الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 91
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا , يَعْنِي مَرْيَم بِنْت عِمْرَان . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَحْصَنَتْ } : حَفِظَتْ , وَمَنَعَتْ فَرْجهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهَا إِبَاحَته فِيهِ . وَاخْتُلِفَ فِي الْفَرْج الَّذِي عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهَا أَحْصَنَتْهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ فَرْج نَفْسهَا أَنَّهَا حَفِظَتْهُ مِنْ الْفَاحِشَة . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ جَيْب دِرْعهَا أَنَّهَا مَنَعَتْ جَبْرَائِيل مِنْهُ قَبْل أَنْ تَعْلَم أَنَّهُ رَسُول رَبّهَا وَقَبْل أَنْ تُثْبِتهُ مَعْرِفَة . قَالُوا : وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { فَنَفَخْنَا فِيهَا } وَيَعْقُب ذَلِكَ قَوْله : { وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا } قَالُوا : وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَاَلَّتِي أَحْصَنَتْ جَيْبهَا { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدنَا بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : أَحْصَنَتْ فَرْجهَا مِنْ الْفَاحِشَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَيَيْهِ عَلَيْهِ وَالْأَظْهَر فِي ظَاهِر الْكَلَام . { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا } يَقُول : فَنَفَخْنَا فِي جَيْب دِرْعهَا مِنْ رُوحنَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى قَوْله : { فَنَفَخْنَا فِيهَا } فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع وَالْأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

وَقَوْله : { وَجَعَلْنَاهَا وَابْنهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ } يَقُول : وَجَعَلْنَا مَرْيَم وَابْنهَا عِبْرَة لِعَالَمَيْ زَمَانهمَا يَعْتَبِرُونَ بِهِمَا وَيَتَفَكَّرُونَ فِي أَمْرهمَا , فَيَعْلَمُونَ عَظِيم سُلْطَاننَا وَقُدْرَتنَا عَلَى مَا نَشَاء وَقِيلَ " آيَة " وَلَمْ يَقُلْ " آيَتَيْنِ " وَقَدْ ذَكَرَ آيَتَيْنِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : جَعَلْنَاهُمَا عَلَمًا لَنَا وَحُجَّة , فَكُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي مَعْنَى الدَّلَالَة عَلَى اللَّه وَعَلَى عَظِيم قُدْرَته يَقُوم مَقَام الْآخَر , إِذْ كَانَ أَمْرهمَا فِي الدَّلَالَة عَلَى اللَّه وَاحِدًا .
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِسورة الأنبياء الآية رقم 92
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَذِهِ مِلَّتكُمْ مِلَّة وَاحِدَة , وَأَنَا رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس فَاعْبُدُونِ دُون الْآلِهَة وَالْأَوْثَان وَسَائِر مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18730 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } يَقُول : دِينكُمْ دِين وَاحِد . 18731 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } قَالَ : دِينكُمْ دِين وَاحِد . وَنُصِبَتْ الْأُمَّة الثَّانِيَة عَلَى الْقَطْع , وَبِالنَّصْبِ قَرَأَهُ جَمَاعَة قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُوَ الصَّوَاب عِنْدنَا ; لِأَنَّ الْأُمَّة الثَّانِيَة نَكِرَة وَالْأُولَى مَعْرِفَة وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْخَبَر قَبْل مَجِيء النَّكِرَة مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا كَانَ وَجْه الْكَلَام النَّصْب , هَذَا مَعَ إِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق رَفْع ذَلِكَ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " أُمَّة وَاحِدَة " بِنِيَّةِ تَكْرِير الْكَلَام , كَأَنَّهُ أَرَادَ : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ هَذِهِ أُمَّة وَاحِدَة .
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَسورة الأنبياء الآية رقم 93
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتُقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ كُلّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَفَرَّقَ النَّاس فِي دِينهمْ الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ , فَصَارُوا فِيهِ أَحْزَابًا ; فَهَوَّدَتْ الْيَهُود , وَتَنَصَّرَتْ النَّصَارَى وَعَبَدَتْ الْأَوْثَان . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ , وَأَنَّ مَرْجِع جَمِيع أَهْل الْأَدْيَان إِلَيْهِ ; مُتَوَعِّدًا بِذَلِكَ أَهْل الزَّيْغ مِنْهُمْ وَالضَّلَال , وَمُعَلِّمهمْ أَنَّهُ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ , وَأَنَّهُ مُجَازٍ جَمِيعهمْ جَزَاء الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتُقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18732 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتُقَطَّعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ } قَالَ : تُقَطَّعُوا : اِخْتَلَفُوا فِي الدِّين .
فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَسورة الأنبياء الآية رقم 94
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤْمِن } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ عَمِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا فِي دِينهمْ بِمَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ مِنْ الْعَمَل الصَّالِح , وَأَطَاعَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , وَهُوَ مُقِرّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه مُصَدِّق بِوَعْدِهِ وَوَعِيده مُتَبَرِّئ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة .

يَقُول : فَإِنَّ اللَّه يَشْكُر عَمَله الَّذِي عَمِلَ لَهُ مُطِيعًا لَهُ , وَهُوَ بِهِ مُؤْمِن , فَيُثِيبهُ فِي الْآخِرَة ثَوَابه الَّذِي وَعَدَ أَهْل طَاعَته أَنْ يُثِيبهُمُوهُ , وَلَا يَكْفُر ذَلِكَ لَهُ فَيَجْحَدهُ وَيَحْرِمهُ ثَوَابه عَلَى عَمَله الصَّالِح . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْكُفْرَان مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : كَفَرْت فُلَانًا نِعْمَته فَأَنَا أَكْفُرهُ كُفْرًا وَكُفْرَانًا وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : مِنْ النَّاس نَاس مَا تَنَام خُدُودهمْ وَخَدِّي وَلَا كُفْرَان لِلَّهِ نَائِم


يَقُول : وَنَحْنُ نَكْتُب أَعْمَاله الصَّالِحَة كُلّهَا فَلَا نَتْرُك مِنْهَا شَيْئًا , لِنَجْزِيَهُ عَلَى صَغِير ذَلِكَ وَكَبِيره وَقَلِيله وَكَثِيره .
