عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة وَتَرْكه فَضِيحَته بِهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , رَحِيم بِهِ وَبِعِبَادِهِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبهمْ .
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة المائدة الآية رقم 40
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء وَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } الزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , أَنَّ اللَّه مُدَبِّر مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض , وَمُصَرِّفه وَخَالِقه , لَا يَمْتَنِع شَيْء مَا فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا مِمَّا أَرَادَهُ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِلْكه وَإِلَيْهِ أَمْره , وَلَا نَسَب بَيْنه وَبَيْن شَيْء مِمَّا فِيهَا وَلَا مِمَّا فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا فَيُحَابِيه بِسَبَبِ قَرَابَته مِنْهُ فَيُنْجِيه مِنْ عَذَابه وَهُوَ بِهِ كَافِر وَلِأَمْرِهِ وَنَهْيه مُخَالِف , أَوْ يُدْخِلهُ النَّار وَهُوَ لَهُ مُطِيع لِبُعْدِ قَرَابَته مِنْهُ ; وَلَكِنَّهُ يُعَذِّب مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه فِي الدُّنْيَا عَلَى مَعْصِيَته بِالْقَتْلِ وَالْخَسْف وَالْمَسْخ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ صُنُوف عَذَابه , وَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ مِنْ كُفْره وَمَعْصِيَته , فَيُنْقِذهُ مِنْ الْهَلَكَة وَيُنَجِّيه مِنْ الْعُقُوبَة . وَخَرَجَ قَوْله : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } خِطَابًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنِيّ بِهِ مَنْ ذَكَرْت مِنْ فِرَق بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بِمَدِينَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا حَوَالَيْهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا اِسْتِعْمَال الْعَرَب نَظِير ذَلِكَ فِي كَلَامهَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

