الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6
أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًاسورة النساء الآية رقم 121
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الشَّيْطَان وَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه , { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم } يُعْنَى : مَصِيرهمْ الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ جَهَنَّم ,

يَقُول : لَا يَجِدُونَ عَنْ جَهَنَّم إِذَا صَيَّرَهُمْ اللَّه إِلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة , مَعْدِلًا يَعْدِلُونَ إِلَيْهِ , يُقَال مِنْهُ : حَاصَ فُلَان عَنْ هَذَا الْأَمْر يَحِيص حَيْصًا وَحُيُوصًا : إِذَا عَدَلَ عَنْهُ , وَمِنْهُ خَبَر اِبْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ : بَعَثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة كُنْت فِيهِمْ , فَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ فَحِصْنَا حَيْصَة ; وَقَالَ بَعْضهمْ : فَجَاضُوا جَيْضَة , وَالْحَيْص وَالْجَيْض مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاًسورة النساء الآية رقم 122
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } : وَاَلَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , يَقُول : وَأَدَّوْا فَرَائِض اللَّه الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ .

{ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُولهُ : سَوْفَ نُدْخِلهُمْ يَوْم الْقِيَامَة إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّه جَزَاء بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ الصَّالِحَات جَنَّات : يَعْنِي بَسَاتِين تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار .

{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } يَقُول : بَاقِينَ فِي هَذِهِ الْجَنَّات الَّتِي وَصَفَهَا أَبَدًا دَائِمًا .

ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ أَصْدَق مِنْ اللَّه قِيلًا } يَقُول : وَمَنْ أَصْدَق أَيّهَا النَّاس مِنْ اللَّه قِيلًا : أَيْ لَا أَحَد أَصْدَق مِنْهُ قِيلًا , فَكَيْفَ تَتْرُكُونَ الْعَمَل بِمَا وَعَدَكُمْ عَلَى الْعَمَل بِهِ رَبّكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا , وَتَكْفُرُونَ بِهِ , وَتُخَالِفُونَ أَمْره , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنْ لَا أَحَد أَصْدَق مِنْهُ قِيلًا , وَتَعْمَلُونَ بِمَا يَأْمُركُمْ بِهِ الشَّيْطَان , رَجَاء لِإِدْرَاكِ مَا يَعِدكُمْ مِنْ عِدَاته الْكَاذِبَة وَأَمَانِيّه الْبَاطِلَة , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ عِدَاته غُرُور لَا صِحَّة لَهَا وَلَا حَقِيقَة , وَتَتَّخِذُونَهُ وَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه وَتَتْرُكُونَ أَنْ تُطِيعُوا اللَّه فِيمَا يَأْمُركُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ , فَتَكُونُوا لَهُ أَوْلِيَاء ؟ وَمَعْنَى الْقِيل : الْقَوْل : وَاحِد .
لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًاسورة النساء الآية رقم 123
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } أَهْل الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8275 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : تَفَاخَرَ النَّصَارَى وَأَهْل الْإِسْلَام , فَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل مِنْكُمْ , وَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل مِنْكُمْ ; قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ أَهْل الْكِتَاب : نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاء , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن } . * - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مَسْرُوق فِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ : اِحْتَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ , وَقَالَ أَهْل الْكِتَاب : نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ : فَفَلَجَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن }. .. إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ . 8276 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْكِتَاب اِفْتَخَرُوا , فَقَالَ أَهْل الْكِتَاب : نَبِيّنَا قَبْل نَبِيّكُمْ , وَكِتَابنَا قَبْل كِتَابكُمْ , وَنَحْنُ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : نَحْنُ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْكُمْ , نَبِيّنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ , وَكِتَابنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُب الَّتِي كَانَتْ قَبْله . فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب , مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } . .. إِلَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن وَاتَّبَعَ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا } فَأَفْلَجَ اللَّه حُجَّة الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْل الْأَدْيَان. 8277 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : اِلْتَقَى نَاس مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَقَالَتْ الْيَهُود لِلْمُسْلِمِينَ . نَحْنُ خَيْر مِنْكُمْ , دِيننَا قَبْل دِينكُمْ , وَكِتَابنَا قَبْل كِتَابكُمْ , وَنَبِيّنَا قَبْل نَبِيّكُمْ , وَنَحْنُ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم , وَلَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا. وَقَالَتْ النَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : كِتَابنَا بَعْد كِتَابكُمْ , وَنَبِيّنَا بَعْد نَبِيّكُمْ , وَقَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تَتَّبِعُونَا وَتَتْرُكُوا أَمْركُمْ , فَنَحْنُ خَيْر مِنْكُمْ , نَحْنُ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق , وَلَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِيننَا . فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ , فَقَالَ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } ثُمَّ فَضَّلَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن وَاتَّبَعَ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا } . 8278 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } تَخَاصَمَ أَهْل الْأَدْيَان , فَقَالَ أَهْل التَّوْرَاة : كِتَابنَا أَوَّل كِتَاب وَخَيْرهَا , وَنَبِيّنَا خَيْر الْأَنْبِيَاء . وَقَالَ أَهْل الْإِنْجِيل نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ . وَقَالَ أَهْل الْإِسْلَام : لَا دِين إِلَّا دِين الْإِسْلَام , وَكِتَابنَا نَسَخَ كُلّ كِتَاب , وَنَبِيّنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ , وَأُمِرْنَا أَنْ نَعْمَل بِكِتَابِنَا وَنُؤْمِن بِكِتَابِكُمْ. فَقَضَى اللَّه بَيْنهمْ , فَقَالَ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } . ثُمَّ خَيَّرَ بَيْن أَهْل الْأَدْيَان , فَفَضَّلَ أَهْل الْفَضْل , فَقَالَ : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن } . .. إِلَى قَوْله : { وَاِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا } . 8279 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } . .. إِلَى : { وَلَا نَصِيرًا } تَحَاكَمَ أَهْل الْأَدْيَان , فَقَالَ أَهْل التَّوْرَاة : كِتَابنَا خَيْر مِنْ الْكُتُب , أُنْزِلَ قَبْل كِتَابكُمْ , وَنَبِيّنَا خَيْر الْأَنْبِيَاء . وَقَالَ أَهْل الْإِنْجِيل مِثْل ذَلِكَ . وَقَالَ أَهْل الْإِسْلَام : لَا دِين إِلَّا الْإِسْلَام , كِتَابنَا نَسَخَ كُلّ كِتَاب , وَنَبِيّنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ , وَأُمِرْتُمْ وَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِن بِكِتَابِكُمْ , وَنَعْمَل بِكِتَابِنَا . فَقَضَى اللَّه بَيْنهمْ فَقَالَ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } وَخَيَّرَ بَيْن أَهْل الْأَدْيَان فَقَالَ : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن وَاتَّبَعَ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَاِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا } . 8280 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد وَأَبُو زُهَيْر , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : جَلَسَ نَاس مِنْ أَهْل التَّوْرَاة وَأَهْل الْإِنْجِيل وَأَهْل الْإِيمَان , فَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل , وَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل. فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } , ثُمَّ خَصَّ اللَّه أَهْل الْإِيمَان فَقَالَ : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن } . 8281 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : جَلَسَ أَهْل التَّوْرَاة وَأَهْل الْإِنْجِيل وَأَهْل الزَّبُور وَأَهْل الْإِيمَان , فَتَفَاخَرُوا , فَقَالَ هَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل , وَهَؤُلَاءِ : نَحْنُ أَفْضَل . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } . 8282 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ : اِفْتَخَرَ أَهْل الْأَدْيَان , فَقَالَتْ الْيَهُود : كِتَابنَا خَيْر الْكُتُب وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه , وَنَبِيّنَا أَكْرَم الْأَنْبِيَاء عَلَى اللَّه مُوسَى , كَلَّمَهُ اللَّه قَبَلًا , وَخَلَا بِهِ نَجِيًّا , وَدِيننَا خَيْر الْأَدْيَان . وَقَالَتْ النَّصَارَى : عِيسَى اِبْن مَرْيَم خَاتَم الرُّسُل , وَآتَاهُ اللَّه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَلَوْ أَدْرَكَهُ مُوسَى لَاتَّبَعَهُ , وَدِيننَا خَيْر الْأَدْيَان . وَقَالَتْ الْمَجُوس وَكُفَّار الْعَرَب : دِيننَا أَقْدَم الْأَدْيَان وَخَيْرهَا . وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : مُحَمَّد نَبِيّنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ , وَسَيِّد الْأَنْبِيَاء , وَالْفُرْقَان آخِر مَا أُنْزِلَ مِنْ الْكُتُب مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُوَ أَمِين عَلَى كُلّ كِتَاب , وَالْإِسْلَام خَيْر الْأَدْيَان . فَخَيَّرَ اللَّه بَيْنهمْ , فَقَالَ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } أَهْل الشِّرْك بِهِ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8283 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ : قُرَيْش قَالَتْ : لَنْ نُبْعَث وَلَنْ نُعَذَّب . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } قَالَ : قَالَتْ قُرَيْش : لَنْ نُبْعَث وَلَنْ نُعَذَّب , فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } . 8284 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ . وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : قَالَتْ الْعَرَب : لَنْ نُبْعَث وَلَنْ نُعَذَّب ; وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : { لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } 2 111 , أَوْ قَالُوا { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } 2 80 شَكَّ أَبُو بِشْر . 8285 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } قَالَ : قُرَيْش وَكَعْب بْن الْأَشْرَف ; { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } . 8286 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : جَاءَ حُيَيّ بْن أَخْطَب إِلَى الْمُشْرِكِينَ , فَقَالُوا لَهُ : يَا حُيَيّ إِنَّكُمْ أَصْحَاب كُتُب , فَنَحْنُ خَيْر أَمْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ؟ فَقَالَ : أَنْتُمْ خَيْر مِنْهُ . فَذَلِكَ قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب } . .. إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يَلْعَن اللَّه فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا } 4 51 - 52 . ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن } رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } . قَالَ : وَوَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُكَفِّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , وَلَمْ يَعِد أُولَئِكَ , وَقَرَأَ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } 29 7 . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : قَالَتْ قُرَيْش : لَنْ نُبْعَث وَلَنْ نُعَذَّب . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ أَهْل الْكِتَاب خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8287 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي أَسِيد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } . .. الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب حِين خَالَفُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , مَا قَالَ مُجَاهِد مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } مُشْرِكِي قُرَيْش . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْرِ لِأَمَانِيِّهِمْ ذِكْر فِيمَا مَضَى مِنْ الْآي قَبْل قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْر أَمَانِيّ نَصِيب الشَّيْطَان الْمَفْرُوض , وَذَلِكَ فِي قَوْله : { وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَان الْأَنْعَام } وَقَوْله : { يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } فَإِلْحَاق مَعْنَى قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } بِمَا قَدْ جَرَى ذِكْره قَبْل أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ اِدِّعَاء تَأْوِيل فِيهِ , لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَلَا أَثَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا إِجْمَاع مِنْ أَهْل التَّأْوِيل. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة إِذَنْ : لَيْسَ الْأَمْر بِأَمَانِيِّكُمْ يَا مَعْشَر أَوْلِيَاء الشَّيْطَان وَحِزْبه الَّتِي يُمَنِّيكُمُوهَا وَلِيّكُمْ عَدُوّ اللَّه مِنْ إِنْقَاذكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ بِسُوءٍ , وَنُصْرَتكُمْ عَلَيْهِ , وَإِظْفَاركُمْ بِهِ , وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ قَالُوا اِغْتِرَارًا بِاَللَّهِ وَبِحِلْمِهِ عَنْهُمْ : لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة , وَلَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى , فَإِنَّ اللَّه مُجَازٍ كُلّ عَامِل مِنْكُمْ جَزَاء عَمَله , مَنْ يَعْمَل مِنْكُمْ سُوءًا , أَوْ مِنْ غَيْركُمْ يُجْزَ بِهِ , وَلَا يَجِد لَهُ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا , وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة . وَمِمَّا يَدُلّ أَيْضًا عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , وَأَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } مُشْرِكُو الْعَرَب كَمَا قَالَ مُجَاهِد : إِنَّ اللَّه وَصَفَ وَعْد الشَّيْطَان مَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ , وَأَخْبَرَ بِحَالِ وَعْده , الصَّادِق بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْد اللَّه حَقًّا } وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَ وَصْفه وَعْد الشَّيْطَان أَوْلِيَاءَهُ , وَتَمْنِيَته إِيَّاهُمْ الْأَمَانِيّ بِقَوْلِهِ : { يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } كَمَا ذَكَرَ وَعْده إِيَّاهُمْ , فَاَلَّذِي هُوَ أَشْبَه أَنْ يَتَّبِع تَمْنِيَته إِيَّاهُمْ مِنْ الصِّفَة , بِمِثْلِ الَّذِي اتَّبَعَ عِدَته إِيَّاهُمْ بِهِ مِنْ الصِّفَة . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صُحِّحَ أَنَّ قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } ... الْآيَة , إِنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ أَمَانِيّ أَوْلِيَاء الشَّيْطَان وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَة أَمَانِيّهمْ مَعَ سَيِّئ أَعْمَالهمْ مِنْ سُوء الْجَزَاء , وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَة أَعْمَال أَوْلِيَاء اللَّه مِنْ حُسْن الْجَزَاء . وَإِنَّمَا ضَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْل الْكِتَاب إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْله : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } لِأَنَّ أَمَانِيّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ تَمْنِيَة الشَّيْطَان إِيَّاهُمْ الَّتِي وَعَدَهُمْ أَنْ يُمَنِّيهُمُوهَا بِقَوْلِهِ : { وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالسُّوءِ كُلّ مَعْصِيَة لِلَّهِ , وَقَالُوا : مَعْنَى الْآيَة : مَنْ يَرْتَكِب صَغِيرَة أَوْ كَبِيرَة مِنْ مُؤْمِن أَوْ كَافِر مِنْ مَعَاصِي اللَّه , يُجَازِهِ اللَّه بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8288 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ زِيَاد بْن الرَّبِيع سَأَلَ أُبَيّ بْن كَعْب عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَاك إِلَّا أَفْقَه مِمَّا أَرَى ! النَّكْبَة وَالْعُود وَالْخَدْش . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ الرَّبِيع بْن زِيَاد , قَالَ : قُلْت لِأُبَيّ بْن كَعْب , قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } وَاَللَّه إِنْ كَانَ كُلّ مَا عَمِلْنَا جُزِينَا بِهِ هَلَكْنَا ! قَالَ : وَاَللَّه إِنْ كُنْت لَأَرَاك أَفْقَه مِمَّا أَرَى ! لَا يُصِيب رَجُلًا خَدْش وَلَا عَثْرَة إِلَّا بِذَنْبٍ , وَمَا يَعْفُو اللَّه عَنْهُ أَكْثَر , حَتَّى اللَّدْغَة وَالنَّفْحَة . 8289 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن بِشْر بْن مَعْرُور , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ حَجَّاج الصَّوَّاف , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَبِي الْمُهَلَّب , قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَائِشَة كَيْ أَسْأَلهَا عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَتْ : ذَاكَ مَا يُصِيبكُمْ فِي الدُّنْيَا 8290 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي خَالِد أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا , قَالَ : قُلْت : وَمَا تَبْلُغ الْمُصِيبَات ؟ قَالَ : مَا تَكْرَه. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَنْ يَعْمَل سُوءًا مِنْ أَهْل الْكُفْر يُجْزَ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8291 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن : { مَنْ يَعْمَل سُوء يُجْزَ بِهِ } قَالَ : الْكَافِر . ثُمَّ قَرَأَ : { وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور } 34 17 قَالَ : مِنْ الْكُفَّار . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو هَمَّام الْأَهْوَازِيّ , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } و { وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور } 34 17 يَعْنِي بِذَلِكَ : الْكُفَّار , لَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الصَّلَاة. 8292 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : وَاَللَّه مَا جَازَى اللَّه عَبْدًا بِالْخَيْرِ . وَالشَّرّ إِلَّا عَذَّبَهُ , قَالَ : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِي الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } 53 31 قَالَ : أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوب , وَلَكِنَّهُ غَفَرَهَا لَهُمْ , وَلَمْ يُجَازِهِمْ بِهَا , إِنَّ اللَّه لَا يُجَازِي عَبْده الْمُؤْمِن بِذَنْبٍ , إِذًا تُوبِقهُ ذُنُوبه . 8293 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُكَفِّر عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , وَلَمْ يَعِد أُولَئِكَ , يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. 8294 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : إِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّه هَوَانه ; فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ كَرَامَته فَإِنَّهُ مِنْ أَهْل الْجَنَّة { وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } 46 16 . 8295 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } يَعْنِي بِذَلِكَ . : الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَكُفَّار الْعَرَب , وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى السُّوء فِي هَذَا الْمَوْضِع : الشِّرْك . قَالُوا : وَتَأْوِيل قَوْله : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } : مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ يُجْزَ بِشِرْكِهِ وَلَا يَجِد لَهُ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8296 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } يَقُول : مَنْ يُشْرِك يُجْزَ بِهِ , وَهُوَ السُّوء , { وَلَا يَجِد لَهُ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } إِلَّا أَنْ يَتُوب قَبْل مَوْته , فَيَتُوب اللَّه عَلَيْهِ . 8297 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : الشِّرْك . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَة , التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب وَعَائِشَة , وَهُوَ أَنَّ كُلّ مَنْ عَمِلَ سُوءًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مِنْ مُؤْمِن أَوْ كَافِر , جُوزِيَ بِهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِعُمُومِ الْآيَة كُلّ عَامِل سُوء , مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ أَوْ يَسْتَثْنِي مِنْهُمْ أَحَدًا , فَهِيَ عَلَى عُمُومهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلَالَة عَلَى خُصُوصهَا وَلَا قَامَتْ حُجَّة بِذَلِكَ مِنْ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْل اللَّه : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِر مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } 4 31 وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يُجَازِي عَلَى مَا قَدْ وَعَدَ تَكْفِيره ؟ قِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَعِد بِقَوْلِهِ : { نُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } تَرَكَ الْمُجَازَاة عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا وَعَدَ التَّكْفِير بِتَرْكِ الْفَضِيحَة مِنْهُ لِأَهْلِهَا فِي مَعَادهمْ , كَمَا فَضَحَ أَهْل الشِّرْك وَالنِّفَاق . فَأَمَّا إِذَا جَازَاهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهَا بِالْمَصَائِبِ لِيُكَفِّرهَا عَنْهُمْ بِهَا لِيُوَافُوهُ وَلَا ذَنْب لَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْمُجَازَاة عَلَيْهِ , فَإِنَّمَا وَفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ : { نُكَفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } وَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا ضَمِنَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } 4 122 . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 8298 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَسُفْيَان بْن وَكِيع وَنَصْر بْن عَلِيّ وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد الْقَطَوَانِيّ , قَالُوا : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن مُحَيْصِن , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس بْن مَخْرَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } شَقَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَبَلَغَتْ مِنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ تَبْلُغ , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " قَارِبُوا وَسَدِّدُوا , فَفِي كُلّ مَا يُصَاب بِهِ الْمُسْلِم كَفَّارَة , حَتَّى النَّكْبَة يُنْكَبهَا , أَوْ الشَّوْكَة يُشَاكُهَا " . 8299 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد وَأَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَا : ثنا يَزِيد بْن حَيَّان , قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِك بْن الْحَسَن الْحَارِثِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زَيْد بْن قُنْفُذ , عَنْ عَائِشَة , عَنْ أَبِي بَكْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كُلّ مَا نَعْمَل نُؤَاخَذ بِهِ ؟ فَقَالَ : " يَا أَبَا بَكْر أَلَيْسَ يُصِيبك كَذَا وَكَذَا ؟ فَهُوَ كَفَّارَته " . 8300 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء , عَنْ زِيَاد الْجَصَّاص , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْر يَقُول : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا " . 8301 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي زُهَيْر , عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق أَنَّهُ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه كَيْفَ الصَّلَاح بَعْد هَذِهِ الْآيَة ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَّة آيَة ؟ " قَالَ : يَقُول اللَّه : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فَمَا عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " غَفَرَ اللَّه لَك يَا أَبَا بَكْر ! أَلَسْت تَمْرَض , أَلَسْت تَحْزَن , أَلَسْت تُصِيبك اللَّأْوَاء ؟ " قَالَ : " فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ " . * - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : أَظُنّهُ عَنْ أَبِي بَكْر الثَّقَفِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ أَبُو بَكْر : كَيْفَ الصَّلَاح ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ " أَلَسْت تُنْكَب ؟ " . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي زُهَيْر , أَنَّ أَبَا بَكْر قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ الصَّلَاح ؟ فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْجَنْبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي زُهَيْر الثَّقَفِيّ , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكُلّ سُوء عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ ؟ وَقَالَ أَيْضًا : " أَلَسْت تَمْرَض , أَلَسْت تَنْصَب , أَلَسْت تَحْزَن , أَلَيْسَ تُصِيبك اللَّأْوَاء ؟ " قَالَ : بَلَى . قَالَ : " هُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي زُهَيْر الثَّقَفِيّ , قَالَا : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه , وَإِنَّا لَنُجْزَى بِكُلِّ شَيْء نَعْمَلهُ ؟ قَالَ : " يَا أَبَا بَكْر أَلَسْت تَنْصَب , أَلَسْت تَحْزَن , أَلَسْت تُصِيبك اللَّأْوَاء ؟ فَهَذَا مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , مَال : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي خَالِد , قَالَ : ثني أَبُو بَكْر بْن أَبِي زُهَيْر الثَّقَفِيّ , عَنْ أَبِي بَكْر , فَذَكَرَ مِثْل ذَلِكَ . 8302 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا أَشَدّ هَذِهِ الْآيَة : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : " يَا أَبَا بَكْر إِنَّ الْمُصِيبَة فِي الدُّنْيَا جَزَاء " 8303 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر الْخَرَّاز , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : قُلْت : إِنِّي لَأَعْلَم أَيّ آيَة فِي كِتَاب اللَّه أَشَدّ ! فَقَالَ لِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيّ آيَة ؟ " فَقُلْت : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِن لَيُجَازَى بِأَسْوَأ عَمَله فِي الدُّنْيَا " , ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاء مِنْهُنَّ الْمَرَض وَالنَّصَب , فَكَانَ آخِره أَنْ ذَكَرَ النَّكْبَة , فَقَالَ : " كُلّ ذِي عَمَل يُجْزَى بِعَمَلِهِ يَا عَائِشَة , إِنَّهُ لَيْسَ أَحَد يُحَاسَب يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا يُعَذَّب " . فَقُلْت : أَلَيْسَ يَقُول اللَّه : { فَسَوْفَ يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا } ؟ فَقَالَ : " ذَاكَ عِنْد الْعَرْض , إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَاب عُذِّبَ " , وَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى أُصْبُعه كَأَنَّهُ يَنْكُت . 8304 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن بِشْر بْن مَعْرُور , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ أُمَيَّة , قَالَتْ : سَأَلْت عَائِشَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ اللَّه } 2 284 , و { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَتْ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا , فَقَالَ : " يَا عَائِشَة ذَاكَ مَثَابَة اللَّه الْعَبْد بِمَا يُصِيبهُ مِنْ الْحُمَّى وَالْكِبَر , وَالْبِضَاعَة يَضَعهَا فِي كُمّه فَيَفْقِدهَا , فَيَفْزَع لَهَا فَيَجِدهَا فِي كُمّه , حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِن لَيَخْرُج مِنْ ذُنُوبه كَمَا يَخْرُج التِّبْر الْأَحْمَر مِنْ الْكِير " . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِر الْخَرَّاز , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي لَأَعْلَم أَشَدّ آيَة فِي الْقُرْآن , فَقَالَ : " مَا هِيَ يَا عَائِشَة ؟ " قُلْت : هِيَ هَذِهِ الْآيَة يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } فَقَالَ : " هُوَ مَا يُصِيب الْعَبْد الْمُؤْمِن , حَتَّى النَّكْبَة يُنْكَبهَا " . 8305 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الرَّبِيع بْن صُبْح , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا أَشَدّ هَذِهِ الْآيَة ! قَالَ : " يَا أَبَا بَكْر إِنَّك تَمْرَض , وَإِنَّك تَحْزَن , وَإِنَّك يُصِيبك أَذًى , فَذَاكَ بِذَاكَ " . 8306 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ , قَالَ أَبُو بَكْر : جَاءَتْ قَاصِمَة الظَّهْر , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا هِيَ الْمُصِيبَات فِي الدُّنْيَا " .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَجِد لَهُ مِنْ دُون اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا يَجِد } الَّذِي يَعْمَل سُوءًا مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَخِلَاف مَا أَمَرَهُ بِهِ , { مِنْ دُون اللَّه } يَعْنِي : مِنْ بَعْد اللَّه وَسِوَاهُ , { وَلِيًّا } يَلِي أَمْره , وَيَحْمِي عَنْهُ مَا يَنْزِل بِهِ مِنْ عُقُوبَة اللَّه , { وَلَا نَصِيرًا } يَعْنِي : وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرهُ مِمَّا يَحِلّ بِهِ مِنْ عُقُوبَة اللَّه وَأَلِيم نَكَاله .
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًاسورة النساء الآية رقم 124
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيّ أَهْل الْكِتَاب } يَقُول اللَّه لَهُمْ : إِنَّمَا يَدْخُل الْجَنَّة وَيُنَعَّم فِيهَا فِي الْآخِرَة , مَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذُكُوركُمْ وَإِنَاثكُمْ , وَذُكُور عِبَادِي وَإِنَاثهمْ وَهُوَ مُؤْمِن بِي وَبِرَسُولِي مُحَمَّد , مُصَدِّق بِوَحْدَانِيَّتِي , وَنُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِي , لَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِي الْمُكَذِّبُونَ رَسُولِي , فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ تَحِلُّوا وَأَنْتُمْ كُفَّار مَحَلّ الْمُؤْمِنِينَ بِي وَتَدْخُلُوا مَدَاخِلهمْ فِي الْقِيَامَة وَأَنْتُمْ مُكَذِّبُونَ بِرَسُولِي . كَمَا : 8307 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن } قَالَ : أَبَى أَنْ يَقْبَل الْإِيمَان إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالِح , وَأَبَى أَنْ يَقْبَل الْإِسْلَام إِلَّا بِالْإِحْسَانِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول " مِنْ " فِي قَوْله : { وَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات } , وَلَمْ يَقُلْ : وَمَنْ يَعْمَل الصَّالِحَات ؟ قِيلَ : لِدُخُولِهَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون اللَّه قَدْ عَلِمَ أَنَّ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ لَنْ يُطِيقُوا أَنْ يَعْمَلُوا جَمِيع الْأَعْمَال الصَّالِحَات , فَأَوْجَبَ وَعْده لِمَنْ عَمِلَ مَا أَطَاقَ مِنْهَا وَلَمْ يَحْرِمْهُ مِنْ فَضْله بِسَبَبِ مَا عَجَزَتْ عَنْ عَمَله مِنْهَا قُوَاهُ. وَالْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُون تَعَالَى ذِكْره أَوْجَبَ وَعْده لِمَنْ اِجْتَنَبَ الْكَبَائِر وَأَدَّى الْفَرَائِض , وَإِنْ قَصَّرَ فِي بَعْض الْوَاجِب لَهُ عَلَيْهِ , تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , إِذْ كَانَ الْفَضْل بِهِ أَوْلَى , وَالصَّفْح عَنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ أَحْرَى . وَقَدْ تَقَوَّلَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهَا أُدْخِلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْحَذْف , وَيَتَأَوَّلهُ : وَمَنْ يَعْمَل الصَّالِحَات مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن . وَذَلِكَ عِنْدِي غَيْر جَائِز , لِأَنَّ دُخُولهَا لِمَعْنًى , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا الْحَذْف.