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَسورة الأنبياء الآية رقم 95
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } . اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَحَرَام } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " وَحِرْم " بِكَسْرِ الْحَاء . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { وَحَرَام } بِفَتْحِ الْحَاء وَالْأَلِف . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْر مُخْتَلِفَتَيْهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْحِرْم هُوَ الْحَرَام وَالْحَرَام هُوَ الْحِرْم , كَمَا الْحِلّ هُوَ الْحَلَال وَالْحَلَال هُوَ الْحِلّ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَؤُهُ : " وَحِرْم " بِتَأْوِيلٍ : وَعَزْم . 18733 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا بْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَحِرْم عَلَى قَرْيَة " قَالَ : فَقُلْت . لِسَعِيدٍ : أَيّ شَيْء حِرْم ؟ قَالَ : عَزْم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَحِرْم عَلَى قَرْيَة " قُلْت لِأَبِي الْمُعَلَّى : مَا الْحِرْم ؟ قَالَ : عَزْم عَلَيْهَا . 18734 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : " حِرْم عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ " فَلَا يَرْجِع مِنْهُمْ رَاجِع , وَلَا يَتُوب مِنْهُمْ تَائِب . 18735 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : { وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِيَرْجِع مِنْهُمْ رَاجِع , حَرَام عَلَيْهِمْ ذَلِكَ . 18736 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن فَرْقَد , قَالَ : ثنا جَابِر الْجُعْفِيّ , قَالَ : سَأَلْت أَبَا جَعْفَر عَنْ الرَّجْعَة , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } . فَكَأَنَّ أَبَا جَعْفَر وَجَّهَ تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ : وَحَرَام عَلَى أَهْل قَرْيَة أَمَتْنَاهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا . وَالْقَوْل الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدِي بِالصَّوَابِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ تَفْرِيق النَّاس دِينهمْ الَّذِي بُعِثَ بِهِ إِلَيْهِمْ الرُّسُل , ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ صَنِيعه بِمَنْ عَمَّ بِمَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ رُسُله مِنْ الْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْله : { وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } فَلَأَنْ يَكُون ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ صَنِيعه بِمِنْ أَبَى إِجَابَة رُسُله وَعَمِلَ بِمَعْصِيَتِهِ وَكَفَرَ بِهِ , أَحْرَى , لِيَكُونَ بَيَانًا عَنْ حَال الْقَرْيَة الْأُخْرَى الَّتِي لَمْ تَعْمَل الصَّالِحَات وَكَفَرَتْ بِهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : حَرَام عَلَى أَهْل قَرْيَة أَهْلَكْنَاهُمْ بِطَبْعِنَا عَلَى قُلُوبهمْ وَخَتَمْنَا عَلَى أَسْمَاعهمْ وَأَبْصَارهمْ , إِذْ صَدُّوا عَنْ سَبِيلنَا وَكَفَرُوا بِآيَاتِنَا , أَنْ يَتُوبُوا وَيُرَاجِعُوا الْإِيمَان بِنَا وَاتِّبَاع أَمْرنَا وَالْعَمَل بِطَاعَتِنَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيل قَوْله اللَّه : " وَحِرْم " وَعَزْم , عَلَى مَا قَالَ سَعِيد , لَمْ تَكُنْ " لَا " فِي قَوْله : { أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } صِلَة , بَلْ تَكُون بِمَعْنَى النَّفْي , وَيَكُنْ مَعْنَى الْكَلَام : وَعَزْم مِنَّا عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنْ لَا يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرهمْ . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعْنَى قَوْله : " وَحِرْم " نُوجِبهُ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع صِلَة , فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا أَنْ يَرْجِعُوا , وَأَهْل التَّأْوِيل الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ كَانُوا أَعْلَم بِمَعْنَى ذَلِكَ مِنْهُ .
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَسورة الأنبياء الآية رقم 96
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَتَّى إِذَا فُتِحَ عَنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَهُمَا أُمَّتَانِ مِنْ الْأُمَم رَدَمَهُمَا . كَمَا : 18737 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن دَاوُد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن سَعِيد الثَّوْرِيّ , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَة بْن الْيَمَان يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّل الْآيَات : الدَّجَّال , وَنُزُول عِيسَى , وَنَار تَخْرُج مِنْ قَعْر عَدَن أَبْيَن , تَسُوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر , تَقِيل مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا . وَالدُّخَان , وَالدَّابَّة , ثُمَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج " قَالَ حُذَيْفَة : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج ؟ قَالَ : " يَأْجُوج وَمَأْجُوج أُمَم , كُلّ أُمَّة أَرْبَع مِائَة أَلْف , لَا يَمُوت الرَّجُل مِنْهُمْ حَتَّى يَرَى أَلْف عَيْن تَطْرِف بَيْن يَدَيْهِ مِنْ صُلْبه , وَهُمْ وَلَد آدَم , فَيَسِيرُونَ إِلَى خَرَاب الدُّنْيَا , يَكُون مُقَدِّمَتهمْ بِالشَّامِ وَسَاقَتهمْ بِالْعِرَاقِ , فَيَمُرُّونَ بِأَنْهَارِ الدُّنْيَا , فَيَشْرَبُونَ الْفُرَات وَالدِّجْلَة وَبُحَيْرَة الطَّبَرِيَّة حَتَّى يَأْتُوا بَيْت الْمَقْدِس , فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا أَهْل الدُّنْيَا فَقَاتِلُوا مَنْ فِي السَّمَاء , فَيَرْمُونَ بِالنُّشَّابِ إِلَى السَّمَاء , فَتَرْجِع نُشَّابهمْ مُخَضَّبَة بِالدَّمِ , فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي السَّمَاء , وَعِيسَى وَالْمُسْلِمُونَ بِجَبَلِ طُور سِنِينَ , فَيُوحِي اللَّه جَلَّ جَلَاله إِلَى عِيسَى : أَنْ أَحْرِزْ عِبَادِي بِالطُّورِ وَمَا يَلِي أَيْلَة ! ثُمَّ إِنَّ عِيسَى يَرْفَع رَأْسه إِلَى السَّمَاء وَيُؤَمِّن الْمُسْلِمُونَ ; فَيَبْعَث اللَّه عَلَيْهِمْ دَابَّة يُقَال لَهَا النَّغَف , تَدْخُل مِنْ مَنَاخِرهمْ فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى مَنْ حَاق الشَّام إِلَى حَاق الْعِرَاق , حَتَّى تَنْتُن الْأَرْض مِنْ جِيَفهمْ وَيَأْمُر اللَّه السَّمَاء فَتُمْطِر كَأَفْوَاهِ الْقِرَب , فَتَغْسِل الْأَرْض مِنْ جِيَفهمْ وَنَتْنهمْ , فَعِنْد ذَلِكَ طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا " . 18738 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَزِيدُونَ عَلَى سَائِر الْإِنْس الضِّعْف , وَإِنَّ الْجِنّ يَزِيدُونَ عَلَى الْإِنْس الضِّعْف , وَإِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج رَجُلَانِ اِسْمهمَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج . 18739 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن جَابِر يُحَدِّث , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَمُرّ أَوَّلهمْ بِنَهَرٍ مِثْل دِجْلَة , وَيَمُرّ آخِرهمْ فَيَقُول : قَدْ كَانَ فِي هَذَا مَرَّة مَاء . لَا يَمُوت رَجُل مِنْهُمْ إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّته أَلْفًا فَصَاعِدًا . وَقَالَ : مِنْ بَعْدهمْ ثَلَاث أُمَم لَا يَعْلَم عَدَدهمْ إِلَّا اللَّه : تاويل , وتاريس , وَنَاسك أَوْ منسك ; شَكَّ شُعْبَة . 18740 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن جَابِر الْخَيْوَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , أَمِنْ بَنِي آدَم هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَمِنْ بَعْدهمْ ثَلَاث أُمَم لَا يَعْلَم عَدَدهمْ إِلَّا اللَّه : تاريس , وتاويل , ومنسك . 18741 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَهْل بْن حَمَّاد أَبُو عَتَّاب , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ النُّعْمَان بْن سَالِم , قَالَا : سَمِعْت نَافِع بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم يَقُول : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُمْ أَنْهَار يَلْقَمُونَ مَا شَاءُوا , وَنِسَاء يُجَامِعُونَ مَا شَاءُوا , وَشَجَر يَلْقَمُونَ مَا شَاءُوا , وَلَا يَمُوت رَجُل إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّته أَلْفًا فَصَاعِدًا . 