يَقُول : وَاَللَّه عَلَى تَعْذِيب مَنْ أَرَادَ تَعْذِيبه مِنْ خَلْقه عَلَى مَعْصِيَته وَغُفْرَان مَا أَرَادَ غُفْرَانه مِنْهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ الْهَلَكَة بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور كُلّهَا قَادِر ; لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقُهُ وَالْمُلْك مُلْكُهُ وَالْعِبَاد عِبَاده .
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة المائدة الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر بِقَوْلِهِ لِبَنِي قُرَيْظَة حِين حَاصَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا هُوَ الذَّبْح , فَلَا تَنْزِلُوا عَلَى حُكْم سَعْد " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9313 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار زَعَمُوا أَنَّهُ أَبُو لُبَابَة أَشَارَتْ إِلَيْهِ بَنُو قُرَيْظَة يَوْم الْحِصَار مَا الْأَمْر ؟ وَعَلَام نَنْزِل ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ : إِنَّهُ الذَّبْح . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْيَهُود سَأَلَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمه فِي قَتِيل قَتَلَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9314 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ الْيَهُود قَتَلَهُ رَجُل مِنْ أَهْل دِينه , فَقَالَ الْقَاتِل لِحُلَفَائِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : سَلُوا فِيَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ كَانَ يَقْضِي بِالدِّيَةِ اِخْتَصَمْنَا إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقَتْلِ لَمْ نَأْتِهِ . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا , وَذَلِكَ أَنَّهُ اِرْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9315 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة حَدَّثَهُمْ , أَنَّ أَحْبَار يَهُود اِجْتَمَعُوا فِي بَيْت الْمِدْرَاس حِين قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , وَقَدْ زَنَى رَجُل مِنْهُمْ بَعْد إِحْصَانه بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُود قَدْ أُحْصِنَتْ . فَقَالُوا : اِنْطَلِقُوا بِهَذَا الرَّجُل وَبِهَذِهِ الْمَرْأَة إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْأَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْم فِيهِمَا فَوَلُّوهُ الْحُكْم عَلَيْهِمَا , فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنْ التَّحْمِيم , وَهُوَ الْجَلْد بِحَبْلٍ مِنْ لِيف مَطْلِيّ بِقَارٍ , ثُمَّ يُسَوِّد وُجُوههمَا , ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُحَوَّل وُجُوههمَا مِنْ قِبَل دُبُر الْحِمَار , فَاتَّبِعُوهُ , فَإِنَّمَا هُوَ مَلِك . وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرَّجْمِ فَإِنَّهُ نَبِيّ فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد هَذَا الرَّجُل قَدْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه بِامْرَأَةٍ قَدْ أُحْصِنَتْ , فَاحْكُمْ فِيهِمَا , فَقَدْ وَلَّيْنَاك الْحُكْم فِيهِمَا ! فَمَشَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى أَحْبَارهمْ فِي بَيْت الْمِدْرَاس , فَقَالَ : " يَا مَعْشَر الْيَهُود أَخْرِجُوا إِلَيَّ أَعْلَمكُمْ ! " فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا الْأَعْوَر . وَقَدْ رَوَى بَعْض بَنِي قُرَيْظَة أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا إِلَيْهِ يَوْمئِذٍ مَعَ اِبْن صُورِيَّا أَبَا يَاسِر بْن أَخْطَب وَوَهْب بْن يَهُودَا , فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا ! فَسَأَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَصَلَ أَمْرهمْ , إِلَى أَنْ قَالُوا لِابْنِ صُورِيَّا : هَذَا أَعْلَم مَنْ بَقِيَ بِالتَّوْرَاةِ . فَخَلَا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ غُلَامًا شَابًّا مِنْ أَحْدَثهمْ سِنًّا , فَأَلَظَّ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَة , يَقُول : " يَا اِبْن صُورِيَّا أَنْشُدك اللَّه وَأُذَكِّرك أَيَادِيه عِنْد بَنِي إِسْرَائِيل , هَلْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاة ؟ " فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ! أَمَا وَاَللَّه يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّك نَبِيّ مُرْسَل , وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَك . فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْد بَاب مَسْجِده فِي بَنِي عُثْمَان بْن غَالِب بْن النَّجَّار . ثُمَّ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ اِبْن صُورِيَّا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } . 9316 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : مُرَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّم مَجْلُود , فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ , فَقَالَ : " أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزَّانِي فِيكُمْ ؟ " قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَأَنْشُدك بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزَّانِي فِيكُمْ " ؟ قَالَ : لَا , وَلَوْلَا أَنَّك نَشَدْتنِي بِهَذَا لَمْ أُحَدِّثك , وَلَكِنَّ الرَّجْم , وَلَكِنْ كَثُرَ الزِّنَا فِي أَشْرَافنَا , فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيف تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيف أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدّ , فَقُلْنَا تَعَالَوْا نَجْتَمِع فَنَضَع شَيْئًا مَكَان الرَّجْم فَيَكُون عَلَى الشَّرِيف وَالْوَضِيع , فَوَضَعْنَا التَّحْمِيم وَالْجَلْد مَكَان الرَّجْم . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَنَا أَوَّل مَنْ أَحْيَا أَمْرك إِذْ أَمَاتُوهُ ! " فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } الْآيَة . 9317 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعِنْد سَعِيد , رَجُل يُوَقِّرهُ , فَإِذَا هُوَ رَجُل مِنْ مُزَيْنَة كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : كُنْت جَالِسًا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ) , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح كَاتِب اللَّيْث , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل مِنْ مُزَيْنَة مِمَّنْ يَتَّبِع الْعِلْم وَيَعِيه , حَدَّثَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ جَاءَهُ رَجُل مِنْ الْيَهُود , وَكَانُوا قَدْ أَشَارُوا فِي صَاحِب لَهُمْ زَنَى بَعْد مَا أُحْصِنَ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ هَذَا النَّبِيّ قَدْ بُعِثَ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الرَّجْم فِي التَّوْرَاة فَكَتَمْتُمُوهُ وَاصْطَلَحْتُمْ بَيْنكُمْ عَلَى عُقُوبَة دُونه , فَانْطَلِقُوا فَنَسْأَل هَذَا النَّبِيّ , فَإِنْ أَفْتَانَا بِمَا فَرَضَ عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاة مِنْ الرَّجْم تَرَكْنَا ذَلِكَ , فَقَدْ تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي التَّوْرَاة , فَهِيَ أَحَقّ أَنْ تُطَاع وَتُصَدَّق . فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُ زَنَى صَاحِب لَنَا قَدْ أُحْصِنَ , فَمَا تَرَى عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَة ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَلَمْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ , فَانْطَلَقَ يَوْم مِدْرَاس الْيَهُود حَتَّى أَتَاهُمْ , فَوَجَدَهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاة فِي بَيْت الْمِدْرَاس , فَقَالَ لَهُمْ : " يَا مَعْشَر الْيَهُود أَنْشُدكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى مَاذَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة مِنْ الْعُقُوبَة عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ " ؟ قَالُوا : إِنَّا نَجِدهُ يُحَمَّم وَيُجْلَد . وَسَكَتَ حَبْرهمْ فِي جَانِب الْبَيْت . فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَمْته أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَة , فَقَالَ حَبْرهمْ : اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدَنَا فَإِنَّا نَجِد عَلَيْهِمْ الرَّجْم . فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَمَاذَا كَانَ أَوَّل مَا تَرَخَّصْتُمْ بِهِ أَمْر اللَّه " ؟ قَالَ : زَنَى اِبْن عَمّ مَلِك فَلَمْ يَرْجُمهُ , ثُمَّ زَنَى رَجُل آخَر فِي أُسْرَة مِنْ النَّاس , فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِك رَجْمه , فَقَامَ دُونه قَوْمه , فَقَالُوا : وَاَللَّه لَا تَرْجُمهُ حَتَّى تَرْجُم فُلَانًا اِبْن عَمّ الْمَلِك ! فَاصْطَلَحُوا بَيْنهمْ عُقُوبَة دُون الرَّجْم , وَتَرَكُوا الرَّجْم . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنِّي أَقْضِي بِمَا فِي التَّوْرَاة " . فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9318 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . 9319 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ } قَالَ : يَقُول هُمْ الْمُنَافِقُونَ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : عَنَى بِذَلِكَ : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } قَوْم مِنْ الْمُنَافِقِينَ . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ . الْآيَة اِبْن صُورِيَّا , وَجَائِز أَنْ يَكُون أَبُو لُبَابَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون غَيْرهمَا . غَيْر أَنَّ أَثْبَتَ شَيْء رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الرِّوَايَة قَبْل عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَالْبَرَاء بْن عَازِب ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ أَنْ يُقَال : عُنِيَ بِهِ عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ تَأْوِيل الْآيَة : يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي جُحُود نُبُوَّتك وَالتَّكْذِيب بِأَنَّك لِي نَبِيّ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا : صَدَّقْنَا بِك يَا مُحَمَّد أَنَّك لِلَّهِ رَسُول مَبْعُوث , وَعَلِمْنَا بِذَلِكَ يَقِينًا بِوُجُودِنَا صِفَتك فِي كِتَابنَا ; وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاهُ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , أَنَّ اِبْن صُورِيَّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا وَاَللَّه يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّك نَبِيّ مُرْسَل , وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَك . فَذَلِكَ كَانَ عَلَى هَذَا الْخَبَر مِنْ اِبْن صُورِيَّا إِيمَانًا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِيهِ , وَلَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا لِذَلِكَ بِقَلْبِهِ , فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلِعه عَلَى ضَمِير اِبْن صُورِيَّا وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِن بِقَلْبِهِ , يَقُول : وَلَمْ يُصَدِّق قَلْبه بِأَنَّك لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الرَّسُول , لَا يَحْزُنك تَسَرُّع مَنْ تَسَرَّعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَصْدِيقك , وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ تَكْذِيبك إِلَى الْكُفْر بِك , وَلَا تَسَرُّع الْيَهُود إِلَى جُحُود نُبُوَّتك . ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ذِكْره صِفَتهمْ وَنَعْتهمْ لَهُ بِنُعُوتِهِمْ الذَّمِيمَة وَأَفْعَالهمْ الرَّدِيئَة , وَأَخْبَرَهُ مُعَزِّيًا لَهُ عَلَى مَا يَنَالهُ مِنْ الْحُزْن بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ مَعَ عِلْمهمْ بِصِدْقِهِ أَنَّهُمْ أَهْل اِسْتِحْلَال الْحَرَام وَالْمَآكِل الرَّدِيئَة وَالْمَطَاعِم الدَّنِيئَة مِنْ الرُّشَا وَالسُّحْت , وَأَنَّهُمْ أَهْل إِفْك وَكَذِب عَلَى اللَّه وَتَحْرِيف كِتَابه . ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُحِلّ بِهِمْ خِزْيه فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَعِقَابه فِي آجِل الْآخِرَة , فَقَالَ : هُمْ { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْيَهُود , يَقُول : هُمْ يَسْمَعُونَ الْكَذِب , وَسَمْعهمْ الْكَذِب : سَمْعهمْ قَوْل أَحْبَارهمْ أَنَّ حُكْم الزَّانِي الْمُحْصَن فِي التَّوْرَاة : التَّحْمِيم وَالْجَلْد , { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } يَقُول : يَسْمَعُونَ لِأَهْلِ الزَّانِي الَّذِينَ أَرَادُوا الِاحْتِكَام إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ الْقَوْم الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا مُصِرِّينَ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ , كَمَا قَالَ مُجَاهِد . 9320 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } مَعَ مَنْ أَتَوْك . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ السَّمَّاعِينَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَمَّاعُونَ لِقَوْلِ آخَرِينَ يَهُود فَدَك , وَالْقَوْم الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُود الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9321 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا وَمُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَابِر فِي قَوْله : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قَالَ : يَهُود الْمَدِينَة ; { لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } قَالَ : يَهُود فَدَك يَقُولُونَ لِيَهُودِ الْمَدِينَة : إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود كَانَ أَهْل الْمَرْأَة الَّتِي بَغَتْ بَعَثُوا بِهِمْ يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُكْم فِيهَا , وَالْبَاعِثُونَ بِهِمْ هُمْ الْقَوْم الْآخَرُونَ , وَهُمْ أَهْل الْمَرْأَة الْفَاجِرَة , لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9322 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ } كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ : إِذَا زَنَى مِنْكُمْ أَحَد فَارْجُمُوهُ . فَلَمْ يَزَالُوا بِذَلِكَ حَتَّى زَنَى رَجُل مِنْ خِيَارهمْ ; فَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيل يَرْجُمُونَهُ , قَامَ الْخِيَار وَالْأَشْرَاف فَمَنَعُوهُ . ثُمَّ زَنَى رَجُل مِنْ الضُّعَفَاء , فَاجْتَمَعُوا لِيَرْجُمُوهُ , فَاجْتَمَعَتْ الضُّعَفَاء فَقَالُوا : لَا تَرْجُمُوهُ حَتَّى تَأْتُوا بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمُونَهُمَا جَمِيعًا ! فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : إِنَّ هَذَا الْأَمْر قَدْ اِشْتَدَّ عَلَيْنَا , فَتَعَالَوْا فَلْنُصْلِحْهُ ! فَتَرَكُوا الرَّجْم , وَجَعَلُوا مَكَانه أَرْبَعِينَ جَلْدَة بِحَبْلٍ مُقَيَّر وَيُحَمِّمُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى حِمَار وَوَجْهه إِلَى ذَنَبه , وَيُسَوِّدُونَ وَجْهه , وَيَطُوفُونَ بِهِ . فَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِمَ الْمَدِينَة , فَزَنَتْ اِمْرَأَة مِنْ أَشْرَاف الْيَهُود , يُقَال لَهَا بُسْرَة , فَبَعَثَ أَبُوهَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابه إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : سَلُوهُ عَنْ الزِّنَا وَمَا نَزَلَ إِلَيْهِ فِيهِ ; فَإِنَّا نَخَاف أَنْ يَفْضَحنَا وَيُخْبِرنَا بِمَا صَنَعْنَا , فَإِنْ أَعْطَاكُمْ الْجَلْد فَخُذُوهُ وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوهُ . فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ , فَقَالَ : " الرَّجْم " . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } حِين حَرَّفُوا الرَّجْم فَجَعَلُوهُ جَلْدًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ , هُمْ السَّمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أُولَئِكَ كَانُوا مِنْ يَهُود الْمَدِينَة وَالْمَسْمُوع لَهُمْ مِنْ يَهُود فَدَك , وَيَجُوز أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مِنْ غَيْرهمْ . غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ , فَهُوَ مِنْ صِفَة قَوْم مِنْ يَهُود سَمِعُوا الْكَذِب عَلَى اللَّه فِي حُكْم الْمَرْأَة الَّتِي كَانَتْ بَغَتْ فِيهِمْ وَهِيَ مُحْصَنَة , وَأَنَّ حُكْمهَا فِي التَّوْرَاة التَّحْمِيم وَالْجَلْد , وَسَأَلُوا رَسُول اللَّه عَنْ الْحُكْم اللَّازِم لَهَا , وَسَمِعُوا مَا يَقُول فِيهَا قَوْم الْمَرْأَة الْفَاجِرَة قَبْل أَنْ يَأْتُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ فِيهَا . وَإِنَّمَا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لَهُمْ لِيُعْلِمُوا أَهْل الْمَرْأَة الْفَاجِرَة مَا يَكُون مِنْ جَوَابه لَهُمْ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمه الرَّجْم رَضُوا بِهِ حَكَمًا فِيهِمْ , وَإِنْ كَانَ مِنْ حُكْمه الرَّجْم حَذِرُوهُ وَتَرَكُوا الرِّضَا بِهِ وَبِحُكْمِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا كَانَ اِبْن زَيْد يَقُول . 9323 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قَالَ : لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك مِنْ أَهْل الْكِتَاب , هَؤُلَاءِ سَمَّاعُونَ لِأُولَئِكَ الْقَوْم الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوهُ , يَقُولُونَ لَهُمْ الْكَذِب : مُحَمَّد كَاذِب , وَلَيْسَ هَذَا فِي التَّوْرَاة , فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُحَرِّف هَؤُلَاءِ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ , السَّمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمْ يَأْتُوك بَعْد مِنْ الْيَهُود الْكَلِم . وَكَانَ تَحْرِيفهمْ ذَلِكَ : تَغْيِيرهمْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي التَّوْرَاة فِي الْمُحْصَنَات وَالْمُحْصَنِينَ مِنْ الزُّنَاة بِالرَّجْمِ إِلَى الْجَلْد وَالتَّحْمِيم , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم } يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الْيَهُود , وَالْمَعْنَى : حُكْم الْكَلِم , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْخَبَر مِنْ تَحْرِيف الْكَلِم عَنْ ذِكْر الْحُكْم لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ . وَكَذَلِكَ قَوْله : { مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } وَالْمَعْنَى : مِنْ بَعْد وَضْع اللَّه ذَلِكَ مَوَاضِعه , فَاكْتَفَى بِالْخَبَرِ مِنْ ذِكْر مَوَاضِعه عَنْ ذِكْر وَضْع ذَلِكَ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } وَالْمَعْنَى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , فَتَكُون " بَعْد " وُضِعَتْ مَوْضِع " عَنْ " , كَمَا يُقَال : جِئْتُك عَنْ فَرَاغِي مِنْ الشُّغْل , يُرِيد : بَعْد فَرَاغِي مِنْ الشُّغْل . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } يَقُول : هَؤُلَاءِ الْبَاغُونَ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ , إِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّد بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيم فِي صَاحِبنَا فَخُذُوهُ , يَقُول : فَاقْبَلُوهُ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يُفْتِكُمْ بِذَلِكَ وَأَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ , فَاحْذَرُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9324 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَة يُحَدِّث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة حَدَّثَهُمْ فِي قِصَّة ذَكَرَهَا : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } قَالَ : بَعَثُوا وَتَخَلَّفُوا , وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيف الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , فَقَالَ : يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه , يَقُولُونَ : إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ لِلتَّحْمِيمِ , وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا : أَيْ الرَّجْم . 9325 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا } إِنْ وَافَقَكُمْ هَذَا , { فَخُذُوهُ } يَهُود تَقُولهُ لِلْمُنَافِقِينَ . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ } إِنْ وَافَقَكُمْ هَذَا فَخُذُوهُ , وَإِنْ لَمْ يُوَافِقكُمْ فَاحْذَرُوهُ . يَهُود تَقُولهُ لِلْمُنَافِقِينَ . 9326 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } حِين حَرَّفُوا الرَّجْم فَجَعَلُوهُ جَلْدًا , يَقُولُونَ : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } . 9327 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا وَمُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَابِر : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ } يَهُود فَدَك يَقُولُونَ لِيَهُودِ الْمَدِينَة : إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا الْجَلْد فَخُذُوهُ , وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا الرَّجْم . 9328 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } هُمْ الْيَهُود , زَنَتْ مِنْهُمْ اِمْرَأَة , وَكَانَ اللَّه قَدْ حَكَمَ فِي التَّوْرَاة فِي الزِّنَا بِالرَّجْمِ , فَنَفِسُوا أَنْ يَرْجُمُوهَا , وَقَالُوا : اِنْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّد فَعَسَى أَنْ يَكُون عِنْده رُخْصَة , فَإِنْ كَانَتْ عِنْده رُخْصَة فَاقْبَلُوهَا . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّ اِمْرَأَة مِنَّا زَنَتْ , فَمَا تَقُول فِيهَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ حُكْم اللَّه فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي ؟ " فَقَالُوا : دَعْنَا مِنْ التَّوْرَاة , وَلَكِنْ مَا عِنْدك فِي ذَلِكَ ! فَقَالَ : " اِئْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى " . فَقَالَ لَهُمْ : " بِاَلَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن وَبِاَلَّذِي فَلَقَ لَكُمْ الْبَحْر فَأَنْجَاكُمْ وَأَغْرَقَ آل فِرْعَوْن إِلَّا أَخْبَرْتُمُونِي مَا حُكْم اللَّه فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي ! " قَالُوا : حُكْمه الرَّجْم . فَأَمَرَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ . 9329 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قَتِيل مِنْ بَنِي قُرَيْظَة قَتَلَتْهُ النَّضِير , فَكَانَتْ النَّضِير إِذَا قَتَلَتْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَة لَمْ يُقِيدُوهُمْ , إِنَّمَا يُعْطُونَهُمْ الدِّيَة لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ , وَكَانَتْ قُرَيْظَة إِذَا قَتَلَتْ مِنْ النَّضِير قَتِيلًا لَمْ يَرْضَوْا إِلَّا بِالْقَوَدِ لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسهمْ تَعَزُّزًا . فَقَدِمَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة عَلَى هَيْئَة فِعْلهمْ هَذَا , فَأَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ : إِنَّ قَتِيلكُمْ هَذَا قَتِيل عَمْد , مَتَى مَا تَرْفَعُوهُ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ الْقَوَد , فَإِنْ قَبِلَ مِنْكُمْ الدِّيَة فَخُذُوهُ , وَإِلَّا فَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَر . 9330 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } يَقُول يُحَرِّف هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوك الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , لَا يَضَعُونَهُ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّه . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ يَهُود , بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . 9331 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَعُبَيْدَة بْن حُمَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِذْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } يَقُولُونَ : اِئْتُوا مُحَمَّدًا , فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْد فَخُذُوهُ , وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ اللَّه فِتْنَته فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا } وَهَذَا تَسْلِيَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُزْنه عَلَى مُسَارَعَة الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ مِنْ الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَة , يَقُول لَهُ تَعَالَى ذِكْره : لَا يَحْزُنك تَسَرُّعهمْ إِلَى جُحُود نُبُوَّتك , فَإِنِّي قَدْ حَتَّمْت عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ مِنْ ضَلَالَتهمْ , وَلَا يَرْجِعُونَ عَنْ كُفْرهمْ لِلسَّابِقِ مِنْ غَضَبِي عَلَيْهِمْ , وَغَيْر نَافِعهمْ حُزْنك عَلَى مَا تَرَى مِنْ تَسَرُّعهمْ إِلَى مَا جَعَلْته سَبِيلًا لِهَلَاكِهِمْ وَاسْتِحْقَاقهمْ وَعِيدِي . وَمَعْنَى الْفِتْنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الضَّلَالَة عَنْ قَصْد السَّبِيل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُرِدْ اللَّه يَا مُحَمَّد مَرْجِعه بِضَلَالَتِهِ عَنْ سَبِيل الْهُدَى , فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه اِسْتِنْقَاذًا مِمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ مِنْ الْحِيرَة وَالضَّلَالَة , فَلَا تُشْعِر نَفْسك بِالْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَك مِنْ اِهْتِدَائِهِ لِلْحَقِّ . كَمَا : 9332 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَنْ يُرِدْ اللَّه فِتْنَته فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر , مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ , وَإِنَّ مُسَارَعَتهمْ إِلَى { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي , وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر , مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ , وَإِنَّ مُسَارَعَتهمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ أَرَادَ فِتْنَتهمْ وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبهمْ , وَلَا يَهْتَدُونَ أَبَدًا . { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر مِنْ دَنَس الْكُفْر وَوَسَخ الشِّرْك قُلُوبهمْ بِطَهَارَةِ الْإِسْلَام وَنَظَافَة الْإِيمَان فَيَتُوبُوا , بَلْ أَرَادَ بِهِمْ الْخِزْي فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ الذُّلّ وَالْهَوَان , وَفِي الْآخِرَة عَذَاب جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْخِزْي رُوِيَ الْقَوْل عَنْ عِكْرِمَة . 9333 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلِيّ بْن الْأَرْقَم وَغَيْره , عَنْ عِكْرِمَة : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي } قَالَ : مَدِينَة فِي الرُّوم تُفْتَح فَيُسْبَوْنَ .
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَسورة المائدة الآية رقم 42
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك يَا مُحَمَّد صِفَتهمْ , سَمَّاعُونَ لِقِيلِ الْبَاطِل وَالْكَذِب , وَمِنْ قِيل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مُحَمَّد كَاذِب , لَيْسَ بِنَبِيٍّ , وَقِيلَ بَعْضهمْ : إِنَّ حُكْم الزَّانِي الْمُحْصَن فِي التَّوْرَاة الْجَلْد وَالتَّحْمِيم , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَبَاطِيل وَالْإِفْك , وَيَقْبَلُونَ الرُّشَا , فَيَأْكُلُونَهَا عَلَى كَذِبهمْ عَلَى اللَّه وَفِرْيَتهمْ عَلَيْهِ . كَمَا : 9334 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو عَقِيل , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : تِلْكَ الْحُكَّام سَمِعُوا كَذَبَة , وَأَكَلُوا رَشْوَة . 9335 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : . { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : كَانَ هَذَا فِي حُكَّام الْيَهُود بَيْن أَيْدِيكُمْ , كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَذِب وَيَقْبَلُونَ الرُّشَا . 9336 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَهُمْ يَهُود . 9337 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَإِسْحَاق الْأَزْرَق , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : السُّحْت : الرِّشْوَة . 9338 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع وَوَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَا : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : قِيلَ لِعَبْدِ اللَّه : مَا السُّحْت ؟ قَالَ : الرِّشْوَة . قَالُوا : فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا غُنْدَر وَوَهْب بْن جَرِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : السُّحْت : الرِّشْوَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حُرَيْث , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّه : مَا كُنَّا نَرَى السُّحْت إِلَّا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم ! قَالَ عَبْد اللَّه : ذَاكَ الْكُفْر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : السُّحْت : الرُّشَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . 9339 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه عَنْ السُّحْت , فَقَالَ : الرَّجُل يَطْلُب الْحَاجَة فَيَقْضِيهَا , فَيُهْدِي إِلَيْهِ فَيَقْبَلهَا . * - حَدَّثَنَا سَوَّار , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور وَسُلَيْمَان الْأَعْمَش , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : السُّحْت : الرُّشَا . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : السُّحْت , قَالَ : الرِّشْوَة فِي الدِّين . 9340 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : قَالَ عُمَر : مَا كَانَ مِنْ السُّحْت : الرُّشَا , وَمَهْر الزَّانِيَة . 9341 - حَدَّثَنِي سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : : الرِّشْوَة . 9342 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : الرُّشَا . 9343 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ طَلْحَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : مَهْر الْبَغِيِّ سُحْت , وَعَسْب الْفَحْل سُحْت , وَكَسْب الْحَجَّام سُحْت , وَثَمَن الْكَلْب سُحْت . 9344 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : السُّحْت : الرِّشْوَة فِي الْحُكْم . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْت اِبْن مَسْعُود عَنْ السُّحْت , قَالَ : الرُّشَا , فَقُلْت : فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر . 9345 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } يَقُول : لِلرُّشَا . 9346 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَلْقَمَة : أَنَّهُمَا سَأَلَا اِبْن مَسْعُود عَنْ الرِّشْوَة , فَقَالَ : هِيَ السُّحْت , قَالَا فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } . 9347 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن أَبِي بُكَيْر , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح , قَالَ : شَفَعَ مَسْرُوق لِرَجُلٍ فِي حَاجَة , فَأَهْدَى لَهُ جَارِيَة , فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ : لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَفْعَل هَذَا مَا كَلَّمْت فِي حَاجَتك وَلَا أُكَلِّم فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتك , سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول : مَنْ شَفَعَ شَفَاعَة لِيَرُدّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَرْفَع بِهَا ظُلْمًا , فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ , فَهُوَ سُحْت , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذ عَلَى الْحُكْم ! قَالَ : الْأَخْذ عَلَى الْحُكْم كُفْر . 9348 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَقَضَوْا بِالْكَذِبِ . 9349 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , عَنْ عَمَّار , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْت اِبْن مَسْعُود عَنْ السُّحْت , أَهْوَ الرُّشَا فِي الْحُكْم ؟ فَقَالَ : لَا , مَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَهُوَ كَافِر , وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَهُوَ ظَالِم , وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَهُوَ فَاسِق , وَلَكِنَّ السُّحْت يَسْتَعِينك الرَّجُل عَلَى الْمَظْلِمَة فَتُعِينهُ عَلَيْهَا , فَيُهْدِي لَك الْهَدِيَّة فَتَقْبَلهَا . 9350 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن هُبَيْرَة السَّبَئِيّ , قَالَ : مِنْ السُّحْت ثَلَاثَة : مَهْر الْبَغِيّ , وَالرِّشْوَة فِي الْحُكْم , وَمَا كَانَ يُعْطَى الْكُهَّان فِي الْجَاهِلِيَّة . 9351 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن مُطِيع , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ضَمْرَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , أَنَّهُ قَالَ فِي كَسْب الْحَجَّام , وَمَهْر الْبَغْي , وَثَمَن الْكَلْب , وَالِاسْتِجْعَال فِي الْقَضِيَّة , وَحُلْوَان الْكَاهِن , وَعَسْب الْفَحْل , وَالرِّشْوَة فِي الْحُكْم , وَثَمَن الْخَمْر , وَثَمَن الْمَيْتَة : مِنْ السُّحْت . 9352 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : الرِّشْوَة فِي الْحُكْم . 9353 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْمَوَالِي , عَنْ عُمَر بْن حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " كُلّ لَحْم أَنْبَتَهُ السُّحْت فَالنَّار أَوْلَى بِهِ " . قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا السُّحْت ؟ قَالَ : " الرِّشْوَة فِي الْحُكْم " . 9354 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ لِي أَنَس بْن مَالِك , إِذَا اِنْقَلَبْت إِلَى أَبِيك فَقُلْ لَهُ : إِيَّاكَ وَالرِّشْوَة فَإِنَّهَا سُحْت ! وَكَانَ أَبُوهُ عَلَى شُرَط الْمَدِينَة . 9355 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الرِّشْوَة سُحْت . قَالَ مَسْرُوق : فَقُلْنَا لِعَبْدِ اللَّه : أَفِي الْحُكْم ؟ قَالَ : لَا , ثُمَّ قَرَأَ : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } . وَأَصْل السُّحْت : كَلَب الْجُوع , يُقَال مِنْهُ : فُلَان مَسْحُوت الْمَعِدَة : إِذَا كَانَ أَكُولًا لَا يُلْفَى أَبَدًا إِلَّا جَائِعًا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلرَّشْوَةِ السُّحْت , تَشْبِيهًا بِذَلِكَ ; كَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي مِنْ الشَّرَه إِلَى أَخْذ مَا يُعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْل الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَة مِنْ الشَّرَه إِلَى الطَّعَام , يُقَال مِنْهُ : سَحَتَهُ وَأَسْحَته , لُغَتَانِ مَحْكِيَّتَانِ عَنْ الْعَرَب , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق بْن غَالِب : وَعَضّ زَمَان يَا اِبْن مَرْوَان لَمْ يَدَع مِنْ الْمَال إِلَّا مُسَحَتًا أَوْ مُجَلَّف يَعْنِي بِالْمُسَحَّتِ : الَّذِي قَدْ اِسْتَأْصَلَهُ هَلَاكًا بِأَكْلِهِ إِيَّاهُ وَإِفْسَاده , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } ; وَتَقُول الْعَرَب لِلْحَالِقِ : اِسْحَتْ الشَّعْر : أَيْ اِسْتَأْصِلْهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } إِنْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوك بَعْد , وَهُمْ قَوْم الْمَرْأَة الْبَغِيَّة , مُحْتَكِمِينَ إِلَيْك , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ إِنْ شِئْت بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه حُكْمًا لَهُ , فِيمَنْ فَعَلَ فِعْل الْمَرْأَة الْبَغِيَّة مِنْهُمْ , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ , فَدَعْ الْحُكْم بَيْنهمْ إِنْ شِئْت وَالْخِيَار إِلَيْك فِي ذَلِكَ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9356 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } يَهُود , زَنَى رَجُل مِنْهُمْ لَهُ نَسَب حَقِير فَرَجَمُوهُ , ثُمَّ زَنَى مِنْهُمْ شَرِيف فَحَمَّمُوهُ , ثُمَّ طَافُوا بِهِ , ثُمَّ اِسْتَفْتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُوَافِقهُمْ . قَالَ : فَأَفْتَاهُمْ فِيهِ بِالرَّجْمِ , فَأَنْكَرُوهُ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ , فَنَاشَدَهُمْ بِاَللَّهِ أَيَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاة , فَكَتَمُوهُ إِلَّا رَجُلًا مِنْ أَصْغَرهمْ أَعْوَر , فَقَالَ : كَذَبُوك يَا رَسُول اللَّه , إِنَّهُ لَفِي التَّوْرَاة ! 9357 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ اِبْن شِهَاب : أَنَّ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ } كَانَتْ فِي شَأْن الرَّجْم . 9358 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّهُمْ أَتَوْهُ - يَعْنِي الْيَهُود - فِي اِمْرَأَة مِنْهُمْ زَنَتْ يَسْأَلُونَهُ عَنْ عُقُوبَتهَا , فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة ؟ " فَقَالُوا نُؤْمَر بِرَجْمِ الزَّانِيَة . فَأَمَرَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرُجِمَتْ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } . 9359 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَ : كَانُوا يَحِدُّونَ فِي الزِّنَا , إِلَى أَنْ زَنَى شَابّ مِنْهُمْ ذُو شَرَف , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : لَا يَدَعُكُمْ قَوْمه تَرْجُمُونَهُ , وَلَكِنْ اِجْلِدُوهُ وَمَثِّلُوا بِهِ ! فَجَلَدُوهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى إِكَاف حِمَار , وَجَعَلُوا وَجْهه مُسْتَقْبِل ذَنَب الْحِمَار , إِلَى أَنْ زَنَى آخَر وَضِيع لَيْسَ لَهُ شَرَف فَقَالُوا : اُرْجُمُوهُ ! ثُمَّ قَالُوا : فَكَيْفَ لَمْ تَرْجُمُوا الَّذِي قَبْله ؟ وَلَكِنْ مِثْل مَا صَنَعْتُمْ بِهِ فَاصْنَعُوا بِهَذَا . فَلَمَّا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : سَلُوهُ , لَعَلَّكُمْ تَجِدُونَ عِنْده رُخْصَة ! فَنَزَلَتْ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَتِيل قُتِلَ فِي يَهُود مِنْهُمْ قَتَلَهُ بَعْضهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9360 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الْآيَات فِي الْمَائِدَة , قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } إِلَى قَوْله : { الْمُقْسِطِينَ } إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الدِّيَة فِي بَنِي النَّضِير وَبَنِي قُرَيْظَة , وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَى بَنِي النَّضِير كَانَ لَهُمْ شَرَف تُؤَدِّي الدِّيَة كَامِلَة , وَإِنَّ قُرَيْظَة كَانُوا يُؤَدُّونَ نِصْف الدِّيَة . فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه ذَلِكَ فِيهِمْ , فَحَمَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ , فَجَعَلَ الدِّيَة فِي ذَاكَ سَوَاء . وَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ . 9361 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ عَلِيّ بْن صَالِح , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ قُرَيْظَة وَالنَّضِير , وَكَانَ النَّضِير أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَة , فَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُل مِنْ قُرَيْظَة رَجُلًا مِنْ النَّضِير قُتِلَ بِهِ , وَإِذَا قَتَلَ رَجُل مِنْ النَّضِير رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَة أَدَّى مِائَة وَسْق تَمْر . فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُل مِنْ النَّضِير رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَة , فَقَالُوا : اِدْفَعُوهُ إِلَيْنَا ! فَقَالُوا : بَيْننَا وَبَيْنكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } . 9362 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ فِي حُكْم حُيَيّ بْن أَخْطَب لِلنَّضْرِيِّ دِيَتَانِ , وَالْقُرَظِيّ دِيَة ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ النَّضِير ; قَالَ : وَأَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي التَّوْرَاة , قَالَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قُرَيْظَة , لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ اِبْن أَخْطَب , فَقَالُوا : نَتَحَاكَم إِلَى مُحَمَّد ! فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } فَخَيَّرَهُ , { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } الْآيَة كُلّهَا . وَكَانَ الشَّرِيف إِذَا زَنَى بِالدَّنِيئَةِ رَجَمُوهَا هِيَ وَحَمَّمُوا وَجْه الشَّرِيف , وَحَمَلُوهُ عَلَى الْبَعِير , أَوْ جَعَلُوا وَجْهه مِنْ قِبَل ذَنَب الْبَعِير . وَإِذَا زَنَى الدَّنِيء بِالشَّرِيفَةِ رَجَمُوهُ , وَفَعَلُوا بِهَا ذَلِكَ . فَتَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَجَمَهَا . قَالَ : وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : " مَنْ أَعْلَمكُمْ بِالتَّوْرَاةِ ؟ " قَالُوا : فُلَان الْأَعْوَر . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ , فَأَتَاهُ , فَقَالَ : " أَنْتَ أَعْلَمهُمْ بِالتَّوْرَاةِ ؟ " قَالَ : كَذَاك تَزْعُم يَهُود , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْشُدك أَعْلَمهُمْ بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء مَا تَجِد فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِيَيْنِ ؟ " فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِم يَرْجُمُونَ0 الدَّنِيئَة , وَيَحْمِلُونَ الشَّرِيف عَلَى بَعِير , وَيُحَمِّمُونَ وَجْهه , وَيَجْعَلُونَ وَجْهه مِنْ قِبَل ذَنَب الْبَعِير , وَيَرْجُمُونَ الدَّنِيء إِذَا زَنَى بِالشَّرِيفَةِ , وَيَفْعَلُونَ بِهَا هِيَ ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْشُدك بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء مَا تَجِد فِي التَّوْرَاة ؟ " فَجَعَلَ يَرُوغ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْشُدهُ بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء , حَتَّى قَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِم الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَهُوَ ذَاكَ , اِذْهَبُوا بِهِمَا فَارْجُمُوهُمَا ! " . قَالَ عَبْد اللَّه : فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا , فَمَا زَالَ يُجْنِئُ عَلَيْهَا وَيَقِيهَا الْحِجَارَة بِنَفْسِهِ حَتَّى مَاتَ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُكْم هَذِهِ الْآيَة هَلْ هُوَ ثَابِت الْيَوْم وَهَلْ لِلْحُكَّامِ مِنْ الْخِيَار فِي الْحُكْم وَالنَّظَر بَيْن أَهْل الذِّمَّة وَالْعَهْد إِذَا اِحْتَكَمُوا إِلَيْهِمْ , مِثْل الَّذِي جُعِلَ لِنَبِيِّهِ , فِي هَذِهِ الْآيَة , أَمْ ذَلِكَ مَنْسُوخ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ ثَابِت الْيَوْم لَمْ يَنْسَخهُ شَيْء , وَلِلْحُكَّامِ مِنْ الْخِيَار فِي كُلّ دَهْر بِهَذِهِ الْآيَة مِثْل مَا جَعَلَهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9363 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ : إِنْ رَفَعَ إِلَيْك أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي قَضَاء , فَإِنْ شِئْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَإِنْ شِئْت أَعْرِض عَنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم , قَالَا : إِذَا أَتَاك الْمُشْرِكُونَ فَحَكَّمُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ , وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَ : إِنْ شَاءَ حَكَمَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُم . 9364 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُم . 9365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُحَمَّد بْن سَالِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : . إِذَا أَتَاك أَهْل الْكِتَاب بَيْنهمْ أَمْر , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ خَلِّ عَنْهُمْ وَأَهْل دِينهمْ يَحْكُمُونَ فِيهِمْ إِلَّا فِي سَرِقَة أَوْ قَتْل . 9366 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء : نَحْنُ مُخَيَّرُونَ , إِنْ شِئْنَا حَكَمْنَا بَيْن أَهْل الْكِتَاب , وَإِنْ شِئْنَا أَعْرَضْنَا فَلَمْ نَحْكُم بَيْنهمْ , وَإِنَّ حُكْمَنَا بَيْنهمْ حُكْمُنَا بَيْننَا أَوْ نَتْرُكهُمْ وَحُكْمهمْ بَيْنهمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ مِثْل ذَلِكَ عَمْرو بْن شُعَيْب , وَذَلِكَ قَوْله : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَا : إِذَا جَاءُوا إِلَى حَاكِم الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ , وَإِنْ حَكَمَ بَيْنهمْ حَكَمَ بَيْنهمْ بِمَا فِي كِتَاب اللَّه . 9367 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ } يَقُول : إِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ . فَجَعَلَ اللَّه لَهُ فِي ذَلِكَ رُخْصَة , إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ , وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ , قَالَا : إِذَا أَتَاك الْمُشْرِكُونَ فَحَكَّمُوك فِيمَا بَيْنهمْ , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْره , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ وَخَلِّهِمْ وَأَهْل دِينهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ التَّخْيِير مَنْسُوخ , وَعَلَى الْحَاكِم إِذَا اِحْتَكَمَ إِلَيْهِ أَهْل الذِّمَّة أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِالْحَقِّ , وَلَيْسَ لَهُ تَرْك النَّظَر بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9368 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } . 9369 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : نَسَخَتْهَا { وَأَنْ اُحْكُم بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } . 9370 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : نَسَخَتْهَا : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } . 9371 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : لَمْ يُنْسَخ مِنْ الْمَائِدَة إِلَّا هَاتَانِ الْآيَتَانِ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } نَسَخَتْهَا : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } وَقَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } نَسَخَتْهَا : { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . 9372 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : نَسَخَتْهَا : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } . 9373 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } يَعْنِي الْيَهُود . فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ , وَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُعْرِض عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب } إِلَى قَوْله : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه بَعْد مَا رَخَّصَ لَهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يُعْرِض عَنْهُمْ . 9374 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ : أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَتَبَ إِلَى عَدِيّ بْن عَدِيّ : إِذَا جَاءَك أَهْل الْكِتَاب فَاحْكُمْ بَيْنهمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } . 9375 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَ : مَضَتْ السُّنَّة أَنْ يُرَدُّوا فِي حُقُوقهمْ وَمَوَارِيثهمْ إِلَى أَهْل دِينهمْ , إِلَّا أَنْ يَأْتُوا رَاغِبِينَ فِي حَدّ يُحْكَم بَيْنهمْ فِيهِ بِكِتَابِ اللَّه . 9376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ , وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ . ثُمَّ نَسَخَهَا فَقَالَ : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } وَكَانَ مَجْبُورًا عَلَى أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ . 9377 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَة , يَعْنِي الْمَائِدَة , آيَة الْقَلَائِد , وَقَوْله : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا , إِنْ شَاءَ حَكَمَ , وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ , فَرَدَّهُمْ إِلَى أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِمَا فِي كِتَابنَا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة ثَابِت لَمْ يُنْسَخ , وَإِنَّ لِلْحُكَّامِ مِنْ الْخِيَار فِي الْحُكْم بَيْن أَهْل الْعَهْد إِذَا اِرْتَفَعُوا إِلَيْهِمْ فَاحْتَكَمُوا وَتَرْك الْحُكْم بَيْنهمْ وَالنَّظَر مِثْل الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ الْقَائِلِينَ أَنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخ زَعَمُوا أَنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } , وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي كِتَابنَا : " كِتَاب الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " أَنَّ النَّسْخ لَا يَكُون نَسْخًا إِلَّا مَا كَانَ نَفْيًا لِحُكْمِ غَيْره بِكُلِّ مَعَانِيه , حَتَّى لَا يَجُوز اِجْتِمَاع الْحُكْم بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى صِحَّته بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر مُسْتَحِيل فِي الْكَلَام أَنْ يُقَال : وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَمَعْنَاهُ : وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِذْ حَكَمْت بَيْنهمْ بِاخْتِيَارِك الْحُكْم بَيْنهمْ إِذَا اِخْتَرْت ذَلِكَ وَلَمْ تَخْتَرْ الْإِعْرَاض عَنْهُمْ , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِعْلَام الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَائِله أَنَّ لَهُ الْخِيَار فِي الْحُكْم وَتَرْك الْحُكْم ; كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ لَا دَلَالَة فِي قَوْله : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } أَنَّهُ نَاسِخ قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } لِمَا وَصَفْنَا مِنْ اِحْتِمَال ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا , بَلْ هُوَ دَلِيل عَلَى مِثْل الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } . وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِر التَّنْزِيل دَلِيل عَلَى نَسْخ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَى , وَلَا نَفْي أَحَد الْأَمْرَيْنِ حُكْم الْآخَر , وَلَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر يَصِحّ بِأَنَّ أَحَدهمَا نَاسِخ صَاحِبه , وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاع ; صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ يُؤَيِّد أَحَدهمَا صَاحِبه وَيُوَافِق حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلَا نَسْخ فِي أَحَدهمَا لِلْآخَرِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنْ تُعْرِض يَا مُحَمَّد عَنْ الْمُحْتَكِمِينَ إِلَيْك مِنْ أَهْل الْكِتَاب فَتَدَع النَّظَر بَيْنهمْ فِيمَا اِحْتَكَمُوا فِيهِ إِلَيْك , فَلَا تَحْكُم فِيهِ بَيْنهمْ , فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا , يَقُول : فَلَنْ يَقْدِرُوا لَك عَلَى ضُرّ فِي دِين وَلَا دُنْيَا , فَدَعْ النَّظَر بَيْنهمْ إِذَا اِخْتَرْت تَرْك النَّظَر بَيْنهمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنْ اِخْتَرْت الْحُكْم وَالنَّظَر يَا مُحَمَّد بَيْن أَهْل الْعَهْد إِذَا أَتَوْك , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ , وَهُوَ الْعَدْل , وَذَلِكَ هُوَ الْحُكْم بِمَا جَعَلَهُ اللَّه حُكْمًا فِي مِثْله عَلَى جَمِيع خَلْقه مِنْ أُمَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9378 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَا : إِنْ حَكَمَ بَيْنهمْ حَكَمَ بِمَا فِي كِتَاب اللَّه . 9379 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ بِالرَّجْمِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فِي قَوْله : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : بِالرَّجْمِ . 9380 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِالْقِسْطِ } بِالْعَدْلِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فِي قَوْله : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِالرَّجْمِ .

وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } فَمَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْعَامِلِينَ فِي حُكْمه بَيْن النَّاس , الْقَاضِينَ بَيْنهمْ بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه وَأَمَرَ أَنْبِيَاءَهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , يُقَال مِنْهُ : أَقْسَط الْحَاكِم فِي حُكْمه إِذَا عَدَلَ وَقَضَى بِالْحَقِّ يُقْسِط إِقْسَاطًا بِهِ . وَأَمَّا قَسَطَ فَمَعْنَاهُ : الْجَوْر , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حَطَبًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : الْجَائِرِينَ عَلَى الْحَقّ .
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَسورة المائدة الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَكَيْفَ يُحَكِّمك هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَا مُحَمَّد بَيْنهمْ , فَيَرْضَوْنَ بِك حَكَمًا بَيْنهمْ , وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة الَّتِي أَنْزَلْتهَا عَلَى مُوسَى , الَّتِي يُقِرُّونَ بِهَا أَنَّهَا حَقّ وَأَنَّهَا كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته عَلَى نَبِيِّي , وَأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ حُكْم فَمِنْ حُكْمِي , يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَا يَتَنَاكَرُونَهُ , وَلَا يَتَدَافَعُونَهُ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّ حُكْمِي فِيهَا عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَن الرَّجْم , وَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ { يَتَوَلَّوْنَ }