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا يَظْلِم اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات مِنْ ثَوَاب عَمَلهمْ مِقْدَار النُّقْرَة الَّتِي تَكُون فِي ظَهْر النَّوَاة فِي الْقِلَّة , فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَر. وَإِنَّمَا يُخْبِر بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده أَنَّهُ لَا يَبْخَسهُمْ مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا , وَلَكِنْ يُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ كَمَا وَعَدَهُمْ . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى النَّقِير قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8308 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } قَالَ : النَّقِير : الَّذِي يَكُون فِي ظَهْر النَّوَاة. 8309 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : النَّقِير : الَّذِي فِي وَسَط النَّوَاة .
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاًسورة النساء الآية رقم 125
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن } وَهَذَا قَضَاء مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله بِالْفَضْلِ عَلَى سَائِر الْمِلَل غَيْره وَأَهْلهَا , يَقُول اللَّه : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا } أَيّهَا النَّاس , وَأَصْوَب طَرِيقًا وَأَهْدَى سَبِيلًا ; { مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ } يَقُول : مِمَّنْ اِسْتَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ , فَانْقَادَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , مُصَدِّقًا نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه . { وَهُوَ مُحْسِن } يَعْنِي : وَهُوَ عَامِل بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبّه , مُحَرِّم حَرَامه , وَمُحَلِّل حَلَاله. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا الضَّحَّاك . 8310 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : فَضَّلَ اللَّه الْإِسْلَام عَلَى كُلّ دِين , فَقَالَ : { وَمَنْ أَحْسَن دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن }. .. إِلَى قَوْله : { وَاِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا } وَلَيْسَ يُقْبَل فِيهِ عَمَل غَيْر الْإِسْلَام , وَهِيَ الْحَنِيفِيَّة .

{ وَاتَّبَعَ مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاتَّبَعَ الدِّين الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , وَأَمَرَ بِهِ بَنِيهِ مِنْ بَعْده وَأَوْصَاهُمْ بِهِ ; حَنِيفًا , يَعْنِي : مُسْتَقِيمًا عَلَى مِنْهَاجه وَسَبِيله . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا مَضَى قَبْل فِي مَعْنَى الْحَنِيف وَالدَّلِيل عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم وَلِيًّا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا مَعْنَى الْخُلَّة الَّتِي أُعْطِيَهَا إِبْرَاهِيم ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْعَدَاوَة فِي اللَّه وَالْبُغْض فِيهِ , وَالْوِلَايَة فِي اللَّه وَالْحُبّ فِيهِ , عَلَى مَا يُعْرَف مِنْ مَعَانِي الْخُلَّة . وَأَمَّا مِنْ اللَّه لِإِبْرَاهِيم , فَنُصْرَته عَلَى مَنْ حَاوَلَهُ بِسُوءٍ , كَاَلَّذِي فَعَلَ بِهِ إِذْ أَرَادَهُ نُمْرُوذ بِمَا أَرَادَهُ بِهِ مِنْ الْإِحْرَاق بِالنَّارِ , فَأَنْقَذَهُ مِنْهَا , وَأَعْلَى حُجَّته عَلَيْهِ إِذْ حَاجَّهُ , وَكَمَا فَعَلَ مَلِك مِصْر إِذْ أَرَادَهُ عَنْ أَهْله , وَتَمْكِينه مِمَّا أَحَبَّ , وَتَصْيِيره إِمَامًا لِمَنْ بَعْده مِنْ عِبَاده وَقُدْوَة لِمَنْ خَلَقَهُ فِي طَاعَته وَعِبَادَته , فَذَلِكَ مَعْنَى مُخَالَّته إِيَّاهُ . وَقَدْ قِيلَ : سَمَّاهُ اللَّه خَلِيلًا مِنْ أَجْل أَنَّهُ أَصَابَ أَهْل نَاحِيَته جَدْب , فَارْتَحَلَ إِلَى خَلِيل لَهُ مِنْ أَهْل الْمَوْصِل - وَقَالَ بَعْضهمْ : مِنْ أَهْل مِصْر - فِي امْتِيَار طَعَام لِأَهْلِهِ مِنْ قِبَله فَلَمْ يُصِبْ عِنْده حَاجَته , فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْله مَرَّ بِمَفَازَةٍ ذَات رَمْل , فَقَالَ : لَوْ مَلَأْت غَرَائِرِي مِنْ هَذَا الرَّمْل لِئَلَّا أَغُمّ أَهْلِي بِرُجُوعِي إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مِيرَة , وَلِيَظُنُّوا أَنِّي قَدْ أَتَيْتهمْ بِمَا يُحِبُّونَ ! فَفَعَلَ ذَلِكَ , فَتَحَوَّلَ مَا فِي غَرَائِره مِنْ الرَّمْل دَقِيقًا , فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِله نَامَ وَقَامَ أَهْله , فَفَتَحُوا الْغَرَائِر فَوَجَدُوا دَقِيقًا , فَعَجَنُوا مِنْهُ وَخَبَزُوا , فَاسْتَيْقَظَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ الدَّقِيق الَّذِي مِنْهُ خَبَزُوا , فَقَالُوا : مِنْ الدَّقِيق الَّذِي جِئْت بِهِ مِنْ عِنْد خَلِيلك , فَعَلِمَ , فَقَالَ : نَعَمْ هُوَ مِنْ خَلِيلِي اللَّه . قَالُوا : فَسَمَّاهُ اللَّه بِذَلِكَ خَلِيلًا .
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًاسورة النساء الآية رقم 126
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا لِطَاعَتِهِ رَبّه , وَإِخْلَاصه الْعِبَادَة لَهُ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّته , لَا مِنْ حَاجَة بِهِ إِلَيْهِ وَإِلَى خُلَّته , وَكَيْفَ يَحْتَاج إِلَيْهِ وَإِلَى خُلَّته , وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِنْ قَلِيل وَكَثِير مُلْكًا , وَالْمَالِك الَّذِي إِلَيْهِ حَاجَة مُلْكه دُون حَاجَته إِلَيْهِ , فَكَذَلِكَ حَاجَة إِبْرَاهِيم إِلَيْهِ , لَا حَاجَته إِلَيْهِ , فَيَتَّخِذهُ مِنْ أَجْل حَاجَته إِلَيْهِ خَلِيلًا , وَلَكِنَّهُ اِتَّخَذَهُ خَلِيلًا لِمُسَارَعَتِهِ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّته . يَقُول : فَكَذَلِكَ فَسَارِعُوا إِلَى رِضَايَ وَمَحَبَّتِي لِأَتَّخِذكُمْ لِي أَوْلِيَاء.

{ وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء مُحِيطًا } وَلَمْ يَزَلْ اللَّه مُحْصِيًا لِكُلِّ مَا هُوَ فَاعِله عِبَاده مِنْ خَيْر وَشَرّ , عَالِمًا بِذَلِكَ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة .
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًاسورة النساء الآية رقم 127
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء } وَيَسْأَلك يَا مُحَمَّد أَصْحَابك أَنْ تُفْتِيَهُمْ فِي أَمْر النِّسَاء , وَالْوَاجِب لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ . فَاكْتَفَى بِذِكْرِ النِّسَاء مِنْ ذِكْر شَأْنهنَّ , لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى الْمُرَاد مِنْهُ . { قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ , يَعْنِي فِي النِّسَاء . { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ , وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , قَالُوا : وَاَلَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ هُوَ آيَات الْفَرَائِض , الَّتِي فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8311 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ الْمَوْلُود حَتَّى يَكْبَر , وَلَا يُوَرِّثُونَ الْمَرْأَة ; فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام قَالَ : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } فِي أَوَّل السُّورَة فِي الْفَرَائِض اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّه لَهُنَّ . 8312 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَتْ : هَذَا فِي الْيَتِيمَة تَكُون عِنْد الرَّجُل لَعَلَّهَا أَنْ تَكُون شَرِيكَته فِي مَاله , وَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْره , فَيَرْغَب عَنْهَا أَنْ يَنْكِحهَا وَيَعْضُلهَا لِمَالِهَا وَلَا يُنْكِحهَا غَيْره كَرَاهِيَة أَنْ يَشْرَكهُ أَحَد فِي مَالهَا . 8313 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة النِّسَاء وَالصَّبِيّ حَتَّى يَحْتَلِم , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء } فِي أَوَّل سُورَة النِّسَاء مِنْ الْفَرَائِض. 8314 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ الْيَتِيمَة وَلَا يَنْكِحُونَهَا وَيَعْضُلُونَهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . 8315 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول فِي قَوْله : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } . .. الْآيَة , قَالَ : كَانَ لَا يَرِث إِلَّا الرَّجُل الَّذِي قَدْ بَلَغَ , لَا يَرِث الرَّجُل الصَّغِير , وَلَا الْمَرْأَة ; فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْمَوَارِيث فِي سُورَة النِّسَاء , شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاس , وَقَالُوا : يَرِث الصَّغِير الَّذِي لَا يَعْمَل فِي الْمَال وَلَا يَقُوم فِيهِ , وَالْمَرْأَة هِيَ كَذَلِكَ فَيَرِثَانِ كَمَا يَرِث الرَّجُل الَّذِي يَعْمَل فِي الْمَال ! فَرَجَوْا أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ حَدَث مِنْ السَّمَاء , فَانْتَظَرُوا فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَأْتِي حَدَث , قَالُوا : لَئِنْ تَمَّ هَذَا إِنَّهُ لَوَاجِب مَا مِنْهُ بُدّ , ثُمَّ قَالُوا : سَلُوا ! فَسَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } فِي أَوَّل السُّورَة : { فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : وَكَانَ الْوَلِيّ إِذَا كَانَتْ الْمَرْأَة ذَات جَمَال وَمَال رَغِبَ فِيهَا وَنَكَحَهَا وَاسْتَأْثَرَ بِهَا , وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَات جَمَال وَمَال أَنْكَحَهَا وَلَمْ يَنْكِحهَا . 8316 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : كَانُوا إِذَا كَانَتْ الْجَارِيَة يَتِيمَة دَمِيمَة لَمْ يُعْطُوهَا مِيرَاثهَا وَحَبَسُوهَا عَنْ التَّزْوِيج حَتَّى تَمُوت , فَيَرِثُوهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذَا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ تَكُون لَهُ الْيَتِيمَة بِهَا الدَّمَامَة وَالْأَمْر الَّذِي يُرَغِّب عَنْهَا فِيهِ وَلَهَا مَال , قَالَ : فَلَا يَتَزَوَّجهَا وَلَا يُزَوِّجهَا حَتَّى تَمُوت فَيَرِثهَا , قَالَ : فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . 8317 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة إِذَا كَانَتْ عِنْد وَلِيّ يَرْغَب عَنْهَا حَبَسَهَا إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجهَا وَلَمْ يَدَع أَحَدًا يَتَزَوَّجهَا. 8318 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَلَا الصِّبْيَان شَيْئًا , كَانُوا يَقُولُونَ : لَا يَغْزُونَ وَلَا يَغْنَمُونَ خَيْرًا , فَفَرَضَ اللَّه لَهُنَّ الْمِيرَاث حَقًّا وَاجِبًا , لِيُتَنَافَس أَوْ لِيُنْفَس الرَّجُل فِي مَال يَتِيمَته إِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَنَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 8319 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } يَعْنِي الْفَرَائِض الَّتِي اِفْتَرَضَ فِي أَمْر النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ , { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : كَانَتْ الْيَتِيمَة تَكُون فِي حَجْر الرَّجُل , فَيَرْغَب أَنْ يَنْكِحهَا , أَوْ يُجَامِعهَا وَلَا يُعْطِيهَا مَالهَا , رَجَاء أَنْ تَمُوت فَيَرِثهَا , وَإِنْ مَاتَ لَهَا حَمِيم لَمْ تُعْطَ مِنْ الْمِيرَاث شَيْئًا , وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَبَيَّنَ اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ . 8320 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } حَتَّى بَلَغَ : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } فَكَانَ الرَّجُل تَكُون فِي حَجْره الْيَتِيمَة بِهَا دَمَامَة وَلَهَا مَال , فَكَانَ يَرْغَب عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجهَا وَيَحْبِسهَا لِمَالِهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } قَالَ : كَانَتْ الْيَتِيمَة تَكُون فِي حَجْر الرَّجُل فِيهَا دَمَامَة , فَيَرْغَب عَنْهَا أَنْ يَنْكِحهَا , وَلَا يُنْكِحهَا رَغْبَة فِي مَالهَا . 8321 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } . .. إِلَى قَوْله : { بِالْقِسْطِ } قَالَ : كَانَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ السُّلَمِيّ لَهُ اِبْنَة عَمّ عَمْيَاء , وَكَانَتْ دَمِيمَة , وَكَانَتْ قَدْ وَرِثَتْ عَنْ أَبِيهَا مَالًا , فَكَانَ جَابِر يَرْغَب عَنْ نِكَاحهَا وَلَا يُنْكِحهَا رَهْبَة أَنْ يَذْهَب الزَّوْج بِمَالِهَا , فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ . وَكَانَ نَاس فِي حُجُورهمْ جَوَارٍ أَيْضًا مِثْل ذَلِكَ , فَجَعَلَ جَابِر يَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَتَرِثُ الْجَارِيَة إِذَا كَانَتْ قَبِيحَة عَمْيَاء ؟ فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " نَعَمْ " , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِنَّ هَذَا. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء , قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ , وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي آخِر سُورَة النِّسَاء , وَذَلِكَ قَوْله : { يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة } . .. 4 176 إِلَى آخِر السُّورَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8322 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سَلَّام بْن سُلَيْم , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ الْوِلْدَان حَتَّى يَحْتَلِمُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِهِ عَلِيمًا } قَالَ : وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَد } . .. 4 176 الْآيَة كُلّهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء , قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب , يَعْنِي فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة , وَذَلِكَ قَوْله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء } 4 3 . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8323 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس اِبْن يَزِيد , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَة بْن الزُّبَيْر أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ قَوْل اللَّه : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء } قَالَتْ : يَا اِبْن أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَة تَكُون فِي حَجْر وَلِيّهَا , تُشَارِكهُ فِي مَاله , فَيُعْجِبهُ مَالهَا وَجَمَالهَا , فَيُرِيد وَلِيّهَا أَنْ يَتَزَوَّجهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِط فِي صَدَاقهَا , فَيُعْطِيَهَا مِثْل مَا يُعْطِيهَا غَيْره , فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتهنَّ مِنْ الصَّدَاق , وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاء سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَة : قَالَتْ عَائِشَة : ثُمَّ إِنَّ النَّاس اِسْتَفْتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد هَذِهِ الْآيَة فِيهِنَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَتْ : وَاَلَّذِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ يُتْلَى فِي الْكِتَاب الْآيَة الْأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء } 4 3 . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة , مِثْله . فَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } فِي مَوْضِع خَفْض بِمَعْنَى الْعَطْف عَلَى الْهَاء وَالنُّون الَّتِي فِي قَوْله : { يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل الْآيَة : قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي النِّسَاء , وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب. وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْم مِنْ أَصْحَابه سَأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاء مِنْ أَمْر النِّسَاء , وَتَرَكُوا الْمَسْأَلَة عَنْ أَشْيَاء أُخَر كَانُوا يَفْعَلُونَهَا , فَأَفْتَاهُمْ اللَّه فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ وَفِيمَا تَرَكُوا الْمَسْأَلَة عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ سُفْيَان : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , وَقَالَ اِبْن الْمُثَنَّى : ثني عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء } قَالَ : اِسْتَفْتَوْا نَبِيّ اللَّه فِي النِّسَاء , وَسَكَتُوا عَنْ شَيْء كَانُوا يَفْعَلُونَهُ , فَأَنْزَلَهُ اللَّه : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } وَيُفْتِيكُمْ فِيمَا لَمْ تَسْأَلُوا عَنْهُ . قَالَ : كَانُوا لَا يَتَزَوَّجُونَ الْيَتِيمَة إِذَا كَانَ بِهَا دَمَامَة , وَلَا يَدْفَعُونَ إِلَيْهَا مَالهَا فَتُنْفِق , فَنَزَلَتْ : { قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي النِّسَاء وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَان . قَالَ : كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْأَكَابِر وَلَا يُوَرِّثُونَ الْأَصَاغِر , ثُمَّ أَفْتَاهُمْ فِيمَا سَكَتُوا عَنْهُ , فَقَالَ : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا وَالصُّلْح خَيْر } , وَلَفْظ الْحَدِيث لِابْنِ الْمُثَنَّى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَعَلَى هَذَا الْقَوْل الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا فِي الْكِتَاب الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } . .. الْآيَة , وَاَلَّذِي سَأَلَ الْقَوْم فَأُجِيبُوا عَنْهُ فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي كَانُوا لَا يُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّه لَهُنَّ مِنْ الْمِيرَاث عَمَّنْ وَرِثْنَهُ عَنْهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } : وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ آيَات الْفَرَائِض فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة وَآخِرهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الصَّدَاق لَيْسَ مِمَّا كُتِبَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا بِالنِّكَاحِ , فَمَا لَمْ تَنْكِح فَلَا صَدَاق لَهَا قِبَل أَحَد , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا قِبَل أَحَد لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُتِبَ لَهَا , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِل عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } : الْإِقْسَاط فِي صَدُقَات يَتَامَى النِّسَاء وَجْه , لِأَنَّ اللَّه قَالَ فِي سِيَاق الْآيَة مُبَيِّنًا عَنْ الْفُتْيَا الَّتِي وَعَدَنَا أَنْ يُفْتِيَنَاهَا فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ , فَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْض الَّذِي يُفْتِينَا فِيهِ مِنْ أَمْر النِّسَاء أَمْر الْيَتِيمَة الْمَحُول بَيْنهَا وَبَيْن مَا كَتَبَ اللَّه لَهَا , وَالصَّدَاق قَبْل عَقْد النِّكَاح لَيْسَ مِمَّا كَتَبَ اللَّه لَهَا عَلَى أَحَد , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّتِي عُنِيَتْ بِهَذِهِ الْآيَة هِيَ الَّتِي قَدْ حِيلَ بَيْنهَا وَبَيْن الَّذِي كُتِبَ لَهَا مِمَّا يُتْلَى عَلَيْنَا فِي كِتَاب اللَّه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمِيرَاث الَّذِي يُوجِبهُ اللَّه لَهُنَّ فِي كِتَابه . فَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى , فَإِنَّهُ مَعَ خُرُوجه مِنْ قَوْل أَهْل التَّأْوِيل , بَعِيد مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } هُوَ { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } , وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَام إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ صَارَ الْكَلَام مُبْتَدَأ مِنْ قَوْله : { فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } تَرْجَمَة بِذَلِكَ عَنْ قَوْله { فِيهِنَّ } وَيَصِير مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي وَلَا تُؤْتُونَهُنَّ , وَلَا دَلَالَة فِي الْآيَة عَلَى مَا قَالَهُ , وَلَا أَثَر عَمَّنْ يُعْلَم بِقَوْلِهِ صِحَّة ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ وَصْل مَعَانِي الْكَلَام بَعْضه بِبَعْضٍ أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيل . فَإِذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَقَوْله : { فِي يَتَامَى النِّسَاء } بِأَنْ يَكُون صِلَة لِقَوْلِهِ : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون تَرْجَمَة عَنْ قَوْله : { قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْله : { وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } , وَانْقِطَاعه عَنْ قَوْله : { يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء , قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ , وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه فِي أَمْر يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُعْطُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ , يَعْنِي : مَا فَرَضَ اللَّه لَهُنَّ مِنْ الْمِيرَاث عَمَّنْ وَرِثْنَهُ . كَمَا : 8325 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قَالَ : لَا تُوَرِّثُونَهُنَّ . 8326 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَوْله : { لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قَالَ : مِنْ الْمِيرَاث , قَالَ : كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء , " وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ". وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَرْغَبُونَ عَنْ نِكَاحهنَّ . وَقَدْ مَضَى ذِكْر جَمَاعَة مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ قَوْل آخَرِينَ لَمْ نَذْكُرهُمْ . 8327 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة السَّامِيّ , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عَوْن , عَنْ الْحَسَن : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : تَرْغَبُونَ عَنْهُنَّ . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 8328 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة فِي قَوْله اللَّه : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } : رَغْبَة أَحَدكُمْ عَنْ يَتِيمَته الَّتِي تَكُون فِي حَجْره حِين تَكُون قَلِيلَة الْمَال وَالْجَمَال , فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالهَا وَجَمَالهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاء إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْل رَغْبَتهمْ عَنْهُنَّ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , يَعْنِي اِبْن صَالِح ,. قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : قَالَ عُرْوَة , قَالَتْ عَائِشَة , فَذَكَرَ مِثْله. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَرْغَبُونَ فِي نِكَاحهنَّ . وَقَدْ مَضَى ذِكْر جَمَاعَة مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْل , وَنَحْنُ ذَاكِرُو قَوْل مَنْ لَمْ نَذْكُر مِنْهُمْ . 8329 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : وَتَرْغَبُونَ فِيهِنَّ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : قُلْت لِعُبَيْدَة : { وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } قَالَ : تَرْغَبُونَ فِيهِنَّ . 8330 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } فَكَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة تَكُون عِنْده الْيَتِيمَة فَيُلْقِي عَلَيْهَا ثَوْبه , فَإِذَا فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَقْدِر أَحَد أَنْ يَتَزَوَّجهَا أَبَدًا , فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَة وَهَوِيَهَا تَزَوَّجَهَا وَأَكَلَ مَالهَا , وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَة مَنَعَهَا الرَّجُل أَبَدًا حَتَّى تَمُوت فَإِذَا مَاتَتْ وَرِثَهَا , فَحَرَّمَ اللَّه ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَرْغَبُونَ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ , لِأَنَّ حَبْسهمْ أَمْوَالهنَّ عَنْهُنَّ , مَعَ عَضْلهمْ إِيَّاهُنَّ إِنَّمَا كَانَ لِيَرِثُوا أَمْوَالهنَّ دُون زَوْج إِنْ تَزَوَّجْنَ . وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ حَبَسُوا عَنْهُنَّ أَمْوَالهنَّ إِنَّمَا حَبَسُوهَا عَنْهُنَّ رَغْبَة فِي نِكَاحهنَّ , لَمْ يَكُنْ لِلْحَبْسِ عَنْهُنَّ وَجْه مَعْرُوف , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَوْلِيَاءَهُنَّ , وَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعهُمْ مِنْ نِكَاحهنَّ مَانِع فَيَكُون بِهِ حَاجَة إِلَى حَبْس مَالهَا عَنْهَا لِيَتَّخِذ حَبْسهَا عَنْهَا سَبَبًا إِلَى إِنْكَاحهَا نَفْسهَا مِنْهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَان وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء , قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب , وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ , وَفِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِيمَا مَضَى , وَاَلَّذِي أَفْتَاهُمْ فِي أَمْر الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ أَنْ يُؤْتُوهُمْ حُقُوقهمْ مِنْ الْمِيرَاث لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَار مِنْ أَوْلَاد الْمَيِّت , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقْسِطُوا فِيهِمْ فَيَعْدِلُوا وَيُعْطُوهُمْ فَرَائِضهمْ عَلَى مَا قَسَمَ اللَّه لَهُمْ فِي كِتَابه . كَمَا : 8331 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَان } كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ جَارِيَة وَلَا غُلَامًا صَغِيرًا , فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ. وَالْقِسْط : أَنْ يُعْطَى كُلّ ذِي حَقّ مِنْهُمْ حَقّه , ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى , الصَّغِير مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِير . 8332 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَيَسْتَفْتُونَك فِي النِّسَاء قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } قَالَ : لَا تُوَرِّثُونَهُنَّ مَالًا , { وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ } قَالَ : فَدَخَلَ النِّسَاء وَالصَّغِير وَالْكَبِير فِي الْمَوَارِيث , وَنَسَخَتْ الْمَوَارِيث ذَلِكَ الْأَوَّل. 8333 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ } أُمِرُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ : بِالْعَدْلِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8334 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَان وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ } قَالَ : كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ إِلَّا الْأَكْبَر فَالْأَكْبَر. 8335 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَان } فَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَار وَلَا الْبَنَات , فَذَلِكَ قَوْله : { لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَبَيَّنَ لِكُلِّ ذِي سَهْم سَهْمه , فَقَالَ : { لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ } صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَان وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ } وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصَّغِير وَالضَّعِيف شَيْئًا , فَأَمَرَ اللَّه أَنْ يُعْطِيه نَصِيبه مِنْ الْمِيرَاث . 8336 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ إِذَا جَاءَهُ وَلِيّ الْيَتِيمَة فَإِنْ كَانَتْ حَسَنَة غَنِيَّة قَالَ لَهُ عُمَر : زَوِّجْهَا غَيْرك , وَالْتَمِسْ لَهَا مَنْ هُوَ خَيْر مِنْك ! وَإِذَا كَانَتْ بِهَا دَمَامَة وَلَا مَال لَهَا , قَالَ : تَزَوَّجْهَا فَأَنْتَ أَحَقّ بِهَا ! . 8337 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا أَمْرِي , وَمَا أَمْر يَتِيمَتِي ؟ قَالَ : فِي أَيّ بَالكُمَا ؟ قَالَ : ثُمَّ قَالَ عَلِيّ : أَمُتَزَوِّجهَا أَنْتَ غَنِيَّة جَمِيلَة ؟ قَالَ : نَعَمْ وَالْإِلَه ! قَالَ : فَتَزَوَّجْهَا دَمِيمَة لَا مَال لَهَا ! ثُمَّ قَالَ عَلِيّ : تَزَوَّجْهَا إِنْ كُنْت خَيْرًا لَهَا , فَإِنْ كَانَ غَيْرك خَيْرًا لَهَا فَأَلْحِقْهَا بِالْخَيْرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَقِيَامهمْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ كَانَ الْعَدْل فِيمَا أَمَرَ اللَّه فِيهِمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِهِ عَلِيمًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عَدْل فِي أَمْوَال الْيَتَامَى الَّتِي أَمَرَكُمْ اللَّه أَنْ تَقُومُوا فِيهِمْ بِالْقِسْطِ , وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْر اللَّه فِي ذَلِكَ , وَفِي غَيْره , وَإِلَى طَاعَته , فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِهِ عَلِيمًا لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِمَا هُوَ كَائِن مِنْكُمْ , وَهُوَ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْكُمْ , حَافِظ لَهُ , حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة.
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًاسورة النساء الآية رقم 128
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا وَالصُّلْح خَيْر } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا } يَقُول : عَلِمَتْ مِنْ زَوْجهَا { نُشُوزًا } يَعْنِي اِسْتِعْلَاء بِنَفْسِهِ عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا , أَثَرَة عَلَيْهَا , وَارْتِفَاعًا بِهَا عَنْهَا , إِمَّا لِبِغْضَةٍ , وَإِمَّا لِكَرَاهَةٍ مِنْهُ بَعْض أَشْيَاء بِهَا , إِمَّا دَمَامَتهَا , وَإِمَّا سِنّهَا وَكِبَرهَا , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُورهَا . { أَوْ إِعْرَاضًا } يَعْنِي : اِنْصِرَافًا عَنْهَا بِوَجْهِهِ أَوْ بِبَعْضِ مَنَافِعه , الَّتِي كَانَتْ لَهَا مِنْهُ { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } يَقُول فَلَا حَرَج عَلَيْهِمَا , يَعْنِي : عَلَى الْمَرْأَة الْخَائِفَة نُشُوز بَعْلهَا أَوْ إِعْرَاضه عَنْهَا , أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا , وَهُوَ أَنْ تَتْرُك لَهُ يَوْمهَا , أَوْ تَضَع عَنْهُ بَعْض الْوَاجِب لَهَا مِنْ حَقّ عَلَيْهِ , تَسْتَعْطِفهُ بِذَلِكَ , وَتَسْتَدِيم الْمُقَام فِي حِبَاله , وَالتَّمَسُّك بِالْعَقْدِ الَّذِي بَيْنهَا وَبَيْنه مِنْ النِّكَاح , يَقُول : { وَالصُّلْح خَيْر } يَعْنِي : وَالصُّلْح بِتَرْكِ بَعْض الْحَقّ اِسْتِدَامَة لِلْحُرْمَةِ , وَتَمَاسُكًا بِعَقْدِ النِّكَاح , خَيْر مِنْ طَلَب الْفُرْقَة وَالطَّلَاق . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8338 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد عَنْ عَرْعَرَة : أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَسْتَفْتِيه فِي اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا , فَقَالَ : قَدْ تَكُون الْمَرْأَة عِنْد الرَّجُل , فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتهَا أَوْ كِبَرهَا أَوْ سُوء خُلُقهَا أَوْ فَقْرهَا , فَتَكْرَه فِرَاقه , فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرهَا شَيْئًا حَلَّ لَهُ , وَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامهَا شَيْئًا فَلَا حَرَج . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ خَالِد , عَنْ عَرْعَرَة , قَالَ : سُئِلَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } قَالَ : الْمَرْأَة الْكَبِيرَة أَوْ الدَّمِيمَة أَوْ لَا يُحِبّهَا زَوْجهَا فَيَصْطَلِحَانِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة وَحَمَّاد بْن سَلَمَة وَأَبُو الْأَحْوَص , كُلّهمْ عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ خَالِد عَنْ عَرْعَرَة , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد عَنْ عَرْعَرَة : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ قَوْله : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } قَالَ : تَكُون الْمَرْأَة عِنْد الرَّجُل دَمِيمَة فَتَنْبُو عَيْنه مِنْ دَمَامَتهَا أَوْ كِبَرهَا , فَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامهَا أَوْ مَالهَا شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاح . 8339 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عُمَر , فَسَأَلَهُ عَنْ آيَة , فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ , فَسَأَلَهُ آخَر عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } فَقَالَ : عَنْ مِثْل هَذَا فَسَلُوا ! ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل قَدْ خَلَا مِنْ سِنّهَا , فَيَتَزَوَّج الْمَرْأَة الشَّابَّة يَلْتَمِس وَلَدهَا , فَمَا اِصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْء فَهُوَ جَائِز . 8340 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : هِيَ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل حَتَّى تَكْبَر , فَيُرِيد أَنْ يَتَزَوَّج عَلَيْهَا , فَيَتَصَالَحَا بَيْنهمَا صُلْحًا , عَنْ أَنَّ لَهَا يَوْمًا وَلِهَذِهِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَة. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : حَتَّى تَلِد أَوْ تَكْبَر , وَقَالَ أَيْضًا : فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَالِحَا عَلَى لَيْلَة , وَالْأُخْرَى لَيْلَتَيْنِ . 8341 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : هِيَ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل قَدْ طَالَتْ صُحْبَتهَا وَكَبِرَتْ , فَيُرِيد أَنْ يَسْتَبْدِل بِهَا فَتَكْرَه أَنْ تُفَارِقهُ , فَيَتَزَوَّج عَلَيْهَا , فَيُصَالِحَا عَلَى أَنْ يَجْعَل لَهَا أَيَّامًا , وَلِلْأُخْرَى الْأَيَّام وَالشَّهْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : هِيَ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل , فَيُرِيد أَنْ يُفَارِقهَا , فَتَكْرَه أَنْ يُفَارِقهَا , وَيُرِيد أَنْ يَتَزَوَّج , فَيَقُول : إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَقْسِم لَك بِمِثْلِ مَا أَقْسِم لَهَا , فَتُصَالِحهُ عَلَى أَنْ يَكُون لَهَا فِي الْأَيَّام يَوْم , فَيَتَرَاضَيَانِ عَلَى ذَلِكَ , فَيَكُونَانِ عَلَى مَا اِصْطَلَحَا عَلَيْهِ . 8342 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا وَالصُّلْح خَيْر } قَالَتْ هَذَا فِي الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل , فَلَعَلَّهُ لَا يَكُون يَسْتَكْثِر مِنْهَا , وَلَا يَكُون لَهَا وَلَد وَلَهَا صُحْبَة , فَتَقُول : لَا تُطَلِّقنِي وَأَنْتَ فِي حِلّ مِنْ شَأْنِي . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة فِي قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَتْ : هَذَا الرَّجُل يَكُون لَهُ اِمْرَأَتَانِ : إِحْدَاهُمَا قَدْ عَجُزَتْ , أَوْ هِيَ دَمِيمَة لَا يَسْتَكْثِر مِنْهَا , فَتَقُول , لَا تُطَلِّقنِي وَأَنْتَ فِي حِلّ مِنْ شَأْنِي . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : فَتَقُول : أَجْعَلك مِنْ شَأْنِي فِي حِلّ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذَلِكَ. 8343 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } فَتِلْكَ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل لَا يَرَى مِنْهَا كَثِير مَا يُحِبّ , وَلَهُ اِمْرَأَة غَيْرهَا أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْهَا , فَيُؤْثِرهَا عَلَيْهَا , فَأَمَرَهُ اللَّه إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْ يَقُول لَهَا : يَا هَذِهِ إِنْ شِئْت أَنْ تُقِيمِي عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ الْأَثَرَة فَأُوَاسِيك وَأُنْفِق عَلَيْك فَأَقِيمِي , وَإِنْ كَرِهْت خَلَّيْت سَبِيلك . فَإِنْ هِيَ رَضِيَتْ أَنْ تُقِيم بَعْد أَنْ يُخَيِّرهَا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْله : { وَالصُّلْح خَيْر } وَهُوَ التَّخْيِير. 8344 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان وَبَحْر بْن نَصْر , قَالَا : ثنا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني اِبْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فِي الْمَرْأَة إِذَا دَخَلَتْ فِي السِّنّ , فَتَجْعَل يَوْمهَا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى , قَالَتْ : فَفِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } . 8345 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : سَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : هِيَ الْمَرْأَة تَكُون مَعَ زَوْجهَا , فَيُرِيد أَنْ يَتَزَوَّج عَلَيْهَا فَتُصَالِحهُ مِنْ يَوْمهَا عَلَى صُلْح. قَالَ : فَهُمَا عَلَى مَا اِصْطَلَحَا عَلَيْهِ , فَإِنْ اِنْتَقَضَتْ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِل عَلَيْهَا أَوْ يُفَارِقهَا . 8346 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يَقُول ذَلِكَ . 8347 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُول ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبْدَة فِي قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : يُصَالِحهَا عَلَى مَا رَضِيَتْ دُون حَقّهَا , فَلَهُ ذَلِكَ مَا رَضِيَتْ , فَإِذَا أَنْكَرَتْ أَوْ قَالَتْ : غِرْت , فَلَهَا أَنْ يَعْدِل عَلَيْهَا أَوْ يُرْضِيَهَا أَوْ يُطَلِّقهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ قَوْل اللَّه : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : هُوَ الرَّجُل تَكُون لَهُ اِمْرَأَة قَدْ خَلَا مِنْ سِنّهَا , فَتُصَالِحهُ عَنْ حَقّهَا عَلَى شَيْء , فَهُوَ لَهُ مَا رَضِيَتْ , فَإِذَا كَرِهَتْ , فَلَهَا أَنْ يَعْدِل عَلَيْهَا أَوْ يُرْضِيهَا مِنْ حَقّهَا , أَوْ يُطَلِّقهَا . * - ثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا } فَذَكَرَ نَحْو ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ سَخِطَتْ فَلَهُ أَنْ يُرْضِيَهَا , أَوْ يُوَفِّيَهَا حَقّهَا كُلّه , أَوْ يُطَلِّقهَا. 8348 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيم : إِذَا شَاءَتْ كَانَتْ عَلَى حَقّهَا , وَإِنْ شَاءَتْ أَبَتْ , فَرَدَّتْ الصُّلْح فَذَاكَ بِيَدِهَا , فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا , وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا عَلَى حَقّهَا . 8349 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا } قَالَ : قَالَ عَلِيّ : تَكُون الْمَرْأَة عِنْد الرَّجُل الزَّمَان الْكَثِير , فَتَخَاف أَنْ يُطَلِّقهَا , فَتُصَالِحهُ عَلَى صُلْح مَا شَاءَ وَشَاءَتْ , يَبِيت عِنْدهَا فِي كَذَا وَكَذَا لَيْلَة , وَعِنْد أُخْرَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ , وَأَنْ تَكُون نَفَقَتهَا دُون مَا كَانَتْ ; وَمَا صَالَحَتْهُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْء فَهُوَ جَائِز . 8350 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : هِيَ الْمَرْأَة تَكُون عِنْد الرَّجُل , فَيُرِيد أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلهَا , فَإِذَا خَافَتْ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا , تَدَع مِنْ أَيَّامهَا إِذَا تَزَوَّجَ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } . .. إِلَى قَوْله : { وَالصُّلْح خَيْر } هُوَ الرَّجُل تَكُون تَحْته الْمَرْأَة الْكَبِيرَة , فَيَنْكِح عَلَيْهَا الْمَرْأَة الشَّابَّة , فَيَكْرَه أَنْ يُفَارِق أُمّ وَلَده , فَيُصَالِحهَا عَلَى عَطِيَّة مِنْ مَاله وَنَفْسه , فَيَطِيب لَهُ ذَلِكَ الصُّلْح . 8351 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ { فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } وَهَذَا فِي الرَّجُل تَكُون عِنْده الْمَرْأَة قَدْ خَلَا مِنْ سِنّهَا وَهَانَ عَلَيْهِ بَعْض أَمْرهَا , فَيَقُول : إِنْ كُنْت رَاضِيَة مِنْ نَفْسِي وَمَالِي بِدُونِ مَا كُنْت تَرْضَيْنَ بِهِ قَبْل الْيَوْم , فَإِنْ اِصْطَلَحَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَمْر اللَّه فَقَدْ أَحَلَّ لَهُمَا ذَلِكَ , وَإِنْ أَبَتْ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُح لَهُ أَنْ يَحْبِسهَا عَلَى الْخَسْف . 8352 - حُدِّثْت عَنْ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَسُلَيْمَان بْن يَسَار : أَنَّ رَافِع بْن خَدِيج كَانَ تَحْته اِمْرَأَة قَدْ خَلَا مِنْ سِنّهَا , فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّة , فَآثَرَ الشَّابَّة عَلَيْهَا , فَأَبَتْ اِمْرَأَته الْأُولَى أَنْ تُقِيم عَلَى ذَلِكَ , فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَة , حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنْ أَجَلهَا يَسِير , قَالَ : إِنْ شِئْت رَاجَعْتُك وَصَبَرْت عَلَى الْأَثَرَة , وَإِنْ شِئْت تَرَكْتُك حَتَّى يَخْلُو أَجَلك . قَالَتْ : بَلْ رَاجِعْنِي وَأَصْبِر عَلَى الْأَثَرَة ! فَرَاجَعَهَا . ثُمَّ آثَرَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَصْبِر عَلَى الْأَثَرَة فَطَلَّقَهَا أُخْرَى , وَآثَرَ عَلَيْهَا الشَّابَّة . قَالَ : فَذَلِكَ الصُّلْح الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ فِيهِ : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } . قَالَ الْحَسَن : قَالَ عَبْد الرَّزَّاق : قَالَ مَعْمَر : وَأَخْبَرَنِي أَيُّوب عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة بِمِثْلِ حَدِيث الزُّهْرِيّ , وَزَادَ فِيهِ , فَإِنْ أَضَرَّ بِهَا الثَّالِثَة فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيهَا حَقّهَا , أَوْ يُطَلِّقهَا . 8353 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ كَبِيرَة , وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَسْتَبْدِل اِمْرَأَة شَابَّة وَضِيئَة , فَقَرِّي عَلَى وَلَدك , فَلَا أَقْسِم لَك مِنْ نَفْسِي شَيْئًا . فَذَلِكَ الصُّلْح بَيْنهمَا , وَهُوَ أَبُو السَّنَابِل بْن بَعْكَك. 8354 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , قَالَ شِبْل : فَقُلْت لَهُ : فَإِنْ كَانَتْ لَك اِمْرَأَة فَتَقْسِم لَهَا , وَلَمْ تَقْسِم لِهَذِهِ ؟ قَالَ : إِذَا صَالَحَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء. 8355 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَبَّار , قَالَ : سَأَلْت عَامِرًا عَنْ الرَّجُل تَكُون عِنْده الْمَرْأَة يُرِيد أَنْ يُطَلِّقهَا فَتَقُول : لَا تُطَلِّقنِي , وَاقْسِمْ لِي يَوْمًا , وَلِلَّتِي تَزَوَّج يَوْمَيْنِ ! قَالَ : لَا بَأْس بِهِ هُوَ صُلْح . 8356 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا وَالصُّلْح خَيْر } قَالَ : الْمَرْأَة تَرَى مِنْ زَوْجهَا بَعْض الْجَفَاء وَتَكُون قَدْ كَبِرَتْ , أَوْ لَا تَلِد , فَيُرِيد زَوْجهَا أَنْ يَنْكِح غَيْرهَا فَيَأْتِيهَا , فَيَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ أَنْكِح اِمْرَأَة شَابَّة أَنْسَب مِنْك , لَعَلَّهَا أَنْ تَلِد لِي وَأُوثِرهَا فِي الْأَيَّام وَالنَّفَقَة . فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَإِلَّا طَلَّقَهَا , فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا أَحَبَّا . 8357 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَ : نُشُوزًا عَنْهَا , غَرِضَ بِهَا الرَّجُل تَكُون لَهُ الْمَرْأَتَانِ - أَوْ إِعْرَاضًا بِتَرْكِهَا - { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } إِمَّا أَنْ يُرْضِيَهَا فَتُحَلِّلَهُ , وَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَهُ فَتَعْطِفهُ عَلَى نَفْسهَا . 8358 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } يَعْنِي : الْبُغْض. 8359 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } فَهُوَ الرَّجُل تَكُون تَحْته الْمَرْأَة الْكَبِيرَة , فَيَتَزَوَّج عَلَيْهَا الْمَرْأَة الشَّابَّة , فَيَمِيل إِلَيْهَا , وَتَكُون أَعْجَبَ إِلَيْهِ مِنْ الْكَبِيرَة , فَيُصَالِح الْكَبِيرَة عَلَى أَنْ يُعْطِيهَا مِنْ مَاله , وَيَقْسِم لَهَا مِنْ نَفْسه نَصِيبًا مَعْلُومًا . 8360 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ وَزَيْد بْن أَخْرَم , قَالَا : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن مُعَاذ , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خَشِيَتْ سَوْدَة أَنْ يُطَلِّقهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : لَا تُطَلِّقنِي عَلَى نِسَائِك , وَلَا تَقْسِم لِي ! فَفَعَلَ , فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنهمَا صُلْحًا " فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة بِفَتْحِ الْيَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , بِمَعْنَى : أَنْ يَتَصَالَحَا بَيْنهمَا صُلْحًا , ثُمَّ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الصَّاد فَصُيِّرَتَا صَادًا مُشَدَّدَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { أَنْ يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } بِضَمِّ الْيَاء وَتَخْفِيف الصَّاد , بِمَعْنَى : اصَّلَحَ الزَّوْج وَالْمَرْأَة بَيْنَهُمَا . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " إِلَّا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنهمَا صُلْحًا ". بِفَتْحِ الْيَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , بِمَعْنَى : يَتَصَالَحَا , لِأَنَّ التَّصَالُح فِي هَذَا الْمَوْضِع أَشْهَر وَأَوْضَح مَعْنًى وَأَفْصَح وَأَكْثَر عَلَى أَلْسُن الْعَرَب مِنْ الْإِصْلَاح , وَالْإِصْلَاح فِي خِلَاف الْإِفْسَاد أَشْهَر مِنْهُ فِي مَعْنَى التَّصَالُح . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي قَوْله : { صُلْحًا } دَلَالَة عَلَى أَنَّ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { يُصْلِحَا } بِضَمِّ الْيَاء أَوْلَى بِالصَّوَابِ , فَإِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ , وَذَلِكَ أَنَّ الصُّلْح اِسْم وَلَيْسَ بِفِعْلٍ فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : { يُصْلِحَا بَيْنهمَا صُلْحًا } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَأُحْضِرَتْ أَنْفُس النِّسَاء الشُّحّ عَلَى أَنْصِبَائِهِنَّ مِنْ أَنْفُس أَزْوَاجهنَّ وَأَمْوَالهنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8361 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : نَصِيبهَا مِنْهَا . 8362 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَا جَمِيعًا ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : فِي الْأَيَّام . 8363 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : فِي الْأَيَّام وَالنَّفَقَة. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ وَابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : فِي النَّفَقَة. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا رَوْح , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : فِي النَّفَقَة . * - وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : فِي الْأَيَّام . 8364 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : نَفْس الْمَرْأَة عَلَى نَصِيبهَا مِنْ زَوْجهَا مِنْ نَفْسه وَمَاله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : فِي النَّفَقَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : فِي الْأَيَّام وَالنَّفَقَة. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : فِي الْأَيَّام وَالنَّفَقَة. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : الْمَرْأَة تَشِحّ عَلَى مَال زَوْجهَا وَنَفْسه . 8365 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : جَاءَتْ الْمَرْأَة حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } قَالَتْ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَقْسِم لِي مِنْ نَفْسك ! وَقَدْ كَانَتْ رَضِيَتْ أَنْ يَدَعهَا فَلَا يُطَلِّقهَا وَلَا يَأْتِيهَا ; فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } . 8366 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : تَطَّلَّع نَفْسهَا إِلَى زَوْجهَا وَإِلَى نَفَقَته . قَالَ : وَزَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي سَوْدَة بِنْت زَمْعَة كَانَتْ قَدْ كَبِرَتْ , فَأَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقهَا , فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُمْسِكهَا وَيَجْعَل يَوْمهَا لِعَائِشَة , فَشَحَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأُحْضِرَتْ نَفْس كُلّ وَاحِد مِنْ الرَّجُل وَالْمَرْأَة الشُّحّ بِحَقِّهِ قِبَل صَاحِبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8367 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } قَالَ : لَا تَطِيب نَفْسه أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا فَتُحَلِّلهُ , وَلَا تَطِيب نَفْسهَا أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ مَالهَا , فَتَعْطِفهُ عَلَيْهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : أُحْضِرَتْ أَنْفُس النِّسَاء الشُّحّ بِأَنْصِبَائِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجهنَّ فِي الْأَيَّام وَالنَّفَقَة . وَالشُّحّ : الْإِفْرَاط فِي الْحِرْص عَلَى الشَّيْء , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : إِفْرَاط حِرْص الْمَرْأَة عَلَى نَصِيبهَا مِنْ أَيَّامهَا مِنْ زَوْجهَا وَنَفَقَتهَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَأُحْضِرَتْ أَنْفُس النِّسَاء أَهْوَاءَهُنَّ مِنْ فَرْط الْحِرْص عَلَى حُقُوقهنَّ مِنْ أَزْوَاجهنَّ , وَالشُّحّ بِذَلِكَ عَلَى ضَرَائِرهنَّ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الشُّحّ , ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول. 8368 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } وَالشُّحّ : هَوَاهُ فِي الشَّيْء يَحْرِص عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : وَأُحْضِرَتْ أَنْفُس الرِّجَال وَالنِّسَاء الشُّحّ , عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن زَيْد , لِأَنَّ مُصَالَحَة الرَّجُل اِمْرَأَته بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهَا مِنْ مَاله جُعْلًا عَلَى أَنْ تَصْفَح لَهُ عَنْ الْقَسْم لَهَا غَيْر جَائِزَة , وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُعْتَاض عِوَضًا مِنْ جُعْله الَّذِي بَذَلَهُ لَهَا , وَالْجُعْل لَا يَصِحّ إِلَّا عَلَى عِوَض : إِمَّا عَيْن , وَإِمَّا مَنْفَعَة . وَالرَّجُل مَتَى حَمَلَ لِلْمَرْأَةِ جُعْلًا عَلَى أَنْ تَصْفَح لَهُ عَنْ يَوْمهَا وَلَيْلَتهَا فَلَمْ يَمْلِك عَلَيْهَا عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَة. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : الرَّجُل وَالْمَرْأَة . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ , وَلَهَا الْمُطَالَبَة بِهِ , فَلِلرَّجُلِ اِفْتِدَاؤُهُ مِنْهَا بِجُعْلٍ , فَإِنَّ شُفْعَة الْمُسْتَشْفِع فِي حِصَّة مِنْ دَار اِشْتَرَاهَا رَجُل مِنْ شَرِيك لَهُ فِيهَا حَقّ , لَهُ الْمُطَالَبَة بِهَا , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون لِلْمَطْلُوبِ اِفْتِدَاء ذَلِكَ مِنْهُ بِجُعْلٍ , وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ الصُّلْح فِي ذَلِكَ عَلَى عِوَض غَيْر جَائِز , إِذْ كَانَ غَيْر مُعْتَاض مِنْهُ الْمَطْلُوب فِي الشُّفْعَة عَيْنًا وَلَا نَفْعًا , مَا يَدُلّ عَلَى بُطُول صُلْح الرَّجُل اِمْرَأَته عَلَى عِوَض , عَلَى أَنْ تَصْفَح عَنْ مُطَالَبَتهَا إِيَّاهُ بِالْقِسْمَةِ لَهَا . وَإِذْ فَسَدَ ذَلِكَ صَحَّ أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة مَا قُلْنَا . وَقَدْ أَبَانَ الْخَبَر الَّذِي تَرَكْنَاهُ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَسُلَيْمَان بْن يَسَار , أَنَّ قَوْله : { وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا }. .. الْآيَة , نَزَلَتْ فِي أَمْر رَافِع بْن خَدِيج وَزَوْجَته , إِذْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّة , فَآثَرَ الشَّابَّة عَلَيْهَا , فَأَبَتْ الْكَبِيرَة أَنْ تَقَرّ عَلَى الْأَثَرَة , فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَة وَتَرَكَهَا , فَلَمَّا قَارَبَ اِنْقِضَاء عِدَّتهَا , خَيَّرَهَا بَيْن الْفِرَاق وَالرَّجْعَة وَالصَّبْر عَلَى الْأَثَرَة , فَاخْتَارَتْ الرَّجْعَة وَالصَّبْر عَلَى الْأَثَرَة , فَرَاجَعَهَا وَآثَرَ عَلَيْهَا , فَلَمْ تَصْبِر فَطَلَّقَهَا . فَفِي ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ قَوْله : { وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُس الشُّحّ } إِنَّمَا عَنَى بِهِ : وَأُحْضِرَتْ أَنْفُس النِّسَاء الشُّحّ بِحُقُوقِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجهنَّ عَلَى مَا وَصَفْنَا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ تُحْسِنُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَإِنْ تُحْسِنُوا أَيّهَا الرِّجَال فِي أَفْعَالكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ إِذَا كَرِهْتُمْ مِنْهُنَّ دَمَامَة أَوْ خُلُقًا , أَوْ بَعْض مَا تَكْرَهُونَ مِنْهُنَّ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ , وَإِعْفَائِهِنَّ حُقُوقهنَّ , وَعِشْرَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ

يَقُول : وَتَتَّقُوا اللَّه فِيهِنَّ بِتَرْكِ الْجَوْر مِنْكُمْ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَجِب لِمَنْ كَرِهْتُمُوهُ مِنْهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ الْقِسْمَة لَهُ وَالنَّفَقَة وَالْعِشْرَة بِالْمَعْرُوفِ .

{ فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْلَمُونَ فِي أُمُور نِسَائِكُمْ أَيّهَا الرِّجَال مِنْ الْإِحْسَان إِلَيْهِنَّ , وَالْعِشْرَة بِالْمَعْرُوفِ , وَالْجَوْر عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَلْزَمكُمْ لَهُنَّ وَيَجِب { خَبِيرًا } يَعْنِي عَالِمًا خَابِرًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء , بَلْ هُوَ بِهِ عَالِم , وَلَهُ مُحْصٍ عَلَيْكُمْ , حَتَّى يُوَفِّيَكُمْ جَزَاء ذَلِكَ الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ.
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة النساء الآية رقم 129
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء } : لَنْ تُطِيقُوا أَيّهَا الرِّجَال أَنْ تُسَوُّوا بَيْن نِسَائِكُمْ وَأَزْوَاجكُمْ فِي حُبّهنَّ بِقُلُوبِكُمْ حَتَّى تَعْدِلُوا بَيْنهنَّ فِي ذَلِكَ , مِمَّا لَا تَمْلِكُونَهُ , وَلَيْسَ إِلَيْكُمْ . { وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يَقُول : وَلَوْ حَرَصْتُمْ فِي تَسْوِيَتكُمْ بَيْنهنَّ فِي ذَلِكَ. كَمَا : 8369 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قَالَ : وَاجِب أَنْ لَا تَسْتَطِيعُوا الْعَدْل بَيْنهنَّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } : 8370 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قَالَ : بِنَفْسِهِ فِي الْحُبّ وَالْجِمَاع. * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قَالَ بِنَفْسِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , وَهِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : سَأَلْته عَنْ قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } فَقَالَ : فِي الْجِمَاع . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : فِي الْحُبّ وَالْجِمَاع . 8371 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : فِي الْحُبّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : فِي الْحُبّ وَالْجِمَاع . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , عَنْ قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قَالَ : فِي الْمَوَدَّة , كَأَنَّهُ يَعْنِي الْحُبّ . 8372 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يَقُول : لَا تَسْتَطِيع أَنْ تَعْدِلَا بِالشَّهْوَةِ فِيمَا بَيْنهنَّ وَلَوْ حَرَصْت . 8373 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَهُ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَانَ يَقُول : اللَّهُمَّ أَمَّا قَلْبِي , فَلَا أَمْلِك , وَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ أَعْدِل . 8374 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يَعْنِي : فِي الْحُبّ وَالْجِمَاع . 8375 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَا جَمِيعًا : ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِم بَيْن نِسَائِهِ فَيَعْدِل , ثُمَّ يَقُول : " اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِك , فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك وَلَا أَمْلِك " . 8376 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي عَائِشَة : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء } . 8377 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : فِي الشَّهْوَة وَالْجِمَاع . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : فِي الْجِمَاع . 8378 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , قَالَ : قَالَ سُفْيَان فِي قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قَالَ : فِي الْحُبّ وَالْجِمَاع . 8379 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْن النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قَالَ : مَا يَكُون مِنْ بَدَنه وَقَلْبه , فَذَلِكَ شَيْء لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَمْلِكهُ .

{ فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } يَقُول : فَلَا تَمِيلُوا بِأَهْوَائِكُمْ إِلَى مَنْ لَمْ تَمْلِكُوا مَحَبَّته مِنْهُنَّ كُلّ الْمَيْل , حَتَّى يَحْمِلكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَجُورُوا عَلَى صَوَاحِبهَا فِي تَرْك أَدَاء الْوَاجِب لَهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّ فِي الْقَسْم لَهُنَّ , وَالنَّفَقَة عَلَيْهِنَّ , وَالْعِشْرَة بِالْمَعْرُوفِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } : 8380 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : قُلْت لِعُبَيْدَة : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ : بِنَفْسِهِ . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة , مِثْله . 8381 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ هِشَام : أَظُنّهُ قَالَ : فِي الْحُبّ وَالْجِمَاع. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة فِي قَوْله : { كُلّ الْمَيْل } قَالَ : بِنَفْسِهِ . * - حَدَّثَنَا بَحْر بْن نَصْر الْخَوْلَانِيّ , قَالَ : ثنا بِشْر بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ قَوْل اللَّه : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ : بِنَفْسِهِ . 8382 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ : فِي الْغِشْيَان وَالْقَسْم. 8383 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } : لَا تَعَمَّدُوا الْإِسَاءَة. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ : يَتَعَمَّد أَنْ يُسِيء وَيَظْلِم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8384 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ : هَذَا فِي الْعَمَل فِي مَبِيته عِنْدهَا , وَفِيمَا تُصِيب مِنْ خَيْره . 8385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } يَقُول : يَمِيل عَلَيْهَا فَلَا يُنْفِق عَلَيْهَا , وَلَا يَقْسِم لَهَا يَوْمًا . 8386 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل } قَالَ : يَتَعَمَّد الْإِسَاءَة , يَقُول : لَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ الْجِمَاع . 8387 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِم بَيْن نِسَائِهِ , فَيَعْدِل وَيَقُول : " اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِك , فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك وَلَا أَمْلِك " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , عَنْ عَائِشَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِمِثْلِهِ. 8388 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة , عَنْ النَّضْر بْن أَنَس , عَنْ بَشِير بْن نَهِيك , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ يَمِيل مَعَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَحَد شِقَّيْهِ سَاقِط " .

{ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } يَقُول : فَتَذَرُوا الَّتِي هِيَ سِوَى الَّتِي مِلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ إِلَيْهَا كَالْمُعَلَّقَةِ , يَعْنِي : كَاَلَّتِي لَا هِيَ ذَات زَوْج , وَلَا هِيَ أَيِّم . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } : 8389 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : تَذَرُوهَا لَا هِيَ أَيِّم , وَلَا ذَات زَوْج . 8390 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : لَا أَيِّمًا وَلَا ذَات بَعْل. 8391 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن ; { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : لَا مُطَلَّقَة , وَلَا ذَات بَعْل . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , مِثْله. 8392 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } : أَيْ كَالْمَحْبُوسَةِ أَوْ كَالْمَسْجُونَةِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : كَالْمَسْجُونَةِ . 8393 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } يَقُول : لَا مُطَلَّقَة , وَلَا ذَات بَعْل. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } لَا مُطَلَّقَة , وَلَا ذَات بَعْل . 8394 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِد : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : لَا أَيِّمًا , وَلَا ذَات بَعْل . 8395 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } لَيْسَتْ بِأَيِّمٍ , وَلَا ذَات زَوْج . 8396 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَأَبُو خَالِد وَأَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : لَا تَدَعهَا , كَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا زَوْج . 8397 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : لَا أَيِّمًا , وَلَا ذَات بَعْل . 8398 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } قَالَ : الْمُعَلَّقَة : الَّتِي لَيْسَتْ بِمُخَلَّاةٍ وَنَفْسهَا فَتَبْتَغِي لَهَا , وَلَيْسَتْ مُتَهَيِّئَة كَهَيْئَةِ الْمَرْأَة مِنْ زَوْجهَا , لَا هِيَ عِنْد زَوْجهَا وَلَا مُفَارَقَة فَتَبْتَغِي لِنَفْسِهَا , فَتِلْكَ الْمُعَلَّقَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَا تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْل فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } الرِّجَال بِالْعَدْلِ بَيْن أَزْوَاجهنَّ فِيمَا اِسْتَطَاعُوا فِيهِ الْعَدْل بَيْنهنَّ مِنْ الْقِسْمَة بَيْنهنَّ وَالنَّفَقَة , وَتَرْك الْجَوْر فِي ذَلِكَ بِإِيثَارِ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الْأُخْرَى فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ الْعَدْل بَيْنهنَّ فِيهِ , إِذْ كَانَ قَدْ صَفَحَ لَهُمْ عَمَّا لَا يُطِيقُونَ الْعَدْل فِيهِ بَيْنهنَّ , مِمَّا فِي الْقُلُوب مِنْ الْمَحَبَّة وَالْهَوَى.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تُصْلِحُوا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ تُصْلِحُوا أَعْمَالكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَتَعْدِلُوا فِي قَسْمكُمْ بَيْن أَزْوَاجكُمْ وَمَا فَرَضَ اللَّه لَهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ النَّفَقَة وَالْعِشْرَة بِالْمَعْرُوفِ , فَلَا تَجُورُوا فِي ذَلِكَ .

{ وَتَتَّقُوا } يَقُول : وَتَتَّقُوا اللَّه فِي الْمَيْل الَّذِي نَهَاكُمْ عَنْهُ , بِأَنْ تَمِيلُوا لِإِحْدَاهُنَّ عَلَى الْأُخْرَى , فَتَظْلِمُوهَا حَقّهَا مِمَّا أَوْجَبَهَا اللَّه لَهُ عَلَيْكُمْ.

{ فَإِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه يَسْتُر عَلَيْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ مَيْلكُمْ وَجَوْركُمْ عَلَيْهِنَّ قَبْل ذَلِكَ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهِ , وَيُغَطِّي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ بِعَفْوِهِ عَنْكُمْ مَا مَضَى مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ قَبْل .

{ رَحِيمًا } يَقُول : وَكَانَ رَحِيمًا بِكُمْ إِذَا تَابَ عَلَيْكُمْ , فَقَبِلَ تَوْبَتكُمْ. الَّذِي سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ جَوْركُمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ , وَفِي تَرْخِيصه لَكُمْ الصُّلْح بَيْنكُمْ وَبَيْنهنَّ , بِصَفْحِهِنَّ عَنْ حُقُوقهنَّ لَكُمْ مِنْ الْقَسْم عَلَى أَنْ يُطَلَّقْنَ .
وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًاسورة النساء الآية رقم 130
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَته } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ أَبَتْ الْمَرْأَة الَّتِي قَدْ نَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجهَا , أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِالْمَيْلِ مِنْهُ إِلَى ضَرَّتهَا لِجَمَالِهَا أَوْ شَبَابهَا , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَمِيل النُّفُوس بِهِ إِلَيْهَا الصُّلْح , لِصَفْحِهَا لِزَوْجِهَا عَنْ يَوْمهَا وَلَيْلَتهَا , وَطَلَبَتْ حَقّهَا مِنْهُ مِنْ الْقَسْم وَالنَّفَقَة وَمَا أَوْجَبَ اللَّه لَهَا عَلَيْهِ , وَأَبَى الزَّوْج الْأَخْذ عَلَيْهَا. بِالْإِحْسَانِ الَّذِي نَدَبَهُ اللَّه إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } وَإِلْحَاقهَا فِي الْقَسْم لَهَا وَالنَّفَقَة وَالْعِشْرَة بِاَلَّتِي هُوَ إِلَيْهَا , مَائِل , فَتَفَرَّقَا بِطَلَاقِ الزَّوْج إِيَّاهَا ; { يُغْنِ اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَته } يَقُول يُغْنِ اللَّه الزَّوْج وَالْمَرْأَة الْمُطَلَّقَة مِنْ سَعَة فَضْله , أَمَّا هَذِهِ فَبِزَوْجٍ هُوَ أَصْلَح لَهَا مِنْ الْمُطَلِّق الْأَوَّل , أَوْ بِرِزْقٍ وَاسِع وَعِصْمَة ; وَأَمَّا هَذَا فَبِرِزْقٍ وَاسِع وَزَوْجَة هِيَ أَصْلَح لَهُ مِنْ الْمُطَلَّقَة أَوْ عِفَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8399 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَته } قَالَ : الطَّلَاق يُغْنِي اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَته . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .

{ وَكَانَ اللَّه وَاسِعًا } يَعْنِي : وَكَانَ اللَّه وَاسِعًا لَهُمَا فِي رِزْقه إِيَّاهُمَا وَغَيْرهمَا مِنْ خَلْقه.

{ حَكِيمًا } فِيمَا قَضَى بَيْنه وَبَيْنهَا مِنْ الْفُرْقَة وَالطَّلَاق , وَسَائِر الْمَعَانِي الَّتِي عَرَفْنَاهَا مِنْ الْحُكْم بَيْنهمَا فِي هَذِهِ الْآيَات وَغَيْرهَا وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَتَدْبِيره وَقَضَايَاهُ فِي خَلْقه .
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًاسورة النساء الآية رقم 131
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِلَّهِ مُلْك جَمِيع مَا حَوَتْهُ السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرَضُونَ السَّبْع مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا . وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِعَقِبِ ذَلِكَ قَوْله : { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَته } تَنْبِيهًا مِنْهُ خَلْقَهُ عَلَى مَوْضِع الرَّغْبَة عِنْد فِرَاق أَحَدهمْ زَوْجَته , لِيَفْزَعُوا إِلَيْهِ عِنْد الْجَزَع مِنْ الْحَاجَة وَالْفَاقَة وَالْوَحْشَة بِفِرَاقِ سَكَنه وَزَوْجَته , وَتَذْكِيرًا مِنْهُ لَهُ أَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأَشْيَاء كُلّهَا وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مُلْك جَمِيع الْأَشْيَاء فَغَيْر مُتَعَذِّر عَلَيْهِ أَنْ يُغْنِيه , وَكُلّ ذِي فَاقَة وَحَاجَة , وَيُؤْنِس كُلّ ذِي وَحْشَة .