18742 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : مَا مَاتَ أَحَد مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج إِلَّا تَرَكَ أَلْف ذَرْء فَصَاعِدًا . 18743 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد : يَخْرُج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلُوهُ , إِلَّا أَهْل الْحُصُون , فَيَمُرُّونَ عَلَى الْبُحَيْرَة فَيَشْرَبُونَهَا , فَيَمُرّ الْمَارّ فَيَقُول : كَأَنَّهُ كَانَ هَاهُنَا مَاء , قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ النَّغَف حَتَّى يَكْسِر أَعْنَاقهمْ فَيَصِيرُوا خَبَالًا , فَتَقُول أَهْل الْحُصُون : لَقَدْ هَلَكَ أَعْدَاء اللَّه , فَيُدِلُّونَ رَجُلًا لِيَنْطُر , وَيَشْتَرِط عَلَيْهِمْ إِنْ وَجَدَهُمْ أَحْيَاء أَنْ يَرْفَعُوهُ , فَيَجِدهُمْ قَدْ هَلَكُوا , قَالَ : فَيُنْزِل اللَّه مَاء مِنْ السَّمَاء فَيَقْذِفهُمْ فِي الْبَحْر , فَتَطْهُر الْأَرْض مِنْهُمْ , وَيَغْرِس النَّاس بَعْدهمْ الشَّجَر وَالنَّخْل , وَتُخْرِج الْأَرْض ثَمَرَتهَا كَمَا كَانَتْ تُخْرِج فِي زَمَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج . 18744 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , قَالَ : رَأَى اِبْن عَبَّاس صِبْيَانًا يَنْزُو بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَلْعَبُونَ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَكَذَا يَخْرُج يَأْجُوج وَمَأْجُوج . 18745 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ مَلِكًا دُون الرَّدْم يَبْعَث خَيْلًا كُلّ يَوْم يَحْرُسُونَ الرَّدْم لَا يَأْمَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج أَنْ تَخْرُج عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَيَسْمَعُونَ جَلَبَة وَأَمْرًا شَدِيدًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : مَا يَمُوت الرَّجُل مِنْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج حَتَّى يُولَد لَهُ مِنْ صُلْبه أَلْف , وَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ لَثَلَاث أُمَم مَأْ يَعْلَم عَدَدهمْ إِلَّا اللَّه : منسك , وتاويل , وتاريس . 18746 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَمْرو الْبِكَالِيّ , قَالَ : إِنَّ اللَّه جَزَّأَ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ عَشَرَة أَجْزَاء فَتِسْعَة مِنْهُمْ الْكَرُوبِيُّونَ وَهُمْ الْمَلَائِكَة الَّذِي يَحْمِلُونَ الْعَرْش , ثُمَّ هُمْ أَيْضًا الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتَرُونَ . قَالَ : وَمَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَلَائِكَة لِأَمْرِ اللَّه وَوَحْيه وَرِسَالَته . ثُمَّ جَزَّأَ الْإِنْس وَالْجِنّ عَشَرَة أَجْزَاء , فَتِسْعَة مِنْهُمْ الْجِنّ , لَا يُولَد مِنْ الْإِنْس وَلَد إِلَّا وُلِدَ مِنْ الْجِنّ تِسْعَة . ثُمَّ جَزَّأَ الْإِنْس عَلَى عَشَرَة أَجْزَاء , فَتِسْعَة مِنْهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَسَائِر الْإِنْس جُزْء . 18747 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج } قَالَ : أُمَّتَانِ مِنْ وَرَاء رَدْم ذِي الْقَرْنَيْنِ . 18748 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ غَيْر وَاحِد , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , عَنْ أَبِي الصَّيْف , قَالَ : قَالَ كَعْب : إِذَا كَانَ عِنْد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج حَفَرُوا حَتَّى يَسْمَع الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَرْع فُؤُوسهمْ , فَإِذَا كَانَ اللَّيْل قَالُوا : نَجِيء غَدًا فَنَخْرُج , فَيُعِيدهَا اللَّه كَمَا كَانَتْ , فَيَجِيئُونَ مِنْ الْغَد فَيَجِدُونَهُ قَدْ أَعَادَهُ اللَّه كَمَا كَانَ , فَيَحْفِرُونَهُ حَتَّى يَسْمَع الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَرْع فُؤُوسهمْ , فَإِذَا كَانَ اللَّيْل أَلْقَى اللَّه عَلَى لِسَان رَجُل مِنْهُمْ يَقُول : نَجِيء غَدًا فَنَخْرُج إِنْ شَاءَ اللَّه . فَيَجِيئُونَ مِنْ الْغَد فَيَجِدُونَهُ كَمَا تَرَكُوهُ , فَيَحْفِرُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ . فَتَمُرّ الزُّمْرَة الْأُولَى بِالْبُحَيْرَةِ فَيَشْرَبُونَ مَاءَهَا , ثُمَّ تَمُرّ الزُّمْرَة الثَّانِيَة فَيَلْحَسُونَ طِينهَا , ثُمَّ تَمُرّ الزُّمْرَة الثَّالِثَة فَيَقُولُونَ : قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَرَّة مَاء . وَتَفِرّ النَّاس مِنْهُمْ , فَلَا يَقُوم لَهُمْ شَيْء , يَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاء , فَتَرْجِع مُخَضَّبَة بِالدِّمَاءِ , فَيَقُولُونَ : غَلَبْنَا أَهْل الْأَرْض وَأَهْل السَّمَاء . فَيَدْعُو عَلَيْهِمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَيَقُول : اللَّهُمَّ لَا طَاقَة وَلَا يَدِين لَنَا بِهِمْ , فَاكْفِنَاهُمْ بِمَا شِئْت ! فَيُسَلِّط اللَّه عَلَيْهِمْ دُودًا يُقَال لَهُ النَّغَف فَتُفْرَس رِقَابهمْ , وَيَبْعَث اللَّه عَلَيْهِمْ طَيْرًا فَتَأْخُذهُمْ بِمُنَاقِرِهَا فَتُلْقِيهِمْ فِي الْبَحْر , وَيَبْعَث اللَّه عَيْنًا يُقَال لَهَا الْحَيَاة تُطَهِّر الْأَرْض مِنْهُمْ وَتُنْبِتهَا , حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانَة لَيَشْبَع مِنْهَا السَّكَن . قِيلَ : وَمَا السَّكَن يَا كَعْب ؟ قَالَ : أَهْل الْبَيْت . قَالَ : فَبَيْنَا النَّاس كَذَلِكَ , إِذْ أَتَاهُمْ الصَّرِيخ أَنَّ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ يُرِيدهُ , فَيَبْعَث عِيسَى طَلِيعَة سَبْع مِائَة , أَوْ بَيْن السَّبْع مِائَة وَالثَّمَان مِائَة , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيق بَعَثَ اللَّه رِيحًا يَمَانِيَّة طَيِّبَة , فَيَقْبِض اللَّه فِيهَا رُوح كُلّ مُؤْمِن , ثُمَّ يَبْقَى عَجَاج مِنْ النَّاس يَتَسَافَدُونَ كَمَا تَتَسَافَد الْبَهَائِم ; فَمَثَل السَّاعَة كَمَثَلِ رَجُل يُطِيف حَوْل فَرَسه يَنْتَظِرهَا مَتَى تَضَع . فَمَنْ تَكَلَّفَ بَعْد قَوْلِي هَذَا شَيْئًا أَوْ عَلَى هَذَا شَيْئًا فَهُوَ الْمُتَكَلِّف . 18749 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد الْبَيْرُوتِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : سَمِعْت اِبْن جَابِر , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جَابِر الطَّائِيّ ثُمَّ الْحِمْصِيّ , ثني عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر الْحَضْرَمِيّ , قَالَ : ثني أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاس بْن سَمْعَانِ الْكِلَابِيّ يَقُول : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّال , وَذَكَرَ أَمْره , وَأَنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم يَقْتُلهُ , ثُمَّ قَالَ : " فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ , أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : يَا عِيسَى , إِنِّي قَدْ أَخْرَجْت عِبَادًا لِي لَا يَد لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ , فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّور ! فَيَبْعَث اللَّه يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ , فَيَمُرّ أَحَدهمْ عَلَى بُحَيْرَة طَبَرِيَّة , فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا , ثُمَّ يَنْزِل آخِرهمْ , ثُمَّ يَقُول : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَاء مَرَّة . فَيُحَاصَر نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه , حَتَّى يَكُون رَأْس الثَّوْر يَوْمئِذٍ خَيْرًا لِأَحَدِهِمْ مِنْ مِائَة دِينَار لِأَحَدِكُمْ , فَيَرْغَب نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه , فَيُرْسِل اللَّه عَلَيْهِمْ النَّغَف فِي رِقَابهمْ , فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى مَوْت نَفْس وَاحِدَة , فَيَهْبِط نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه , فَلَا يَجِدُونَ مَوْضِعًا إِلَّا قَدْ مَلَأَهُ زَهَمهمْ وَنَتْنهمْ وَدِمَاؤُهُمْ , فَيَرْغَب نَبِيّ اللَّه عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى اللَّه , فَيُرْسِل عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْت , فَتَحْمِلهُمْ فَتَطْرَحهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّه , ثُمَّ يُرْسِل اللَّه مَطَرًا لَا يَكُنّ مِنْهُ بَيْت مَدَر وَلَا وَبَر , فَيَغْسِل الْأَرْض حَتَّى يَتْرُكهَا كَالزَّلَفَةِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل أَخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ بَنُو آدَم أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ كُلّ مَوْضِع كَانُوا دُفِنُوا فِيهِ مِنْ الْأَرْض , وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْحَشْر إِلَى مَوْقِف النَّاس يَوْم الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18750 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } قَالَ : جَمْع النَّاس مِنْ كُلّ مَكَان جَاءُوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة , فَهُوَ حَدَب . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْح : { وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } , قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : جَمْع النَّاس مِنْ كُلّ حَدَب مِنْ مَكَان جَاءُوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حَدَب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ يَأْجُوج , وَمَأْجُوج وَقَوْله : " وَهُمْ " كِنَايَة . أَسْمَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18751 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : يَخْرُج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيَمْرَحُونَ فِي الْأَرْض , فَيُفْسِدُونَ فِيهَا . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه : { وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } قَالَ : ثُمَّ يَبْعَث اللَّه عَلَيْهِمْ دَابَّة مِثْل النَّغَف , فَتَلِج فِي أَسْمَاعهمْ وَمَنَاخِرهمْ فَيَمُوتُونَ مِنْهَا فَتَنْتُن الْأَرْض مِنْهُمْ , فَيُرْسِل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَاء فَيُطَهِّر الْأَرْض مِنْهُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا : عَنَى بِذَلِكَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , وَأَنَّ قَوْله : { وَهُمْ } كِنَايَة عَنْ أَسْمَائِهِمْ , لِلْخَبَرِ الَّذِي : 18752 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر , عَنْ قَتَادَة الْأَنْصَارِيّ , ثُمَّ الظَّفَرِيّ , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد أَخِي بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " يُفْتَح يَأْجُوج وَمَأْجُوج يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاس كَمَا قَالَ اللَّه { مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } فَيَغْشَوْنَ الْأَرْض " . 18753 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم بْن بَشِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ جَبَلَة بْن سُحَيْم , عَنْ مُؤْثِر , وَهُوَ اِبْن عَفَازَة الْعَبْدِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُذْكَر عَنْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , قَالَ : " قَالَ عِيسَى : عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ الدَّجَّال خَارِج , وَأَنَّهُ مُهْبِطِي إِلَيْهِ , فَذَكَرَ أَنَّ مَعَهُ قَضِيبَيْنِ , فَإِذَا رَأْنِي أَهْلَكَهُ اللَّه . قَالَ : فَيَذُوب الرَّصَاص , حَتَّى إِنَّ الشَّجَر وَالْحَجَر لَيَقُول : يَا مُسْلِم هَذَا كَافِر فَاقْتُلْهُ ! فَيُهْلِكهُمْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَيَرْجِع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ وَأَوْطَانهمْ . فَيَسْتَقْبِلهُمْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ , لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْء إِلَّا أَهْلَكُوهُ , وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاء إِلَّا شَرِبُوهُ " . * - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَصْبَغ بْن زَيْد , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ جَبَلَة بْن سُحَيْم , عَنْ مُؤْثِر بْن عَفَازَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ كُلّ حَدَب } فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ كُلّ شَرَف وَنَشْز وَأَكَمَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18754 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } يَقُول : مِنْ كُلّ شَرَف يُقْبِلُونَ . 18755 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة : { مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } قَالَ : مِنْ كُلّ أَكَمَة . 18756 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } قَالَ : الْحَدَب : الشَّيْء الْمُشْرِف . وَقَالَ الشَّاعِر : عَلَى الْحِدَاب تَمُور 18757 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ } قَالَ : هَذَا مُبْتَدَأ يَوْم الْقِيَامَة . وَأَمَّا قَوْله : { يَنْسِلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مُشَاة مُسْرِعِينَ فِي مَشْيهمْ كَنَسَلَانِ الذِّئْب , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : عَسَلَانَ الذِّئْب أَمْسَى قَارِبًا بَرَدَ اللَّيْل عَلَيْهِ فَنَسَلْ
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 97
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , اِقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ , وَذَلِكَ وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَ عِبَاده أَنَّهُ يَبْعَثهُمْ مِنْ قُبُورهمْ لِلْجَزَاءِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَهُوَ لَا شَكَّ حَقّ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18758 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو , يَعْنِي اِبْن قَيْس , قَالَ : ثنا حُذَيْفَة : لَوْ أَنَّ رَجُلًا اِفْتَلَى فُلُوًّا بَعْد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَمْ يَرْكَبهُ حَتَّى تَقُوم الْقِيَامَة . 18759 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ } قَالَ : اِقْتَرَبَ يَوْم الْقِيَامَة مِنْهُمْ . وَالْوَاو فِي قَوْله : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ } مُقْحَمَة , وَمَعْنَى الْكَلَام : حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج اِقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ } 37 103 : 104 مَعْنَاهُ : نَادَيْنَاهُ , بِغَيْرِ وَاو , كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ وَانْتَحَى بِنَا بَطْن خَبْت ذِي حِقَاف عَقَنْقَل يُرِيد : فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَة الْحَيّ اِنْتَحَى بِنَا .

وَقَوْله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا } فَفِي هِيَ الَّتِي فِي قَوْله فَإِذَا هِيَ وَجْهَانِ : * - أَحَدهمَا أَنْ تَكُون كِنَايَة عَنْ الْأَبْصَار وَتَكُون الْأَبْصَار الظَّاهِرَة بَيَانًا عَنْهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَعَمْرو أَبِيهَا لَا تَقُول ظَعِينَتِي أَلَا فَرَّ عَنِّي مَالِك بْن أَبِي كَعْب فَكَنَّى عَنْ الظَّعِينَة فِي : " لَعَمْرو أَبِيهَا " , ثُمَّ أَظْهَرَهَا , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : فَإِذَا الْأَبْصَار شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا . * - وَالثَّانِي : أَنْ تَكُون عِمَادًا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَار } وَكَقَوْلِ الشَّاعِر : فَهَلْ هُوَ مَرْفُوع بِمَا هَاهُنَا رَأْس


وَقَوْله : { يَا وَيْلنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ شَخَصَتْ عِنْد مَجِيء الْوَعْد الْحَقّ بِأَهْوَالِهِ وَقِيَام السَّاعَة بِحَقَائِقِهَا , وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا وَيْلنَا قَدْ كُنَّا قَبْل هَذَا الْوَقْت فِي الدُّنْيَا فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا الَّذِي نَرَى وَنُعَايِن وَنَزَلَ بِنَا مِنْ عَظِيم الْبَلَاء . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك تُرِكَ ذِكْره اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْهُ , وَذَلِكَ " يَقُولُونَ " مِنْ قَوْله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُولُونَ يَا وَيْلنَا .