يَقُول : يَتْرُكُونَ الْحُكْم بِهِ بَعْد الْعِلْم بِحُكْمِي فِيهِ جَرَاءَة عَلَيَّ وَعِصْيَانًا لِي . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خِطَابًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ تَقْرِيع مِنْهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة , يَقُول لَهُمْ تَعَالَى : كَيْفَ تُقِرُّونَ أَيّهَا الْيَهُود بِحُكْمِ نَبِيِّي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جُحُود نُبُوَّته وَتَكْذِيبكُمْ إِيَّاهُ , وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ حُكْمِي الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ أَنَّهُ حَقّ عَلَيْكُمْ وَاجِب جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْد اللَّه ؟ يَقُول : فَإِذَا كُنْتُمْ تَتْرُكُونَ حُكْمِي الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى , الَّذِي تُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ فِي كِتَابِي , فَأَنْتُمْ بِتَرْكِ حُكْمِي الَّذِي يُخْبِركُمْ بِهِ نَبِيِّي مُحَمَّد أَنَّهُ حُكْمِي أَحْرَى , مَعَ جُحُودكُمْ نُبُوَّته .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ حَال هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة عِنْده , وَحَال نُظَرَائِهِمْ مِنْ الْجَائِرِينَ عَنْ حُكْمه الزَّائِلِينَ عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ : { وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَيْسَ مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْل : أَيْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ حُكْم اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه فِي خَلْقه بِالَّذِي صَدَّقَ اللَّه وَرَسُوله فَأَقَرَّ بِتَوْحِيدِهِ وَنُبُوَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْل أَهْل الْإِيمَان . وَأَصْل التَّوَلِّي عَنْ الشَّيْء : الِانْصِرَاف عَنْهُ ; كَمَا : 9381 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } قَالَ : تَوَلِّيهمْ مَا تَرَكُوا مِنْ كِتَاب اللَّه . 9382 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } يَعْنِي : حُدُود اللَّه , فَأَخْبَرَ اللَّه بِحُكْمِهِ فِي التَّوْرَاة . 9383 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } أَيْ بَيَان اللَّه مَا تَشَاجَرُوا فِيهِ مِنْ شَأْن قَتِيلهمْ , { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } الْآيَة . 9384 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ - يَعْنِي الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره - يُعَيِّرهُمْ : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } يَقُول الرَّجْم .
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَسورة المائدة الآية رقم 44
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا بَيَان مَا سَأَلَك هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَنْهُ مِنْ حُكْم الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ , { وَنُور } يَقُول : وَفِيهَا جَلَاء مَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ وَضِيَاء مَا اِلْتَبَسَ مِنْ الْحُكْم . { يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } يَقُول : يَحْكُم بِحُكْمِ التَّوْرَاة فِي ذَلِكَ : أَيْ فِيمَا اِحْتَكَمُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَمْر الزَّانِيَيْنِ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا , وَهُمْ الَّذِينَ أَذْعَنُوا لِحُكْمِ اللَّه وَأَقَرُّوا بِهِ . وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُكْمه عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ مِنْ الْيَهُود بِالرَّجْمِ , وَفِي تَسْوِيَته بَيْن دَم قَتْلَى النَّضِير وَقُرَيْظَة فِي الْقِصَاص وَالدِّيَة , وَمَنْ قَبْل مُحَمَّد مِنْ الْأَنْبِيَاء يَحْكُم بِمَا فِيهَا مِنْ حُكْم اللَّه . كَمَا : 9385 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9386 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : " نَحْنُ نَحْكُم عَلَى الْيَهُود وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْل الْأَدْيَان " . 9387 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا رَجُل مِنْ مُزَيْنَة وَنَحْنُ عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : زَنَى رَجُل مِنْ الْيَهُود بِامْرَأَةٍ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اِذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيّ فَإِنَّهُ نَبِيّ بُعِثَ بِتَخْفِيفٍ , فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُون الرَّجْم قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْد اللَّه وَقُلْنَا : فُتْيَا نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِك ! قَالَ : فَأَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِس فِي الْمَسْجِد فِي أَصْحَابه , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم مَا تَقُول فِي رَجُل وَامْرَأَة مِنْهُمْ زَنَيَا ؟ فَلَمْ يُكَلِّمهُمْ كَلِمَة , حَتَّى أَتَى بَيْت الْمِدْرَاس , فَقَامَ عَلَى الْبَاب , فَقَالَ : " أَنْشُدكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى ! مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟ " قَالُوا : يُحَمَّم وَيُجَبَّه وَيُجْلَد - وَالتَّجْبِيه : أَنْ يُحْمَل الزَّانِيَانِ عَلَى حِمَار تُقَابَل أَقْفِيَتهمَا , وَيُطَاف بِهِمَا - وَسَكَتَ شَابّ , فَلَمَّا رَآهُ سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَة , فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدْتَنَا , فَإِنَّا نَجِد فِي التَّوْرَاة الرَّجْم . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَمَا أَوَّل مَا اِرْتَخَصَ أَمْر اللَّه ؟ " قَالَ : زَنَى رَجُل ذُو قَرَابَة مِنْ مَلِك مِنْ مُلُوكنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْم , ثُمَّ زَنَى رَجُل فِي أُسْرَة مِنْ النَّاس , فَأَرَادَ رَجْمه , فَحَالَ قَوْمه دُونه , وَقَالُوا : لَا تَرْجُم صَاحِبنَا حَتَّى تَجِيء بِصَاحِبِك فَتَرْجُمهُ , فَاصْطَلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَة بَيْنهمْ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنِّي أَحْكُم بِمَا فِي التَّوْرَاة " . فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا . قَالَ الزُّهْرِيّ : فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمْ { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ . 9388 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء يَحْكُمُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ . 9389 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { لِلَّذِينَ هَادُوا } يَعْنِي الْيَهُود , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ وَلَا تَخْشَهُمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيْحكُمْ بِالتَّوْرَاةِ وَأَحْكَامهَا الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه فِيهَا فِي كُلّ زَمَان عَلَى مَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِهِ فِيهَا مَعَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا , الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار . وَالرَّبَّانِيُّونَ : جَمْع رَبَّانِيّ , وَهُمْ الْعُلَمَاء الْحُكَمَاء , الْبُصَرَاء بِسِيَاسَةِ النَّاس وَتَدْبِير أُمُورهمْ وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِمْ . وَالْأَحْبَار : هُمْ الْعُلَمَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , وَأَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ . وَأَمَّا الْأَحْبَار : فَإِنَّهُمْ جَمْع حَبْر , وَهُوَ الْعَالِم الْمُحْكِم لِلشَّيْءِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِكَعْبٍ : كَعْب الْأَحْبَار . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : أَكْثَر مَا سَمِعْت الْعَرَب تَقُول فِي وَاحِد الْأَحْبَار : حِبْر بِكَسْرِ الْحَاء . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول : عُنِيَ بِالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار فِي هَذَا الْمَوْضِع : اِبْنَا صُورِيَّا اللَّذَانِ أَقَرَّا لِرَسُولِ اللَّه بِحُكْمِ اللَّه تَعَالَى فِي التَّوْرَاة عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9390 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ رَجُلَانِ مِنْ الْيَهُود أَخَوَانِ يُقَال لَهُمَا اِبْنَا صُورِيَّا , وَقَدْ اِتَّبَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسْلِمَا , وَأَعْطَيَاهُ عَهْدًا أَنْ لَا يَسْأَلهُمَا عَنْ شَيْء فِي التَّوْرَاة إِلَّا أَخْبَرَاهُ بِهِ . وَكَانَ أَحَدهمَا رِبِّيًّا , وَالْآخَر حَبْرًا , وَإِنَّمَا اِتَّبَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ . فَدَعَاهُمَا فَسَأَلَهُمَا , فَأَخْبَرَاهُ الْأَمْر كَيْفَ كَانَ حِين زَنَى الشَّرِيف وَزَنَى الْمِسْكِين , وَكَيْفَ غَيَّرُوهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا } يَعْنِي : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار : هُمَا اِبْنَا صُورِيَّا . { لِلَّذِينَ هَادُوا } . ثُمَّ ذَكَرَ اِبْنَيْ صُورِيَّا , فَقَالَ : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ التَّوْرَاة يَحْكُم بِهَا مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاء لِلْيَهُودِ وَالرَّبَّانِيُّونَ مِنْ خَلْقه وَالْأَحْبَار . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِذَلِكَ اِبْنَا صُورِيَّا وَغَيْرهمَا , غَيْر أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي ظَاهِر التَّنْزِيل مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاء وَكُلّ رَبَّانِيّ وَحَبْر , وَلَا دَلَالَة فِي ظَاهِر التَّنْزِيل عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ خَاصّ مِنْ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار , وَلَا قَامَتْ بِذَلِكَ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , فَكُلّ رَبَّانِيّ وَحَبْر دَاخِل فِي الْآيَة بِظَاهِرِ التَّنْزِيل . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْأَحْبَار قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9391 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك : الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار : قُرَّاؤُهُمْ وَفُقَهَاؤُهُمْ . 9392 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار : الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء . 9393 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : . الرَّبَّانِيُّونَ الْعُلَمَاء الْفُقَهَاء , وَهُمْ فَوْق الْأَحْبَار . 9394 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : الرَّبَّانِيُّونَ : فُقَهَاء الْيَهُود , وَالْأَحْبَار : عُلَمَاؤُهُمْ . 9395 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا سُنَيْد بْن دَاوُد , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار } كُلّهمْ يَحْكُم بِمَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ . 9396 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الرَّبَّانِيُّونَ : . الْوُلَاة , وَالْأَحْبَار : الْعُلَمَاء . وَأَمَّا قَوْله : { بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يَحْكُم النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِحُكْمِ التَّوْرَاة , وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار - يَعْنِي الْعُلَمَاء - بِمَا اُسْتُوْدِعُوا عِلْمهُ مِنْ كِتَاب اللَّه الَّذِي هُوَ التَّوْرَاة . وَالْبَاء فِي قَوْله : { بِمَا اُسْتُحْفِظُوا } مِنْ صِلَة الْأَحْبَار . وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار بِمَا اسْتُودِعُوا مِنْ كِتَاب اللَّه يَحْكُمُونَ بِالتَّوْرَاةِ مَعَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا , وَكَانُوا عَلَى حُكْم النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا شُهَدَاء أَنَّهُمْ قَضَوْا عَلَيْهِمْ بِكِتَابِ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه مُوسَى وَقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 9397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } يَعْنِي الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار هُمْ الشُّهَدَاء لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ أَنَّهُ حَقّ جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه , فَهُوَ نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد , أَتَتْهُ الْيَهُود فَقَضَى بَيْنهمْ بِالْحَقِّ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخْشَوْا النَّاس وَاخْشَوْنِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعُلَمَاء الْيَهُود وَأَحْبَارهمْ : لَا تَخْشَوْا النَّاس فِي تَنْفِيذ حُكْمِي الَّذِي حَكَمْت بِهِ عَلَى عِبَادِي وَإِمْضَائِهِ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا أَمَرْت , فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ لَكُمْ عَلَى ضُرّ وَلَا نَفْع إِلَّا بِإِذْنِي , وَلَا تَكْتُمُوا الرَّجْم الَّذِي جَعَلْته حُكْمًا فِي التَّوْرَاة عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ , وَلَكِنْ اِخْشَوْنِي دُون كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقِي , فَإِنَّ النَّفْع وَالضُّرّ بِيَدِي , وَخَافُوا عِقَابِي فِي كِتْمَانكُمْ مَا اُسْتُحْفِظْتُمْ مِنْ كِتَابِي . كَمَا : 9398 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا تَخْشَوْا النَّاس وَاخْشَوْنِ } يَقُول : لَا تَخْشَوْا النَّاس فَتَكْتُمُوا مَا أَنْزَلْت .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : وَلَا تَأْخُذُوا بِتَرْكِ الْحُكْم بِآيَاتِ كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته عَلَى مُوسَى أَيّهَا الْأَحْبَار عِوَضًا خَسِيسًا , وَذَلِكَ هُوَ الثَّمَن الْقَلِيل . وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْره نَهْيهمْ عَنْ أَكْل السُّحْت عَلَى تَحْرِيفهمْ كِتَاب اللَّه وَتَغْيِيرهمْ حُكْمه عَمَّا حَكَمَ بِهِ فِي الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام الَّتِي بَدَّلُوهَا , طَلَبًا مِنْهُمْ لِلرُّشَا ; كَمَا : . 9399 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : لَا تَأْكُلُوا السُّحْت عَلَى كِتَابِي . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا } قَالَ : لَا تَأْخُذُوا بِهِ رَشْوَة . 9400 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } وَلَا تَأْخُذُوا طُعْمًا قَلِيلًا عَلَى أَنْ تَكْتُمُوا مَا أَنْزَلْت .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ كَتَمَ حُكْم اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه , وَجَعَلَهُ حُكْمًا بَيْنَ عِبَاده فَأَخْفَاهُ , وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ , كَحُكْمِ الْيَهُود فِي الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ بِالتَّجْبِيهِ وَالتَّحْمِيم , وَكِتْمَانهمْ الرَّجْم , وَكَقَضَائِهِمْ فِي بَعْض قَتْلَاهُمْ بِدِيَةٍ كَامِلَة وَفِي بَعْض بِنِصْفِ الدِّيَة , وَفِي الْأَشْرَاف بِالْقِصَاصِ وَفِي الْأَدْنِيَاء بِالدِّيَةِ , وَقَدْ سَوَّى اللَّه بَيْن جَمِيعهمْ فِي الْحُكْم عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة ; { فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه , وَلَكِنْ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا حُكْمه وَكَتَمُوا الْحَقّ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه . { هُمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول : هُمْ الَّذِينَ سَتَرُوا الْحَقّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ كَشْفه وَتَبْيِينه وَغَطَّوْهُ عَنْ النَّاس وَأَظْهَرُوا لَهُمْ غَيْره وَقَضَوْا بِهِ لِسُحْتٍ أَخَذُوهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْكُفْر فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْيَهُود الَّذِينَ حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه وَبَدَّلُوا حُكْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9401 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فِي الْكَافِرِينَ كُلّهَا . 9402 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو حَيَّان , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : الثَّلَاث الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } لَيْسَ فِي أَهْل الْإِسْلَام مِنْهَا شَيْء , هِيَ فِي الْكُفَّار . 9403 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } و { الظَّالِمُونَ } و { الْفَاسِقُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب . 9404 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان بْن حُدَيْر , قَالَ : أَتَى أَبَا مِجْلَز نَاس مِنْ بَنِي عَمْرو بْن سَدُوس , فَقَالُوا : يَا أَبَا مِجْلَز , أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } أَحَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } أَحَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } أَحَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَقَالُوا : يَا أَبَا مِجْلَز , فَيَحْكُم هَؤُلَاءِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه ؟ قَالَ : هُوَ دِينهمْ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ , وَبِهِ يَقُولُونَ , وَإِلَيْهِ يَدْعُونَ , فَإِنْ هُمْ تَرَكُوا شَيْئًا مِنْهُ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا ذَنْبًا . فَقَالُوا : لَا وَاَللَّه , وَلَكِنَّك تَفْرَقُ . قَالَ : أَنْتُمْ أَوْلَى بِهَذَا مِنِّي لَا أَرَى وَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ هَذَا وَلَا تَحَرَّجُونَ , وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأَهْل الشِّرْك . أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا . 9405 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , قَالَ : قَعَدَ إِلَى أَبِي مِجْلَز نَفَر مِنْ الْإِبَاضِيَّة , قَالَ : فَقَالُوا لَهُ : يَقُول اللَّه : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } . قَالَ أَبُو مِجْلَز : إِنَّهُمْ يَعْمَلُونَ مَا يَعْمَلُونَ - يَعْنِي الْأُمَرَاء - وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ذَنْب . قَالَ : وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالُوا : أَمَا وَاَللَّه إِنَّك لَتَعْلَم مِثْل مَا نَعْلَم , وَلَكِنَّك تَخْشَاهُمْ . قَالَ : أَنْتُمْ أَحَقّ بِذَلِكَ مِنَّا , أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْرِف مَا تَعْرِفُونَ وَلَكِنَّكُمْ تَعْرِفُونَهُ , وَلَكِنْ يَمْنَعكُمْ أَنْ تُمْضُوا أَمْركُمْ مِنْ خَشْيَتهمْ . 9406 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة فِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نِعْمَ الْإِخْوَة لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيل , إِنْ كَانَتْ لَكُمْ كُلّ حُلْوَة وَلَهُمْ كُلّ مُرَّة , وَلَتَسْلُكُنَّ طَرِيقهمْ قَدْر الشِّرَاك . 9407 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } و { الظَّالِمُونَ } وَ { الْفَاسِقُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : قِيلَ لِحُذَيْفَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن بَشَّار , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل حُذَيْفَة , عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَات : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : فَقِيلَ : ذَلِكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : نِعْمَ الْإِخْوَة لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيل , إِنْ كَانَتْ لَهُمْ كُلّ مُرَّة , وَلَكُمْ كُلّ حُلْوَة , كَلَّا وَاَللَّه لَتَسْلُكُنَّ طَرِيقهمْ قَدْر الشِّرَاك . 9408 - الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب . 9409 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات أُنْزِلَتْ فِي قَتِيل الْيَهُود الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } وَ { الظَّالِمُونَ } وَ { الْفَاسِقُونَ } , لِأَهْلِ الْكِتَاب كُلّهمْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ كِتَاب اللَّه . 9410 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : مُرَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّم مَجْلُود , فَدَعَاهُمْ فَقَالَ : " هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ مَنْ زَنَى ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ , فَقَالَ : " أَنْشُدك اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزَّانِي فِي كِتَابكُمْ ؟ " قَالَ : لَا , وَلَوْلَا أَنَّك أَنْشَدْتنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرك , نَجِد حَدّه فِي كِتَابنَا الرَّجْم , وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافنَا , فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيف تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الْوَضِيع أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدّ , فَقُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ جَمِيعًا عَلَى التَّحْمِيم وَالْجَلْد مَكَان الرَّجْم . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّل مَنْ أَحْيَا أَمْرك إِذْ أَمَاتُوهُ " . فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } يَعْنِي الْيَهُود , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي الْيَهُود , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } لِلْكُفَّارِ كُلّهَا . 9411 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : مَنْ حَكَمَ بِكِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ بِيَدِهِ وَتَرَكَ كِتَاب اللَّه وَزَعَمَ أَنَّ كِتَابه هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَقَدْ كَفَرَ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْو حَدِيث الْقَاسِم , عَنْ الْحَسَن . غَيْر أَنَّ هَنَّادًا قَالَ فِي حَدِيثه : فَقُلْنَا : تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ فِي شَيْء نُقِيمهُ عَلَى الشَّرِيف وَالضَّعِيف ! فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيم وَالْجَلْد مَكَان الرَّجْم . وَسَائِر الْحَدِيث نَحْو حَدِيث الْقَاسِم . 9412 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : . كُنَّا عِنْد عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , فَذَكَرَ رَجُل عِنْده : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فَقَالَ عُبَيْد اللَّه : أَمَا وَاَللَّه إِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس يَتَأَوَّلُونَ هَؤُلَاءِ الْآيَات عَلَى مَا لَمْ يَنْزِلْنَ عَلَيْهِ , وَمَا أُنْزِلْنَ إِلَّا فِي حَيَّيْنِ مِنْ يَهُود . ثُمَّ قَالَ : هِيَ قُرَيْظَة وَالنَّضِير ; وَذَلِكَ أَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَانَتْ قَدْ غَزَتْ الْأُخْرَى وَقَهَرَتْهَا قَبْل قُدُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , حَتَّى اِرْتَضَوْا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلّ قَتِيل قَتَلَتْهُ الْعَزِيزَة مِنْ الذَّلِيلَة فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسْقًا , وَكُلّ قَتِيل قَتَلَتْهُ الذَّلِيلَة مِنْ الْعَزِيزَة فَدِيَتُهُ مِائَة وَسْق . فَأَعْطَوْهُمْ فَرَقًا وَضَيْمًا . فَقَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَذَلَّتْ الطَّائِفَتَانِ بِمَقْدِمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَظْهَر عَلَيْهِمَا . فَبَيْنَمَا هُمَا عَلَى ذَلِكَ أَصَابَتْ الذَّلِيلَة مِنْ الْعَزِيزَة قَتِيلًا , فَقَالَتْ الْعَزِيزَة : أَعْطُونَا مِائَة وَسْق ! فَقَالَتْ الذَّلِيلَة : وَهَلْ كَانَ هَذَا قَطُّ فِي حَيَّيْنِ دِينهمَا وَاحِد وَبَلَدهمَا وَاحِد دِيَة بَعْضهمْ ضِعْف دِيَة بَعْض ؟ إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا فَرَقًا مِنْكُمْ وَضَيْمًا , فَاجْعَلُوا بَيْننَا وَبَيْنكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمْ . ثُمَّ إِنَّ الْعَزِيزَة تَذَاكَرَتْ بَيْنهَا , فَخَشِيَتْ أَنْ لَا يُعْطِيهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابهَا ضِعْف مَا تُعْطَى أَصْحَابهَا مِنْهَا , فَدَسُّوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْوَانهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ , فَقَالُوا لَهُمْ : اُخْبُرُوا لَنَا رَأْي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ أَعْطَانَا مَا نُرِيد حَكَّمْنَاهُ , وَإِنْ لَمْ يُعْطِنَا حَذِرْنَاهُ وَلَمْ نُحَكِّمهُ ! فَذَهَبَ الْمُنَافِق إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَعْلَمَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ الْأَمْر كُلّه . قَالَ عُبَيْد اللَّه : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيهِمْ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } هَؤُلَاءِ الْآيَات كُلّهنَّ , حَتَّى بَلَغَ : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ } إِلَى { الْفَاسِقُونَ } ; قَرَأَ عُبَيْد اللَّه ذَلِكَ آيَة آيَة وَفَسَّرَهَا عَلَى مَا أَنْزَلَ , حَتَّى فَرَغَ مِنْ تَفْسِير ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْآيَات , ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ يَهُود , وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الصِّفَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالْكَافِرِينَ أَهْل الْإِسْلَام , وَبِالظَّالِمِينَ : الْيَهُود , وَبِالْفَاسِقِينَ : النَّصَارَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9413 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , قَالَ : نَزَلَتْ " الْكَافِرُونَ " فِي الْمُسْلِمِينَ , وَ " الظَّالِمُونَ " فِي الْيَهُود , وَ " الْفَاسِقُونَ " فِي النَّصَارَى . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي السَّفَر , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : " الْكَافِرُونَ " فِي الْمُسْلِمِينَ , وَ " الظَّالِمُونَ " فِي الْيَهُود , وَ " الْفَاسِقُونَ " فِي النَّصَارَى . 9414 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَأَبُو السَّائِب , وَوَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالُوا : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ اِبْن شُبْرُمَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : آيَة فِينَا , وَآيَتَانِ فِي أَهْل الْكِتَاب : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } فِينَا ; { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } وَ " الْفَاسِقُونَ " فِي أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , مِثْل حَدِيث زَكَرِيَّا عَنْهُ . 9415 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ اِبْن أَبِي السَّفَر , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : هَذَا فِي الْمُسْلِمِينَ . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : النَّصَارَى . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ فِي هَؤُلَاءِ الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : فِينَا أَهْل الْإِسْلَام . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } قَالَ فِي الْيَهُود . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : فِي النَّصَارَى . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ الْأُولَى فِي الْمُسْلِمِينَ , وَالثَّانِيَة فِي الْيَهُود , وَالثَّالِثَة فِي النَّصَارَى . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يَعْلَى , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِي بِذَلِكَ : كُفْر دُون كُفْر , وَظُلْم دُون ظُلْم , وَفِسْق دُون فِسْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : كُفْر دُون كُفْر , وَفِسْق دُون فِسْق , وَظُلْم دُون ظُلْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ أَيُّوب بْن أَبِي تَمِيمَة , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , بِنَحْوِهِ . 9417 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَعِيد الْمَكِّيّ , عَنْ طَاوُس : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُل عَنْ الْمِلَّة . 9418 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر بْن رَاشِد , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : هِيَ بِهِ كُفْر , وَلَيْسَ كُفْرًا بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله . * - حَدَّثَنِي الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَات : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ ؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِهِ كُفْر , وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَبِكَذَا وَكَذَا . * - الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : هِيَ بِهِ كُفْر . قَالَ اِبْن طَاوُس : وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ طَاوُس : { فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : كُفْر لَا يَنْقُل عَنْ الْمِلَّة . قَالَ : وَقَالَ عَطَاء : كُفْر دُون كُفْر , وَظُلْم دُون ظُلْم , وَفِسْق دُون فِسْق . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب , وَهِيَ مُرَاد بِهَا جَمِيع النَّاس مُسْلِمُوهُمْ وَكُفَّارهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9419 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّة بِهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَضِيَ لَكُمْ بِهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , ثُمَّ رَضِيَ بِهَا لِهَؤُلَاءِ . 9420 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود , وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَة . 9421 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ عَلْقَمَة وَمَسْرُوق : أَنَّهُمَا سَأَلَا اِبْن مَسْعُود عَنْ الرِّشْوَة , فَقَالَ : مِنْ السُّحْت . قَالَ : فَقَالَا : أَفِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } . 9422 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } يَقُول : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلْت فَتَرَكَهُ عَمْدًا وَجَارَ وَهُوَ يَعْلَم فَهُوَ مِنْ الْكَافِرِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه جَاحِدًا بِهِ , فَأَمَّا الظُّلْم وَالْفِسْق فَهُوَ لِلْمُقِرِّ بِهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9423 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّه فَقَدْ كَفَرَ , وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُم فَهُوَ ظَالِم فَاسِق . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي كُفَّار أَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ مَا قَبْلهَا وَمَا بَعْدهَا مِنْ الْآيَات فَفِيهِمْ نَزَلَتْ وَهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا , وَهَذِهِ الْآيَات سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , فَكَوْنهَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيع مَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , فَكَيْفَ جَعَلْته خَاصًّا ؟ قِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّمَ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْم كَانُوا بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابه جَاحِدِينَ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمْ الْحُكْم عَلَى سَبِيل مَا تَرَكُوهُ كَافِرُونَ . وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي كُلّ مَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه جَاحِدًا بِهِ , هُوَ بِاَللَّهِ كَافِر , كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس ; لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ حُكْم اللَّه بَعْد عِلْمه أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه نَظِير جُحُوده نُبُوَّة نَبِيّه بَعْد عِلْمه أَنَّهُ نَبِيّ .
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة المائدة الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَتَبْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ يُحَكِّمُونَك يَا مُحَمَّد , وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { كَتَبْنَا } فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنْ يَحْكُمُوا فِي النَّفْس إِذَا قَتَلَتْ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقّ بِالنَّفْسِ , يَعْنِي : أَنْ تُقْتَل النَّفْس الْقَاتِلَة بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَة . { وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ } يَقُول : وَفَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنْ يَفْقَئُوا الْعَيْن الَّتِي فَقَأَ صَاحِبهَا مِثْلهَا مِنْ نَفْس أُخْرَى بِالْعَيْنِ الْمَفْقُوءَة , وَيُجْدَع الْأَنْف بِالْأَنْفِ , وَيُقْطَع الْأُذُن بِالْأُذُنِ , وَيُقْلَع السِّنّ بِالسِّنِّ , وَيُقْتَصّ مِنْ الْجَارِح غَيْره ظُلْمًا لِلْمَجْرُوحِ . وَهَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْيَهُود , وَتَعْزِيَة مِنْهُ لَهُ عَنْ كُفْر مَنْ كُفْر مِنْهُمْ بِهِ بَعْد إِقْرَاره بِنُبُوَّتِهِ وَإِدْبَاره عَنْهُ بَعْد إِقْبَاله , وَتَعْرِيف مِنْهُ لَهُ جَرَاءَتهمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى رَبّهمْ وَعَلَى رُسُل رَبّهمْ وَتَقَدُّمهمْ عَلَى كِتَاب اللَّه بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيل ; يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُ : وَكَيْفَ يَرْضَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَا مُحَمَّد بِحُكْمِك إِذَا جَاءُوا يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة الَّتِي يُقِرُّونَ بِهَا أَنَّهَا كِتَابِي وَوَحْيِي إِلَى رَسُولِي مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حُكْمِي بِالرَّجْمِ عَلَى الزُّنَاة الْمُحْصَنِينَ , وَقَضَائِي بَيْنهمْ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا ظُلْمًا فَهُوَ بِهَا قَوَد , وَمَنْ فَقَأَ عَيْنًا بِغَيْرِ حَقّ فَعَيْنه بِهَا مَفْقُوءَة قِصَاصًا , وَمَنْ جَدَعَ أَنْفًا فَأَنْفه بِهِ مَجْدُوع , وَمَنْ قَلَعَ سِنًّا فَسِنّه بِهَا مَقْلُوعَة , وَمَنْ جَرَحَ غَيْره جُرْحًا فَهُوَ مُقْتَصّ مِنْهُ مِثْل الْجُرْح الَّذِي جَرَحَهُ , ثُمَّ هُمْ مَعَ الْحُكْم الَّذِي عِنْده فِي التَّوْرَاة مِنْ أَحْكَامِي يَتَوَلَّوْنَ عَنْهُ وَيَتْرُكُونَ الْعَمَل بِهِ ; يَقُول : فَهُمْ بِتَرْكِ حُكْمك وَبِسَخَطِ قَضَائِك بَيْنهمْ أَحْرَى وَأَوْلَى . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9424 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا رَأَتْ قُرَيْظَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ وَكَانُوا يُخْفُونَهُ فِي كِتَابهمْ , نَهَضَتْ قُرَيْظَة , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن إِخْوَاننَا بَنِي النَّضِير ! وَكَانَ بَيْنهمْ دَم قَبْل قُدُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ النَّضِير يَتَعَزَّزُونَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَة وَدِيَاتهمْ عَلَى أَنْصَاف دِيَات النَّضِير , وَكَانَتْ الدِّيَة مِنْ وُسُوق التَّمْر أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَسْق لِبَنِي النَّضِير وَسَبْعِينَ وَسْقًا لِبَنِي قُرَيْظَة . فَقَالَ : " دَم الْقُرَظِيّ وَفَاء مِنْ دَم النَّضِيرِيّ " . فَغَضِبَ بَنُو النَّضِير , وَقَالُوا : لَا نُطِيعك فِي الرَّجْم , وَلَكِنْ نَأْخُذ بِحُدُودِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا ! فَنَزَلَتْ : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } , وَنَزَلَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } الْآيَة . 9425 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } قَالَ : فَمَا بَالهمْ يُخَالِفُونَ , يَقْتُلُونَ النَّفْسَيْنِ بِالنَّفْسِ , وَيَفْقَئُونَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَيْنِ ؟ . 9426 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا خَلَّاد الْكُوفِيّ , قَالَ : ثنا الثَّوْرِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : كَانَ بَيْن حَيَّيْنِ مِنْ الْأَنْصَار قِتَال , فَكَانَ بَيْنهمْ قَتْلَى , وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَر طَوْلٌ . فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يَجْعَل الْحُرّ بِالْحُرِّ , وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ , وَالْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ ; فَنَزَلَتْ : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ } . قَالَ سُفْيَان : وَبَلَغَنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : نَسَخَتْهَا : { النَّفْس بِالنَّفْسِ } . 9427 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } فِيهَا فِي التَّوْرَاة , { وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ } حَتَّى : { وَالْجُرُوح قِصَاص } قَالَ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى , لَيْسَ بَيْنهمْ دِيَة فِي نَفْس وَلَا جُرْح . قَالَ : وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } فِي التَّوْرَاة , فَخَفَّفَ اللَّه عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَة فِي النَّفْس وَالْجِرَاح , وَذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة , فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ . 9428 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } قَالَ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمْ يُجْعَل لَهُمْ دِيَة فِيمَا كَتَبَ اللَّه لِمُوسَى فِي التَّوْرَاة مِنْ نَفْس قُتِلَتْ , أَوْ جُرْح , أَوْ سِنّ , أَوْ عَيْن , أَوْ أَنْف , إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاص أَوْ الْعَفْو . 9429 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } أَيْ فِي التَّوْرَاة , { أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } . 9430 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } أَيْ فِي التَّوْرَاة , { أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } . 9431 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } حَتَّى بَلَغَ : { وَالْجُرُوح قِصَاص } بَعْضهَا بِبَعْضٍ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } قَالَ : يَقُول : تُقْتَل النَّفْس بِالنَّفْسِ , وَتُفْقَأ الْعَيْن بِالْعَيْنِ , وَيُقْطَع الْأَنْف بِالْأَنْفِ , وَتُنْزَع السِّنّ بِالسِّنِّ , وَتُقْتَصّ الْجِرَاح بِالْجِرَاحِ . فَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ أَحْرَار الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنهمْ رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ إِذَا كَانَ فِي النَّفْس وَمَا دُون النَّفْس ; وَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَبِيد رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ إِذَا كَانَ عَمْدًا فِي النَّفْس وَمَا دُون النَّفْس .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهِ : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَجْرُوح وَوَلِيّ الْقَتِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9432 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ الْهَيْثَم بْن الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : يُهْدَم عَنْهُ - يَعْنِي الْمَجْرُوح - مِثْل ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبه . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ الْهَيْثَم بْن الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ الْهَيْثَم بْن الْأَسْوَد أَبِي الْعُرْيَان , قَالَ : رَأَيْت مُعَاوِيَة قَاعِدًا عَلَى السَّرِير وَإِلَى جَنْبه رَجُل آخَر كَأَنَّهُ مَوْلَى , وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , فَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : يُهْدَم عَنْهُ مِنْ ذُنُوبه مِثْل مَا تَصَدَّقَ بِهِ . 9433 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : لِلْمَجْرُوحِ . 9434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ أَبِي عُقْبَة , عَنْ جَابِر بْن زَيْد : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : لِلْمَجْرُوحِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة , عَنْ رَجُل - قَالَ حَرَمِيّ : نَسِيت اِسْمه - عَنْ جَابِر بْن زَيْد بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : لِلْمَجْرُوحِ . 9435 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي السَّفَر , قَالَ : دَفَعَ رَجُل مِنْ قُرَيْش رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار , فَانْدَقَّتْ ثنيَّته , فَرَفَعَهُ الْأَنْصَارِيّ إِلَى مُعَاوِيَة . فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ الرَّجُل , قَالَ مُعَاوِيَة : شَأْنك وَصَاحِبك ! قَالَ : وَأَبُو الدَّرْدَاء عِنْد مُعَاوِيَة , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَا مِنْ مُسْلِم يُصَاب بِشَيْءٍ مِنْ جَسَده فَيَهَبهُ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه بِهِ دَرَجَة وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَة " . فَقَالَ لَهُ الْأَنْصَارِيّ : أَنْتَ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي . فَخَلَّى سَبِيل الْقُرَشِيّ , فَقَالَ مُعَاوِيَة : مُرُوا لَهُ بِمَالٍ . 9436 - حَدَّثَنَا مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : ثنا هُشَيْم بْن بَشِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَ اِبْن الصَّامِت : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَنْ جُرِحَ فِي جَسَده جِرَاحَة فَتَصَدَّقَ بِهَا , كُفِّرَ عَنْهُ ذُنُوبه بِمِثْلِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ " . 9437 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : كَفَّارَة لِلْمَجْرُوحِ . 9438 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , قَالَ : سَمِعْت عَامِرًا يَقُول : . كَفَّارَة لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ . 9439 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَقُول : لِوَلِيِّ الْقَتِيل الَّذِي عَفَا . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي شُبَيْب بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْهَيْثَم أَبِي الْعُرْيَان , قَالَ : كُنْت بِالشَّامِ , وَإِذَا بِرَجُلٍ مَعَ مُعَاوِيَة قَاعِد عَلَى السَّرِير كَأَنَّهُ مَوْلًى , قَالَ : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ هَدَمَ اللَّه عَنْهُ مِثْله مِنْ ذُنُوبه . فَإِذَا هُوَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْجَارِح , وَقَالُوا مَعْنَى الْآيَة : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ قَوَد أَوْ قِصَاص عَلَى مَنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِ , فَعَفَا عَنْهُ , فَعَفْوه ذَلِكَ عَنْ الْجَانِي كَفَّارَة لِذَنْبِ الْجَانِي الْمُجْرِم , كَمَا الْقِصَاص مِنْهُ كَفَّارَة لَهُ ; قَالُوا : فَأَمَّا أَجْر الْعَافِي الْمُتَصَدِّق فَعَلَى اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9440 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : كَفَّارَة لِلْجَارِحِ , وَأَجْر الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّه . 9441 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول لِأَبِي إِسْحَاق : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَا أَبَا إِسْحَاق ؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاق : لِلْمُتَصَدِّقِ . فَقَالَ مُجَاهِد : لِلْمُذْنِبِ الْجَارِح . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : قَالَ مُغِيرَة , قَالَ مُجَاهِد : . لِلْجَارِحِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9442 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم وَمُجَاهِد : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَا : الَّذِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِ , وَأَجْر الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّه . قَالَ هَنَّاد فِي حَدِيثه , قَالَا : كَفَّارَة لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد بْن حُمَيْد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . 9443 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , قَالَ : . كَفَّارَة لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم , قَالَا : كَفَّارَة لِلْجَارِحِ , وَأَجْر الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّه . 9444 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ يَقُول : إِنْ عَفَا عَنْهُ أَوْ اِقْتَصَّ مِنْهُ , أَوْ قَبِلَ مِنْهُ الدِّيَة , فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ . 9445 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَفَّارَة لِلْجَارِحِ وَأَجْر لِلْعَافِي , لِقَوْلِهِ : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْره عَلَى اللَّه } . 9446 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : كَفَّارَة لِلْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَا } قَالَ : هِيَ كَفَّارَة لِلْجَارِحِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : فَالْكَفَّارَة لِلْجَارِحِ , وَأَجْر الْمُتَصَدِّق عَلَى اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَقُول : لِلْقَاتِلِ , وَأَجْر لِلْعَافِي . 9447 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن ظَبْيَانِ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , قَالَ : هُتِمَ رَجُل عَلَى عَهْد مُعَاوِيَة , فَأُعْطِيَ دِيَة فَلَمْ يَقْبَل , ثُمَّ أُعْطِيَ دِيَتَيْنِ فَلَمْ يَقْبَل , ثُمَّ أُعْطِيَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَقْبَل . فَحَدَّثَ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُول اللَّه , قَالَ : " فَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ فَمَا دُونه , كَانَ كَفَّارَة لَهُ مِنْ يَوْم تَصَدَّقَ إِلَى يَوْم وُلِدَ " . قَالَ : فَتَصَدَّقَ الرَّجُل . 9448 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالْجُرُوح قِصَاص فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَقُول : مَنْ جُرِحَ فَتَصَدَّقَ بِاَلَّذِي جُرِحَ بِهِ عَلَى الْجَارِح , فَلَيْسَ عَلَى الْجَارِح سَبِيل وَلَا قَوَد وَلَا عَقْل وَلَا جُرْح عَلَيْهِ ; مِنْ أَجْل أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ الَّذِي جَرَحَ , فَكَانَ كَفَّارَة لَهُ مِنْ ظُلْمه الَّذِي ظَلَمَ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ الْمَجْرُوح , فَلِأَنْ تَكُون الْهَاء فِي قَوْله " لَهُ " عَائِدَة عَلَى مَنْ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر مَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر إِلَّا بِالْمَعْنَى دُون التَّصْرِيح وَأَحْرَى , إِذْ الصَّدَقَة هِيَ الْمُكَفِّرَة ذَنْب صَاحِبهَا دُون الْمُتَصَدَّق عَلَيْهِ فِي سَائِر الصَّدَقَات غَيْر هَذِهِ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون سَبِيل هَذِهِ سَبِيل غَيْرهَا مِنْ الصَّدَقَات . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْقِصَاص إِذْ كَانَ يُكَفِّر ذَنْب صَاحِبه الْمُقْتَصّ , مِنْهُ الَّذِي أَتَاهُ فِي قَتْل مَنْ قَتَلَهُ ظُلْمًا , لِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ الْبَيْعَة عَلَى أَصْحَابه : " أَنْ لَا تَقْتُلُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا " ثُمَّ قَالَ : " فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّه , فَهُوَ كَفَّارَته " . فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون عَفْو الْعَافِي الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيّ الْمَقْتُول عَنْهُ , نَظِيره فِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ كَفَّارَة , فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون عَفْو الْمَقْذُوف عَنْ قَاذِفه بِالزِّنَا وَتَرْكه أَخْذه بِالْوَاجِبِ لَهُ مِنْ الْحَدّ , وَقَدْ قَذَفَهُ قَاذِفه وَهُوَ عَفِيف مُسْلِم مُحْصَن , كَفَّارَة لِلْقَاذِفِ مِنْ ذَنْبه الَّذِي رَكِبَهُ وَمَعْصِيَته الَّتِي أَتَاهَا , وَذَلِكَ مَا لَا نَعْلَم قَائِلًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُولهُ . فَإِذْ كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون تَرْك الْمَقْذُوف الَّذِي وَصَفْنَا أَمْره أَخْذ قَاذِفه بِالْوَاجِبِ لَهُ مِنْ الْحَدّ كَفَّارَة لِلْقَاذِفِ مِنْ ذَنْبه الَّذِي رَكِبَهُ , كَانَ كَذَلِكَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون تَرْك الْمَجْرُوح أَخْذ الْجَارِح بِحَقِّهِ مِنْ الْقِصَاص كَفَّارَة لِلْجَارِحِ مِنْ ذَنْبه الَّذِي رَكِبَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ لِلْمَجْرُوحِ عِنْدك أَخْذ جَارِحه بِدِيَةِ جُرْحه مَكَان الْقِصَاص ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : أَفَرَأَيْت لَوْ اِخْتَارَ الدِّيَة ثُمَّ عَفَا عَنْهَا , أَكَانَتْ لَهُ قَبْله فِي الْآخِرَة تَبِعَة ؟ قِيلَ لَهُ : هَذَا كَلَام عِنْدنَا مُحَال , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُون عِنْدنَا مُخْتَار الدِّيَة إِلَّا وَهُوَ لَهَا آخِذ . فَأَمَّا الْعَفْو فَإِنَّمَا هُوَ عَفْو عَنْ الدَّم . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة ذَلِكَ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع . إِلَّا أَنْ يَكُون مُرَادًا بِذَلِكَ هِبَتهَا لِمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ بَعْد الْأَخْذ , مَعَ أَنَّ عَفْوه عَنْ الدِّيَة بَعْد اِخْتِيَاره إِيَّاهَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِي صِحَّة ذَلِكَ مَا يُوجِب أَنْ يَكُون الْمَعْفُوّ لَهُ عَنْهَا بَرِيئًا مِنْ عُقُوبَة ذَنْبه عِنْد اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَوْعَدَ قَاتِل الْمُؤْمِن بِمَا أَوْعَدَهُ بِهِ , إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبه , وَالدِّيَة مَأْخُوذَة مِنْهُ , أَحَبَّ أَمْ سَخِطَ , وَالتَّوْبَة مِنْ التَّائِب إِنَّمَا تَكُون تَوْبَة إِذَا اِخْتَارَهَا وَأَرَادَهَا وَآثَرَهَا عَلَى الْإِصْرَار . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون لَهُ كَفَّارَة كَمَا جَازَ الْقِصَاص كَفَّارَة ; فَإِنَّا إِنَّمَا جَعَلْنَا الْقِصَاص لَهُ كَفَّارَة مَعَ نَدَمه وَبَذْله نَفْسه لِأَخْذِ الْحَقّ مِنْهَا تَنَصُّلًا مِنْ ذَنْبه , بِخَبَرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَمَّا الدِّيَة إِذَا اِخْتَارَهَا الْمَجْرُوح ثُمَّ عَفَا عَنْهَا فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِحَدِّ ذَنْبه , فَيَكُون مِمَّنْ دَخَلَ فِي حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْله : " فَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ فَهُوَ كَفَّارَته " . ثُمَّ مِمَّا يُؤَكِّد صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : " فَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ " , وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْل . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْقَائِلُونَ أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ الْجَارِح , أَرَادُوا الْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , الَّذِي : 9449 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا اِبْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِذَا أَصَابَ رَجُل رَجُلًا وَلَا يَعْلَم الْمُصَاب مَنْ أَصَابَهُ فَاعْتَرَفَ لَهُ الْمُصِيب , قَالَ : وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول عِنْد هَذَا : أَصَابَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر عَيْن إِنْسَان عِنْد الرُّكْن فِيمَا يَسْتَلِمُونَ , فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا أَنَا عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِك بَأْس فَأَنَا بِهَا . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر مِنْ الْجَارِح عَلَى نَحْو مَا كَانَ مِنْ عُرْوَة مِنْ خَطَأ فِعْل عَلَى غَيْر عَمْد ثُمَّ اِعْتَرَفَ لِلَّذِي أَصَابَهُ بِمَا أَصَابَهُ فَعَفَا لَهُ الْمُصَاب بِذَلِكَ عَنْ حَقّه قِبَلَهُ , فَلَا تَبِعَة لَهُ حِينَئِذٍ قِبَل الْمُصِيب فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة ; لِأَنَّ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ قِبَله مَال لَا قِصَاص وَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ , فَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ كَفَّارَة لَهُ مِنْ حَقّه الَّذِي كَانَ لَهُ أَخْذه بِهِ , فَلَا طَلَبَة لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ قِبَلَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة , وَلَا عُقُوبَة تَلْزَمهُ بِهَا بِمَا كَانَ مِنْهُ مَنْ أَصَابَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّد إِصَابَته بِمَا أَصَابَهُ بِهِ فَيَكُون بِفِعْلِهِ إِنَّمَا يَسْتَحِقّ بِهِ الْعُقُوبَة مِنْ رَبّه ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَضَعَ الْجُنَاح عَنْ عِبَاده فِيمَا أَخْطَئُوا فِيهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدُوهُ مِنْ أَفْعَالهمْ , فَقَالَ فِي كِتَابه : { لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ } . وَقَدْ يُرَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع بِالدَّمِ : الْعَفْو عَنْهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي التَّوْرَاة مِنْ قَوَد النَّفْس الْقَاتِلَة قِصَاصًا بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَة ظُلْمًا . وَلَمْ يَفْقَأ عَيْن الْفَاقِئ بِعَيْنِ الْمَفْقُوءَة ظُلْمًا قِصَاصًا مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّه بِهِ بِذَلِكَ فِي كِتَابه , وَلَكِنْ أَقَادَ مِنْ بَعْض وَلَمْ يَقُدْ مِنْ بَعْض , أَوْ قَتَلَ فِي بَعْض اِثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ , وَإِنَّ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْ الظَّالِمِينَ , يَعْنِي مِمَّنْ جَارَ عَلَى حُكْم اللَّه وَوَضَعَ فِعْله مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِعه الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لَهُ مَوْضِعًا .
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَسورة المائدة الآية رقم 46
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارهمْ بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارهمْ } أَتْبَعْنَا , يَقُول : أَتْبَعْنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَى آثَار النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلك يَا مُحَمَّد , فَبَعَثْنَاهُ نَبِيًّا مُصَدِّقًا لِكِتَابِنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُوسَى مِنْ قَبْله أَنَّهُ حَقّ وَأَنَّ الْعَمَل بِمَا لَمْ يَنْسَخهُ الْإِنْجِيل مِنْهُ فَرْض وَاجِب .