ثُمَّ رَجَعَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى عَذْل مَنْ سَعَى فِي أَمْر بَنِي أُبَيْرِق وَتَوْبِيخهمْ وَوَعِيد مَنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ الْمُرْتَدّ مِنْهُمْ , فَقَالَ : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَإِيَّاكُمْ } يَقُول : وَلَقَدْ أَمَرْنَا أَهْل الْكِتَاب وَهُمْ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَإِيَّاكُمْ , يَقُول . وَأَمَرْنَاكُمْ وَقُلْنَا لَكُمْ وَلَهُمْ : { اِتَّقُوا اللَّه } يَقُول : اِحْذَرُوا أَنْ تَعْصُوهُ وَتُخَالِفُوا أَمْره وَنَهْيه ,


{ وَإِنْ تَكْفُرُوا } يَقُول : وَإِنْ تَجْحَدُوا وَصِيَّته إِيَّاكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَتُخَالِفُوهَا , { فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَقُول : فَإِنَّكُمْ لَا تَضُرُّونَ بِخِلَافِكُمْ وَصِيَّته غَيْر أَنْفُسكُمْ , وَلَا تَعْدُونَ فِي كُفْركُمْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَال الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي نُزُول عُقُوبَته بِكُمْ وَحُلُول غَضَبه عَلَيْكُمْ كَمَا حَلَّ بِهِمْ , إِذْ بَدَّلُوا عَهْده وَنَقَضُوا مِيثَاقه , فَغَيَّرَ بِهِمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ خَفْض الْعَيْش وَأَمْن السِّرْب , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير ; وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ مُلْك جَمِيع مَا حَوَتْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ بِجَمِيعِهِ وَبِشَيْءٍ مِنْهُ مِنْ إِعْزَاز مَنْ أَرَادَ إِعْزَازه وَإِذْلَال مَنْ أَرَادَ إِذْلَاله وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور كُلّهَا , لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه بِهِمْ إِلَيْهِ الْفَاقَة وَالْحَاجَة , وَبِهِ قِوَامهمْ وَبَقَاؤُهُمْ وَهَلَاكهمْ وَفَنَاؤُهُمْ , وَهُوَ الْغَنِيّ الَّذِي لَا حَاجَة تَحِلّ بِهِ إِلَى شَيْء وَلَا فَاقَة تَنْزِل بِهِ تَضْطَرّهُ إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَلَا إِلَى غَيْركُمْ , وَالْحَمِيد الَّذِي اِسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْخَلْق الْحَمْد بِصَنَائِعِهِ الْحَمِيدَة إِلَيْكُمْ وَآلَائِهِ الْجَمِيلَة لَدَيْكُمْ , فَاسْتَدِيمُوا ذَلِكَ أَيّهَا النَّاس بِاتِّقَائِهِ , وَالْمُسَارَعَة إِلَى طَاعَته فِيمَا يَأْمُركُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ . كَمَا : 8400 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { وَكَانَ اللَّه غَنِيًّا حَمِيدًا } قَالَ : غَنِيًّا عَنْ خَلْقه { حَمِيدًا } قَالَ : مُسْتَحْمَدًا إِلَيْهِمْ .
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاًسورة النساء الآية رقم 132
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِلَّهِ مُلْك جَمِيع مَا حَوَتْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَهُوَ الْقَيِّم بِجَمِيعِهِ , وَالْحَافِظ لِذَلِكَ كُلّه , لَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْهُ , وَلَا يَئُودهُ حِفْظه وَتَدْبِيره . كَمَا : 8401 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ عَمْرو , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا } قَالَ : حَفِيظًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه تَكْرَار قَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } فِي آيَتَيْنِ إِحْدَاهُنَّ فِي إِثْر الْأُخْرَى ؟ قِيلَ : كَرَّرَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْخَبَرَيْنِ عَمَّا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي الْآيَتَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر عَنْهُ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ ذِكْر حَاجَته إِلَى بَارِئِهِ وَغِنَى بَارِئِهِ عَنْهُ , وَفِي الْأُخْرَى حِفْظ بَارِئِهِ إِيَّاهُ بِهِ وَعِلْمه بِهِ وَتَدْبِيره . فَإِنْ قَالَ : أَفَلَا قِيلَ : وَكَانَ اللَّه غَنِيًّا حَمِيدًا وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا ؟ قِيلَ : إِنَّ الَّذِي فِي الْآيَة الَّتِي قَالَ فِيهَا : { وَكَانَ اللَّه غَنِيًّا حَمِيدًا } مِمَّا صَلُحَ أَنْ يَخْتِم مَا خَتَمَ بِهِ مِنْ وَصْف اللَّه بِالْغِنَى وَأَنَّهُ مَحْمُود وَلَمْ يَذْكُر فِيهَا مَا يَصْلُح أَنْ يَخْتِم بِوَصْفِهِ مَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالتَّدْبِير , فَلِذَلِكَ كَرَّرَ قَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } .
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًاسورة النساء الآية رقم 133
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ يَشَأْ } اللَّه أَيّهَا النَّاس { يُذْهِبْكُمْ } أَيْ يُذْهِبْكُمْ بِإِهْلَاكِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ . { وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } يَقُول : وَيَأْتِ بِنَاسٍ آخَرِينَ غَيْركُمْ , لِمُؤَازَرَةِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُصْرَته. { وَكَانَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا } يَقُول : وَكَانَ اللَّه عَلَى إِهْلَاككُمْ وَإِفْنَائِكُمْ , وَاسْتِبْدَال آخَرِينَ غَيْركُمْ بِكُمْ قَدِيرًا , يَعْنِي : ذَا قُدْرَة عَلَى ذَلِكَ . وَإِنَّمَا وَبَّخَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَات الْخَائِنِينَ الَّذِينَ خَانُوا الدِّرْع الَّتِي وَصَفْنَا شَأْنهَا , الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي قَوْله , { وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } 4 105 وَحَذَّرَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلهمْ , وَأَنْ يَفْعَلُوا فِعْل الْمُرْتَدّ مِنْهُمْ فِي اِرْتِدَاده وَلِحَاقه بِالْمُشْرِكِينَ , وَعَرَّفَهُمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْله مِنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّ إِلَّا نَفْسه وَلَنْ يُوبِق بِرِدَّتِهِ غَيْر نَفْسه , لِأَنَّهُ الْمُحْتَاج مَعَ جَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض إِلَى اللَّه , وَاَللَّه الْغَنِيّ عَنْهُمْ . ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ فِي قَوْله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِئْصَال إِنْ هُمْ فَعَلُوا فِعْل اِبْن أُبَيْرِق طُعْمَة الْمُرْتَدّ , وَبِاسْتِبْدَالِ آخَرِينَ غَيْرهمْ بِهِمْ لِنُصْرَةِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُحْبَته وَمُؤَازَرَته عَلَى دِينه , كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى : { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالكُمْ } 47 38 . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ , ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْر سَلْمَان , فَقَالَ : " هُمْ قَوْم هَذَا " يَعْنِي عَجَم الْفُرْس ; كَذَلِكَ : 8402 - حُدِّثْت عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد , عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ بِمَا : 8403 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا } قَادِر وَاَللَّه رَبّنَا عَلَى ذَلِكَ , أَنْ يُهْلِك مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , وَيَأْتِي بِآخَرِينَ مِنْ بَعْدهمْ.
مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًاسورة النساء الآية رقم 134
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى - { مَنْ كَانَ يُرِيد ثَوَاب الدُّنْيَا فَعِنْد اللَّه ثَوَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَنْ كَانَ يُرِيد } مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَان لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ يَسْتَبْطِنُونَ الْكُفْر وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَان . { ثَوَاب الدُّنْيَا } يَعْنِي : عَرَضَ الدُّنْيَا , بِإِظْهَارِ مَا أَظْهَرَ مِنْ الْإِيمَان بِلِسَانِهِ . { فَعِنْد اللَّه ثَوَاب الدُّنْيَا } يَعْنِي : جَزَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا مِنْهَا وَثَوَابه فِيهَا , هُوَ مَا يُصِيب مِنْ الْمَغْنَم إِذَا شَهِدَ مَعَ النَّبِيّ مَشْهَدًا , وَأَمِنَهُ عَلَى نَفْسه وَذُرِّيَّته وَمَاله , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَأَمَّا ثَوَابه فِي الْآخِرَة فَنَار جَهَنَّم . فَمَعْنَى الْآيَة : مَنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِينَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُرِيد بِعَمَلِهِ ثَوَاب الدُّنْيَا وَجَزَاءَهَا مِنْ عَمَله , فَإِنَّ اللَّه مُجَازِيه جَزَاءَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ الدُّنْيَا , وَجَزَاءَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ الْعِقَاب وَالنَّكَال وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى ذَلِكَ كُلّه , وَهُوَ مَالِك جَمِيعه , كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى : { مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 11 15 : 16 . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي أَمْر بَنِي أُبَيْرِق , وَاَلَّذِينَ وَصَفَهُمْ فِي قَوْله : { وَلَا تُجَادِل عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاس وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّه وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْل } 4 107 : 108 وَمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ فِي أَفْعَالهمْ وَنِفَاقهمْ .

وَقَوْله : { وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا بَصِيرًا } يَعْنِي : وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ ثَوَاب الدُّنْيَا بِأَعْمَالِهِمْ , وَإِظْهَارهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُظْهِرُونَ لَهُمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ وَقَوْلهمْ لَهُمْ آمَنَّا . { بَصِيرًا } : يَعْنِي : وَكَانَ ذَا بَصَر بِهِمْ وَبِمَا هُمْ عَلَيْهِ مُنْطَوُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يَكْتُمُونَهُ وَلَا يُبْدُونَهُ لَهُمْ مِنْ الْغِشّ وَالْغِلّ الَّذِي فِي صُدُورهمْ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًاسورة النساء الآية رقم 135
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } وَهَذَا تَقَدَّمَ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْل الَّذِينَ سَعَوْا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْمُر بَنِي أُبَيْرِق , أَنْ يَقُوم بِالْعُذْرِ لَهُمْ فِي أَصْحَابه وَذَبّهمْ عَنْهُمْ وَتَحْسِينهمْ أَمْرهمْ بِأَنَّهُمْ أَهْل فَاقَة وَفَقْر ; يَقُول اللَّه لَهُمْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ } يَقُولهُ : لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقكُمْ وَصِفَاتكُمْ الْقِيَام بِالْقِسْطِ , يَعْنِي بِالْعَدْلِ . { شُهَدَاء لِلَّهِ } وَالشُّهَدَاء : جَمْع شَهِيد , وَنُصِبَتْ الشُّهَدَاء عَلَى الْقَطْع مِمَّا فِي قَوْله : " قَوَّامِينَ " , مِنْ ذِكْر الَّذِينَ آمَنُوا , وَمَعْنَاهُ : قُومُوا بِالْقِسْطِ لِلَّهِ عِنْد شَهَادَتكُمْ , أَوْ حِين شَهَادَتكُمْ . { وَلَوْ عَلَى أَنْفُسكُمْ } يَقُول : وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ , أَوْ عَلَى وَالِدَيْكُمْ أَوْ أَقْرَبِيكُمْ , فَقُومُوا فِيهَا بِالْقِسْطِ وَالْعَدْل , وَأَقِيمُوهَا عَلَى صِحَّتهَا بِأَنْ تَقُولُوا فِيهَا الْحَقّ , وَلَا تَمِيلُوا فِيهَا لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ عَلَى فَقِير , وَلَا لِفَقِيرِ لِفَقْرِهِ عَلَى غَنِيّ فَتَجُورُوا , فَإِنَّ اللَّه الَّذِي سَوَّى بَيْن حُكْم الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِيمَا أَلْزَمَكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ إِقَامَة الشَّهَادَة لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا بِالْعَدْلِ أَوْلَى بِهِمَا , وَأَحَقّ مِنْكُمْ , لِأَنَّهُ مَالِكهمَا وَأَوْلَى بِهِمَا دُونكُمْ , فَهُوَ أَعْلَم بِمَا فِيهِ مَصْلَحَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْره مِنْ الْأُمُور كُلّهَا مِنْكُمْ , فَلِذَلِكَ أَمَرَكُمْ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنهمَا فِي الشَّهَادَة لَهُمَا وَعَلَيْهَا . { فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } يَقُول : فَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاء أَنْفُسكُمْ فِي الْمَيْل فِي شَهَادَتكُمْ إِذَا قُمْتُمْ بِهَا لِغَنِيٍّ عَلَى فَقِير أَوْ لِفَقِيرٍ عَلَى غَنِيّ إِلَّا أَحَد الْفَرِيقَيْنِ فَتَقُولُوا غَيْر الْحَقّ , وَلَكِنْ قُومُوا فِيهِ بِالْقِسْطِ وَأَدُّوا الشَّهَادَة عَلَى مَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِأَدَائِهَا بِالْعَدْلِ لِمَنْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ وَلَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَقُوم بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسه الشَّاهِد بِالْقِسْطِ , وَهَلْ يَشْهَد الشَّاهِد عَلَى نَفْسه ؟ قِيلَ : نَعَمْ , وَذَلِكَ أَنْ يَكُون عَلَيْهِ حَقّ لِغَيْرِهِ , فَيُقِرّ لَهُ بِهِ , فَذَلِكَ قِيَام مِنْهُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسه . وَهَذِهِ الْآيَة عِنْدِي تَأْدِيب مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَهُ الَّذِينَ عَذَرُوا بَنِي أُبَيْرِق فِي سَرِقَتهمْ مَا سَرَقُوا وَخِيَانَتهمْ مَا خَانُوا مِنْ ذِكْر مَا قِيلَ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهَادَتهمْ لَهُمْ عِنْده بِالصَّلَاحِ , فَقَالَ لَهُمْ : إِذَا قُمْتُمْ بِالشَّهَادَةِ لِإِنْسَانٍ أَوْ عَلَيْهِ , فَقُومُوا فِيهَا بِالْعَدْلِ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ , فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ غِنَى مَنْ شَهِدْتُمْ لَهُ أَوْ فَقْره أَوْ قَرَابَته وَرَحِمه مِنْكُمْ عَلَى الشَّهَادَة لَهُ بِالزُّورِ وَلَا عَلَى تَرْك الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَكِتْمَانهَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ تَأْدِيبًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8404 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ غَنِيّ وَفَقِير , وَكَانَ ضِلْعه مَعَ الْفَقِير , يَرَى أَنَّ الْفَقِير لَا يَظْلِم الْغَنِيّ , فَأَبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يَقُوم بِالْقِسْطِ فِي الْغَنِيّ وَالْفَقِير , فَقَالَ : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } ... الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ نَحْو قَوْلنَا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الشَّهَادَة أَمْرًا مِنْ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُسَوُّوا فِي قِيَامهمْ بِشَهَادَاتِهِمْ لِمَنْ قَامُوا بِهَا بَيْن الْغَنِيّ وَالْفَقِير. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8405 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا الْحَقّ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَوْ آبَائِهِمْ أَوْ أَبْنَائِهِمْ , وَلَا يُحَابُوا غَنِيًّا لِغِنَاهُ , وَلَا يَرْحَمُوا مِسْكِينًا لِمَسْكَنَتِهِ , وَذَلِكَ قَوْله : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } فَتَذَرُوا الْحَقّ فَتَجُورُوا . 8406 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب فِي شَهَادَة الْوَالِد لِوَلَدِهِ وَذِي الْقَرَابَة , قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ السُّنَّة فِي سَلَف الْمُسْلِمِينَ , وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا } ... الْآيَة , فَلَمْ يَكُنْ يُتَّهَم سَلَف الْمُسْلِمِينَ الصَّالِح فِي شَهَادَة الْوَالِد لِوَلَدِهِ , وَلَا الْوَلَد لِوَالِدِهِ , وَلَا الْأَخ لِأَخِيهِ , وَلَا الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ , ثُمَّ دَخِلَ النَّاس بَعْد ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُور حَمَلَتْ الْوُلَاة عَلَى اِتِّهَامهمْ , فَتُرِكَتْ شَهَادَة مَنْ يُتَّهَم إِذَا كَانَتْ مِنْ أَقْرِبَائِهِمْ وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَد وَالْوَالِد وَالْأَخ وَالزَّوْج وَالْمَرْأَة لَمْ يُتَّهَم إِلَّا هَؤُلَاءِ فِي آخِر الزَّمَان . 8407 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : لَا يَحْمِلك فَقْر هَذَا عَلَى أَنْ تَرْحَمهُ فَلَا تُقِيم عَلَيْهِ الشَّهَادَة , قَالَ : يَقُول هَذَا لِلشَّاهِدِ . 8408 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } . .. الْآيَة , هَذَا فِي الشَّهَادَة , فَأَقِمْ الشَّهَادَة يَا اِبْن آدَم وَلَوْ عَلَى نَفْسك , أَوْ الْوَالِدَيْنِ , أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتك , أَوْ أَشْرَاف قَوْمك , فَإِنَّمَا الشَّهَادَة لِلَّهِ وَلَيْسَتْ لِلنَّاسِ , وَإِنَّ اللَّه رَضِيَ الْعَدْل لِنَفْسِهِ ; وَالْإِقْسَاط وَالْعَدْل مِيزَان اللَّه فِي الْأَرْض , بِهِ يَرُدّ اللَّه مِنْ الشَّدِيد عَلَى الضَّعِيف , مِنْ الْكَاذِب عَلَى الصَّادِق , وَمِنْ الْمُبْطِل عَلَى الْمُحِقّ , وَبِالْعَدْلِ يُصَدِّق الصَّادِق , وَيُكَذِّب الْكَاذِب , وَيَرُدّ الْمُعْتَدِيَ , وَيُوَبِّخهُ تَعَالَى رَبّنَا وَتَبَارَكَ , وَبِالْعَدْلِ يُصْلِح النَّاس . يَا اِبْن آدَم إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا , فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا , يَقُول : أَوْلَى بِغَنِيِّكُمْ وَفَقِيركُمْ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : يَا رَبّ أَيّ شَيْء وَضَعْت فِي الْأَرْض أَقَلّ ؟ قَالَ : " الْعَدْل أَقَلّ مَا وَضَعْت فِي الْأَرْض , فَلَا يَمْنَعك غِنَى غَنِيٍّ وَلَا فَقْر فَقِير أَنْ تَشْهَد عَلَيْهِ بِمَا تَعْلَم , فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيْك مِنْ الْحَقّ " . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا } . وَقَدْ قِيلَ : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا } . .. الْآيَة , أُرِيدَ : فَاَللَّه أَوْلَى بِغِنَى الْغَنِيّ وَفَقْر الْفَقِير , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْره , فَلِذَلِكَ قَالَ " بِهِمَا " , وَلَمْ يَقُلْ " بِهِ " . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا قِيلَ " بِهِمَا " لِأَنَّهُ قَالَ : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا } فَلَمْ يَقْصِد فَقِيرًا بِعَيْنِهِ وَلَا غَنِيًّا بِعَيْنِهِ , وَهُوَ مَجْهُول , وَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا جَازَ الرَّدّ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّثْنِيَة وَالْجَمْع . وَذَكَرَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمْ " . وَقَالَ آخَرُونَ : " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاو فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَقَالَ آخَرُونَ : جَازَ تَثْنِيَة قَوْله " بِهِمَا " , لِأَنَّهُمَا قَدْ ذُكِّرَا كَمَا قِيلَ : { وَلَهُ أَخ أَوْ أُخْت فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا } 4 12 . وَقِيلَ : جَازَ لِأَنَّهُ أُضْمِرَ فِيهِ " مَنْ " كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ يَكُنْ مَنْ خَاصَمَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا , بِمَعْنَى : غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ , فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا . وَتَأْوِيل قَوْله ; { فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } أَيْ عَنْ الْحَقّ , فَتَجُورُوا بِتَرْكِ إِقَامَة الشَّهَادَة بِالْحَقِّ . وَلَوْ وُجِّهَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : فَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاء أَنْفُسكُمْ هَرَبًا مِنْ أَنْ تَعْدِلُوا عَنْ الْحَقّ فِي إِقَامَة الشَّهَادَة بِالْقِسْطِ كَانَ وَجْهًا . وَقَدْ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا , كَمَا يُقَال : لَا تَتَّبِع هَوَاك لِتُرْضِيَ رَبّك , بِمَعْنَى : أَنْهَاك عَنْهُ كَمَا تُرْضِي رَبّك بِتَرْكِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى : وَإِنْ تَلْوُوا أَيّهَا الْحُكَّام فِي الْحُكْم لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَر أَوْ تُعْرِضُوا , فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْآيَة إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحُكَّام عَلَى نَحْو الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ السُّدِّيّ مِنْ قَوْله : إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8409 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس بْن أَبِي ظَبْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : هُمَا الرَّجُلَانِ يَجْلِسَانِ بَيْن يَدَيْ الْقَاضِي , فَيَكُون لَيّ الْقَاضِي وَإِعْرَاضه لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَإِنْ تَلْوُوا أَيّهَا الشُّهَدَاء فِي شَهَادَاتكُمْ فَتُحَرِّفُوهَا وَلَا تُقِيمُوهَا , أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا فَتَتْرُكُوهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8410 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } يَقُول : إِنْ تَلْوُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ بِالشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } . .. إِلَى قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } يَقُول : تَلْوِي لِسَانك بِغَيْرِ الْحَقّ , وَهِيَ اللَّجْلَجَة , فَلَا تُقِيم الشَّهَادَة عَلَى وَجْههَا . وَالْإِعْرَاض التَّرْك . 8411 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا } : أَيْ تُبَدِّلُوا الشَّهَادَة ; { أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : تَكْتُمُوهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ تَلْوُوا } قَالَ : بِتَبْدِيلِ الشَّهَادَة , وَالْإِعْرَاض : كِتْمَانهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : إِنْ تُحَرِّفُوا , أَوْ تَتْرُكُوا . 8412 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : تَلَجْلَجُوا أَوْ تَكْتُمُوا ; وَهَذَا فِي الشَّهَادَة . 8413 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } أَمَّا تَلْوُوا : فَتَلْوِي لِلشَّهَادَةِ فَتُحَرِّفهَا حَتَّى لَا تُقِيمهَا ; وَأَمَّا " تُعْرِضُوا " : فَتُعْرِض عَنْهَا فَتَكْتُمهَا وَتَقُول : لَيْسَ عِنْدِي شَهَادَة . 8414 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَإِنْ تَلْوُوا } فَتَكْتُمُوا الشَّهَادَة , تَلْوِي : تَنْقُص مِنْهَا , أَوْ تُعْرِض عَنْهَا فَتَكْتُمهَا فَتَأْبَى أَنْ تَشْهَد عَلَيْهِ , تَقُول : أَكْتُم عَنْهُ لِأَنَّهُ مِسْكِين أَرْحَمهُ فَتَقُول : لَا أُقِيم الشَّهَادَة عَلَيْهِ , وَتَقُول : هَذَا غَنِيّ أُبْقِيه وَأَرْجُو مَا قَبْله فَلَا أَشْهَد عَلَيْهِ , فَذَلِكَ قَوْله : { إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ تَلْوُوا } تُحَرِّفُوا { أَوْ تُعْرِضُوا } : تَتْرُكُوا . 8415 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا } قَالَ : إِنْ تَلَجْلَجُوا فِي الشَّهَادَة فَتُفْسِدُوهَا , { أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : فَتَتْرُكُوهَا . 8416 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : إِنْ تَلْوُوا فِي الشَّهَادَة , أَنْ لَا تُقِيمُوهَا عَلَى وَجْههَا { أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : تَكْتُمُوا الشَّهَادَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } يَعْنِي : تَلَجْلَجُوا { أَوْ تُعْرِضُوا } قَالَ : تَدَعهَا فَلَا تَشْهَد . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } أَمَّا تَلْوُوا : فَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ الرَّجُل لِسَانه بِغَيْرِ الْحَقّ , يَعْنِي فِي الشَّهَادَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَنَّهُ لَيّ الشَّاهِد شَهَادَته لِمَنْ يَشْهَد لَهُ وَعَلَيْهِ ; وَذَلِكَ تَحْرِيفه إِيَّاهَا لِسَانه وَتَرْكه إِقَامَتهَا لِيُبْطِل بِذَلِكَ شَهَادَته لِمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ . وَأَمَّا إِعْرَاضه عَنْهَا , فَإِنَّهُ تَرْكه أَدَاءَهَا وَالْقِيَام بِهَا فَلَا يَشْهَد بِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } فَأَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ شُهَدَاء , وَأَظْهَرُ مَعَانِي الشُّهَدَاء مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَصْفهمْ بِالشَّهَادَةِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَإِنْ تَلْوُوا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى الْكُوفَة { وَإِنْ تَلْوُوا } بِوَاوَيْنِ مِنْ : لَوَانِي الرَّجُل حَقِّي , وَالْقَوْم يَلْوُونَنِي دَيْنِي , وَذَلِكَ إِذًا مَطْلُوب , لَيًّا . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " وَإِنْ تَلُوا " بِوَاوٍ وَاحِدَة ; وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون قَارِئُهَا أَرَادَ هَمْز الْوَاو لِانْضِمَامِهَا , ثُمَّ أَسْقَطَ الْهَمْز , فَصَارَ إِعْرَاب الْهَمْز فِي اللَّام إِذْ أَسْقَطَهُ , وَبَقِيَتْ وَاو وَاحِدَة , كَأَنَّهُ أَرَادَ : تَلْوُوا , ثُمَّ حَذَفَ الْهَمْز . وَإِذَا عُنِيَ هَذَا الْوَجْه كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ : { وَإِنْ تَلْوُوا } بِوَاوَيْنِ غَيْر أَنَّهُ خَالَفَ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاو الثَّانِيَة مِنْ قَوْله : { تَلْوُوا } وَاو جَمْع , وَهِيَ عَلَم لِمَعْنًى , فَلَا يَصِحّ هَمْزهَا ثُمَّ حَذْفهَا بَعْد هَمْزهَا , فَيَبْطُل عَلَم الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ أُدْخِلَتْ الْوَاو الْمَحْذُوفَة . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون قَارِئُهَا كَذَلِكَ , أَرَادَ : إِنْ تَلُوا , مِنْ الْوِلَايَة , فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَإِنْ تَلُوا أُمُور النَّاس , أَوْ تَتْرُكُوا . وَهَذَا مَعْنَى إِذَا وَجَّهَ الْقَارِئ قِرَاءَته عَلَى مَا وَصَفْنَا إِلَيْهِ , خَارِج عَنْ مَعَانِي أَهْل التَّأْوِيل وَمَا وَجَّهَ إِلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ تَأْوِيل الْآيَة . فَإِذَا كَانَ فَسَاد ذَلِكَ وَاضِحًا مِنْ كِلَا وَجْهَيْهِ , فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة الَّذِي لَا يَصْلُح غَيْره أَنْ يُقْرَأ بِهِ عِنْدنَا : { وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا } بِمَعْنَى اللَّيّ : الَّذِي هُوَ مَطْل , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : وَإِنْ تَدْفَعُوا الْقِيَام بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا لِمَنْ لَزِمَكُمْ الْقِيَام لَهُ بِهَا . فَتُغَيِّرُوهَا , وَتُبَدِّلُوا , أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا , فَتَتْرُكُوا الْقِيَام لَهُ بِهَا , كَمَا يَلْوِي الرَّجُل دَيْن الرَّجُل , فَيُدَافِعهُ بِأَدَائِهِ إِلَيْهِ عَلَى مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لَهُ مَطْلًا مِنْهُ لَهُ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى : يَلْوِينَنِي دَيْنِي النَّهَار وَأَقْتَضِي دَيْنِي إِذَا وَقَذَ النُّعَاس الرُّقَّدَا

وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } فَإِنَّهُ أَرَادَ : فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ إِقَامَتكُمْ الشَّهَادَة وَتَحْرِيفكُمْ إِيَّاهَا وَإِعْرَاضكُمْ عَنْهَا بِكِتْمَانِكُمُوهَا , خَبِيرًا , يَعْنِي : ذَا خِبْرَة وَعِلْم بِهِ , يَحْفَظ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ فِي الْآخِرَة , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , يَقُول : فَاتَّقُوا رَبّكُمْ فِي ذَلِكَ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًاسورة النساء الآية رقم 136
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } : بِمَنْ قَبْل مُحَمَّد مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } يَقُول : صَدِّقُوا بِاَللَّهِ , وَبِمُحَمَّدٍ رَسُوله , أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل إِلَيْكُمْ وَإِلَى سَائِر الْأُمَم قَبْلكُمْ . { وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله } يَقُول : وَصَدِّقُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّد مِنْ الْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَهُ اللَّه عَلَيْهِ , وَذَلِكَ الْقُرْآن . { وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل } يَقُول : وَآمِنُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه مِنْ قَبْل الْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَهُ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه دُعَاء هَؤُلَاءِ إِلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَكُتُبه وَقَدْ سَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ ؟ قِيلَ : إِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ مُؤْمِنِينَ , وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا , وَذَلِكَ وَصْف لَهُمْ بِخُصُوصٍ مِنْ التَّصْدِيق , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا صِنْفَيْنِ : أَهْل تَوْرَاة مُصَدِّقِينَ بِهَا وَبِمَنْ جَاءَ بِهَا , وَهُمْ مُكَذِّبُونَ بِالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآن وَعِيسَى وَمُحَمَّد صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمَا ; وَصِنْف أَهْل إِنْجِيل وَهُمْ مُصَدِّقُونَ بِهِ وَبِالتَّوْرَاةِ وَسَائِر الْكُتُب , مُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفُرْقَان . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَعْنِي : بِمَا هُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ مِنْ الْكُتُب وَالرُّسُل , { آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { وَالْكِتَاب الَّذِينَ نَزَّلَ عَلَى رَسُوله } فَإِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه تَجِدُونَ صِفَته فِي كُتُبكُمْ , { وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل } الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ , فَإِنَّكُمْ لَنْ تَكُونُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وَأَنْتُمْ بِمُحَمَّدٍ مُكَذِّبُونَ , لِأَنَّ كِتَابكُمْ يَأْمُركُمْ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ , فَآمِنُوا بِكِتَابِكُمْ فِي اِتِّبَاعكُمْ مُحَمَّدًا , وَإِلَّا فَأَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. فَهَذَا وَجْه أَمْرهمْ بِالْإِيمَانِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ , بَعْد أَنْ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } .

وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْيَوْم الْآخِر } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَمَنْ يَكْفُر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجْحَد نُبُوَّته , فَهُوَ يَكْفُر بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْيَوْم الْآخِر , لِأَنَّ جُحُود الشَّيْء مِنْ ذَلِكَ بِمَعْنَى جُحُوده جَمِيعه ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحّ إِيمَان أَحَد مِنْ الْخَلْق إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّه بِالْإِيمَانِ بِهِ , وَالْكُفْر بِشَيْءٍ مِنْهُ كُفْر بِجَمِيعِهِ , فَلِذَلِكَ قَالَ : { وَمَنْ يَكْفُر بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْيَوْم الْآخِر } بِعَقِبِ خِطَابه أَهْل الْكِتَاب , وَأَمْره إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهْدِيدًا مِنْهُ لَهُمْ , وَهُمْ مُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالْكُتُب وَالرُّسُل وَالْيَوْم الْآخِر سِوَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْفُرْقَان .

وَأَمَّا قَوْله : { فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَقَدْ ذَهَبَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَجَارَ عَنْ مَحَجَّة الطَّرِيق إِلَى الْمَهَالِك ذَهَابًا وَجَوْرًا بَعِيدًا , لِأَنَّ كُفْر مَنْ كَفَرَ بِذَلِكَ خُرُوج مِنْهُ عَنْ دِين اللَّه الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ , وَالْخُرُوج عَنْ دِين اللَّه : الْهَلَاك الَّذِي فِيهِ الْبَوَار , وَالضَّلَال عَنْ الْهُدَى هُوَ الضَّلَال .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاًسورة النساء الآية رقم 137
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بِمُوسَى { ثُمَّ كَفَرُوا } بِهِ { ثُمَّ آمَنُوا } يَعْنِي النَّصَارَى بِعِيسَى , { ثُمَّ كَفَرُوا } بِهِ { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } بِمُحَمَّدٍ , { لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8417 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , آمَنَتْ الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ , ثُمَّ كَفَرَتْ ; وَآمَنَتْ النَّصَارَى بِالْإِنْجِيلِ , ثُمَّ كَفَرَتْ ; وَكُفْرهمْ بِهِ : تَرْكهمْ إِيَّاهُ , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بِالْفُرْقَانِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ اللَّه : { لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } يَقُول : لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيق هُدًى , وَقَدْ كَفَرُوا بِكِتَابِ اللَّه وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 8418 - حَدَّثَنَا : الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْيَهُود آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ , ثُمَّ كَفَرُوا . ثُمَّ ذَكَرَ النَّصَارَى , ثُمَّ قَالَ : { ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } يَقُول : آمَنُوا بِالْإِنْجِيلِ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : أَهْل النِّفَاق أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ اِرْتَدُّوا , ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ اِرْتَدُّوا , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8419 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : كُنَّا نَحْسَبهُمْ الْمُنَافِقِينَ , وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ مِثْلهمْ . { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : تَمُّوا عَلَى كُفْرهمْ حَتَّى مَاتُوا. 8420 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : مَاتُوا. * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : حَتَّى مَاتُوا . 8421 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } . .. الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ آمَنُوا مَرَّتَيْنِ , وَكَفَرُوا مَرَّتَيْنِ , ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا بَعْد ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , أَتَوْا ذُنُوبًا فِي كُفْرهمْ فَتَابُوا , فَلَمْ تُقْبَل مِنْهُمْ التَّوْبَة فِيهَا مَعَ إِقَامَتهمْ عَلَى كُفْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8422 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَذْنَبُوا فِي شِرْكهمْ , ثُمَّ تَابُوا فَلَمْ تُقْبَل تَوْبَتهمْ , وَلَوْ تَابُوا مِنْ الشِّرْك لَقُبِلَ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ أَقَرُّوا بِحُكْمِ التَّوْرَاة , ثُمَّ كَذَّبُوا بِخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ , ثُمَّ أَقَرَّ مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيل , ثُمَّ كَذَّبَ بِهِ بِخِلَافِهِ إِيَّاهُ , ثُمَّ كَذَّبَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفُرْقَان , فَازْدَادَ بِتَكْذِيبِهِ بِهِ كُفْرًا عَلَى كُفْره. وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , لِأَنَّ الْآيَة قَبْلهَا فِي قَصَص أَهْل الْكِتَابَيْنِ , أَعْنِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } وَلَا دَلَالَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } مُنْقَطِع مَعْنَاهُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْله , فَإِلْحَاقه بِمَا قَبْله أَوْلَى حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَة دَالَّة عَلَى اِنْقِطَاعه مِنْهُ . وَأَمَّا قَوْله : { لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَغْفِر لَهُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَسْتُر عَلَيْهِمْ كُفْرهمْ وَذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ عَنْ الْعُقُوبَة لَهُمْ عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ يَفْضَحهُمْ عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد . { وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } يَقُول : وَلَمْ يَكُنْ لِيُسَدِّدهُمْ لِإِصَابَةِ طَرِيق الْحَقّ فَيُوَفِّقهُمْ لَهَا , وَلَكِنَّهُ يَخْذُلهُمْ عَنْهَا عُقُوبَة لَهُمْ عَلَى عَظِيم جُرْمهمْ وَجَرَاءَتهمْ عَلَى رَبّهمْ . وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدّ يُسْتَتَاب ثَلَاثًا اِنْتِزَاعًا مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَة , وَخَالَفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ آخَرُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ يُسْتَتَاب ثَلَاثًا : 8423 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَ : إِنْ كُنْت لَمُسْتَتِيب الْمُرْتَدّ ثَلَاثًا . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يُسْتَتَاب الْمُرْتَدّ ثَلَاثًا , ثُمَّ قَرَأَ : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْرًا } . 8424 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : يُسْتَتَاب الْمُرْتَدّ ثَلَاثًا . وَقَالَ آخَرُونَ : يُسْتَتَاب كُلَّمَا اِرْتَدَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8425 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَمَّنْ سَمِعَ إِبْرَاهِيم , قَالَ : يُسْتَتَاب الْمُرْتَدّ كُلَّمَا اِرْتَدَّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي قِيَام الْحُجَّة بِأَنَّ الْمُرْتَدّ يُسْتَتَاب الْمَرَّة الْأُولَى , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ حُكْم كُلّ مَرَّة اِرْتَدَّ فِيهَا عَنْ الْإِسْلَام حُكْم الْمَرَّة الْأُولَى فِي أَنَّ تَوْبَته مَقْبُولَة , وَأَنَّ إِسْلَامه حَقَنَ لَهُ دَمه ; لِأَنَّ الْعِلَّة الَّتِي حَقَنَتْ دَمه فِي الْمَرَّة الْأُولَى إِسْلَامه , فَغَيْر جَائِز أَنْ تُوجَد الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا كَانَ دَمه مَحْقُونًا فِي الْحَالَة الْأُولَى ثُمَّ يَكُون دَمه مُبَاحًا مَعَ وُجُودهَا , إِلَّا أَنْ يُفَرَّق بَيْن حُكْم الْمَرَّة الْأُولَى وَسَائِر الْمَرَّات غَيْرهَا مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ مِنْ أَصْل مُحْكَم , فَيَخْرُج حُكْم الْقِيَاس حِينَئِذٍ .
بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًاسورة النساء الآية رقم 138
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ } : أَخْبِرْ الْمُنَافِقِينَ , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّبْشِير فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته.

يَعْنِي : بِأَنَّ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ اللَّه عَلَى نِفَاقهمْ , عَذَابًا أَلِيمًا , وَهُوَ الْمُوجِع , وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاسورة النساء الآية رقم 139
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } أَمَّا قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } فَمِنْ صِفَة الْمُنَافِقِينَ . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ : يَا مُحَمَّد , بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ أَهْل الْكُفْر بِي وَالْإِلْحَاد فِي دِينِي أَوْلِيَاء : يَعْنِي أَنْصَارًا وَأَخِلَّاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , يَعْنِي : مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ .

{ أَيَبْتَغُونَ عِنْدهمْ الْعِزَّة } يَقُول : أَيَطْلُبُونَ عِنْدهمْ الْمَنَعَة وَالْقُوَّة بِاِتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُمْ أَوْلِيَاء مِنْ دُون أَهْل الْإِيمَان بِي.

{ فَإِنَّ الْعِزَّة لِلَّهِ جَمِيعًا } يَقُول : فَإِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوهُمْ مِنْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء اِبْتِغَاء الْعِزَّة عِنْدهمْ , هُمْ الْأَذِلَّاء الْأَقِلَّاء , فَهَلَّا اِتَّخَذُوا الْأَوْلِيَاء مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , فَيَلْتَمِسُوا الْعِزَّة وَالْمَنَعَة وَالنُّصْرَة مِنْ عِنْد اللَّه , الَّذِي لَهُ الْعِزَّة وَالْمَنَعَة , الَّذِي يُعِزّ مَنْ يَشَاء , وَيُذِلّ مَنْ يَشَاء فَيُعِزّهُمْ وَيَمْنَعهُمْ ؟ وَأَصْل الْعِزَّة : الشِّدَّة ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَرْضِ الصُّلْبَة الشَّدِيدَة : عَزَاز , وَقِيلَ : قَدْ اِسْتَعَزَّ عَلَى الْمَرِيض : إِذَا اِشْتَدَّ مَرَضه وَكَادَ يَشْفِي , وَيُقَال : تَعَزَّزَ اللَّحْم : إِذَا اِشْتَدَّ ; وَمِنْهُ قِيلَ : عَزَّ عَلَيَّ أَنْ يَكُون كَذَا وَكَذَا , بِمَعْنَى : اِشْتَدَّ عَلَيَّ .
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًاسورة النساء الآية رقم 140
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ. { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب } يَقُول : أَخْبَرَ مَنْ اِتَّخَذَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الْكُفَّار أَنْصَارًا وَأَوْلِيَاء بَعْدَمَا نَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآن . { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره } يَعْنِي : بَعْدَمَا عَلِمُوا نَهْي اللَّه عَنْ مُجَالَسَة الْكُفَّار الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِحُجَجِ اللَّه وَآي كِتَابه , وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهَا , { حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَخُوضُوا } : يَتَحَدَّثُوا حَدِيثًا غَيْره بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . وَقَوْله : { إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ } يَعْنِي : وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ إِنْ جَالَسْتُمْ مَنْ يَكْفُر بِآيَاتِ اللَّه , وَيَسْتَهْزِئ بِهَا وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ فَأَنْتُمْ مِثْله , يَعْنِي : فَأَنْتُمْ إِنْ لَمْ تَقُومُوا عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَال مِثْلهمْ فِي فِعْلهمْ , لِأَنَّكُمْ قَدْ عَصَيْتُمْ اللَّه بِجُلُوسِكُمْ مَعَهُمْ , وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا , كَمَا عَصَوْهُ بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِ اللَّه , فَقَدْ أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه نَحْو الَّذِي أَتَوْهُ مِنْهَا , فَأَنْتُمْ إِذًا مِثْلهمْ فِي رُكُوبكُمْ مَعْصِيَة اللَّه , وَإِتْيَانكُمْ مَا نَهَاكُمْ اللَّه عَنْهُ . وَفِي هَذِهِ الْآيَة الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى النَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الْبَاطِل مِنْ كُلّ نَوْع مِنْ الْمُبْتَدِعَة وَالْفَسَقَة عِنْد خَوْضهمْ فِي بَاطِلهمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ جَمَاعَة مِنْ الْأُمَّة الْمَاضِيَة يَقُولُونَ تَأَوُّلًا مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَة , إِنَّهُ مُرَاد بِهَا النَّهْي عَنْ مُشَاهَدَة كُلّ بَاطِل عِنْد خَوْض أَهْله فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8426 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : إِنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ فِي الْمَجْلِس مِنْ الْكَذِب لِيُضْحِك بِهَا جُلَسَاءَهُ , فَيَسْخَط اللَّه عَلَيْهِمْ . قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ , فَقَالَ : صَدَقَ أَبُو وَائِل ! أَوَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه : { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ } . 8427 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمِنْهَال , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , قَالَ : أَخَذَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز قَوْمًا عَلَى شَرَاب , فَضَرَبَهُمْ وَفِيهِمْ صَائِم , فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا صَائِم فَتَلَا : { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ } . 8428 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا وَيُسْتَهْزَأ بِهَا } وَقَوْل : { وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيله } 6 153 , وَقَوْله : { أَقِيمُوا الدِّين وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } 42 13 , وَنَحْو هَذَا مِنْ الْقُرْآن , قَالَ : أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاف وَالْفُرْقَة , وَأَخْبَرَهُمْ : إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَات فِي دِين اللَّه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب " فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة الْقُرَّاء بِضَمِّ النُّون وَتَثْقِيل الزَّاي وَتَشْدِيدهَا عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله. وَقَرَأَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ بِفَتْحِ النُّون وَتَشْدِيد الزَّاي عَلَى مَعْنَى : وَقَدْ نَزَّلَ اللَّه عَلَيْكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ : " وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ " بِفَتْحِ النُّون وَتَخْفِيف الزَّاي , بِمَعْنَى : وَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَات الثَّلَاثَة وَجْه يَبْعُد مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْتَمِلهُ الْكَلَام , غَيْر أَنَّ الَّذِي أَخْتَار الْقِرَاءَة بِهِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " وَقَدْ نُزِّلَ " بِضَمِّ النُّون وَتَشْدِيد الزَّاي , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام فِيهِ : التَّقْدِيم عَلَى مَا وَصَلْت قَبْل , عَلَى مَعْنَى الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ ; " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَات اللَّه يُكْفَر بِهَا " . .. إِلَى قَوْله : { حَدِيث غَيْره } { أَيَبْتَغُونَ عِنْدهمْ الْعِزَّة } . فَقَوْله : { فَإِنَّ الْعِزَّة لِلَّهِ جَمِيعًا } يَعْنِي التَّأْخِير , فَلِذَلِكَ كَانَ ضَمّ النُّون مِنْ قَوْله : " نُزِّلَ " أَصْوَب عِنْدنَا فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُوله وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل } 4 136 فَقَرَأَهُ بِفَتْحِ " وَأَنْزَلَ " أَكْثَر الْقُرَّاء , بِمَعْنَى : وَالْكِتَاب الَّذِي نَزَّلَ اللَّه عَلَى رَسُوله , وَالْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة بِضَمِّهِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا , بِمَعْنَى : مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , غَيْر أَنَّ الْفَتْح فِي ذَلِكَ أَعْجَب إِلَيَّ مِنْ الضَّمّ , لِأَنَّ ذِكْر اللَّه قَدْ جَرَى قَبْل ذَلِكَ فِي قَوْله : { آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } .

وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه جَامِع الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّم } يَقُول : إِنَّ اللَّه جَامِع الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق فِي الْقِيَامَة فِي النَّار , فَمُوَفِّق بَيْنهمْ فِي عِقَابه فِي جَهَنَّم وَأَلِيم عَذَابه , كَمَا اِتَّفَقُوا فِي الدُّنْيَا فَاجْتَمَعُوا عَلَى عَدَاوَة الْمُؤْمِنِينَ وَتَوَازَرُوا عَلَى التَّخْذِيل عَنْ دِين اللَّه وَعَنْ الَّذِي اِرْتَضَاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَهْله.
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاًسورة النساء الآية رقم 141
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْح مِنْ اللَّه قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيب قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِكُمْ . { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْح مِنْ اللَّه } يَعْنِي : فَإِنْ فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ فَتْحًا مِنْ عَدُوّكُمْ , فَأَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَيْئًا مِنْ الْمَغَانِم . { قَالُوا } لَكُمْ { أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ } نُجَاهِد عَدُوّكُمْ , وَنَغْزُوهُمْ مَعَكُمْ , فَأَعْطُونَا نَصِيبًا مِنْ الْغَنِيمَة , فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا الْقِتَال مَعَكُمْ . { وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيب } يَعْنِي : وَإِنْ كَانَ لِأَعْدَائِكُمْ مِنْ الْكَافِرِينَ حَظّ مِنْكُمْ بِإِصَابَتِهِمْ مِنْكُمْ . { قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ } يَعْنِي : قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَافِرِينَ : { أَلَمْ تَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ } : أَلَمْ نَغْلِب عَلَيْكُمْ حَتَّى قَهَرْتُمْ الْمُؤْمِنِينَ , وَنَمْنَعكُمْ مِنْهُمْ بِتَخْذِيلِنَا إِيَّاهُمْ , حَتَّى اِمْتَنَعُوا مِنْكُمْ فَانْصَرَفُوا . { فَاَللَّه يَحْكُم بَيْنهمْ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي : فَاَللَّه يَحْكُم بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَفْصِل بَيْنكُمْ بِالْقَضَاءِ الْفَاصِل بِإِدْخَالِ أَهْل الْإِيمَان جَنَّته وَأَهْل النِّفَاق مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْكُفَّار نَاره . { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } يَعْنِي : حُجَّة يَوْم الْقِيَامَة , وَذَلِكَ وَعْد مِنْ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لَنْ يُدْخِل الْمُنَافِقِينَ مَدْخَلهمْ مِنْ الْجَنَّة وَلَا الْمُؤْمِنِينَ مَدْخَل الْمُنَافِقِينَ , فَيَكُون بِذَلِكَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حُجَّة , بِأَنْ يَقُولُوا لَهُمْ : أَنْ اُدْخُلُوا مَدْخَلهمْ , هَا أَنْتُمْ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَعْدَاءَنَا , وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ أَوْلِيَاءَنَا , وَقَدْ اِجْتَمَعْتُمْ فِي النَّار فَيَجْمَع بَيْنكُمْ وَبَيْن أَوْلِيَائِنَا , فَأَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَنَا مِنْ أَجْله فِي الدُّنْيَا ؟ فَذَلِكَ هُوَ السَّبِيل الَّذِي وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَجْعَلهَا عَلَيْهِمْ لِلْكَافِرِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8429 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْح مِنْ اللَّه } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ يَتَرَبَّصُونَ بِالْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْح قَالَ : إِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوّهُمْ غَنِيمَة , قَالَ الْمُنَافِقُونَ : أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ؟ قَدْ كُنَّا مَعَكُمْ فَأَعْطُونَا غَنِيمَة مِثْل مَا تَأْخُذُونَ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيب يُصِيبُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , قَالَ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَافِرِينَ : أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ , وَنَمْنَعكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَدْ كُنَّا نُثَبِّطهُمْ عَنْكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأَوُّل قَوْله : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَلَمْ نَغْلِب عَلَيْكُمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8430 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ } قَالَ : نَغْلِب عَلَيْكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَلَمْ نُبَيِّن لَكُمْ أَنَّا مَعَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8431 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { أَلَمْ نَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ } أَلَمْ نُبَيِّن لَكُمْ أَنَّا مَعَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : أَلَمْ نُبَيِّن لَكُمْ إِنَّمَا أَرَادَ إِنْ شَاءَ اللَّه أَلَمْ نَغْلِب عَلَيْكُمْ بِمَا كَانَ مِنَّا مِنْ الْبَيَان لَكُمْ أَنَّا مَعَكُمْ . وَأَصْل الِاسْتِحْوَاذ فِي كَلَام الْعَرَب فِيمَا بَلَغَنَا الْغَلَبَة , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان فَأَنْسَاهُمْ ذِكْر اللَّه } 58 19 بِمَعْنَى غَلَبَ عَلَيْهِمْ , يُقَال مِنْهُ : حَاذَ عَلَيْهِ , وَاسْتَحَاذَ يَحِيذ وَيَسْتَحِيذ , وَأَحَاذَ يُحِيذ . وَمِنْ لُغَة مَنْ قَالَ حَاذَ , قَوْل الْعَجَّاج فِي صِفَة ثَوْر وَكَلْب : يَحُوذهُنَّ وَلَهُ حُوذِيّ وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضهمْ : يَحُوزهُنَّ وَلَهُ حُوزِي وَهُمَا مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى . وَمِنْ لُغَة مَنْ قَالَ أَحَاذَ , قَوْل لَبِيد فِي صِفَة عَيْر وَأُتُن : إِذَا اِجْتَمَعَتْ وَأَحْوَذَ جَانِبَيْهَا وَأَوْرَدَهَا عَلَى عُوج طِوَال يَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَأَحْوَذَ جَانِبَيْهَا : غَلَبَهَا وَقَهَرَهَا حَتَّى حَاذَ كِلَا جَانِبَيْهِ فَلَمْ يَشِذّ مِنْهَا شَيْء . وَكَانَ الْقِيَاس فِي قَوْله : { اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان } أَنْ يَأْتِيَ اسْتَحَاذ عَلَيْهِمْ , لِأَنَّ الْوَاو إِذَا كَانَتْ عَيْن الْفِعْل وَكَانَتْ مُتَحَرِّكَة بِالْفَتْحِ وَمَا قَبْلهَا سَاكِن , جَعَلَتْ الْعَرَب حَرَكَتهَا فِي فَاء الْفِعْل قَبْلهَا , وَحَوَّلُوهَا أَلِفًا مُتَّبِعَة حَرَكَة مَا قَبْلهَا , كَقَوْلِهِمْ : اِسْتَحَالَ هَذَا الشَّيْء عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ حَالَ يَحُول , وَاسْتَنَارَ فُلَان بِنُورِ اللَّه مِنْ النُّور , وَاسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ عَاذَ يَعُوذ . وَرُبَّمَا تَرَكُوا ذَلِكَ عَلَى أَصْله , كَمَا قَالَ لَبِيد : " وَأَحْوَذَ " , وَلَمْ يَقُلْ : " وَأَحَاذَ " , وَبِهَذِهِ اللُّغَة جَاءَ الْقُرْآن فِي قَوْله : { اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَان } .

وَأَمَّا قَوْله : { فَاَللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } فَلَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ : وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ يَوْمئِذٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. ذِكْر الْخَبَر عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ : 8432 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ذِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , قَالَ : كُنْت عِنْد عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ رَجُل : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَهُمْ يُقَاتِلُونَنَا فَيَظْهَرُونَ وَيَقْتُلُونَ ؟ قَالَ لَهُ عَلِيّ : اُدْنُهُ ! ثُمَّ قَالَ : { فَاَللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } يَوْم الْقِيَامَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ذِرّ , عَنْ يُسَيْع الْكِنْدِيّ فِي قَوْله : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , فَقَالَ : كَيْفَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ؟ فَقَالَ عَلِيّ : اُدْنُهُ ! { فَاَللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَنْ يَجْعَل اللَّه } يَوْم الْقِيَامَة { لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ذِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ عَلِيّ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت سُلَيْمَان يُحَدِّث عَنْ ذِرّ , عَنْ رَجُل , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } قَالَ : فِي الْآخِرَة . 8433 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } يَوْم الْقِيَامَة . 8434 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } قَالَ : ذَاكَ يَوْم الْقِيَامَة . وَأَمَّا السَّبِيل فِي هَذَا الْمَوْضِع فَالْحُجَّة . كَمَا : 8435 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَلَنْ يَجْعَل اللَّه لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } قَالَ : حُجَّة.
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاًسورة النساء الآية رقم 142
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى خِدَاع الْمُنَافِق رَبّه وَوَجْه خِدَاع اللَّه إِيَّاهُمْ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , مَعَ اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ . فَتَأْوِيل ذَلِكَ : أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه بِإِحْرَازِهِمْ بِنِفَاقِهِمْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ , وَاَللَّه خَادِعهمْ بِمَا حَكَمَ فِيهِمْ مِنْ مَنْع دِمَائِهِمْ بِمَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْإِيمَان , مَعَ عِلْمه بِبَاطِنِ ضَمَائِرهمْ , وَاعْتِقَادهمْ الْكُفْر , اِسْتِدْرَاجًا مِنْهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَلْقَوْهُ فِي الْآخِرَة , فَيُورِدهُمْ بِمَا اسْتَبْطَنُوا مِنْ الْكُفْر نَار جَهَنَّم . كَمَا : 8436 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } قَالَ : يُعْطِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة نُورًا يَمْشُونَ بِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يَسْلُبهُمْ ذَلِكَ النُّور فَيُطْفِئهُ , فَيَقُومُونَ فِي ظُلْمَتهمْ وَيَضْرِب بَيْنهمْ بِالسُّورِ . 8437 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَأَبِي عَامِر بْن النُّعْمَان , وَفِي الْمُنَافِقِينَ ; يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ , قَالَ : مِثْل قَوْله فِي الْبَقَرَة : { يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسهمْ } 2 9 . قَالَ : وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ خَادِعهمْ } فَيَقُول : فِي النُّور الَّذِي يُعْطَى الْمُنَافِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ , فَيُعْطَوْنَ النُّور , فَإِذَا بَلَغُوا السُّور سُلِبَ , وَمَا ذَكَرَ اللَّه مِنْ قَوْله : { اُنْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ } 57 13 قَالَ : قَوْله : { وَهُوَ خَادِعهمْ } . 8438 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ } قَالَ : يُلْقَى عَلَى كُلّ مُؤْمِن وَمُنَافِق نُور يَمْشُونَ بِهِ , حَتَّى إِذَا اِنْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاط طَفِئَ نُور الْمُنَافِقِينَ , وَمَضَى الْمُؤْمِنُونَ بِنُورِهِمْ , فَيُنَادُونَهُمْ : { اُنْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسكُمْ } 57 14 قَالَ الْحَسَن : فَتِلْكَ خَدِيعَة اللَّه إِيَّاهُمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاس } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَجْه التَّقَرُّب بِهَا إِلَى اللَّه , لِأَنَّهُمْ غَيْر مُوقِنِينَ بِمَعَادٍ وَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب , وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ الْأَعْمَال الظَّاهِرَة بَقَاء عَلَى أَنْفُسهمْ وَحِذَارًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَسْلُبُوا أَمْوَالهمْ , فَهُمْ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة الَّتِي هِيَ مِنْ الْفَرَائِض الظَّاهِرَة , قَامُوا كُسَالَى إِلَيْهَا , رِيَاء لِلْمُؤْمِنِينَ , لِيَحْسَبُوهُمْ مِنْهُمْ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ غَيْر مُعْتَقِدِي فَرْضهَا وَوُجُوبهَا عَلَيْهِمْ , فَهُمْ فِي قِيَامهمْ إِلَيْهَا كُسَالَى . كَمَا : 8439 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى } قَالَ : وَاَللَّه لَوْلَا النَّاس مَا صَلَّى الْمُنَافِق وَلَا يُصَلِّي إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة . 8440 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاس } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ , لَوْلَا الرِّيَاء مَا صَلَّوْا.

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا } فَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُول : وَهَلْ مِنْ ذِكْر اللَّه شَيْء قَلِيل ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبَتْ , إِنَّمَا مَعْنَاهُ : وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا ذِكْرًا رِيَاء , لِيَدْفَعُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسهمْ الْقَتْل وَالسِّبَاء وَسَلْب الْأَمْوَال , لَا ذِكْر مُوقِن مُصَدِّق بِتَوْحِيدِ اللَّه مُخْلِص لَهُ الرُّبُوبِيَّة , فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّه قَلِيلًا , لِأَنَّهُ غَيْر مَقْصُود بِهِ اللَّه وَلَا مُبْتَغًى بِهِ التَّقَرُّب إِلَى اللَّه , وَلَا مُرَادًا بِهِ ثَوَاب اللَّه , وَمَا عِنْده فَهُوَ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ وَجْه نَصَبِ عَامِله , وَذَاكِرِهِ فِي مَعْنَى السَّرَاب الَّذِي لَهُ ظَاهِر بِغَيْرِ حَقِيقَة مَاء . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8441 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , قَالَ : قَرَأَ الْحَسَن : { وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : إِنَّمَا قَلَّ لِأَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِ اللَّه. 8442 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : إِنَّمَا قَلَّ ذِكْر الْمُنَافِق لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَقْبَلهُ , وَكُلّ مَا رَدَّ اللَّه قَلِيل وَكُلّ مَا قَبِلَ اللَّه كَثِير .
مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاًسورة النساء الآية رقم 143
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُذَبْذَبِينَ بَيْن ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مُذَبْذَبِينَ } : مُرَدِّدِينَ , وَأَصْل التَّذَبْذُب : التَّحَرُّك وَالِاضْطِرَاب , كَمَا قَالَ النَّابِغَة : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَعْطَاك سُورَة تَرَى كُلّ مُلْك دُونهَا يَتَذَبْذَب وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ : أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مُتَحَيِّرُونَ فِي دِينهمْ , لَا يَرْجِعُونَ إِلَى اِعْتِقَاد شَيْء عَلَى صِحَّة فَهْم لَا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَصِيرَة , وَلَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى جَهَالَة , وَلَكِنَّهُمْ حَيَارَى بَيْن ذَلِكَ , فَمَثَلهمْ الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 8443 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " مَثَل الْمُنَافِق كَمَثَلِ الشَّاة الْعَائِرَة بَيْن الْغَنَمَيْنِ , تَعِير إِلَى هَذِهِ مَرَّة وَإِلَى هَذِهِ مَرَّة , لَا تَدْرِي أَيَّتهمَا تَتْبَع " . * - وَحَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى مَرَّة أُخْرَى عَنْ عَبْد الْوَهَّاب , فَوَقَفَهُ عَلَى اِبْن عُمَر وَلَمْ يَرْفَعهُ , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب مَرَّتَيْنِ كَذَلِكَ . * - ثني عِمْرَان بْن بَكَّار , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْح , قَالَ : ثنا اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8444 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مُذَبْذَبِينَ بَيْن ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } يَقُول : لَيْسُوا بِمُشْرِكِينَ فَيُظْهِرُوا الشِّرْك , وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ. 8445 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مُذَبْذَبِينَ بَيْن ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } يَقُول : لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ مُخْلِصِينَ وَلَا مُشْرِكِينَ مُصَرِّحِينَ بِالشِّرْكِ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَضْرِب مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِق وَالْكَافِر , كَمَثَلِ رَهْط ثَلَاثَة دُفِعُوا إِلَى نَهَر , فَوَقَعَ الْمُؤْمِن فَقَطَعَ , ثُمَّ وَقَعَ الْمُنَافِق حَتَّى إِذَا كَادَ يَصِل إِلَى الْمُؤْمِن , نَادَاهُ الْكَافِر : أَنْ هَلُمَّ إِلَيَّ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك ! وَنَادَاهُ الْمُؤْمِن : أَنْ هَلُمَّ إِلَيَّ فَإِنَّ عِنْدِي وَعِنْدِي ! يُحْصِي لَهُ مَا عِنْده . فَمَا زَالَ الْمُنَافِق يَتَرَدَّد بَيْنهمَا حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ الْمَاء فَغَرَّقَهُ , وَإِنَّ الْمُنَافِق لَمْ يَزَلْ فِي شَكّ وَشُبْهَة حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ الْمَوْت وَهُوَ كَذَلِكَ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " مَثَل الْمُنَافِق كَمَثَلِ ثَاغِيَة بَيْن غَنَمَيْنِ رَأَتْ غَنَمًا عَلَى نَشَز , فَأَتَتْهَا فَلَمْ تُعْرَف , ثُمَّ رَأَتْ غَنَمًا عَلَى نَشَز فَأَتَتْهَا وَشَامَّتْهَا فَلَمْ تُعْرَف " . 8446 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مُذَبْذَبِينَ } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ . 8447 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مُذَبْذَبِينَ بَيْن ذَلِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } يَقُول : لَا إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود. 8448 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { مُذَبْذَبِينَ بَيْن ذَلِكَ } قَالَ : لَمْ يُخْلِصُوا الْإِيمَان فَيَكُونُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ , وَلَيْسُوا مَعَ أَهْل الشِّرْك . 8449 - حَدَّثَنَا : يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مُذَبْذَبِينَ بَيْن ذَلِكَ } : بَيْن الْإِسْلَام وَالْكُفْر { لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ } .


وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مَنْ يَخْذُلهُ اللَّه عَنْ طَرِيق الرَّشَاد وَذَلِكَ هُوَ الْإِسْلَام الَّذِي دَعَا اللَّه إِلَيْهِ عِبَاده , يَقُول : مَنْ يَخْذُلهُ اللَّه عَنْهُ فَلَمْ يُوَفِّقهُ لَهُ , فَلَنْ تَجِد لَهُ يَا مُحَمَّد سَبِيلًا : يَعْنِي طَرِيقًا يَسْلُكهُ إِلَى الْحَقّ غَيْره . وَأَيّ سَبِيل يَكُون لَهُ إِلَى الْحَقّ غَيْر الْإِسْلَام ؟ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ مَنْ يَتَّبِع غَيْره دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ , وَمَنْ أَضَلَّهُ اللَّه عَنْهُ فَقَدْ غَوَى , فَلَا هَادِي لَهُ غَيْره .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًاسورة النساء الآية رقم 144
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } وَهَذَا نَهْي مِنْ اللَّه عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , فَيَكُونُوا مِثْلهمْ فِي رُكُوب مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مُوَالَاة أَعْدَائِهِ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , لَا تُوَالُوا الْكُفَّار فَتُؤَازِرُوهُمْ مِنْ دُون أَهْل مِلَّتكُمْ وَدِينكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , فَتَكُونُوا كَمَنْ أَوْجَبَ لَهُ النَّار مِنْ الْمُنَافِقِينَ . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُتَوَعِّدًا مَنْ اِتَّخَذَ مِنْهُمْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ إِنْ هُوَ لَمْ يَرْتَدِع عَنْ مُوَالَاته وَيَنْزَجِر عَنْ مُخَالَّته أَنْ يَلْحَقهُ بِأَهْلِ وِلَايَتهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْشِيرِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا : أَتُرِيدُونَ أَيّهَا الْمُتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , مِمَّنْ قَدْ آمَنَ بِي وَبِرَسُولِي أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا , يَقُول : حُجَّة بِاِتِّخَاذِكُمْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ مَا اِسْتَوْجَبَهُ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ وَصَفَ لَكُمْ صِفَتهمْ وَأَخْبَرَكُمْ بِمَحَلِّهِمْ عِنْده { مُبِينًا } يَعْنِي : عَنْ صِحَّتهَا وَحَقِّيَّتِهَا , يَقُول : لَا تَعَرَّضُوا لِغَضَبِ اللَّه بِإِيجَابِكُمْ الْحُجَّة عَلَى أَنْفُسكُمْ فِي تَقَدُّمكُمْ عَلَى مَا نَهَاكُمْ رَبّكُمْ مِنْ مُوَالَاة أَعْدَائِهِ وَأَهْل الْكُفْر وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 8450 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ السُّلْطَان عَلَى خَلْقه , وَلَكِنَّهُ يَقُول عُذْرًا مُبِينًا . 8451 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ سُلْطَان فَهُوَ حُجَّة . 8452 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { سُلْطَانًا مُبِينًا } قَالَ : حُجَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًاسورة النساء الآية رقم 145
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الطَّبَق الْأَسْفَل مِنْ أَطْبَاق جَهَنَّم . وَكُلّ طَبَق مِنْ أَطْبَاق جَهَنَّم دَرْك , وَفِيهِ لُغَتَانِ : دَرَك بِفَتْحِ الرَّاء , وَدَرْك بِتَسْكِينِهَا , فَمَنْ فَتَحَ الرَّاء جَمَعَهُ فِي الْقِلَّة أَدْرَاك , وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهُ فِي الْكَثْرَة الدُّرُوك , وَمَنْ سَكَّنَ الرَّاء قَالَ : ثَلَاثَة أَدْرُك , وَلِلْكَثِيرِ : الدُّرُوك . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " فِي الدَّرَك " بِفَتْحِ الرَّاء . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة بِتَسْكِينِ الرَّاء . وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِاتِّفَاقِ مَعْنَى ذَلِكَ وَاسْتِفَاضَة الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي قِرَاءَة الْإِسْلَام . غَيْر أَنِّي رَأَيْت أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ فَتْح الرَّاء مِنْهُ فِي الْعَرَب أَشْهَر مِنْ تَسْكِينهَا , وَحَكَوْا سَمَاعًا مِنْهُمْ : أَعْطِنِي دَرَكًا أَصِلُ بِهِ حَبْلِي , وَذَلِكَ إِذَا سَأَلَ مَا يَصِل بِهِ حَبْله الَّذِي قَدْ عَجَزَ عَنْ بُلُوغ الرَّكِيَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8453 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } قَالَ : فِي تَوَابِيت مِنْ حَدِيد مُبْهَمَة عَلَيْهِمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سَلَمَة , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي تَوَابِيت مِنْ حَدِيد مُقْفَلَة عَلَيْهِمْ فِي النَّار . 8454 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ ذَكْوَان , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } قَالَ : فِي تَوَابِيت تُرْتَج عَلَيْهِمْ . 8455 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } يَعْنِي : فِي أَسْفَل النَّار. 8456 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ لِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : { فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّ جَهَنَّم أَدْرَاك , مَنَازِل . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } قَالَ : تَوَابِيت مِنْ نَار تُطْبَق عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَنْ تَجِد لَهُمْ نَصِيرًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَنْ تَجِد لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَا مُحَمَّد مِنْ اللَّه إِذَا جَعَلَهُمْ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار نَاصِرًا يَنْصُرهُمْ مِنْهُ , فَيُنْقِذهُمْ مِنْ عَذَابه , وَيَدْفَع عَنْهُمْ أَلِيم عِقَابه .
إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء الآية رقم 146
وَهَذَا اِسْتِثْنَاء مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , اِسْتَثْنَى التَّائِبِينَ مِنْ نِفَاقهمْ إِذَا أَصْلَحُوا وَأَخْلَصُوا الدِّين لِلَّهِ وَحْده وَتَبَرَّءُوا مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَصَدَّقُوا رَسُوله , أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْمُصِرِّينَ عَلَى نِفَاقهمْ , حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ مَنَايَاهُمْ فِي الْآخِرَة , وَأَنْ يَدْخُلُوا مَدَاخِلهمْ مِنْ جَهَنَّم . بَلْ وَعَدَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُحِلّهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَحَلّ الْكَرَامَة , وَيُسْكِنهُمْ مَعَهُمْ مَسَاكِنهمْ فِي الْجَنَّة , وَوَعَدَهُمْ مِنْ الْجَزَاء عَلَى تَوْبَتهمْ الْجَزِيل مِنْ الْعَطَاء , فَقَالَ : { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } . فَتَأْوِيل الْآيَة : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } أَيْ رَاجَعُوا الْحَقّ , وَأَبَوْا إِلَّا الْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَتَصْدِيق رَسُوله وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه , مِنْ نِفَاقهمْ . وَهَذَا الْقَوْل , هُوَ مَعْنَى قَوْل حُذَيْفَة بْن الْيَمَان الَّذِي : 8457 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ حُذَيْفَة : لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّة قَوْم كَانُوا مُنَافِقِينَ ! فَقَالَ عَبْد اللَّه : وَمَا عِلْمك بِذَلِكَ ؟ فَغَضِبَ حُذَيْفَة , ثُمَّ قَامَ فَتَنَحَّى. فَلَمَّا تَفَرَّقُوا مَرَّ بِهِ عَلْقَمَة فَدَعَاهُ , فَقَالَ : أَمَّا إِنَّ صَاحِبك يَعْلَم الَّذِي قُلْت ! ثُمَّ قَرَأَ { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاَللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينهمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } .

يَعْنِي وَأَصْلَحُوا أَعْمَالهمْ , فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَأَدَّوْا فَرَائِضه , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَانْزَجَرُوا عَنْ مَعَاصِيه .

يَقُول : وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ اللَّه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل , عَلَى أَنَّ الِاعْتِصَام : التَّمَسُّك وَالتَّعَلُّق , فَالِاعْتِصَام بِاَللَّهِ : التَّمَسُّك بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقه الَّذِي عَهِدَ فِي كِتَابه إِلَى خَلْقه مِنْ طَاعَته وَتَرْك مَعْصِيَته .

يَقُول : وَأَخْلَصُوا طَاعَتهمْ وَأَعْمَالهمْ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِلَّهِ , فَأَرَادُوهُ بِهَا , وَلَمْ يَعْمَلُوهَا رِئَاء النَّاس وَلَا عَلَى شَكّ مِنْهُمْ فِي دِينهمْ وَامْتِرَاء مِنْهُمْ , فِي أَنَّ اللَّه مُحْصٍ عَلَيْهِمْ مَا عَمِلُوا , فَيُجَازِي الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ ; وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهَا عَلَى يَقِين مِنْهُمْ فِي ثَوَاب الْمُحْسِن عَلَى إِحْسَانه وَجَزَاء الْمُسِيء عَلَى إِسَاءَته , أَوْ يَتَفَضَّل عَلَيْهِ رَبّه فَيَعْفُو , مُتَقَرِّبِينَ بِهَا إِلَى اللَّه مُرِيدِينَ بِهَا وَجْه اللَّه ; فَذَلِكَ مَعْنَى إِخْلَاصهمْ لِلَّهِ دِينهمْ .

ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعْد تَوْبَتهمْ وَإِصْلَاحهمْ وَاعْتِصَامهمْ بِاَللَّهِ وَإِخْلَاصهمْ لَهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّة , لَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي مَاتُوا عَلَى نِفَاقهمْ , الَّذِي أَوْعَدَهُمْ الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار .

ثُمَّ قَالَ : { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } يَقُول : وَسَوْفَ يُعْطِي اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ عَلَى تَوْبَتهمْ وَإِصْلَاحهمْ وَاعْتِصَامهمْ بِاَللَّهِ وَإِخْلَاصهمْ دِينهمْ لَهُ عَلَى إِيمَانهمْ , ثَوَابًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ دَرَجَات فِي الْجَنَّة , كَمَا أَعْطَى الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى النِّفَاق مَنَازِل فِي النَّار , وَهِيَ السُّفْلَى مِنْهَا ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَعَدَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ عَلَى إِيمَانهمْ ذَلِكَ , كَمَا أَوْعَدَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى نِفَاقهمْ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابه .
مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًاسورة النساء الآية رقم 147
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يَفْعَل اللَّه بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّه شَاكِرًا عَلِيمًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا يَفْعَل اللَّه بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } : مَا يَصْنَع اللَّه أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ بِعَذَابِكُمْ , إِنْ أَنْتُمْ تُبْتُمْ إِلَى اللَّه وَرَجَعْتُمْ إِلَى الْحَقّ الْوَاجِب لِلَّهِ عَلَيْكُمْ , فَشَكَرْتُمُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِعَمه فِي أَنْفُسكُمْ وَأَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادكُمْ , بِالْإِنَابَةِ إِلَى تَوْحِيده وَالِاعْتِصَام بِهِ , وَإِخْلَاصكُمْ أَعْمَالكُمْ لِوَجْهِهِ , وَتَرْك رِيَاء النَّاس بِهَا , وَآمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَّقْتُمُوهُ وَأَقْرَرْتُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْده فَعَمِلْتُمْ بِهِ . يَقُول : لَا حَاجَة بِاَللَّهِ أَنْ يَجْعَلكُمْ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار إِنْ أَنْتُمْ أَنَبْتُمْ إِلَى طَاعَته وَرَاجَعْتُمْ الْعَمَل بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَرْك مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجْتَلِب بِعَذَابِكُمْ إِلَى نَفْسه نَفْعًا وَلَا يَدْفَع عَنْهَا ضُرًّا , وَإِنَّمَا عُقُوبَته مَنْ عَاقَبَ مِنْ خَلْقه جَزَاء مِنْهُ لَهُ عَلَى جَرَاءَته عَلَيْهِ وَعَلَى خِلَافه أَمْره وَنَهْيه وَكُفْرَانه شُكْر نِعَمه عَلَيْهِ . فَإِنْ أَنْتُمْ شَكَرْتُمْ لَهُ عَلَى نِعَمه وَأَطَعْتُمُوهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى تَعْذِيبكُمْ , بَلْ يَشْكُر لَكُمْ مَا يَكُون مِنْكُمْ مِنْ طَاعَة لَهُ وَشُكْر , بِمُجَازَاتِكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا تَقْصُر عَنْهُ أَمَانِيّكُمْ فَلَمْ تَبْلُغهُ آمَالكُمْ . { وَكَانَ اللَّه شَاكِرًا } لَكُمْ وَلِعِبَادِهِ عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ بِإِجْزَالِهِ لَهُمْ الثَّوَاب عَلَيْهَا , وَإِعْظَامه لَهُمْ الْعِوَض مِنْهَا . { عَلِيمًا } بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ وَغَيْركُمْ مِنْ خَيْر وَشَرّ وَصَالِح وَطَالِح , مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْكُمْ مُحِيط بِجَمِيعِهِ , حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَزَاءَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة , الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ . وَقَدْ : 8458 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَا يَفْعَل اللَّه بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّه شَاكِرًا عَلِيمًا } قَالَ : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُعَذِّب شَاكِرًا وَلَا مُؤْمِنًا.
لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًاسورة النساء الآية رقم 148
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار بِضَمِّ الظَّاء. وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " بِفَتْحِ الظَّاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ الظَّاء فِي تَأْوِيله ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يُحِبّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنْ يَجْهَر أَحَدنَا بِالدُّعَاءِ عَلَى أَحَد , وَذَلِكَ عِنْدهمْ هُوَ الْجَهْر بِالسُّوءِ ; { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } يَقُول : إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَيَدْعُو عَلَى ظَالِمه , فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يَكْرَه لَهُ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ قَدْ رَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8459 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل } يَقُول : لَا يُحِبّ اللَّه أَنْ يَدْعُو أَحَد عَلَى أَحَد أَنْ يَكُون مَظْلُومًا , فَإِنَّهُ قَدْ أَرْخَصَ لَهُ أَنْ يَدْعُو عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ , وَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } وَإِنْ صَبَرَ فَهُوَ خَيْر لَهُ . 8460 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } فَإِنَّهُ يُحِبّ الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل . 8461 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا عَلِيمًا } عَذَرَ اللَّه الْمَظْلُوم كَمَا تَسْمَعُونَ أَنْ يَدْعُو . 8462 - حَدَّثَنِي الْحَرْث , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَظْلِم الرَّجُل , فَلَا يَدْعُ عَلَيْهِ , وَلَكِنْ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِ ! اللَّهُمَّ اِسْتَخْرِجْ , لِي حَقِّي ! اللَّهُمَّ حُلْ بَيْنه وَبَيْن مَا يُرِيد ! وَنَحْوه مِنْ الدُّعَاء . ف " مَنْ " عَلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس هَذَا فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّ الْجَهْر بِالسُّوءِ فِي مَعْنَى الدُّعَاء , وَاسْتَثْنَى الْمَظْلُوم مِنْهُ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْله : لَا يُحِبّ اللَّه أَنْ يَجْهَر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل , إِلَّا الْمَظْلُوم فَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي الْجَهْر بِهِ . وَهَذَا مَذْهَب يَرَاهُ أَهْل الْعَرَبِيَّة خَطَأ فِي الْعَرَبِيَّة , وَذَلِكَ أَنَّ " مَنْ " لَا يَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عِنْدهمْ بِالْجَهْرِ , لِأَنَّهَا فِي صِلَة " أَنْ " , وَأَنْ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْد فَلَا يَجُوز الْعَطْف عَلَيْهِ ; مِنْ الْخَطَأ عِنْدهمْ أَنْ يُقَال : لَا يُعْجِبنِي أَنْ يَقُوم إِلَّا زَيْد . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون " مَنْ " نَصْبًا عَلَى تَأْوِيل قَوْل اِبْن عَبَّاس , وَيَكُون قَوْله : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل } كَلَامًا تَامًّا , ثُمَّ قِيلَ : { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } فَلَا حَرَج عَلَيْهِ , فَيَكُون " مَنْ " اِسْتِثْنَاء مِنْ الْفِعْل , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْل الِاسْتِثْنَاء شَيْء ظَاهِر يُسْتَثْنَى مِنْهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } 88 22 : 23 وَكَقَوْلِهِمْ : إِنِّي لَأَكْرَه الْخُصُومَة وَالْمِرَاء , اللَّهُمَّ إِلَّا رَجُلًا يُرِيد اللَّه بِذَلِكَ. وَلَمْ يُذْكَرْ قَبْله شَيْء مِنْ الْأَسْمَاء . و " مَنْ " عَلَى قَوْل الْحَسَن هَذَا نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَعْنَى الْكَلَام , لَا مِنْ الِاسْم كَمَا ذَكَرْنَا قَبْل فِي تَأْوِيل قَوْل اِبْن عَبَّاس إِذَا وَجَّهَ " مَنْ " إِلَى النَّصْب , وَكَقَوْلِ الْقَائِل : كَانَ مِنْ الْأَمْر كَذَا وَكَذَا , اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّ فُلَانًا جَزَاهُ اللَّه خَيْرًا فَعَلَ كَذَا وَكَذَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل , إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَيُخْبِر بِمَا نِيلَ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8463 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَنْزِل بِالرَّجُلِ , فَلَا يُحْسِن ضِيَافَته , فَيَخْرُج مِنْ عِنْده , فَيَقُول : أَسَاءَ ضِيَافَتِي وَلَمْ يُحْسِن . 8464 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } قَالَ : إِلَّا مَنْ أَثَرَ مَا قِيلَ لَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } قَالَ : هُوَ الضَّيْف الْمُحَوَّل رَحْله , فَإِنَّهُ يَجْهَر لِصَاحِبِهِ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الرَّجُل يَنْزِل بِالرَّجُلِ فَلَا يَقْرِيه , فَيَنَال مِنْ الَّذِي لَمْ يَقْرِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8465 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } قَالَ : إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ يَجْهَر بِالسُّوءِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , مِثْله . 8466 - وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر , عَنْ مُجَاهِد . وَعَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } . قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَنْزِل بِالرَّجُلِ فَلَا يُحْسِن إِلَيْهِ , فَقَدْ رَخَّصَ اللَّه لَهُ أَنْ يَقُول فِيهِ . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } قَالَ : هُوَ فِي الضِّيَافَة يَأْتِي الرَّجُل الْقَوْم فَيَنْزِل عَلَيْهِمْ فَلَا يُضَيِّفُونَهُ , رَخَّصَ اللَّه لَهُ أَنْ يَقُول فِيهِمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُثَنَّى بْن الصَّبَاح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل } . .. الْآيَة , قَالَ : ضَافَ رَجُل رَجُلًا , فَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ حَقّ ضِيَافَته , فَلَمَّا خَرَجَ أَخْبَرَ النَّاس , فَقَالَ : ضِفْت فُلَانًا فَلَمْ يُؤَدِّ حَقّ ضِيَافَتِي , فَذَلِكَ جَهْر بِالسُّوءِ { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } حِين لَمْ يُؤَدَّ إِلَيْهِ ضِيَافَته. * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ يَجْهَر بِسُوءٍ . قَالَ مُجَاهِد : نَزَلَتْ فِي رَجُل ضَافَ رَجُلًا بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْض فَلَمْ يُضِفْهُ , فَنَزَلَتْ { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ , لَا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ مِنْ ظَالِمه , فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8467 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ أَحَد مِنْ الْخَلْق , وَلَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَانْتَصَرَ بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ , فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاح. ف " مَنْ " عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سِوَى قَوْل اِبْن عَبَّاس فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى اِنْقِطَاعه مِنْ الْأَوَّل , وَالْعَرَب مِنْ شَأْنهَا أَنْ تَنْصِب مَا بَعْد إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع ; فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَال سِوَى قَوْل اِبْن عَبَّاس : لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل , وَلَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَلَا حَرَج عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِر بِمَا نِيلَ مِنْهُ أَوْ يَنْتَصِر مِمَّنْ ظَلَمَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ بِفَتْحِ الظَّاء : " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " وَتَأَوَّلُوهُ : لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل , إِلَّا مَنْ ظَلَمَ , فَلَا بَأْس أَنْ يُجْهَر لَهُ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8468 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ أَبِي يَقْرَأ : " لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " قَالَ اِبْن زَيْد : يَقُول : إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ النِّفَاق فَيُجْهَر لَهُ بِالسُّوءِ حَتَّى يَنْزِع. قَالَ : وَهَذِهِ مِثْل : { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْم الْفُسُوق } 49 11 أَنْ تُسَمِّيَهُ بِالْفِسْقِ { بَعْد الْإِيمَان } 49 11 بَعْد إِذْ كَانَ مُؤْمِنًا , { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ } 49 11 مِنْ ذَلِكَ الْعَمَل الَّذِي قِيلَ لَهُ , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } 49 11 قَالَ : هُوَ أَشَرّ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ . 8469 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله , " لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " فَقَرَأَ : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار } حَتَّى بَلَغَ : { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } ثُمَّ قَالَ بَعْد مَا قَالَ : هُمْ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار. { مَا يَفْعَل اللَّه بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّه شَاكِرًا عَلِيمًا } " لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " قَالَ : لَا يُحِبّ اللَّه أَنْ يَقُول لِهَذَا : أَلَسْت نَافَقْت ؟ أَلَسْت الْمُنَافِق الَّذِي ظَلَمْت وَفَعَلْت وَفَعَلْت ؟ مِنْ بَعْد مَا تَابَ , " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " , إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى النِّفَاق . قَالَ : وَكَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ لَهُ وَيَقْرَؤُهَا : " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " . ف " مَنْ " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل نُصِبَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْجَهْرِ . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قَوْل قَائِل هَذَا الْقَوْل : لَا يُحِبّ اللَّه أَنْ يَجْهَر أَحَد لِأَحَدٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " مِنْهُمْ , فَأَقَامَ عَلَى نِفَاقه فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِالْجَهْرِ لَهُ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } بِضَمِّ الظَّاء , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء وَأَهْل التَّأْوِيل عَلَى صِحَّتهَا , وَشُذُوذ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْفَتْحِ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , فَالصَّوَاب فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : لَا يُحِبّ اللَّه أَيّهَا النَّاس أَنْ يَجْهَر أَحَد لِأَحَدٍ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل { إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } بِمَعْنَى : إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَلَا حَرَج عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِر بِمَا أُسِيءَ إِلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , دَخَلَ فِيهِ إِخْبَار مَنْ لَمْ يُقْرَ أَوْ أُسِيءَ قِرَاهُ , أَوْ نِيلَ بِظُلْمٍ فِي نَفْسه أَوْ مَاله عَنْوَة مِنْ سَائِر النَّاس , وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُ عَلَى مَنْ نَالَهُ بِظُلْمٍ ; أَنْ يَنْصُرهُ اللَّه عَلَيْهِ , لِأَنَّ فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ إِعْلَامًا مِنْهُ لِمَنْ سَمِعَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ بِالسُّوءِ لَهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , ف " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب , لِأَنَّهُ مُنْقَطِع عَمَّا قَبْله , وَأَنَّهُ لَا أَسْمَاء قَبْله يُسْتَثْنَى مِنْهَا , فَهُوَ نَظِير قَوْل : { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } 88 22 : 23 .
وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا عَلِيمًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَكَانَ اللَّه سَمِيعًا لِمَا يَجْهَرُونَ بِهِ مِنْ سُوء الْقَوْل لِمَنْ يَجْهَرُونَ لَهُ بِهِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَصْوَاتكُمْ وَكَلَامكُمْ , عَلِيمًا بِمَا تُخْفُونَ مِنْ سُوء قَوْلكُمْ وَكَلَامكُمْ لِمَنْ تُخْفُونَ لَهُ بِهِ , فَلَا تَجْهَرُونَ لَهُ بِهِ , مُحْصٍ كُلّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّه جَزَاءَكُمْ الْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ وَالْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ.
إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًاسورة النساء الآية رقم 149
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تَبْدُوَا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّ اللَّه كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إِنْ تَبْدُوا } أَيّهَا النَّاس خَيْرًا يَقُول : إِنْ تَقُولُوا جَمِيلًا مِنْ الْقَوْل لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ , فَتُظْهِرُوا ذَلِكَ شُكْرًا مِنْكُمْ لَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ حُسْن إِلَيْكُمْ , { أَوْ تُخْفُوهُ } يَقُول : أَوْ تَتْرُكُوا إِظْهَار ذَلِكَ فَلَا تُبْدُوهُ , { أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء } يَقُول : أَوْ تَصْفَحُوا لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ عَنْ إِسَاءَته , فَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل الَّذِي قَدْ أَذِنْت لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا لَهُ بِهِ . { فَإِنَّ اللَّه كَانَ عَفُوًّا } يَقُول : لَمْ يَزَلْ ذَا عَفْو عَنْ خَلْقه , يَصْفَح لَهُمْ عَمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره . { قَدِيرًا } يَقُول : ذَا قُدْرَة عَلَى الِانْتِقَام مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّ اللَّه لَمْ يَزَلْ ذَا عَفْو عَنْ عِبَاده مَعَ قُدْرَته عَلَى عِقَابهمْ عَلَى مَعْصِيَتهمْ إِيَّاهُ . يَقُول : فَاعْفُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَيّهَا النَّاس عَمَّنْ أَتَى إِلَيْكُمْ ظُلْمًا , وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل وَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى الْإِسَاءَة إِلَيْهِ , كَمَا يَعْفُو عَنْكُمْ رَبّكُمْ مَعَ قُدْرَته عَلَى عِقَابكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَتُخَالِفُونَ أَمْره . وَفِي قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّ اللَّه كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } بِخِلَافِ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ زَيْد بْن أَسْلَم فِي زَعْمه أَنَّ مَعْنَاهُ : لَا يُحِبّ اللَّه الْجَهْر بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل لِأَهْلِ النِّفَاق , إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَى نِفَاقه , فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِالْجَهْرِ لَهُ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْل . وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ عَقِيب ذَلِكَ : { إِنْ تَبْدُوَا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء } ومَعْقُول أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْمُر الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى نِفَاقهمْ , وَلَا نَهَاهُمْ أَنْ يُسَمُّوا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُعْلِن النِّفَاق مُنَافِقًا , بَلْ الْعَفْو عَنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا وَجْه لَهُ مَعْقُول , لِأَنَّ الْعَفْو الْمَفْهُوم إِنَّمَا هُوَ صَفْح الْمَرْء عَمَّا لَهُ قِبَل غَيْره مِنْ حَقّ , وَتَسْمِيَة الْمُنَافِق بِاسْمِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ لِأَحَدٍ قَبْله فَيُؤْمَر بِعَفْوِهِ عَنْهُ , وَإِنَّمَا هُوَ اِسْم لَهُ , وَغَيْر مَفْهُوم الْأَمْر بِالْعَفْوِ عَنْ تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا هُوَ اِسْمه .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاًسورة النساء الآية رقم 150
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْن اللَّه وَرُسُله وَيَقُولُونَ نُؤْمِن بِبَعْضٍ وَنَكْفُر بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله } مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , { وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْن اللَّه وَرُسُله } بِأَنْ يُكَذِّبُوا رُسُل اللَّه الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقه بِوَحْيِهِ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ اِفْتَرَوْا عَلَى رَبّهمْ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى إِرَادَتهمْ التَّفْرِيق بَيْن اللَّه وَرُسُله , بِنِحْلَتِهِمْ إِيَّاهُمْ الْكَذِب وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه , وَادِّعَائِهِمْ عَلَيْهِمْ الْأَبَاطِيل. { وَيَقُولُونَ نُؤْمِن بِبَعْضٍ } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : نُصَدِّق بِهَذَا وَنُكَذِّب بِهَذَا , كَمَا فَعَلَتْ الْيَهُود مِنْ تَكْذِيبهمْ عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقهمْ بِمُوسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء قَبْله بِزَعْمِهِمْ , وَكَمَا فَعَلَتْ النَّصَارَى مِنْ تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقهمْ بِعِيسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء قَبْله بِزَعْمِهِمْ. { وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } يَقُول : وَيُرِيد الْمُفَرِّقُونَ بَيْن اللَّه وَرُسُله , الزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ , أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْن أَضْعَاف قَوْلهمْ : نُؤْمِن بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاء وَنَكْفُر بِبَعْضٍ , سَبِيلًا : يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى الضَّلَالَة الَّتِي أَحْدَثُوهَا وَالْبِدْعَة الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا , يَدْعُونَ أَهْل الْجَهْر مِنْ النَّاس إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8470 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْن اللَّه وَرُسُله وَيَقُولُونَ نُؤْمِن بِبَعْضٍ وَنَكْفُر بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود وَالنَّصَارَى , آمَنَتْ الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ وَمُوسَى وَكَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى ; وَآمَنَتْ النَّصَارَى بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى وَكَفَرُوا بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاِتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , وَهُمَا بِدْعَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ اللَّه , وَتَرَكُوا الْإِسْلَام وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُله . 8471 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْن اللَّه وَرُسُله } يَقُولُونَ : مُحَمَّد لَيْسَ بِرَسُولٍ لِلَّهِ وَتَقُول الْيَهُود : عِيسَى لَيْسَ بِرَسُولٍ لِلَّهِ , فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْن اللَّه وَبَيْن رُسُله . { وَيَقُولُونَ نُؤْمِن بِبَعْضٍ وَنَكْفُر بِبَعْضٍ } فَهَؤُلَاءِ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ . 8472 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَرُسُله } . .. إِلَى قَوْله : { بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى : آمَنَتْ الْيَهُود بِعُزَيْرٍ وَكَفَرَتْ بِعِيسَى , وَآمَنَتْ النَّصَارَى بِعِيسَى وَكَفَرَتْ بِعُزَيْرٍ , وَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّ وَيَكْفُرُونَ بِالْآخَرِ. { وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْن ذَلِكَ سَبِيلًا } قَالَ : دِينًا يَدِينُونَ بِهِ لِلَّهِ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6
حقوق التطوير و التعديل علي الموقع محفوظة لموقع نور القرأن
Development and modification rights on the site are reserved for nourelquran website

شاركَ في تقييمِ موقعنا على Google
facebook
تم انشاء الموقع في 30-3-2013 جميع الحقوق محفوظة لموقع نور القرأن