وَقَوْله : { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } يَقُول مُخْبِرًا عَنْ قِيل الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ يَوْمئِذٍ : مَا كُنَّا نَعْمَل لِهَذَا الْيَوْم مَا يُنْجِينَا مِنْ شَدَائِده , بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ بِمَعْصِيَتِنَا رَبّنَا وَطَاعَتنَا إِبْلِيس وَجُنْده فِي عِبَادَة غَيْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 98
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , الْعَابِدُونَ مِنْ دُونه الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْآلِهَة . كَمَا : 18760 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَعْنِي الْآلِهَة وَمَنْ يَعْبُدهَا , { حَصَب جَهَنَّم } . وَأَمَّا حَصَب جَهَنَّم , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَقُود جَهَنَّم وَشَجَرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18761 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَصَب جَهَنَّم } : شَجَر جَهَنَّم . 18762 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم } يَقُول : وَقُودهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : حَطَب جَهَنَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18763 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { حَصَب جَهَنَّم } قَالَ : حَطَبهَا . 18764 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , ( مِثْله ) ! وَزَادَ فِيهِ : وَفِي بَعْض الْقِرَاءَة : " حَطَب جَهَنَّم " يَعْنِي فِي قِرَاءَة عَائِشَة . 18765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { حَصَب جَهَنَّم } قَالَ : حَطَب جَهَنَّم يُقْذَفُونَ فِيهَا . 18766 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن الْحُرّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { حَصَب جَهَنَّم } قَالَ : حَطَب جَهَنَّم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُرْمَى بِهِمْ فِي جَهَنَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18767 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { حَصَب جَهَنَّم } يَقُول : إِنَّ جَهَنَّم إِنَّمَا تُحْصَب بِهِمْ , وَهُوَ الرَّمْي ; يَقُول : يُرْمَى بِهِمْ فِيهَا . وَاخْتُلِفَ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { حَصَب جَهَنَّم } بِالصَّادِ , وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَعَائِشَة أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ : " حَطَب جَهَنَّم " بِالطَّاءِ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَهُ : " حَضَب " بِالضَّادِ . 18768 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , عَنْ عُثْمَان بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ . وَكَأَنَّ اِبْن عَبَّاس إِنْ كَانَ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَرَادَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ تُسْجَر بِهِمْ جَهَنَّم وَيُوقَد بِهِمْ فِيهَا النَّار ; وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَا هُيِّجَتْ بِهِ النَّار وَأُوقِدَتْ بِهِ , فَهُوَ عِنْد الْعَرَب حَضَب لَهَا . فَإِذَا كَانَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا , وَكَانَ الْمَعْرُوف مِنْ مَعْنَى الْحَصَب عِنْد الْعَرَب : الرَّمْي , مِنْ قَوْلهمْ : حَصَبْت الرَّجُل : إِذَا رَمَيْته , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا } 54 34 كَانَ الْأَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ تُقْذَف جَهَنَّم بِهِمْ وَيُرْمَى بِهِمْ فِيهَا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الْحَصَب فِي لُغَة أَهْل الْيَمَن : الْحَطَب , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَيْضًا وَجْه صَحِيح . وَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ الرَّمْي فَإِنَّهُ فِي لُغَة أَهْل نَجْد .

وَأَمَّا قَوْله : { أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : أَنْتُمْ عَلَيْهَا أَيّهَا النَّاس أَوْ إِلَيْهَا وَارِدُونَ , يَقُول : دَاخِلُونَ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْوُرُود فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 99
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وَرَدُوهَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ أَنَّهُمْ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث إِلَّا اِسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ , وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش : أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ , وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه وَارِدُو جَهَنَّم , وَلَوْ كَانَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه آلِهَة مَا وَرَدُوهَا , بَلْ كَانَتْ تَمْنَع مَنْ أَرَادَ أَنْ يُورِدكُمُوهَا إِذْ كُنْتُمْ لَهَا فِي الدُّنْيَا عَابِدِينَ , وَلَكِنَّهَا إِذْ كَانَتْ لَا نَفْع عِنْدهَا لِأَنْفُسِهَا وَلَا عِنْدهَا دَفْع ضُرّ عَنْهَا , فَهِيَ مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ عِنْدهَا لِغَيْرِهَا أَبْعَد , وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا بُعْده مِنْ الْأُلُوهَة , وَأَنَّ الْإِلَه هُوَ الَّذِي يَقْدِر عَلَى مَا يَشَاء وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ شَيْء , فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون إِلَهًا .

وَقَوْله : { وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ } يَعْنِي الْآلِهَة وَمَنْ عَبَدَهَا أَنَّهُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّار أَبَدًا بِغَيْرِ نِهَايَة ; وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : كُلّكُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18769 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ } قَالَ : الْآلِهَة الَّتِي عَبَدَ الْقَوْم , قَالَ : الْعَابِد وَالْمَعْبُود .
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَسورة الأنبياء الآية رقم 100
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَهُمْ } الْمُشْرِكِينَ وَآلِهَتهمْ , وَالْهَاء , وَالْمِيم فِي قَوْله : { لَهُمْ } مِنْ ذِكْر " كُلّ " الَّتِي فِي قَوْله : { وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِكُلِّهِمْ فِي جَهَنَّم زَفِير , { وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِي النَّار لَا يَسْمَعُونَ . وَكَانَ اِبْن مَسْعُود يَتَأَوَّل فِي قَوْله : { وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } مَا : 18770 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ يُونُس بْن خَبَّاب , قَالَ : قَرَأَ اِبْن مَسْعُود هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } قَالَ : إِذَا أُلْقِيَ فِي النَّار مَنْ يَخْلُد فِيهَا جُعِلُوا فِي تَوَابِيت مِنْ نَار , ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيت فِي تَوَابِيت أُخْرَى , ثُمَّ جُعِلَتْ التَّوَابِيت فِي تَوَابِيت أُخْرَى فِيهَا مَسَامِير مِنْ نَار , فَلَا يَرَى أَحَد مِنْهُمْ أَنَّ فِي النَّار أَحَدًا يُعَذَّب غَيْره . ثُمَّ قَرَأَ : { لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } .
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 101
وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ كُلّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّه السَّعَادَة مِنْ خَلْقه أَنَّهُ عَنْ النَّار مُبْعَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18771 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ يُوسُف بْن سَعْد - وَلَيْسَ بِابْنِ مَاهك - عَنْ مُحَمَّد بْن حَاطِب , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا يَخْطُب فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } . قَالَ : عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ : مَنْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه , وَهُوَ لِلَّهِ طَائِع وَلِعِبَادَةِ مَنْ يَعْبُد كَارِه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18772 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قَالَ : عِيسَى , وَعُزَيْر , وَالْمَلَائِكَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه } ثُمَّ اِسْتَثْنَى فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } . 18773 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَا : قَالَ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } ثُمَّ اِسْتَثْنَى فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } فَقَدْ عُبِدَتْ الْمَلَائِكَة مِنْ دُون اللَّه , وَعُزَيْر وَعِيسَى مِنْ دُون اللَّه . 18774 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قَالَ : عِيسَى . 18775 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن سَيْف , قَالَ : ثَنَا عَلِيّ بْن مُسْهِر , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } قَالَ : عِيسَى , وَأُمّه , وَعُزَيْر , وَالْمَلَائِكَة . 18776 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : جَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَوْمًا مَعَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , فَجَاءَ النَّضْر بْن الْحَارِث حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ وَفِي الْمَجْلِس غَيْر وَاحِد مِنْ رِجَال قُرَيْش , فَتَكَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَعَرَضَ لَهُ النَّضْر بْن الْحَارِث , وَكَلَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَفْحَمَهُ , ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ } . .. إِلَى قَوْله : { وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } . ثُمَّ قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقْبَلَ عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى بْن قَيْس بْن عَدِيّ السَّهْمِيّ حَتَّى جَلَسَ , فَقَالَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة لِعَبْدِ اللَّه بْن الزِّبَعْرَى : وَاَللَّه مَا قَامَ النَّضْر بْن الْحَارِث لِابْنِ عَبْد الْمُطَّلِب آنِفًا وَمَا قَعَدَ , وَقَدْ زَعَمَ أَنَّا وَمَا نَعْبُد مِنْ آلِهَتنَا هَذِهِ حَصَب جَهَنَّم ! فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى : أَمَا وَاَللَّه لَوْ وَجَدْته لَخَصِمْتَهُ ; فَسَلُوا مُحَمَّدًا : أَكُلّ مَنْ عَبَدَ مِنْ دُون اللَّه فِي جَهَنَّم مَعَ مَنْ عَبَدَهُ ؟ فَنَحْنُ نَعْبُد الْمَلَائِكَة , وَالْيَهُود تَعْبُد عُزَيْرًا , وَالنَّصَارَى تَعْبُد الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم . فَعَجِبَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَمَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِس مِنْ قَوْل عَبْد اللَّه بْن الزِّبَعْرَى , ( وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ اِحْتَجَّ وَخَاصَمَ . فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْل اِبْن الزِّبَعْرَى , فَقَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ كُلّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَ , إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِين وَمَنْ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ " . فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } ... إِلَى : { خَالِدُونَ } ; أَيْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَعُزَيْر , وَمَنْ عَبَدُوا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان الَّذِي مَضَوْا عَلَى طَاعَة اللَّه , فَاِتَّخَذَهُمْ مَنْ بَعْدهمْ مِنْ أَهْل الضَّلَالَة أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيمَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة وَأَنَّهَا بَنَات اللَّه : { وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا سُبْحَانه بَلْ عِبَاد مُكْرَمُونَ } . .. إِلَى قَوْله : { نَجْزِي الظَّالِمِينَ } . 18777 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , قَالَ : يَقُول نَاس مِنْ النَّاس { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } يَعْنِي مِنْ النَّاس أَجْمَعِينَ . فَلَيْسَ كَذَلِكَ , إِنَّمَا يَعْنِي مَنْ يَعْبُد الْآلِهَة وَهُوَ لِلَّهِ مُطِيع مِثْل عِيسَى وَأُمّه وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة , وَاسْتَثْنَى اللَّه هَؤُلَاءِ الْآلِهَة الْمَعْبُودَة الَّتِي هِيَ وَمَنْ يَعْبُدهَا فِي النَّار . 18778 - حَدَّثَنَا اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن الْحُسَيْن الْأَشْقَر , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } قَالَ الْمُشْرِكُونَ : فَإِنَّ عِيسَى يُعْبَد وَعُزَيْر وَالشَّمْس وَالْقَمَر يُعْبَدُونَ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لِعِيسَى وَغَيْره . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } مَا كَانَ مِنْ مَعْبُود كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُ وَالْمَعْبُود لِلَّهِ مُطِيع وَعَابِدُوهُ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ بِاَللَّهِ كُفَّار ; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } اِبْتِدَاء كَلَام مُحَقِّق لِأَمْرٍ كَانَ يُنْكِرهُ قَوْم , عَلَى نَحْو الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَكَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُمْ : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم } : مَا الْأَمْر كَمَا تَقُول , لِأَنَّا نَعْبُد الْمَلَائِكَة , وَيَعْبُد آخَرُونَ الْمَسِيح وَعُزَيْرًا . فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَوْلهمْ : بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَيْسَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى هُمْ عَنْهَا مُبْعَدُونَ , لِأَنَّهُمْ غَيْر مَعْنِيِّينَ بِقَوْلِنَا : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم } . فَأَمَّا قَوْل الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ اِسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم } فَقَوْل لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا هُوَ إِخْرَاج الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ , وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى إِنَّمَا هُمْ إِمَّا مَلَائِكَة وَإِمَّا إِنْس أَوْ جَانّ , وَكُلّ هَؤُلَاءِ إِذَا ذَكَرَتْهَا الْعَرَب فَإِنَّ أَكْثَر مَا تَذْكُرهَا بِ " مَنْ " لَا بِ " مَا " , وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا ذَكَرَ الْمَعْبُودِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ حَصَب جَهَنَّم بِ " مَا " , قَالَ : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم } إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنْ الْأَصْنَام وَالْآلِهَة مِنْ الْحِجَارَة وَالْخَشَب , لَا مَنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِمَا وَصَفْنَا , فَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } جَوَاب مِنْ اللَّه لِلْقَائِلِينَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُبْتَدَأ . وَأَمَّا الْحُسْنَى فَإِنَّهَا الْفُعْلَى مِنْ الْحُسْن , وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهَا السَّعَادَة السَّابِقَة مِنْ اللَّه لَهُمْ . كَمَا : 18779 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } قَالَ : الْحُسْنَى : السَّعَادَة . وَقَالَ : سَبَقَتْ السَّعَادَة لِأَهْلِهَا مِنْ اللَّه , وَسَبَقَ الشَّقَاء لِأَهْلِهِ مِنْ اللَّه .
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 102
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَسْمَع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى حَسِيس النَّار , وَيَعْنِي بِالْحَسِيسِ : الصَّوْت وَالْحِسّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْف لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا , وَقَدْ عَلِمْت مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ جَهَنَّم يُؤْتَى بِهَا يَوْم الْقِيَامَة فَتَزْفِر زَفْرَة لَا يَبْقَى مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل إِلَّا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ خَوْفًا مِنْهَا ؟ قِيلَ : إِنَّ الْحَال الَّتِي لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا حَسِيسهَا هِيَ غَيْر تِلْكَ الْحَال , بَلْ هِيَ الْحَال الَّتِي : 18780 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا وَهُمْ فِيمَا اِشْتَهَتْ أَنْفُسهمْ خَالِدُونَ } يَقُول : لَا يَسْمَع أَهْل الْجَنَّة حَسِيس النَّار إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلهمْ مِنْ الْجَنَّة .

وَقَوْله : { وَهُمْ فِيمَا اِشْتَهَتْ أَنْفُسهمْ خَالِدُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِيمَا تَشْتَهِيه نُفُوسهمْ مِنْ نَعِيمهَا وَلَذَّاتهَا مَاكِثُونَ فِيهَا , لَا يَخَافُونَ زَوَالًا عَنْهَا وَلَا اِنْتِقَالًا عَنْهَا .
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 103
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْفَزَع الْأَكْبَر أَيّ الْفَزَع هُوَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ النَّار إِذَا أَطْبَقَتْ عَلَى أَهْلهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18781 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر } قَالَ : النَّار إِذَا أَطْبَقَتْ عَلَى أَهْلهَا . 18782 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر } قَالَ : حِين يُطْبَق جَهَنَّم , وَقَالَ : حِين ذُبِحَ الْمَوْت . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ النَّفْخَة الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18783 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر } يَعْنِي النَّفْخَة الْآخِرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ حِين يُؤْمَر بِالْعَبْدِ إِلَى النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18784 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن : { لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر } قَالَ : اِنْصِرَاف الْعَبْد حِين يُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ عِنْد النَّفْخَة الْآخِرَة ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْزُنهُ ذَلِكَ الْفَزَع الْأَكْبَر وَأَمِنَ مِنْهُ , فَهُوَ مِمَّا بَعْده أَحْرَى أَنْ لَا يَفْزَع , وَأَنَّ مَنْ أَفْزَعَهُ ذَلِكَ فَغَيْر مَأْمُون عَلَيْهِ الْفَزَع مِمَّا بَعْده .