{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل } يَقُول : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِ كِتَابنَا الَّذِي اِسْمه الْإِنْجِيل .

{ فِيهِ هُدًى وَنُور } يَقُول : فِي الْإِنْجِيل هُدًى , وَهُوَ بَيَان مَا جَهِلَهُ النَّاس مِنْ حُكْم اللَّه فِي زَمَانه , { وَنُور } يَقُول : وَضِيَاء مِنْ عَمَى الْجَهَالَة

{ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ , وَأَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ بِتَصْدِيقِ مَا كَانَ قَبْله مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي كَانَ أَنْزَلَهَا عَلَى كُلّ أُمَّة أُنْزِلَ إِلَى نَبِيّهَا كِتَاب لِلْعَمَلِ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى نَبِيّهمْ فِي ذَلِكَ الْكِتَاب مِنْ تَحْلِيل مَا حَلَّلَ وَتَحْرِيم مَا حَرَّمَ .

{ وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } يَقُول : أَنْزَلْنَا الْإِنْجِيل إِلَى عِيسَى مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ الَّتِي قَبْله , وَبَيَانًا لِحُكْمِ اللَّه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ فِي زَمَان عِيسَى وَمَوْعِظَة لَهُمْ , يَقُول : وَزَجْرًا لَهُمْ عَمَّا يَكْرَههُ اللَّه إِلَى مَا يُحِبّهُ مِنْ الْأَعْمَال , وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَيْهِ . وَالْمُتَّقُونَ : هُمْ الَّذِينَ خَافُوا اللَّه وَحَذِرُوا عِقَابه , فَاتَّقُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَحَذِرُوهُ بِتَرْكِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ فِعْله , وَقَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ قَبْل فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته .
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَسورة المائدة الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل } فَقَرَأَ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { وَلْيَحْكُمْ } بِتَسْكِينِ اللَّام عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه لِأَهْلِ الْإِنْجِيل أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مِنْ أَحْكَامه . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ : وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَأَمَرْنَا أَهْله أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ . فَيَكُون فِي الْكَلَام مَحْذُوف تُرِكَ اِسْتِغْنَاء بِمَا ذُكِرَ عَمَّا حُذِفَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة : " وَلِيَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل " بِكَسْرِ اللَّام مِنْ " لِيَحْكُم " , بِمَعْنَى : كَيْ يَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل . وَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَكَيْ يَحْكُم أَهْله بِمَا فِيهِ مِنْ حُكْم اللَّه . وَاَلَّذِي يَتَرَاءَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ قَارِئ فَمُصِيب فِيهِ الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُنْزِل كِتَابًا عَلَى نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ إِلَّا لِيَعْمَل بِمَا فِيهِ أَهْله الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ , وَلَمْ يُنْزِلهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ , فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ , وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَهْله . فَكَذَلِكَ الْإِنْجِيل , إِذْ كَانَ مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ , فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ عَلَى عِيسَى , وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهِ أَهْله . فَسَوَاء قُرِئَ عَلَى وَجْه الْأَمْر بِتَسْكِينِ اللَّام أَوْ قُرِئَ عَلَى وَجْه الْخَبَر بِكَسْرِهَا لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا . وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب مِنْ قِرَاءَته ذَلِكَ : " وَأَنْ اُحْكُمْ " عَلَى وَجْه الْأَمْر , فَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحّ بِهِ النَّقْل عَنْهُ , وَلَوْ صَحَّ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِب أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة بِخِلَافِهِ مَحْظُورَة , إِذْ كَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا , وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَئِمَّة الْقُرَّاء قَدْ قَرَءُوا بِهَا . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ اللَّام مِنْ " لِيَحْكُم " : وَآتَيْنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم الْإِنْجِيل , فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ , وَكَيْ يَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ ; فَبَدَّلُوا حُكْمه وَخَالَفُوهُ , فَضَلُّوا بِخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ , إِذْ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَخَالَفُوهُ . { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } يَعْنِي : الْخَارِجِينَ عَنْ أَمْر اللَّه فِيهِ , الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فِي كِتَابه . فَأَمَّا إِذَا قُرِئَ بِتَسْكِينِ اللَّام , فَتَأْوِيله : وَآتَيْنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم الْإِنْجِيل , فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَأَمَرْنَا أَهْله أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ , فَلَمْ يُطِيعُونَا فِي أَمْرنَا إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ , وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُوا أَمْرنَا , فَاَلَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرنَا الَّذِي أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ هُمْ الْفَاسِقُونَ . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول : الْفَاسِقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِع وَفِي غَيْره : هُمْ الْكَاذِبُونَ . 9450 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم مِنْ أَهْل الْإِنْجِيل أَيْضًا بِذَلِكَ , فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ; قَالَ : الْكَاذِبُونَ بِهَذَا . قَالَ : وَقَالَ اِبْن زَيْد : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن إِلَّا قَلِيلًا " فَاسِق " فَهُوَ كَاذِب ; وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَأٍ } 49 6 قَالَ : الْفَاسِق هَاهُنَا : كَاذِب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِسْق بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَسورة المائدة الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } وَهَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك } يَا مُحَمَّد { الْكِتَاب } , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِالْحَقِّ } بِالصِّدْقِ , وَلَا كَذِب فِيهِ , وَلَا شَكّ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : أَنْزَلْنَاهُ بِتَصْدِيقِ مَا قَبْله مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِى أَنْزَلَهَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ .

{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } يَقُول : أَنْزَلْنَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ قَبْله , وَشَهِيدًا عَلَيْهَا أَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه , أَمِينًا عَلَيْهَا , حَافِظًا لَهَا . وَأَصْل الْهَيْمَنَة : الْحِفْظ وَالِارْتِقَاب , يُقَال إِذَا رَقَبَ الرَّجُل الشَّيْء وَحَفِظَهُ وَشَهِدَهُ : قَدْ هَيْمَنَ فُلَان عَلَيْهِ , فَهُوَ يُهَيْمِن هَيْمَنَة , وَهُوَ عَلَيْهِ مُهَيْمِن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفَتْ عِبَارَاتهمْ عَنْهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : شَهِيدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9451 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } يَقُول : شَهِيدًا . 9452 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : شَهِيدًا عَلَيْهِ . 9453 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : الْكُتُب الَّتِي خَلَتْ قَبْله , { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } أَمِينًا وَشَاهِدًا عَلَى الْكُتُب الَّتِي خَلَتْ قَبْله . 9454 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } مُؤْتَمَنًا عَلَى الْقُرْآن وَشَاهِدًا وَمُصَدِّقًا . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج وَآخَرُونَ : الْقُرْآن أَمِين عَلَى الْكُتُب فِيمَا إِذَا أَخْبَرَنَا أَهْل الْكِتَاب فِي كِتَابهمْ بِأَمْرٍ إِنْ كَانَ فِي الْقُرْآن فَصَدَقُوا , وَإِلَّا فَكَذَبُوا . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَمِين عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9455 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : . { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِإِسْنَادِهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : وَالْمُهَيْمِن : الْأَمِين , قَالَ : الْقُرْآن أَمِين عَلَى كُلّ كِتَاب قَبْله . 9456 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } وَهُوَ الْقُرْآن , شَاهِد عَلَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , مُصَدِّقًا لَهُمَا . { مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } يَعْنِي : أَمِينًا عَلَيْهِ , يَحْكُم عَلَى مَا كَانَ قَبْله مِنْ الْكُتُب . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ زُهَيْر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى الْحَمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9457 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب . 9458 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَأَلْت الْحُسَيْن , عَنْ قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُصَدِّقًا لِهَذِهِ الْكُتُب وَأَمِينًا عَلَيْهَا . وَسُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَة وَأَنَا أَسْمَع , فَقَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْمُهَيْمِن الْمُصَدِّق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9459 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُصَدِّقًا عَلَيْهِ . كُلّ شَيْء أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ تَوْرَاة أَوْ إِنْجِيل أَوْ زَبُور فَالْقُرْآن مُصَدِّق عَلَى ذَلِكَ , وَكُلّ شَيْء ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن فَهُوَ مُصَدِّق عَلَيْهَا وَعَلَى مَا حَدَّثَ عَنْهَا أَنَّهُ حَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9460 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُؤْتَمَن عَلَى الْقُرْآن . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُؤْتَمَن عَلَى الْقُرْآن . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مُجَاهِد : وَأَنْزَلْنَا الْكِتَاب مُصَدِّقًا الْكُتُب قَبْله إِلَيْك , مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ . فَيَكُون قَوْله " مُصَدِّقًا " حَالًا مِنْ الْكِتَاب وَبَعْضًا مِنْهُ , وَيَكُون التَّصْدِيق مِنْ صِفَة الْكِتَاب , وَالْمُهَيْمِن حَالًا مِنْ الْكَاف الَّتِي فِي " إِلَيْك " , وَهِيَ كِنَايَة عَنْ ذِكْر اِسْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْهَاء فِي قَوْله : { عَلَيْهِ } عَائِدَة عَلَى الْكِتَاب . وَهَذَا التَّأْوِيل بَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم فِي كَلَام الْعَرَب , بَلْ هُوَ خَطَأ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُهَيْمِن عُطِفَ عَلَى الْمُصَدِّق , فَلَا يَكُون إِلَّا مِنْ صِفَة مَا كَانَ الْمُصَدِّق صِفَة لَهُ , وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد لَقِيلَ : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُتَقَدِّم مِنْ صِفَة الْكَاف الَّتِي فِي " إِلَيْك " , وَلَيْسَ بَعْدهَا شَيْء يَكُون مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ عَطْفًا عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا عُطِفَ بِهِ عَلَى الْمُصَدِّق , لِأَنَّهُ مِنْ صِفَة " الْكِتَاب " الَّذِي مِنْ صِفَته " الْمُصَدِّق " . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْمُصَدِّق عَلَى قَوْل مُجَاهِد وَتَأْوِيله هَذَا مِنْ صِفَة الْكَاف الَّتِي فِي " إِلَيْك " , فَإِنَّ قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } يُبْطِل أَنْ يَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَأَنْ يَكُون الْمُصَدِّق مِنْ صِفَة الْكَاف الَّتِي فِي " إِلَيْك " ; لِأَنَّ الْهَاء فِي قَوْله : { بَيْن يَدَيْهِ } كِنَايَة اِسْم غَيْر الْمُخَاطَب , وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله " إِلَيْك " , وَلَوْ كَانَ الْمُصَدِّق مِنْ صِفَة الْكَاف لَكَانَ الْكَلَام : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْك الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ كَذَلِكَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ } وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُم بَيْن الْمُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَسَائِر أَهْل الْمِلَل , بِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي خَصَّهُ بِشَرِيعَتِهِ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اُحْكُمْ يَا مُحَمَّد بَيْن أَهْل الْكِتَاب وَالْمُشْرِكِينَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْك مِنْ كِتَابِي وَأَحْكَامِي , فِي كُلّ مَا اِحْتَكَمُوا فِيهِ إِلَيْك مِنْ الْحُدُود وَالْجُرُوح وَالْقَوَد وَالنُّفُوس , فَارْجُمْ الزَّانِي الْمُحْصَن , وَاقْتُلْ النَّفْس الْقَاتِلَة بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَة ظُلْمًا , وَافْقَأْ الْعَيْن بِالْعَيْنِ , وَاجَدْع الْأَنْف بِالْأَنْفِ , فَإِنِّي أَنْزَلْت إِلَيْك الْقُرْآن مُصَدِّقًا فِي ذَلِكَ مَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب , وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ , رَقِيبًا يَقْضِي عَلَى مَا قَبْله مِنْ سَائِر الْكُتُب قَبْله . وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاء هَؤُلَاءِ الْيَهُود - الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنْ أُوتِيتُمْ الْجَلْد فِي الزَّانِي الْمُحْصَن دُون الرَّجْم , وَقَتْل الْوَضِيع بِالشَّرِيفِ إِذَا قَتَلَهُ , وَتَرْك قَتْل الشَّرِيف بِالْوَضِيعِ إِذَا قَتَلَهُ , فَخُذُوهُ , وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا - عَنْ الَّذِي جَاءَك مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْحَقّ , وَهُوَ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْك . يَقُول لَهُ : اِعْمَلْ بِكِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْتهُ إِلَيْك إِذَا اِحْتَكَمُوا إِلَيْك , فَاخْتَرْ الْحُكْم عَلَيْهِمْ , وَلَا تَتْرُكَن الْعَمَل بِذَلِكَ اِتِّبَاعًا مِنْك أَهْوَاءَهُمْ وَإِيثَارًا لَهَا عَلَى الْحَقّ الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك فِي كِتَابِي . كَمَا : 9461 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } يَقُول : بِحُدُودِ اللَّه , { وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ } . 9462 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق : أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّف الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بِاَللَّهِ ; ثُمَّ قَرَأَ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } وَأَنْزَلَ اللَّه : { أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِكُلِّ قَوْم مِنْكُمْ جَعَلْنَا شِرْعَة . وَالشِّرْعَة : هِيَ الشَّرِيعَة بِعَيْنِهَا , تُجْمَع الشِّرْعَة شِرَاعًا , وَالشَّرِيعَة شَرَائِع , وَلَوْ جُمِعَتْ الشِّرْعَة شَرَائِع كَانَ صَوَابًا ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الشَّرِيعَة وَاحِد , فَيَرُدّهَا عِنْد الْجَمْع إِلَى لَفْظ نَظِيرهَا . وَكُلّ مَا شَرَعْت فِيهِ مِنْ شَيْء فَهُوَ شَرِيعَة , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِشَرِيعَةِ الْمَاء : شَرِيعَة ; لِأَنَّهُ يُشْرَع مِنْهَا إِلَى الْمَاء , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ شَرَائِع الْإِسْلَام شَرَائِع , لِشُرُوعِ أَهْله فِيهِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَوْمِ إِذَا تَسَاوَوْا فِي الشَّيْء : هُمْ شَرَعٌ سَوَاء . وَأَمَّا الْمِنْهَاج , فَإِنَّ أَصْله : الطَّرِيق الْبَيِّن الْوَاضِح , يُقَال مِنْهُ : هُوَ طَرِيق نَهْج وَمَنْهَج بَيِّن , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : مَنْ يَكُ فِي شَكّ فَهَذَا فَلْجٌ مَاءٌ رَوَاءٌ وَطَرِيق نَهْجٌ ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي كُلّ شَيْء كَانَ بَيِّنًا وَاضِحًا يُعْمَل بِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَهْل الْمِلَل الْمُخْتَلِفَة , أَيْ أَنَّ اللَّه جَعَلَ لِكُلِّ مِلَّة شَرِيعَة وَمِنْهَاجًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9463 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول سَبِيلًا وَسُنَّة . وَالسُّنَن مُخْتَلِفَة : لِلتَّوْرَاةِ شَرِيعَة , وَلِلْإِنْجِيلِ شَرِيعَة , وَلِلْقُرْآنِ شَرِيعَة , يَحِلّ اللَّه فِيهَا مَا يَشَاء وَيُحَرِّم مَا يَشَاء بَلَاء , لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه , وَلَكِنَّ الدِّين الْوَاحِد الَّذِي لَا يُقْبَل غَيْره التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل . 9464 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : الدِّين وَاحِد , وَالشَّرِيعَة مُخْتَلِفَة . 9465 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : الْإِيمَان مُنْذُ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه , لِكُلِّ قَوْم مَا جَاءَهُمْ مِنْ شِرْعَة أَوْ مِنْهَاج , فَلَا يَكُون الْمُقِرّ تَارِكًا وَلَكِنَّهُ مُطِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالُوا : إِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : قَدْ جَعَلْنَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيّهَا النَّاس لِكُلِّكُمْ : أَيْ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام وَأَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لِي نَبِيّ , شِرْعَة وَمِنْهَاجًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9466 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة { وَمِنْهَاجًا } السَّبِيل لِكُلِّكُمْ , مَنْ دَخَلَ فِي دِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَدْ جَعَلَ اللَّه لَهُ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا , يَقُول : الْقُرْآن هُوَ لَهُ شِرْعَة وَمِنْهَاج . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : لِكُلِّ أَهْل مِلَّة مِنْكُمْ أَيّهَا الْأُمَم جَعَلْنَا شِرْعَة وَمِنْهَاجًا . " وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة " وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِقَوْلِهِ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } وَلَوْ كَانَ عَنَى بِقَوْلِهِ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ } أُمَّة مُحَمَّد وَهُمْ أُمَّة وَاحِدَة , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُمْ أُمَّة وَاحِدَة مَعْنًى مَفْهُوم , وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْخِطَاب مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا كُتِبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَفَّى بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَى آثَار الْأَنْبِيَاء قَبْله , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيل , وَأَمَرَ مَنْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ . ثُمَّ ذَكَرَ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَاب مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب , وَأَمَرَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَالْحُكْم بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِ فِيهِ دُون مَا فِي سَائِر الْكُتُب غَيْره وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ شَرِيعَة غَيْر شَرَائِع الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم قَبْله الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصهمْ , وَإِنْ كَانَ دِينه وَدِينهمْ فِي تَوْحِيد اللَّه وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَنَهْيه وَاحِدًا , فَهُمْ مُخْتَلِفُو الْأَحْوَال فِيمَا شَرَعَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ , وَلِأُمَّتِهِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الشِّرْعَة وَالْمِنْهَاج مِنْ التَّأْوِيل قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9467 حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل وَأَبِيهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي شَيْبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَعْنِي : سَبِيلًا وَسُنَّة . 9468 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : الشِّرْعَة : السُّنَّة . 9469 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : الشِّرْعَة : السُّنَّة , وَمِنْهَاجًا , قَالَ : السَّبِيل . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول : سَبِيلًا وَسُنَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَوْضِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ . 9470 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول : سَبِيلًا وَسُنَّة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاح , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : السُّنَّة وَالسَّبِيل . 9471 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : قَوْله : { لِكُلِّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول : سَبِيلًا وَسُنَّة . 9472 حُدِّثْتُ عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد بْن سَلْمَان قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سَبِيلًا وَسُنَّة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ شَاءَ رَبّكُمْ لَجَعَلَ شَرَائِعكُمْ وَاحِدَة , وَلَمْ يَجْعَل لِكُلِّ أُمَّة شَرِيعَة وَمِنْهَاجًا غَيْر شَرَائِع الْأُمَم الْأُخَر وَمِنْهَاجهمْ , فَكُنْتُمْ تَكُونُونَ أُمَّة وَاحِدَة , لَا تَخْتَلِف شَرَائِعكُمْ وَمِنْهَاجكُمْ . وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره يَعْلَم ذَلِكَ , فَخَالَفَ بَيْن شَرَائِعكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ فَيَعْرِف الْمُطِيع مِنْكُمْ مِنْ الْعَاصِي وَالْعَامِل بِمَا أَمَرَهُ فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُخَالِف . وَالِابْتِلَاء : هُوَ الِاخْتِيَار , وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَقَوْله { فِيمَا آتَاكُمْ } يَعْنِي : فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكُتُب . كَمَا : 9473 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ } قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : لَا أَعْلَمهُ إِلَّا قَالَ : لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ مِنْ الْكُتُب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ , وَمَنْ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّ الْمَعْنَى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا لِكُلِّ نَبِيّ مَعَ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ مَضَوْا قَبْله وَأُمَمهمْ الَّذِينَ قَبْل نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُخَاطَب النَّبِيّ وَحْده ؟ قِيلَ : إِنَّ الْخِطَاب وَإِنْ كَانَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْخَبَر عَنْ الْأَنْبِيَاء قَبْله وَأُمَمهمْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب مِنْ شَأْنهَا إِذَا خَاطَبَتْ إِنْسَانًا وَضَمَّتْ إِلَيْهِ غَائِبًا فَأَرَادَتْ الْخَبَر عَنْهُ أَنْ تَغْلِب الْمُخَاطَب فَيَخْرُج الْخَبَر عَنْهُمَا عَلَى وَجْه الْخِطَاب , فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَادِرُوا أَيّهَا النَّاس , إِلَى الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال وَالْقُرَب إِلَى رَبّكُمْ بِإِدْمَانِ الْعَمَل بِمَا فِي كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّكُمْ , فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَهُ اِمْتِحَانًا لَكُمْ وَابْتِلَاء , لِيَتَبَيَّن الْمُحْسِن مِنْكُمْ مِنْ الْمُسِيء , فَيُجَازِي جَمِيعكُمْ عَلَى عَمَله جَزَاءَهُ عِنْد مَصِيركُمْ إِلَيْهِ , فَإِنَّ مَصِيركُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا , فَيُخْبِر كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ بِمَا كَانَ يُخَالِف فِيهِ الْفِرَق الْأُخْرَى , فَيَفْصِل بَيْنهمْ بِفَصْلِ الْقَضَاء , وَيُبَيِّن الْمُحِقّ بِمُجَازَاتِهِ إِيَّاهُ بِجَنَّاتِهِ مِنْ الْمُسِيء بِعِقَابِهِ إِيَّاهُ بِالنَّارِ , فَيَتَبَيَّن حِينَئِذٍ كُلّ حِزْب عِيَانًا , الْمُحِقّ مِنْهُمْ مِنْ الْمُبْطِل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَمْ يُنَبِّئنَا رَبّنَا فِي الدُّنْيَا قَبْل مَرْجِعنَا إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ؟ قِيلَ . إِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِالرُّسُلِ وَالْأَدِلَّة وَالْحُجَج , دُون الثَّوَاب وَالْعِقَاب عِيَانًا , فَمُصَدِّقٌ بِذَلِكَ وَمُكَذِّبٌ . وَأَمَّا عِنْد الْمَرْجِع إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ يُنَبِّئهُمْ بِذَلِكَ بِالْمُجَازَاةِ الَّتِي لَا يَشُكُّونَ مَعَهَا فِي مَعْرِفَة الْمُحِقّ وَالْمُبْطِل , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِدْخَال اللَّبْس مَعَهَا عَلَى أَنْفُسهمْ , فَكَذَلِكَ خَبَره تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ يُنَبِّئنَا عِنْد الْمَرْجِع إِلَيْهِ بِمَا كُنَّا فِيهِ نَخْتَلِف فِي الدُّنْيَا . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا , فَتَعْرِفُونَ الْمُحِقّ حِينَئِذٍ مِنْ الْمُبْطِل مِنْكُمْ . كَمَا : 9474 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرّ وَالْفَاجِر .
وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَسورة المائدة الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْكِتَاب , مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب , وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ ; فَ " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِالتَّنْزِيلِ . { بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْك فِي كِتَابه .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } فَإِنَّهُ نَهْي مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّبِع أَهْوَاء الْيَهُود الَّذِينَ اِحْتَكَمُوا إِلَيْهِ فِي قَتِيلهمْ وَفَاجِرِيهِمْ , وَأَمْر مِنْهُ لَهُ بِلُزُومِ الْعَمَل بِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ .

وَقَوْله : { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاحْذَرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ جَاءُوك مُحْتَكِمِينَ إِلَيْك أَنْ يَفْتِنُوك , فَيَصُدُّوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك مِنْ حُكْم كِتَابه , فَيَحْمِلُوك عَلَى تَرْك الْعَمَل بِهِ وَاتِّبَاع أَهْوَائِهِمْ .

وَقَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُصِيبهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ تَوَلَّى هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ اِخْتَصَمُوا إِلَيْك عَنْك , فَتَرَكُوا الْعَمَل بِمَا حَكَمْت بِهِ عَلَيْهِمْ , وَقَضَيْت فِيهِمْ , فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُصِيبهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبهمْ , يَقُول : فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَلَّوْا عَنْ الرِّضَا بِحُكْمِك وَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ إِلَّا مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه يُرِيد أَنْ يَتَعَجَّل عُقُوبَتهمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا بِبَعْضِ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذُنُوبهمْ .

يَقُول : وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْيَهُود لَفَاسِقُونَ , يَقُول : لَتَارِكُو الْعَمَل بِكِتَابِ اللَّه , وَلَخَارِجُونَ عَنْ طَاعَته إِلَى مَعْصِيَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9475 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ كَعْب بْن أَسَد وَابْن صُورِيَّا وَشَأْس بْن قَيْس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اِذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّد لَعَلَّنَا نَفْتِنهُ عَنْ دِينه ! فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد إِنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّا أَحْبَار يَهُود وَأَشْرَافهمْ وَسَادَاتهمْ , وَأَنَّا إِنْ اِتَّبَعْنَاك اِتَّبَعَنَا يَهُود وَلَمْ يُخَالِفُونَا , وَإِنَّ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا خُصُومَة , فَنُحَاكِمهُمْ إِلَيْك , فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِن لَك وَنُصَدِّقك ! فَأَبَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك } إِلَى قَوْله : { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . 9476 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك } قَالَ : أَنْ يَقُولُوا فِي التَّوْرَاة كَذَا , وَقَدْ , بَيَّنَّا لَك مَا فِي التَّوْرَاة . وَقَرَأَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } بَعْضهَا بِبَعْضٍ . 9477 حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : دَخَلَ الْمَجُوس مَعَ أَهْل الْكِتَاب فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } .
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَسورة المائدة الآية رقم 50
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيَبْغِي هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ اِحْتَكَمُوا إِلَيْك فَلَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِك , وَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِالْقِسْطِ حُكْم الْجَاهِلِيَّة , يَعْنِي أَحْكَام عَبَدَة الْأَوْثَان مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَعِنْدهمْ كِتَاب اللَّه فِيهِ بَيَان حَقِيقَة الْحُكْم الَّذِي حَكَمْت بِهِ فِيهِمْ , وَإِنَّهُ الْحَقّ الَّذِي لَا يَجُوز خِلَافه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره مُوَبِّخًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَبَوْا قَبُول حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ مِنْ الْيَهُود , وَمُسْتَجْهِلًا فِعْلهمْ ذَلِكَ مِنْهُمْ : وَمَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ أَحْسَن حُكْمًا أَيّهَا الْيَهُود مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِنْد مَنْ كَانَ يُوقِن بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَيُقِرّ بِرُبُوبِيَّتِهِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيُّ حُكْم أَحْسَن مِنْ حُكْم اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أَنَّ لَكُمْ رَبًّا وَكُنْتُمْ أَهْل تَوْحِيد وَإِقْرَار بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد . 9478 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } قَالَ : يَهُود . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } يَهُود . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْخ , عَنْ مُجَاهِد : { أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } قَالَ : يَهُود .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَسورة المائدة الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِذَلِكَ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : عُبَادَة بْن الصَّامِت وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول فِي بَرَاءَة عُبَادَة مِنْ حِلْف الْيَهُود , وَفِي تَمَسّك عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول بِحِلْفِ الْيَهُود بَعْد مَا ظَهَرَتْ عَدَاوَتهمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخْبَرَهُ اللَّه أَنَّهُ إِذَا تَوَلَّاهُمْ وَتَمَسَّكَ بِحِلْفِهِمْ أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي بَرَاءَته مِنْ اللَّه وَرَسُوله كَبَرَاءَتِهِمْ مِنْهُمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9479 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد , قَالَ : جَاءَ عُبَادَة بْن الصَّامِت مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ لِي مَوَالِي مِنْ يَهُود كَثِير عَدَدهمْ , وَإِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه وَرَسُوله مِنْ وِلَايَة يَهُود وَأَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله ! فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ : إِنِّي رَجُل أَخَاف الدَّوَائِر , لَا أَبْرَأ مِنْ وِلَايَة مَوَالِيَّ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ : " يَا أَبَا الْحُبَاب مَا بَخِلْت بِهِ مِنْ وِلَايَة يَهُود عَلَى عُبَادَة بْن الصَّامِت فَهُوَ إِلَيْك دُونه " . قَالَ : قَدْ قَبِلْت . فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } إِلَى قَوْله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } . 9480 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني عُثْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : لَمَّا اِنْهَزَمَ أَهْل بَدْر قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنْ يَهُود : آمِنُوا قَبْل أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِيَوْمٍ مِثْل يَوْم بَدْر ! فَقَالَ مَالِك بْن صَيْف : غَرَّكُمْ أَنْ أَصَبْتُمْ رَهْطًا مِنْ قُرَيْش لَا عِلْم لَهُمْ بِالْقِتَالِ , أَمَّا لَوْ أَسْرَرْنَا الْعَزِيمَة أَنْ نَسْتَجْمِع عَلَيْكُمْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ يَد أَنْ تُقَاتِلُونَا فَقَالَ عُبَادَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ الْيَهُود كَانَتْ شَدِيدَة أَنْفُسهمْ كَثِيرًا سِلَاحهمْ شَدِيدَة شَوْكَتهمْ , وَإِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ وِلَايَتهمْ , وَلَا مَوْلَى لِي إِلَّا اللَّه وَرَسُوله . فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ : لَكِنِّي لَا أَبْرَأ مِنْ وَلَاء يَهُود , إِنِّي رَجُل لَا بُدّ لِي مِنْهُمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا حُبَاب أَرَأَيْت الَّذِي نَفَسْت بِهِ مِنْ وَلَاء يَهُود عَلَى عُبَادَة , فَهُوَ لَك دُونه " . قَالَ : إِذَن أَقْبَل . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض } إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى قَوْله : { وَاَللَّهُ يَعْصِمك مِنْ النَّاس } . 9481 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني وَالِدِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ عُبَادَة بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَقَامَ دُونهمْ . وَمَشَى عُبَادَة بْن الصَّامِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ أَحَد بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج مَنْ لَهُ حِلْفهمْ مِثْل الَّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ حِلْفهمْ , وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَتَبَرَّأ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ حِلْفهمْ وَأَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَبْرَأ مِنْ حِلْف الْكُفَّار وَوِلَايَتهمْ ! فَفِيهِ وَفِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ نَزَلَتْ الْآيَات فِي الْمَائِدَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا هَمُّوا حِين نَالَهُمْ بِأُحُدٍ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَا نَالَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْيَهُود عِصَمًا , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9482 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قَالَ : لَمَّا كَانَتْ وَقْعَة أُحُد , اِشْتَدَّ عَلَى طَائِفَة مِنْ النَّاس وَتَخَوَّفُوا أَنْ يُدَال عَلَيْهِمْ الْكُفَّار , فَقَالَ رَجُل لِصَاحِبِهِ : أَمَّا أَنَا فَأَلْحَق بِدَهْلَكَ الْيَهُودِيّ فَآخُذ مِنْهُ أَمَانًا وَأَتَهَوَّد مَعَهُ , فَإِنِّي أَخَاف أَنْ تُدَال عَلَيْنَا الْيَهُود . وَقَالَ الْآخَر : أَمَّا أَنَا فَأَلْحَق بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيّ بِبَعْضِ أَرْض الشَّام فَآخُذ مِنْهُ أَمَانًا وَأَنْتَصِر مَعَهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَنْهَاهُمَا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَبُو لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر فِي إِعْلَامه بَنِي قُرَيْظَة إِذْ رَضَوْا بِحُكْمِ سَعْد أَنَّهُ الذَّبْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9483 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر مِنْ الْأَوْس , وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْظَة حِين نَقَضَتْ الْعَهْد , فَلَمَّا أَطَاعُوا لَهُ بِالنُّزُولِ أَشَارَ إِلَى حَلْقه الذَّبْح الذَّبْح . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَهَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنْصَارًا وَحُلَفَاء عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ اِتَّخَذَهُمْ نَصِيرًا وَحَلِيفًا وَوَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي التَّحَزُّب عَلَى اللَّه وَعَلَى رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّ اللَّه وَرَسُوله مِنْهُ بَرِيئَانِ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي شَأْن عُبَادَة بْن الصَّامِت وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول وَحُلَفَائِهِمَا مِنْ الْيَهُود , وَيَجُوز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة بِسَبَبِ فِعْله فِي بَنِي قُرَيْظَة , وَيَجُوز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي شَأْن الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ السُّدِّيّ أَنَّ أَحَدهمَا هَمَّ بِاللَّحَاقِ بِدَهْلَكَ الْيَهُودِيّ وَالْآخَر بِنَصْرَانِيٍّ بِالشَّامِ , وَلَمْ يَصِحّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة خَبَر يَثْبُت بِمِثْلِهِ حُجَّة فَيُسَلَّم لِصِحَّتِهِ الْقَوْل بِأَنَّهُ كَمَا قِيلَ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالصَّوَاب أَنْ يُحْكَم لِظَاهِرِ التَّنْزِيل بِالْعُمُومِ عَلَى مَا عَمَّ , وَيَجُوز مَا قَالَهُ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ مِنْ الْقَوْل الَّذِي لَا عِلْم عِنْدنَا بِخِلَافِهِ ; غَيْر أَنَّهُ لَا شَكّ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي مُنَافِق كَانَ يُوَالِي يَهُود أَوْ نَصَارَى , خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْ دَوَائِر الدَّهْر , لِأَنَّ الْآيَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ تَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , وَذَلِكَ قَوْله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } الْآيَة .

وَأَمَّا قَوْله : { بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فَإِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ بَعْض الْيَهُود أَنْصَار بَعْضهمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَيَد وَاحِدَة عَلَى جَمِيعهمْ , وَأَنَّ النَّصَارَى كَذَلِكَ بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينهمْ وَمِلَّتهمْ , مُعَرِّفًا بِذَلِكَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ وَلِيًّا فَإِنَّمَا هُوَ وَلِيّهمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ مِلَّتهمْ وَدِينهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , كَمَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَهُمْ حَرْب , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضكُمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَلِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ حَرْبًا كَمَا هُمْ لَكُمْ حَرْب , وَبَعْضهمْ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاء ; لِأَنَّ مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ أَظْهَرَ لِأَهْلِ الْإِيمَان الْحَرْب وَمِنْهُمْ الْبَرَاءَة , وَأَبَانَ قَطْع وِلَايَتهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وَمَنْ يَتَوَلَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى دُون الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ , يَقُول : فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَهُوَ مِنْ أَهْل دِينهمْ وَمِلَّتهمْ , فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ بِهِ وَبِدِينِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ رَاضٍ , وَإِذَا رَضِيَهُ وَرَضِيَ دِينه فَقَدْ عَادَى مَا خَالَفَهُ وَسَخِطَهُ , وَصَارَ حُكْمه حُكْمه , وَلِذَلِكَ حَكَمَ مَنْ حَكَمَ مِنْ أَهْل الْعِلْم لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِب فِي ذَبَائِحهمْ وَنِكَاح نِسَائِهِمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ بِأَحْكَامِ نَصَارَى بَنِي إِسْرَائِيل , لِمُوَالَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَرِضَاهُمْ بِمِلَّتِهِمْ وَنُصْرَتهمْ لَهُمْ عَلَيْهَا , وَإِنْ كَانَتْ أَنْسَابهمْ لِأَنْسَابِهِمْ مُخَالِفَة وَأَصْل دِينهمْ لِأَصْلِ دِينهمْ مُفَارِقًا . وَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا نَقُول , مِنْ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ يَدِين بِدِينٍ فَلَهُ حُكْم أَهْل ذَلِكَ الدِّين كَانَتْ دَيْنُونَته بِهِ قَبْل مَجِيء الْإِسْلَام أَوْ بَعْده , إِلَّا أَنْ يَكُون مُسْلِمًا مِنْ أَهْل دِيننَا اِنْتَقَلَ إِلَى مِلَّة غَيْرهَا , فَإِنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَى مَا دَانَ بِهِ فَانْتَقَلَ إِلَيْهِ , وَلَكِنْ يُقْتَل لِرِدَّتِهِ عَنْ الْإِسْلَام وَمُفَارَقَته دِين الْحَقّ , إِلَّا أَنْ يَرْجِع قَبْل الْقَتْل إِلَى الدِّين الْحَقّ , وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ مِنْ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُحْكَم بِحُكْمِ أَهْل الْكِتَابَيْنِ لِمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ , إِلَّا أَنْ يَكُون إِسْرَائِيلِيًّا أَوْ مُنْتَقِلًا إِلَى دِينهمْ مِنْ غَيْرهمْ قَبْل نُزُول الْفُرْقَان . فَأَمَّا مَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ بَعْد نُزُول الْفُرْقَان مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ خَالَفَ نَسَبه نَسَبهمْ وَجِنْسه جِنْسهمْ , فَإِنَّ حُكْمَهُ لِحُكْمِهِمْ مُخَالِفٌ . ذِكْر مَنْ قَالَ بِمَا قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل : 9484 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب , فَقَرَأَ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . 9485 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } أَنَّهَا فِي الذَّبَائِح , مَنْ دَخَلَ فِي دِين قَوْم فَهُوَ مِنْهُمْ . 9486 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كُلُوا مِنْ ذَبَائِح بَنِي تَغْلِب , وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ , فَإِنَّ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ . 9487 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , قَالَ : . كَانَ الْحَسَن لَا يَرَى بِذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب وَلَا نِكَاح نِسَائِهِمْ بَأْسًا , وَكَانَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . 9488 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هَارُون بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : سُئِلَ اِبْن سِيرِينَ عَنْ رَجُل يَبِيع دَاره مِنْ نَصَارَى يَتَّخِذُونَهَا بِيعَة , قَالَ : فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ , أَنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق مَنْ وَضَعَ الْوِلَايَة فِي غَيْر مَوْضِعهَا فَوَالَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَعَ عَدَاوَتهمْ اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَكَانَ لَهُمْ ظَهِيرًا وَنَصِيرًا ; لِأَنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ فَهُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ حَرْب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْم فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع وَأَنَّهُ وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَسورة المائدة الآية رقم 52
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9489 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } فِي وِلَايَتهمْ , { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } إِلَى آخِر الْآيَة { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } . 9490 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني وَالِدِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ عُبَادَة بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَة بْن الصَّامِت : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَعْنِي : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } لِقَوْلِهِ : إِنِّي أَخْشَى دَائِرَة تُصِيبنِي . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُنَاصِحُونَ الْيَهُود وَيَغُشُّونَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَقُولُونَ : نَخْشَى أَنْ تَكُون دَائِرَة لِلْيَهُودِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9491 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ فِي مُصَانَعَة يَهُود وَمُنَاجَاتهمْ , وَاسْتِرْضَاعهمْ أَوْلَادهمْ إِيَّاهُمْ . وَقَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } قَالَ : يَقُول : نَخْشَى أَنْ تَكُون الدَّائِرَة لِلْيَهُودِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9492 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } إِلَى قَوْله : { نَادِمِينَ } أُنَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَوَدُّونَ الْيَهُود وَيُنَاصِحُونَهُمْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . 9493 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : شَكّ ; { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } وَالدَّائِرَة : ظُهُور الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّه خَبَر عَنْ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُوَالُونَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَيَغُشُّونَ الْمُؤْمِنِينَ , وَيَقُولُونَ : نَخْشَى أَنْ تَدُور دَوَائِر , إِمَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى , وَإِمَّا لِأَهْلِ الشِّرْك مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان أَوْ غَيْرهمْ عَلَى أَهْل الْإِسْلَام , أَوْ تَنْزِل بِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ نَازِلَة , فَيَكُون بِمَا إِلَيْهِمْ حَاجَة . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ مِنْ قَوْل عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ قَوْل غَيْره , غَيْر أَنَّهُ لَا شَكّ أَنَّهُ مِنْ قَوْل الْمُنَافِقِينَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : فَتَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض وَشَكّ إِيمَان بِنُبُوَّتِك , وَتَصْدِيق مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } يَعْنِي فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَيَعْنِي بِمُسَارَعَتِهِمْ فِيهِمْ : مُسَارَعَتهمْ فِي مُوَالَاتهمْ وَمُصَانَعَتهمْ . { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّمَا نُسَارِع فِي مُوَالَاة هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى خَوْفًا مِنْ دَائِرَة تَدُور عَلَيْنَا مِنْ عَدُوّنَا . وَيَعْنِي بِالدَّائِرَةِ : الدَّوْلَة , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : تَرُدُّ عَنْك الْقَدَر الْمَقْدُورَا وَدَائِرَات الدَّهْر أَنْ تَدُورَا يَعْنِي : أَنْ تَدُول لِلدَّهْرِ دَوْلَة فَنَحْتَاج إِلَى نُصْرَتهمْ إِيَّانَا , فَنَحْنُ نُوَالِيهِمْ لِذَلِكَ . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } فَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل الْفَتْح فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ هَاهُنَا الْقَضَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9494 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ } قَالَ : بِالْقَضَاءِ . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ فَتْح مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9495 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ } قَالَ : فَتْح مَكَّة . وَالْفَتْح فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ الْقَضَاء كَمَا قَالَ قَتَادَة , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْقَضَاء الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ } فَتْح مَكَّة ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَظِيم قَضَاء اللَّه وَفَصْل حُكْمه بَيْن أَهْل الْإِيمَان وَالْكُفْر , وَيُقَرَّر عِنْد أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق أَنَّ اللَّه مُعْلِي كَلِمَته وَمُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } فَإِنَّ السُّدِّيّ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9496 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } قَالَ : الْأَمْر : الْجِزْيَة . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْأَمْر الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِي بِهِ , هُوَ الْجِزْيَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون غَيْرهَا . غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِمَّا فِيهِ إِدَالَة الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَمِمَّا يَسُوء الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَسُرّهُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْر إِذَا جَاءَ أَصْبَحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ .

وَأَمَّا قَوْله : { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَأْتِي بِأَمْرٍ مِنْ عِنْده يُدِيل بِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , فَيُصْبِح هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ مِنْ مُخَالَّة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَوَدَّتهمْ وَبِغْضَة الْمُؤْمِنِينَ وَمُحَادَّتهمْ نَادِمِينَ . كَمَا : 9497 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } مِنْ مُوَادَّتهمْ الْيَهُود , وَمِنْ غِشّهمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله .
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَسورة المائدة الآية رقم 53
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } فَقَرَأَتْهَا قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ " بِغَيْرِ وَاو . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَيُصْبِح الْمُنَافِقُونَ إِذَا أَتَى اللَّه بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده , عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ , يَقُول الْمُؤْمِنُونَ تَعَجُّبًا مِنْهُمْ وَمِنْ نِفَاقهمْ وَكَذِبهمْ وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه فِي أَيْمَانهمْ الْكَاذِبَة بِاَللَّهِ : أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا لَنَا بِاَللَّهِ إِنَّهُمْ لَمَعَنَا وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي أَيْمَانهمْ لَنَا وَهَذَا الْمَعْنَى قَصَدَ مُجَاهِد فِي تَأْوِيله ذَلِكَ الَّذِي : 9498 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } حِينَئِذٍ , يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا : أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ , إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ , حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ كَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِف أَهْل الْمَدِينَة بِغَيْرِ وَاو . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } بِالْوَاوِ , وَنَصْب " يَقُول " عَطْفًا بِهِ عَلَى " فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ " . وَذَكَرَ قَارِئ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّمَا يُرِيد بِذَلِكَ : فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ , وَعَسَى أَنْ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا . وَمُحَال غَيْر ذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُقَال : وَعَسَى اللَّه أَنْ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا , وَكَانَ يَقُول : ذَلِكَ نَحْو قَوْلهمْ : أَكَلْت خُبْزًا وَلَبَنًا , وَكَقَوْلِ الشَّاعِر : وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ الْمُؤْمِنِينَ , أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده يُدِيلُهُمْ بِهِ عَلَى أَهْل الْكُفْر مِنْ أَعْدَائِهِمْ , فَيُصْبِح الْمُنَافِقُونَ عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ , وَعَسَى أَنْ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا حِينَئِذٍ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ كَذِبًا جَهْد أَيْمَانهمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ . وَهِيَ فِي مَصَاحِف أَهْل الْعِرَاق بِالْوَاوِ : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } . وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } بِالْوَاوِ وَرَفْع يَقُول بِالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّلَامَة مِنْ الْجَوَازِم وَالنَّوَاصِب . وَتَأْوِيل مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ يَنْدَمُونَ , وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا ; فَيَبْتَدِئ " يَقُول " فَيَرْفَعهَا . وَقِرَاءَتنَا الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا : { وَيَقُول } بِإِثْبَاتِ الْوَاو فِي : " وَيَقُول " ; لِأَنَّهَا كَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفنَا مَصَاحِف أَهْل الشَّرْق بِالْوَاوِ , وَبِرَفْعِ " يَقُول " عَلَى الِابْتِدَاء . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا : فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ , وَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَلَفُوا لَنَا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ كَذِبًا إِنَّهُمْ لَمَعَنَا . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ حَالهمْ عِنْده بِنِفَاقِهِمْ وَخُبْث أَعْمَالهمْ : { حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ } يَقُول : ذَهَبَتْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا بَاطِلًا لَا ثَوَاب لَهَا وَلَا أَجْر ; لِأَنَّهُمْ عَمِلُوهَا عَلَى غَيْر يَقِين مِنْهُمْ بِأَنَّهَا عَلَيْهِمْ لِلَّهِ فَرْض وَاجِب وَلَا عَلَى صِحَّة إِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْمَلُونَهَا لِيَدْفَعُوا الْمُؤْمِنِينَ بِهَا عَنْ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَذَرَارِيّهمْ , فَأَحْبَطَ اللَّه أَجْرهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ لَهُ { فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ } يَقُول : فَأَصْبَحَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عِنْد مَجِيء أَمْر اللَّه بِإِدَالَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْل الْكُفْر قَدْ وُكِسُوا فِي شِرَائِهِمْ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ , وَخَابَتْ صَفْقَتهمْ وَهَلَكُوا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌسورة المائدة الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; { مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } يَقُول : مَنْ يَرْجِع مِنْكُمْ عَنْ دِينه الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْم , فَيُبَدِّلهُ وَيُغَيِّرهُ بِدُخُولِهِ فِي الْكُفْر , إِمَّا فِي الْيَهُودِيَّة أَوْ النَّصْرَانِيَّة أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ صُنُوف الْكُفْر , فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا , وَسَيَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ; يَقُول : فَسَوْفَ يَجِيء اللَّه بَدَلًا مِنْهُمْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُبَدِّلُوا وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يَرْتَدُّوا بِقَوْمٍ خَيْر مِنْ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا وَبَدَّلُوا دِينهمْ , يُحِبّهُمْ اللَّه وَيُحِبُّونَ اللَّه . وَكَانَ هَذَا الْوَعِيد مِنْ اللَّه لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ سَيَرْتَدُّ بَعْد وَفَاة نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ وَعْده مَنْ وَعَدَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَعَدَهُ فِي هَذَا الْآيَة , لِمَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمه أَنَّهُ لَا يُبَدِّل وَلَا يُغَيِّر دِينه وَلَا يَرْتَدّ . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَدَّ أَقْوَام مِنْ أَهْل الْوَبَر وَبَعْض أَهْل الْمَدَر , فَأَبْدَلَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره , وَوَفَّى لِلْمُؤْمِنِينَ بِوَعْدِهِ , وَأَنْفَذَ فِيمَنْ اِرْتَدَّ مِنْهُمْ وَعِيده . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9499 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا وَعُمَر أَمِير الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ , فَقَالَ : يَا أَبَا حَمْزَة , آيَة أَسْهَرَتْنِي الْبَارِحَة ! قَالَ مُحَمَّد : وَمَا هِيَ أَيّهَا الْأَمِير ؟ قَالَ : قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَة لَائِم } . بِاَلَّذِينَ آمَنُوا : الْوُلَاة مِنْ قُرَيْش , مَنْ يَرْتَدّ عَنْ الْحَقّ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَعْيَان الْقَوْم الَّذِينَ أَتَى اللَّه بِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبْدَلَ الْمُؤْمِنِينَ مَكَان مَنْ اِرْتَدَّ مِنْهُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَاتَلُوا أَهْل الرِّدَّة حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مِنْ الْبَاب الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9500 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ الْفَضْل بْن دَلْهَم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : هَذَا وَاَللَّه أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْفَضْل بْن دَلْهَم , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ سَهْل , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : قَرَأَ الْحَسَن : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : هِيَ وَاَللَّه لِأَبِي بَكْر وَأَصْحَابه . * - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن بَشِير , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر وَأَصْحَابه . 9501 حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد بْن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَة لَائِم } قَالَ : هُوَ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه , لَمَّا اِرْتَدَّ مَنْ اِرْتَدَّ مِنْ الْعَرَب عَنْ الْإِسْلَام , جَاهَدَهُمْ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى الْإِسْلَام . 9502 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , وَقَدْ عَلِمَ أَنْ سَيَرْتَدّ مُرْتَدُّونَ مِنْ النَّاس . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا , اِرْتَدَّ عَامَّة الْعَرَب عَنْ الْإِسْلَام إِلَّا ثَلَاثَة مَسَاجِد : أَهْل الْمَدِينَة , وَأَهْل مَكَّة , وَأَهْل الْبَحْرَيْنِ مِنْ عَبْد الْقَيْس قَالُوا : نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي , وَاَللَّه لَا تُغْصَب أَمْوَالنَا ! فَكَلَّمَ أَبُو بَكْر فِي ذَلِكَ , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لَوْ قَدْ فَقِهُوا لِهَذَا , أَعْطَوْهَا وَزَادُوهَا : فَقَالَ : لَا وَاَللَّه , لَا أُفَرِّق بَيْن شَيْء جَمَعَ اللَّه بَيْنه , وَلَوْ مَنَعُوا عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّه وَرَسُوله , لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ ! فَبَعَثَ اللَّه عِصَابَة مَعَ أَبِي بَكْر , فَقَاتَلَ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى سَبَى وَقَتَلَ وَحَرَّقَ بِالنِّيرَانِ أُنَاسًا اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام وَمَنَعُوا الزَّكَاة , فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَقَرُّوا بِالْمَاعُونِ وَهِيَ الزَّكَاة صَغَرَة أَقْمِيَاء . فَأَتَتْهُ وُفُود الْعَرَب , فَخَيَّرَهُمْ بَيْن خُطَّة مُخْزِيَة أَوْ حَرْب مُجْلِيَة , فَاخْتَارُوا الْخُطَّة الْمُخْزِيَة , وَكَانَتْ أَهْوَن عَلَيْهِمْ , أَنْ يَعْتَدُّوا أَنَّ قَتَلَاهُمْ فِي النَّار وَأَنَّ قَتْلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّة , وَأَنَّ مَا أَصَابُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَال رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ , وَمَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ مِنْ مَال فَهُوَ لَهُمْ حَلَال . 9503 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : اِرْتَدُّوا حِين تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْر . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } قَالَ : عَلَّمَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ , وَأَوْقَع مَعْنَى السُّوء عَلَى الْحَشْو الَّذِي فِيهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ فِي عِلْمه أَنْ يَرْتَدُّوا , قَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه } الْمُرْتَدَّة عَنْ دِينهمْ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ بِأَبِي بَكْر وَأَصْحَابه . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْيَمَن . وَقَالَ بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : هُمْ رَهْط أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : عَبْد اللَّه بْن قَيْس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9504 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِيَاض الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : أَوْمَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي مُوسَى بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ , فَقَالَ : " هُمْ قَوْم هَذَا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : سَمِعْت عِيَاضًا يُحَدِّث عَنْ أَبِي مُوسَى , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : يَعْنِي قَوْم أَبِي مُوسَى . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب سَلْم بْن جُنَادَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ شُعْبَة قَالَ أَبُو السَّائِب , قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , وَأَنَا لَا أَحْفَظ سِمَاكًا عَنْ عِيَاض الْأَشْعَرِيّ , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هُمْ قَوْم هَذَا " يَعْنِي أَبَا مُوسَى . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِيَاض الْأَشْعَرِيّ , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى : " هُمْ قَوْم هَذَا " فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : سَمِعْت عِيَاضًا الْأَشْعَرِيّ يَقُول : لَمَّا نَزَلَتْ : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هُمْ قَوْمك يَا أَبَا مُوسَى " , أَوْ قَالَ : " هُمْ قَوْم هَذَا " يَعْنِي أَبَا مُوسَى . 9505 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان الْحِمْيَرِيّ , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِيَاض أَوْ اِبْن عِيَاض : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْيَمَن . 9506 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة قَالَ : ثنا صَفْوَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , عَنْ شُرَيْح بْن عُبَيْد , قَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ عُمَر : أَنَا وَقَوْمِي هُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " لَا بَلْ هَذَا وَقَوْمه " يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ 0 وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُمْ أَهْل الْيَمَن جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9507 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : أُنَاس مِنْ أَهْل الْيَمَن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9508 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُمْ قَوْم سَبَأ . 9509 حَدَّثَنَا مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : هُمْ أَهْل الْيَمَن . 9510 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة يَسْأَلهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ مُحَمَّد : يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ , وَهُمْ أَهْل الْيَمَن . قَالَ عُمَر : يَا لَيْتَنِي مِنْهُمْ ! قَالَ : آمِينَ ! وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ أَنْصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9511 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يَزْعُم أَنَّهُمْ الْأَنْصَار . وَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } أَبَا بَكْر وَأَصْحَابه فِي قِتَالهمْ أَهْل الرِّدَّة بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا , وَسَيَأْتِي اللَّه مَنْ اِرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ , يَنْتَقِم بِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى أَيْدِيهمْ . وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَر وَالرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ . 9512 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ } قَالَ : يَقُول : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه الْمُرْتَدَّة فِي دُورهمْ , بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ بِأَبِي بَكْر وَأَصْحَابه . وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : أَهْل الْيَمَن ; فَإِنَّ تَأْوِيله : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا , مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه , فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَرْتَدُّوا بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ , أَعْوَانًا لَهُمْ وَأَنْصَارًا . وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ كَانَ يَتَأَوَّل ذَلِكَ كَذَلِكَ . 9513 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } الْآيَة ; وَعِيد مِنْ اللَّه أَنَّهُ مَنْ اِرْتَدَّ مِنْكُمْ أَنَّهُ سَيَسْتَبْدِلُ خَيْرًا مِنْهُمْ . وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْأَنْصَار , فَإِنَّ تَأْوِيله فِي ذَلِكَ نَظِير تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْل الْيَمَن قَوْم أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ . وَلَوْلَا الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ مَا كَانَ الْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْل مَنْ قَالَ : هُمْ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُقَاتِل قَوْمًا كَانُوا أَظْهَرُوا الْإِسْلَام عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اِرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابهمْ كُفَّارًا , غَيْر أَبِي بَكْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ قَاتَلَ أَهْل الرِّدَّة مَعَهُ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقَوْل فِي ذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْدِن الْبَيَان عَنْ تَأْوِيل مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ وَحْيه وَآي كِتَابه . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْقَوْم الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ سَيَأْتِي بِهِمْ عِنْد اِرْتِدَاد مَنْ اِرْتَدَّ عَنْ دِينه مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , هُمْ أَهْل الْيَمَن , فَهَلْ كَانَ أَهْل الْيَمَن أَيَّام قِتَال أَبِي بَكْر أَهْل الرِّدَّة أَعْوَان أَبِي بَكْر عَلَى قِتَالهمْ , حَتَّى تَسْتَجِيز أَنْ تُوَجِّه تَأْوِيل الْآيَة إِلَى مَا وَجَّهْت إِلَيْهِ ؟ أَمْ لَمْ يَكُونُوا أَعْوَانًا لَهُ عَلَيْهِمْ , فَكَيْفَ اسْتَجَزْت أَنْ تُوَجِّه تَأْوِيل الْآيَة إِلَى ذَلِكَ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا خُلْف لِوَعْدِ اللَّه ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَعِد الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُبَدِّلهُمْ بِالْمُرْتَدِّينَ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ خَيْرًا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ لِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِمْ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْهُمْ , يَعِد فِعْل ذَلِكَ بِهِمْ قَرِيبًا غَيْر بَعِيد , فَجَاءَ بِهِمْ عَلَى عَهْد عُمَر , فَكَانَ مَوْقِعهمْ مِنْ الْإِسْلَام وَأَهْله أَحْسَن مَوْقِع , وَكَانُوا أَعْوَان أَهْل الْإِسْلَام وَأَنْفَع لَهُمْ مِمَّنْ كَانَ اِرْتَدَّ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَغَام الْأَعْرَاب وَجُفَاة أَهْل الْبَوَادِي الَّذِينَ كَانُوا عَلَى أَهْل الْإِسْلَام كَلًّا لَا نَفْعًا . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِي آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } ; فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه " بِإِظْهَارِ التَّضْعِيف بِدَالَيْنِ مَجْزُومَة الدَّال الْآخِرَة , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَأَمَّا قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ : { مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } بِالْإِدْغَامِ بِدَالٍ وَاحِدَة وَتَحْرِيكهَا إِلَى الْفَتْح بِنَاء عَلَى التَّثْنِيَة ; لِأَنَّ الْمَجْزُوم الَّذِي يَظْهَر تَضْعِيفه فِي الْوَاحِد إِذَا ثُنِّيَ أُدْغِمَ , وَيُقَال لِلْوَاحِدِ : اُرْدُدْ يَا فُلَان إِلَى فُلَان حَقّه , فَإِذَا ثُنِّيَ قِيلَ : رُدَّا إِلَيْهِ حَقّه , وَلَا يُقَال : ارْدُدَا . وَكَذَلِكَ فِي الْجَمْع رُدُّوا , وَلَا يُقَال : ارْدُدُوا . فَتَبْنِي الْعَرَب أَحْيَانًا الْوَاحِد عَلَى الِاثْنَيْنِ , وَتُظْهِر أَحْيَانًا فِي الْوَاحِد التَّضْعِيف لِسُكُونِ لَام الْفِعْل , وَكِلْتَا اللُّغَتَيْنِ فَصَيْحَة مَشْهُورَة فِي الْعُرْف . وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي مَصَاحِفنَا وَمَصَاحِف أَهْل الْمَشْرِق بِدَالٍ وَاحِدَة مُشَدَّدَة بِتَرْكِ إِظْهَار التَّضْعِيف وَبِفَتْحِ الدَّال لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفْت .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَرِقَّاء عَلَيْهِمْ رُحَمَاء بِهِمْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : ذَلَّ فُلَان لِفُلَانٍ : إِذَا خَضَعَ لَهُ وَاسْتَكَانَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } أَشِدَّاء عَلَيْهِمْ غُلَظَاء بِهِمْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ عَزَّنِي فُلَان : إِذَا أَظْهَرَ الْعِزَّة مِنْ نَفْسه لَهُ , وَأَبْدَى لَهُ الْجَفْوَة وَالْغِلْظَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9514 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَهْل رِقَّة عَلَى أَهْل دِينهمْ , { أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } أَهْل غِلْظَة عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ فِي دِينهمْ . 9515 حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } يَعْنِي بِالذِّلَّةِ : الرَّحْمَة . 9516 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : رُحَمَاء بَيْنهمْ , { أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } قَالَ : أَشِدَّاء عَلَيْهِمْ . 9517 حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : قَالَ سُفْيَان : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول فِي قَوْله : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } ضُعَفَاء عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَأْتِيهِمْ بِهِمْ إِنْ اِرْتَدَّ مِنْهُمْ مُرْتَدّ بَدَلًا مِنْهُمْ , يُجَاهِدُونَ فِي قِتَال أَعْدَاء اللَّه , عَلَى النَّحْو الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِقِتَالِهِمْ وَالْوَجْه الَّذِي أَذِنَ لَهُمْ بِهِ , وَيُجَاهِدُونَ عَدُوّهُمْ , فَذَلِكَ مُجَاهَدَتهمْ فِي سَبِيل اللَّه .

يَقُول : وَلَا يَخَافُونَ فِي ذَات اللَّه أَحَدًا , وَلَا يَصُدّهُمْ عَنْ الْعَمَل بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بْن مِنْ قِتَال عَدُوّهُمْ لَوْمَة لَائِم لَهُمْ فِي ذَلِكَ .

وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ فَضْل اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : هَذَا النَّعْت الَّذِي نَعَتَهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْره مِنْ أَنَّهُمْ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ , يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه , وَلَا يَخَافُونَ فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم , فَضْل اللَّه الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ , وَاَللَّه يُؤْتِي فَضْله مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , مِنْهُ عَلَيْهِ وَتَطَوُّلًا .

يَقُول : وَاَللَّه جَوَاد بِفَضْلِهِ عَلَى مَنْ جَادَ بِهِ عَلَيْهِ , لَا يَخَاف نَفَاد خَزَائِنه فَيَكُفّ مِنْ عَطَائِهِ . { عَلِيم } بِمَوْضِعِ جُوده وَعَطَائِهِ , فَلَا يَبْذُلهُ إِلَّا لِمَنْ اِسْتَحَقَّهُ وَلَا يَبْذُل لِمَنْ اِسْتَحَقَّهُ إِلَّا عَلَى قَدْر الْمَصْلَحَة لِعِلْمِهِ بِمَوْضِعِ صَلَاحه لَهُ مِنْ مَوْضِع ضُرّه .
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَسورة المائدة الآية رقم 55
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } لَيْسَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَاصِر إِلَّا اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ , الَّذِينَ صِفَتهمْ مَا ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْره . فَأَمَّا الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَمَرَكُمْ اللَّه أَنْ تَبَرَّءُوا مِنْ وِلَايَتهمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء , فَلَيْسُوا لَكُمْ أَوْلِيَاء وَلَا نُصَرَاء , بَلْ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عُبَادَة بْن الصَّامِت فِي تَبَرِّيهِ مِنْ وِلَايَة يَهُود بَنِي قَيْنُقَاع وَحِلْفهمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9518 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني وَالِدِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ عُبَادَة بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَشَى عُبَادَة بْن الصَّامِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ أَحَد بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج , فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه , وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ حِلْفهمْ , وَقَالَ : أَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَبْرَأ مِنْ حِلْف الْكُفَّار وَوِلَايَتهمْ ! فَفِيهِ نَزَلَتْ : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } لِقَوْلِ عُبَادَة : أَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا , وَتَبَرُّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع وَوِلَايَتهمْ . إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ } . 9519 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد , قَالَ : جَاءَ عُبَادَة بْن الصَّامِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 9520 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } يَعْنِي : أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ تَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله . وَأَمَّا قَوْله : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9521 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَنْ يَتَوَلَّاهُمْ , فَقَالَ : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } هَؤُلَاءِ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ , وَلَكِنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب مَرَّ بِهِ سَائِل وَهُوَ رَاكِع فِي الْمَسْجِد , فَأَعْطَاهُ خَاتَمه . 9522 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : سَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } قُلْنَا : مَنْ الَّذِينَ آمَنُوا ؟ قَالَ : الَّذِينَ آمَنُوا ! قُلْنَا : بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : عَلِيّ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : سَأَلْت أَبَا جَعْفَر , عَنْ قَوْل اللَّه : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ } , وَذَكَر نَحْو حَدِيث هَنَّاد عَنْ عَبْدَة . 9523 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْرَائِيل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن أَبِي حَكِيم فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . 9524 حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز قَالَ : ثنا غَالِب بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , تَصَدَّقَ وَهُوَ رَاكِع .
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَسورة المائدة الآية رقم 56
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ } وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده جَمِيعًا , الَّذِينَ تَبَرَّءُوا مِنْ الْيَهُود وَحِلْفهمْ رِضًا بِوِلَايَةِ اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَاَلَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِحِلْفِهِمْ , وَخَافُوا دَوَائِر السُّوء تَدُور عَلَيْهِمْ , فَسَارَعُوا إِلَى مُوَالَاتهمْ , بِأَنَّ مَنْ وَثِقَ بِاَللَّهِ وَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْل حَاله مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , لَهُمْ الْغَلَبَة وَالدَّوَائِر وَالدَّوْلَة عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ وَحَادَّهُمْ , لِأَنَّهُمْ حِزْب اللَّه , وَحِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ دُون حِزْب الشَّيْطَان . كَمَا : 9525 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَهُمْ يَعْنِي الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره مَنْ الْغَالِب , فَقَالَ : لَا تَخَافُوا الدَّوْلَة وَلَا الدَّائِرَة , فَقَالَ : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ } وَالْحِزْب : هُمْ الْأَنْصَار . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَإِنَّ حِزْب اللَّه } فَإِنَّ أَنْصَار اللَّه , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : وَكَيْفَ أُضْوَى وَبِلَال حِزْبِي يَعْنِي بِقَوْلِهِ أُضْوَى : أُسْتُضْعَفُ وَأُضَام , مِنْ الشَّيْء الضَّاوِي . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَبِلَال حِزْبِي , يَعْنِي نَاصِرِي.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة المائدة الآية رقم 57
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , { لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء , وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ الْكُتُب مِنْ قَبْل بَعْث نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ قَبْل نُزُول كِتَابنَا أَوْلِيَاء . يَقُول : لَا تَتَّخِذُوهُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْصَارًا وَإِخْوَانًا وَحُلَفَاء , فَإِنَّهُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَإِنْ أَظْهَرُوا لَكُمْ مَوَدَّة وَصَدَاقَة . وَكَانَ اِتِّخَاذ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ اِتَّخَذُوا دِينهمْ هُزُوًا وَلَعِبًا الدِّين عَلَى مَا وَصَفَهُمْ بِهِ رَبّنَا تَعَالَى ذِكْره , أَنَّ أَحَدهمْ كَانَ يُظْهِر لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان وَهُوَ عَلَى كُفْره مُقِيم , ثُمَّ يُرَاجِع الْكُفْر بَعْد يَسِير مِنْ الْمُدَّة بِإِظْهَارِ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ قَوْلًا بَعْد أَنْ كَانَ يُبْدِي بِلِسَانِهِ الْإِيمَان قَوْلًا وَهُوَ لِلْكُفْرِ مُسْتَبْطِن , تَلَعُّبًا بِالدِّينِ وَاسْتِهْزَاء بِهِ , كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ فِعْل بَعْضهمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينهمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس . 9526 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رِفَاعَة بْن زَيْد بْن التَّابُوت وَسُوَيْد بْن الْحَارِث قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَام , ثُمَّ نَافَقَا , وَكَانَ رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادُّونَهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } . فَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْخَبَر عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اِتِّخَاذ مَنْ اِتَّخَذَ دِين اللَّه هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , إِنَّمَا كَانَ بِالنِّفَاقِ مِنْهُمْ وَإِظْهَارهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان وَاسْتِبْطَانهمْ الْكُفْر وَقِيلهمْ لِشَيَاطِينِهِمْ مِنْ الْيَهُود إِذَا خَلَوْا بِهِمْ : إِنَّا مَعَكُمْ . فَنَهَى اللَّه عَنْ مُوَادَّتهمْ وَمُحَالَفَتهمْ , وَالتَّمَسُّك بِحِلْفِهِمْ وَالِاعْتِدَاد بِهِمْ أَوْلِيَاء , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَأْلُونَهُمْ خَبَالًا , وَفِي دِينهمْ طَعْنًا وَعَلَيْهِ إِزْرَاء . وَأَمَّا الْكُفَّار الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي قَوْله : { مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء } فَإِنَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَمِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَسَائِر أَهْل الْكُفْر أَوْلِيَاء دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَكَانَ اِبْن مَسْعُود فِيمَا : 9527 حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ اِبْن مَسْعُود , يَقْرَأ : " مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا " . فَفِي هَذَا بَيَان صِحَّة التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : " وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء " بِخَفْضِ " الْكُفَّار " , بِمَعْنَى : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ , وَمِنْ الْكُفَّار أَوْلِيَاء . وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب فِيمَا بَلَغَنَا : " مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الْكُفَّار أَوْلِيَاء " . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء } بِالنَّصْبِ , بِمَعْنَى : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا وَالْكُفَّار , عَطْفًا بِالْكُفَّارِ عَلَى الَّذِينَ اِتَّخَذُوا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى صَحِيحَتَا الْمَخْرَج , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَقَدْ أَصَابَ ; لِأَنَّ النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ وَلِيّ مِنْ الْكُفَّار نَهْي عَنْ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء , وَالنَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء نَهْي عَنْ اِتِّخَاذ بَعْضهمْ وَلِيًّا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُشْكِل عَلَى أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِذَا حَرَّمَ اِتِّخَاذ وَلِيّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء , وَلَا إِذَا حَرَّمَ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء أَنَّهُ لَمْ يُخَصِّص إِبَاحَة اِتِّخَاذ بَعْضهمْ وَلِيًّا , فَيَجِب مِنْ أَجْل إِشْكَال ذَلِكَ عَلَيْهِمْ طَلَب الدَّلِيل عَلَى أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاءٌ قَرَأَ الْقَارِئ بِالْخَفْضِ أَوْ بِالنَّصْبِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّة .

وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَخَافُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَمِنْ الْكُفَّار أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَنُصَرَاء , وَارْهَبُوا عُقُوبَته فِي فِعْل ذَلِكَ إِنْ فَعَلْتُمُوهُ بَعْد تَقَدُّمه إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَتُصَدِّقُونَهُ عَلَى وَعِيده عَلَى مَعْصِيَته .
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَسورة المائدة الآية رقم 58
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اِتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا أَذَّنَ مُؤَذِّنكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالصَّلَاةِ , سَخِرَ مِنْ دَعْوَتكُمْ إِلَيْهَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ , وَلَعِبُوا مِنْ ذَلِكَ , { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْقِلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : " ذَلِكَ " فِعْلهمْ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ , وَهُوَ هُزُؤُهُمْ وَلَعِبهمْ مِنْ الدُّعَاء إِلَى الصَّلَاة , إِنَّمَا يَفْعَلُونَهُ بِجَهْلِهِمْ بِرَبِّهِمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ مَا لَهُمْ فِي إِجَابَتهمْ إِنْ أَجَابُوا إِلَى الصَّلَاة وَمَا عَلَيْهِمْ فِي اِسْتِهْزَائِهِمْ وَلَعِبهمْ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا , وَلَوْ عَقَلُوا مَا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عِنْد اللَّه مِنْ الْعِقَاب مَا فَعَلُوهُ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ السُّدِّيّ فِي تَأْوِيله مَا : 9528 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اِتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا } كَانَ رَجُل مِنْ النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي يُنَادِي : أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , قَالَ : حُرِّقَ الْكَاذِب ! فَدَخَلَتْ خَادِمَةٌ ذَات لَيْلَة مِنْ اللَّيَالِي بِنَارٍ وَهُوَ نَائِم وَأَهْله نِيَام , فَسَقَطَتْ شَرَارَة , فَأَحْرَقَتْ الْبَيْت , فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْله .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَسورة المائدة الآية رقم 59
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْل وَأَنَّ أَكْثَركُمْ فَاسِقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : يَا أَهْل الْكِتَاب , هَلْ تَكْرَهُونَ مِنَّا أَوْ تَجِدُونَ عَلَيْنَا حَتَّى تَسْتَهْزِءُوا بِدِينِنَا إِذَا أَنْتُمْ إِذَا نَادَيْنَا إِلَى الصَّلَاة اِتَّخَذْتُمْ نِدَاءَنَا ذَلِكَ هُزُوًا وَلَعِبًا , { إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ } يَقُول : إِلَّا أَنْ صَدَّقْنَا وَأَقْرَرْنَا بِاَللَّهِ فَوَحَّدْنَاهُ , وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكِتَاب , وَمَا أُنْزِلَ إِلَى أَنْبِيَاء اللَّه مِنْ الْكُتُب مِنْ قَبْل كِتَابنَا . وَالْعَرَب تَقُول : نَقَمْت عَلَيْك كَذَا أَنْقِم وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاء مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَغَيْرهمْ وَنَقَمْت أَنْقِم لُغَتَانِ , وَلَا نَعْلَم قَارِئًا قَرَأَ بِهَا بِمَعْنَى وَجَدْت وَكَرِهْت , وَمِنْهُ قَوْل عَبْد اللَّه بْن قَيْس الرُّقَيَّات : مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّة إِلَّا أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْم مِنْ الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9529 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَر مِنْ الْيَهُود فِيهِمْ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَب , وَرَافِع بْن أَبِي رَافِع , وَعَازِر , وَزَيْد وَخَالِد , وأزار بْن أَبِي أزار , وأشيع , فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِن بِهِ مِنْ الرُّسُل ؟ قَالَ : " أُومِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا , وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط , وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى , وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ , لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " . فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّته وَقَالُوا : لَا نُؤْمِن بِمَنْ آمَنَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْل وَأَنَّ أَكْثَركُمْ فَاسِقُونَ } . عَطْفًا بِهَا عَلَى " أَنْ " الَّتِي فِي قَوْله : { إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا إِيمَاننَا بِاَللَّهِ وَفِسْقكُمْ .

يَقُول : إِلَّا أَنَّ أَكْثَركُمْ مُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه , خَارِجُونَ عَنْ طَاعَته , تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ .
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِسورة المائدة الآية رقم 60
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه مَنْ لَعَنَهُ اللَّه وَغَضِبَ عَلَيْهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار : هَلْ أُنَبِّئكُمْ يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب بِشَرٍّ مِنْ ثَوَاب مَا تَنْقِمُونَ مِنَّا مِنْ إِيمَاننَا بِاَللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ كِتَاب اللَّه , وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلنَا مِنْ كُتُبه ؟ غَيْر أَنَّ الْعَيْن لَمَّا سُكِّنَتْ , نُقِلَتْ حَرَكَتهَا إِلَى الْفَاء , وَهِيَ الثَّاء مِنْ " مَثُوبَة " , فَخَرَجَتْ مَخْرَج مَقُولَة , وَمَحُورَة , وَمَضُوفَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَكُنْت إِذَا جَارِي دَعَا لِمَضُوفَةٍ أُشَمِّر حَتَّى يَنْصُف السَّاقَ مِئْزَرِي وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9530 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه } يَقُول : ثَوَابًا عِنْد اللَّه . 9531 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه } قَالَ : الْمَثُوبَة : الثَّوَاب , مَثُوبَة الْخَيْر وَمَثُوبَة الشَّرّ , وَقَرَأَ : " شَرّ ثَوَابًا " . وَأَمَّا " مَنْ " فِي قَوْله : { مَنْ لَعَنَهُ اللَّه } فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى قَوْله : { بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ } . فَكَأَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه بِمَنْ لَعَنَهُ اللَّه . وَلَوْ قِيلَ هُوَ فِي مَوْضِع رَفْع لَكَانَ صَوَابًا عَلَى الِاسْتِئْنَاف , بِمَعْنَى : ذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه , أَوْ هُوَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه . وَلَوْ قِيلَ هُوَ فِي مَوْضِع نَصْب لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا , بِمَعْنَى : قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه , فَيُجْعَل " أُنَبِّئكُمْ " عَلَى مَا فِي مَنْ وَاقِعًا عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { مَنْ لَعَنَهُ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مَنْ أَبْعَدَهُ اللَّه وَأَسْحَقَهُ مِنْ رَحْمَته وَغَضِبَ عَلَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير } يَقُول : وَغَضِبَ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْمُسُوخ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , غَضَبًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَسُخْطًا , فَعَجَّلَ لَهُمْ الْخِزْي وَالنَّكَال فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا سَبَب مَسْخ اللَّه مَنْ مَسَخَ مِنْهُمْ قِرَدَة فَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضه فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّته إِنْ شَاءَ اللَّه فِي مَكَان غَيْر هَذَا . وَأَمَّا سَبَب مَسْخ اللَّه مَنْ مَسَخَ مِنْهُمْ خَنَازِير , فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا : 9532 حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن كَثِير بْن أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : حُدِّثْت أَنَّ الْمَسْخ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْخَنَازِير كَانَ أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَتْ فِي قَرْيَة مِنْ قُرَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ فِيهَا مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانُوا قَدْ اِسْتَجْمَعُوا عَلَى الْهَلَكَة , إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَة كَانَتْ عَلَى بَقِيَّة مِنْ الْإِسْلَام مُتَمَسِّكَة بِهِ , فَجَعَلَتْ تَدْعُو إِلَى اللَّه حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعَ إِلَيْهَا نَاس فَتَابَعُوهَا عَلَى أَمْرهَا , قَالَتْ لَهُمْ : إِنَّهُ لَا بُدّ لَكُمْ مِنْ أَنْ تُجَاهِدُوا عَنْ دِين اللَّه وَأَنْ تُنَادُوا قَوْمكُمْ بِذَلِكَ , فَاخْرُجُوا فَإِنِّي خَارِجَة ! فَخَرَجَتْ وَخَرَجَ إِلَيْهَا ذَلِكَ الْمَلِك فِي النَّاس , فَقَتَلَ أَصْحَابهَا جَمِيعًا , وَانْفَلَتَتْ مِنْ بَيْنهمْ . قَالَ : وَدَعَتْ إِلَى اللَّه حَتَّى تَجَمَّعَ النَّاس إِلَيْهَا , حَتَّى إِذَا رَضِيَتْ مِنْهُمْ أَمَرَتْهُمْ بِالْخُرُوجِ , فَخَرَجُوا وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ , وَأُصِيبُوا جَمِيعًا وَانْفَلَتَتْ مِنْ بَيْنهمْ . ثُمَّ دَعَتْ إِلَى اللَّه , حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعَ إِلَيْهَا رِجَال اِسْتَجَابُوا لَهَا , أَمَرَتْهُمْ بِالْخُرُوجِ , فَخَرَجُوا وَخَرَجَتْ , فَأُصِيبُوا جَمِيعًا , وَانْفَلَتَتْ مِنْ بَيْنهمْ . فَرَجَعَتْ وَقَدْ أَيِسَتْ , وَهِيَ تَقُول : سُبْحَان اللَّه لَوْ كَانَ لِهَذَا الدِّين وَلِيّ وَنَاصِر لَقَدْ أَظْهَرَهُ بَعْد ! قَالَ : فَبَاتَتْ مَحْزُونَة , وَأَصْبَحَ أَهْل الْقَرْيَة يَسْعَوْنَ فِي نَوَاحِيهَا خَنَازِير وَقَدْ مَسَخَهُمْ اللَّه فِي لَيْلَتهمْ تِلْكَ , فَقَالَتْ حِين أَصْبَحَتْ وَرَأَتْ مَا رَأَتْ : الْيَوْم أَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَعَزَّ دِينه وَأَمْر دِينه ! قَالَ : فَمَا كَانَ مَسْخ الْخَنَازِير فِي بَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا عَلَى يَدَيْ تِلْكَ الْمَرْأَة . 9533 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير } قَالَ : مُسِخَتْ مِنْ يَهُود . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَلِلْمَسْخِ سَبَب فِيمَا ذُكِرَ غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْحِجَاز وَالشَّام وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } بِمَعْنَى : وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت , بِمَعْنَى : عَابِد , فَجَعَلَ " عَبَدَ " فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ صِلَة الْمُضْمَر , وَنَصَبَ " الطَّاغُوت " بِوُقُوعِ عَبَدَ عَلَيْهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ : " وَعَبُد الطَّاغُوت " بِفَتْحِ الْعَيْن مِنْ عَبُد وَضَمّ بَائِهَا وَخَفْض " الطَّاغُوت " بِإِضَافَةِ " عَبُد " إِلَيْهِ , وَعَنَوْا بِذَلِكَ : وَخَدَم الطَّاغُوت . 9534 حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثني حَمْزَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب أَنَّهُ قَرَأَ : " وَعَبَدَ الطَّاغُوت " يَقُول : خَدَم . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن : وَكَانَ حَمْزَة كَذَلِكَ يَقْرَؤُهَا . 9535 حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : إِنْ يَكُنْ فِيهِ لُغَة مِثْل حَذِر وَحَذُر , وَعَجِل وَعَجُل , فَهُوَ وَجْه وَاَللَّه أَعْلَم . وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادَ قَوْل الشَّاعِر : أَبَنِي لُبَيْنَى إِنَّ أُمّكُمْ أَمَة وَإِنَّ أَبَاكُمْ عَبْد فَإِنَّ هَذَا مِنْ ضَرُورَة الشِّعْر . وَهَذَا يَجُوز فِي الشِّعْر لِضَرُورَةِ الْقَوَافِي , وَأَمَّا فِي الْقِرَاءَة فَلَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ " وَعُبُد الطَّاغُوت " ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الْأَعْمَش , وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ جَمْع الْجَمْع مِنْ الْعَبْد , كَأَنَّهُ جَمَعَ الْعَبْد عَبِيدًا , ثُمَّ جَمَعَ الْعَبِيد عُبُدًا , مِثْل ثِمَار وَثُمُر . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ : " عُبُد الطَّاغُوت " . 9536 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ يَقْرَؤُهَا : " وَعُبُد الطَّاغُوت " كَمَا يَقُول : ضُرِبَ عَبْد اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ قِرَاءَة لَا مَعْنَى لَهَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا اِبْتَدَأَ الْخَبَر بِذَمِّ أَقْوَام , فَكَانَ فِيمَا ذَمَّهُمْ بِهِ عِبَادَتهمْ الطَّاغُوت . وَأَمَّا الْخَبَر عَنْ أَنَّ الطَّاغُوت قَدْ عُبِدَ , فَلَيْسَ مِنْ نَوْع الْخَبَر الَّذِي اِبْتَدَأَ بِهِ الْآيَة , وَلَا مِنْ جِنْس مَا خَتَمَهَا بِهِ , فَيَكُون لَهُ وَجْه يُوَجِّه إِلَيْهِ مِنْ الصِّحَّة . وَذُكِرَ أَنَّ بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " وَعَابِد الطَّاغُوت " . 9537 حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شَيْخ بَصْرِيّ : أَنَّ بُرَيْدَة كَانَ يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ . وَلَوْ قُرِئَ ذَلِكَ : " وَعَبَدَ الطَّاغُوت " , بِالْكَسْرِ كَانَ لَهُ مَخْرَج فِي الْعَرَبِيَّة صَحِيح , وَإِنْ لَمْ أَسْتَجِز الْيَوْم الْقِرَاءَة بِهَا , إِذْ كَانَتْ قِرَاءَة الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء بِخِلَافِهَا ; وَوَجْه جَوَازهَا فِي الْعَرَبِيَّة أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا وَعَبَدَة الطَّاغُوت , ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَاء مِنْ الْعَبَدَة لِلْإِضَافَةِ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : قَامَ وُلَاهَا فَسَقَوْهُ صَرْخَدَا يُرِيد : قَامَ وُلَاتهَا , فَحَذَفَ التَّاء مِنْ وُلَاتهَا لِلْإِضَافَةِ . وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرَّاء فَبِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بَدَأْت بِذِكْرِهِمَا , وَهُوَ : " وَعَبَدَ الطَّاغُوت " بِنَصْبِ الطَّاغُوت وَإِعْمَال " عَبَدَ " فِيهِ , وَتَوْجِيه " عَبَدَ " إِلَى أَنَّهُ فِعْل مَاضٍ مِنْ الْعِبَادَة . وَالْآخَر : " عَبُد الطَّاغُوت " عَلَى مِثَال فَعُلَ , وَخَفْض " الطَّاغُوت " بِإِضَافَةِ " عَبُد " إِلَيْهِ . فَإِذَا كَانَتْ قِرَاءَة الْقُرَّاء بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ دُون غَيْرهمَا مِنْ الْأَوْجُه الَّتِي هِيَ أَصَحّ مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّة مِنْهُمَا , فَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ مِنْ الْقِرَاءَة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } بِمَعْنَى : وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن مَسْعُود : " وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَعَبَدُوا الطَّاغُوت " بِمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ عَبَدُوا الطَّاغُوت . فَفِي ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ : وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت , وَأَنَّ النَّصْب بِالطَّاغُوتِ أَوْلَى عَلَى مَا وَصَفْت فِي الْقِرَاءَة لِإِعْمَالِ " عَبَدَ " فِيهِ , إِذْ كَانَ الْوَجْه الْآخَر غَيْر مُسْتَفِيض فِي الْعَرَب وَلَا مَعْرُوف فِي كَلَامهَا ; عَلَى أَنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَسْتَنْكِرُونَ إِعْمَال شَيْء فِي " مَنْ " وَ " الَّذِي " الْمُضْمَرَيْنِ مَعَ " مِنْ " وَ " فِي " إِذَا كَفَتْ " مِنْ " أَوْ " فِي " مِنْهُمَا , وَيَسْتَقْبِحُونَهُ , حَتَّى كَانَ بَعْضهمْ يُحِيل ذَلِكَ وَلَا يُجِيزهُ . وَكَانَ الَّذِي يُحِيل ذَلِكَ يَقْرَؤُهُ : " وَعَبُد الطَّاغُوت " , فَهُوَ عَلَى قَوْله خَطَأ وَلَحْن غَيْر جَائِز . وَكَانَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يَسْتَجِيزُونَهُ عَلَى قُبْح , فَالْوَاجِب عَلَى قَوْلهمْ أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة بِذَلِكَ قَبِيحَة ; وَهُمْ مَعَ اِسْتِقْبَاحهمْ ذَلِكَ فِي الْكَلَام قَدْ اِخْتَارُوا الْقِرَاءَة بِهَا , وَإِعْمَال وَجَعْل فِي " مَنْ " وَهِيَ مَحْذُوفَة مَعَ " مِنْ " وَلَوْ كُنَّا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَة الْجَمَاعَة فِي شَيْء مِمَّا جَاءَتْ بِهِ مُجْمَعَة عَلَيْهِ , لَاخْتَرْنَا الْقِرَاءَة بِغَيْرِ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ , غَيْر أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَفِيضًا , فَهُمْ لَا يَتَنَاكَرُونَهُ , فَلَا نَسْتَجِيزُ الْخُرُوج مِنْهُ إِلَى غَيْره ; فَلِذَلِكَ لَمْ نَسْتَجِز الْقِرَاءَة بِخِلَافِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْدُوهُمَا . وَإِذْ كَانَتْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا مَا ذَكَرْنَا , فَتَأْوِيل الْآيَة : قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه : مَنْ لَعَنَهُ , وَغَضِبَ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطَّاغُوت فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ مِنْ الرِّوَايَات وَغَيْرهَا , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته هَاهُنَا .

وَأَمَّا قَوْله : { أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " أُولَئِكَ " : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره , وَهُمْ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ , فَقَالَ : مَنْ لَعَنَهُ اللَّه , وَغَضِبَ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَعَبَدَ الطَّاغُوت ; وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ صِفَة الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ شَرّ مَكَانًا فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِنْد اللَّه مِمَّنْ نَقَمْتُمْ عَلَيْهِمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكِتَاب وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَى مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء , { وَأَضَلّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ أَيّهَا الْيَهُود , أَشَدّ أَخْذًا عَلَى غَيْر الطَّرِيق الْقَوِيم , وَأَجْوَر عَنْ سَبِيل الرُّشْد وَالْقَصْد مِنْهُمْ . وَهَذَا مِنْ لَحْن الْكَلَام , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا قَصَدَ بِهَذَا الْخَبَر إِخْبَار الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي الْآيَات قَبْل هَذِهِ بِقَبِيحِ فِعَالهمْ وَذَمِيم أَخْلَاقهمْ وَاسْتِيجَابهمْ سَخَطه بِكَثْرَةِ ذُنُوبهمْ وَمَعَاصِيهمْ , حَتَّى مُسِخَ بَعْضهمْ قِرَدَة وَبَعْضهمْ خَنَازِير , خِطَابًا مِنْهُ لَهُمْ بِذَلِكَ تَعْرِيضًا بِالْجَمِيلِ مِنْ الْخِطَاب , وَلَحْن لَهُمْ بِمَا عَرَفُوا مَعْنَاهُ مِنْ الْكَلَام بِأَحْسَن اللَّحْن , وَعَلَّمَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَدَب أَحْسَنه , فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد , أَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَبِكُتُبِهِ الَّذِينَ تَسْتَهْزِءُونَ مِنْهُمْ شَرّ أَمْ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه ؟ وَهُوَ يَعْنِي الْمَقُول ذَلِكَ لَهُمْ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4