وَقَوْله : { وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلَائِكَة } يَقُول : وَتَسْتَقْبِلهُمْ الْمَلَائِكَة يُهَنِّئُونَهُمْ يَقُولُونَ : { هَذَا يَوْمكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فِيهِ الْكَرَامَة مِنْ اللَّه وَالْحِبَاء وَالْجَزِيل مِنْ الثَّوَاب عَلَى مَا كُنْتُمْ تَنْصَبُونَ فِي الدُّنْيَا لِلَّهِ فِي طَاعَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن زَيْد . 18785 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { هَذَا يَوْمكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } قَالَ : هَذَا قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّة .
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَسورة الأنبياء الآية رقم 104
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكُتُبِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر , يَوْم نَطْوِي السَّمَاء . فَ " يَوْم " صِلَة مِنْ " يَحْزُنهُمْ " . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى السِّجِلّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْم مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18786 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَفَاء الْأَشْجَعِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عُمَر , فِي قَوْله : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكُتُبِ } قَالَ : السِّجِلّ : مَلَك , فَإِذَا صَعِدَ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ : اُكْتُبْهَا نُورًا . 18787 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : سُمِعَ السُّدِّيّ يَقُول , فِي قَوْله : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ } قَالَ : السِّجِلّ : مَلَك . وَقَالَ آخَرُونَ : السِّجِلّ : رَجُل كَانَ يَكْتُب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18788 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا نُوح بْن قَيْس , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكُتُبِ } قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : هُوَ الرَّجُل . * - قَالَ : ثنا نُوح بْن قَيْس , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن كَعْب , عَنْ عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : السِّجِلّ : كَاتِب كَانَ يَكْتُب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الصَّحِيفَة الَّتِي يُكْتَب فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18789 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكِتَابِ } يَقُول : كَطَيِّ الصَّحِيفَة عَلَى الْكِتَاب . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَا : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكِتَابِ } يَقُول : كَطَيِّ الصُّحُف . 18790 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى - وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : السِّجِلّ : الصَّحِيفَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكِتَابِ } قَالَ : السِّجِلّ : الصَّحِيفَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : السِّجِلّ فِي هَذَا الْمَوْضِع الصَّحِيفَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب , وَلَا يُعْرَف لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِب كَانَ اِسْمه السِّجِلّ , وَلَا فِي الْمَلَائِكَة مَلَك ذَلِكَ اِسْمه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف تُطْوَى الصَّحِيفَة بِالْكِتَابِ إِنْ كَانَ السِّجِلّ صَحِيفَة ؟ قِيلَ : لَيْسَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : يَوْم نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْكِتَاب ; ثُمَّ جَعَلَ " نَطْوِي " مَصْدَرًا , فَقِيلَ : { كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكِتَابِ } وَاللَّام فِي قَوْله " لِلْكِتَابِ " بِمَعْنَى " عَلَى " . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , سِوَى أَبِي جَعْفَر الْقَارِي : { يَوْم نَطْوِي السَّمَاء } بِالنُّونِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر : " يَوْم تُطْوَى السَّمَاء " بِالتَّاءِ وَضَمّهَا , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , بِالنُّونِ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ وَشُذُوذ مَا خَالَفَهُ . وَأَمَّا السِّجِلّ فَإِنَّهُ فِي قِرَاءَة جَمِيعهمْ بِتَشْدِيدِ اللَّام . وَأَمَّا الْكِتَاب , فَإِنَّ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة قَرَءُوهُ بِالتَّوْحِيدِ : " كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكِتَابِ " , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { لِلْكُتُبِ } عَلَى الْجِمَاع . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدنَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ عَلَى التَّوْحِيد لِلْكِتَابِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَاهُ , فَإِنَّ الْمُرَاد مِنْهُ : كَطَيِّ السِّجِلّ عَلَى مَا فِيهِ مَكْتُوب . فَلَا وَجْه إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لِجَمِيعِ الْكُتُب إِلَّا وَجْه نَتْبَعهُ مِنْ مَعْرُوف كَلَام الْعَرَب , وَعِنْد قَوْله : { كَطَيِّ السِّجِلّ } اِنْقِضَاء الْخَبَر عَنْ صِلَة قَوْله : { لَا يَحْزُنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر } , ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَمَّا اللَّه فَاعِل بِخَلْقِهِ يَوْمئِذٍ فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ .

فَالْكَاف الَّتِي فِي قَوْله : " كَمَا " مِنْ صِلَة " نُعِيد " , تَقَدَّمَتْ قَبْلهَا ; وَمَعْنَى الْكَلَام : نُعِيد الْخَلْق عُرَاة حُفَاة غُرْلًا يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا بَدَأْنَاهُمْ أَوَّل مَرَّة فِي حَال خَلَقْنَاهُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتهمْ , عَلَى اِخْتِلَاف مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَبِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلِذَلِكَ اِخْتَرْت الْقَوْل بِهِ عَلَى غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَالْأَثَر الَّذِي جَاءَ فِيهِ : 18791 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى - وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ } قَالَ : حُفَاة عُرَاة غُرْلًا . 18792 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ } قَالَ : حُفَاة غُلْفًا . قَالَ اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن مَيْسَرَة , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْدَى نِسَائِهِ : " يَأْتُونَهُ حُفَاة عُرَاة غُلْفًا " فَاسْتَتَرَتْ بِكُمِّ دِرْعهَا , وَقَالَتْ وَاسَوْأَتَاه ! قَالَ اِبْن جُرَيْج : أُخْبِرْت أَنَّهَا عَائِشَة قَالَتْ : يَا نَبِيّ اللَّه , لَا يَحْتَشِم النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا ؟ قَالَ : " لِكُلِّ اِمْرِئٍ يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه " . 18793 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَر النَّاس حُفَاة عُرَاة غُرْلًا , فَأَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم " ثُمَّ قَرَأَ : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : وَقَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ " فَذَكَرَهُ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان النَّخَعِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : " قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَهُ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثَنَا الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان النَّخَعِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , نَحْوه . 18794 - حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يُوسُف بْن الطَّبَّاع أَبُو يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب فَقَالَ : " إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّه مُشَاة غُرْلًا " . 18795 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي عَجُوز مِنْ بَنِي عَامِر , فَقَالَ : " مَنْ هَذِهِ الْعَجُوز يَا عَائِشَة ؟ " فَقُلْت : إِحْدَى خَالَاتِي . فَقَالَتْ : اُدْعُ اللَّه أَنْ يُدَخِّلنِي الْجَنَّة ! فَقَالَ : " إِنَّ الْجَنَّة لَا يَدْخُلهَا الْعَجَزَة " . قَالَتْ : فَأَخَذَ الْعَجُوز مَا أَخَذَهَا , فَقَالَ : " إِنَّ اللَّه يُنْشِئهُنَّ خَلْقًا غَيْر خَلْقهنَّ " , ثُمَّ قَالَ : " يُحْشَرُونَ حُفَاة عُرَاة غُلْفًا " . فَقَالَتْ : حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ ! قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلَى إِنَّ اللَّه قَالَ : كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ وَعْدًا عَلَيْنَا . . . إِلَى آخِر الْآيَة , فَأَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه " . 18796 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ , قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد يَنْفُذهُمْ الْبَصَر , وَيُسْمِعهُمْ الدَّاعِي , حُفَاة عُرَاة , كَمَا خُلِقُوا أَوَّل يَوْم . 18797 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ هِلَال بْن حِبَّان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة مُشَاة غُرْلًا " . قُلْت : يَا أَبَا عَبْد اللَّه مَا الْغُرْل ؟ قَالَ : الْغُلْف . فَقَالَ بَعْض أَزْوَاجه : يَا رَسُول اللَّه , أَيَنْظُرُ بَعْضنَا إِلَى بَعْض إِلَى عَوْرَته ؟ فَقَالَ " لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ مَا يَشْغَلهُ عَنْ النَّظَر إِلَى عَوْرَة أَخِيهِ " . قَالَ هِلَال : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة } 6 94 قَالَ : كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه , يُرَدّ عَلَيْهِ كُلّ شَيْء اُنْتُقِصَ مِنْهُ مِثْل يَوْم وُلِدَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : كَمَا كُنَّا وَلَا شَيْء غَيْرنَا قَبْل أَنْ نَخْلُق شَيْئًا , كَذَلِكَ نُهْلِك الْأَشْيَاء فَنُعِيدهَا فَانِيَة , حَتَّى لَا يَكُون شَيْء سِوَانَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18798 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق نُعِيدهُ } ... الْآيَة , قَالَ : نُهْلِك كُلّ شَيْء كَمَا كَانَ أَوَّل مَرَّة .


وَقَوْله : { وَعْدًا عَلَيْنَا } يَقُول : وَعَدْنَاكُمْ ذَلِكَ وَعْدًا حَقًّا عَلَيْنَا أَنَّ نُوفِي بِمَا وَعَدْنَا , إِنَّا كُنَّا فَاعِلِي مَا وَعَدْنَاكُمْ مِنْ ذَلِكَ أَيّهَا النَّاس , لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي حُكْمنَا وَقَضَائِنَا أَنْ نَفْعَلهُ , عَلَى يَقِين بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِن , وَاسْتَعِدُّوا وَتَأَهَّبُوا .
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَسورة الأنبياء الآية رقم 105
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالزَّبُورِ وَالذِّكْر فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالزَّبُورِ : كُتُب الْأَنْبِيَاء كُلّهَا الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ , وَعَنَى بِالذِّكْرِ : أُمّ الْكِتَاب الَّتِي عِنْده فِي السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18799 - حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : سَأَلْت سَعِيدًا , عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر } قَالَ : الذِّكْر : الَّذِي فِي السَّمَاء . 18800 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور } قَالَ : قَرَأَهَا الْأَعْمَش : " الزُّبُر " قَالَ : الزَّبُور , وَالتَّوْرَاة , وَالْإِنْجِيل , وَالْقُرْآن ; { مِنْ بَعْد الذِّكْر } قَالَ : الذِّكْر الَّذِي فِي السَّمَاء . 18801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { الزَّبُور } قَالَ : الْكِتَاب . { مِنْ بَعْد الذِّكْر } قَالَ : أُمّ الْكِتَاب عِنْد اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الزَّبُور } قَالَ : الْكِتَاب . { بَعْد الذِّكْر } قَالَ : أُمّ الْكِتَاب عِنْد اللَّه . 18802 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : . قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور } قَالَ : الزَّبُور : الْكُتُب الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاء . وَالذِّكْر : أُمّ الْكِتَاب الَّذِي تُكْتَب فِيهِ الْأَشْيَاء قَبْل ذَلِكَ . 18803 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر } قَالَ : كَتَبْنَا فِي الْقُرْآن مِنْ بَعْد التَّوْرَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالزَّبُورِ : الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَى مَنْ بَعْد مُوسَى مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَبِالذِّكْرِ : التَّوْرَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18804 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر } ... الْآيَة , قَالَ : الذِّكْر : التَّوْرَاة , وَالزَّبُور : الْكُتُب . 18805 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر } ... الْآيَة , قَالَ : الذِّكْر : التَّوْرَاة , وَيَعْنِي بِالزَّبُورِ مِنْ بَعْد التَّوْرَاة : الْكُتُب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالزَّبُورِ زَبُور دَاوُد , وَبِالذِّكْرِ تَوْرَاة مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر } قَالَ : زَبُور دَاوُد . مِنْ بَعْد الذِّكْر : ذِكْر مُوسَى التَّوْرَاة . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر } قَالَ : فِي زَبُور دَاوُد , مِنْ بَعْد ذِكْر مُوسَى . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي ذَلِكَ , مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْكُتُب مِنْ بَعْد أُمّ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَ اللَّه كُلّ مَا هُوَ كَائِن فِيهِ قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَذَلِكَ أَنَّ الزَّبُور هُوَ الْكِتَاب , يُقَال مِنْهُ : زَبَرْت الْكِتَاب وَذَبَرْته : إِذَا كَتَبْته , وَأَنَّ كُلّ كِتَاب أَنْزَلَهُ اللَّه إِلَى نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ , فَهُوَ ذِكْر . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ فِي إِدْخَاله الْأَلِف وَاللَّام فِي الذِّكْر , الدَّلَالَة الْبَيِّنَة أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ ذِكْر بِعَيْنِهِ مَعْلُوم عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْر أُمّ الْكِتَاب الَّتِي ذَكَرْنَا لَمْ تَكُنْ التَّوْرَاة بِأَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُون الْمَعْنِيَّة بِذَلِكَ مِنْ صُحُف إِبْرَاهِيم , فَقَدْ كَانَ قَبْل زَبُور دَاوُد . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا : وَلَقَدْ قَضَيْنَا , فَأَثْبَتْنَا قَضَاءَنَا فِي الْكُتُب مِنْ بَعْد أُمّ الْكِتَاب , أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ ; يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّ أَرْض الْجَنَّة يَرِثهَا عِبَادِي الْعَامِلُونَ بِطَاعَتِهِ الْمُنْتَهَوْنَ إِلَى أَمْره وَنَهْيه مِنْ عِبَاده , دُون الْعَامِلِينَ بِمَعْصِيَتِهِ مِنْهُمْ الْمُؤْثِرِينَ طَاعَة الشَّيْطَان عَلَى طَاعَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18807 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْهِلَالِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : أَرْض الْجَنَّة . 18808 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : أَخْبَرَ سُبْحَانه فِي التَّوْرَاة وَالزَّبُور وَسَابِق عِلْمه قَبْل أَنْ تَكُون السَّمَاوَات وَالْأَرْض , أَنْ يُوَرِّث أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْض وَيُدْخِلهُمْ الْجَنَّة , وَهُمْ الصَّالِحُونَ . 18809 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : كَتَبْنَا فِي الْقُرْآن بَعْد التَّوْرَاة , وَالْأَرْض أَرْض الْجَنَّة . 18810 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : الْأَرْض : الْجَنَّة . * - حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان بْن عِيسَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : سَأَلْت سَعِيدًا عَنْ قَوْل اللَّه : { أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : أَرْض الْجَنَّة . 18811 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أَنَّ الْأَرْض } قَالَ : الْجَنَّة , { يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18812 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : الْجَنَّة . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْده وَأَوْرَثَنَا الْأَرْض نَتَبَوَّأ مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ } 39 74 قَالَ : فَالْجَنَّة مُبْتَدَؤُهَا فِي الْأَرْض ثُمَّ تَذْهَب دَرَجَات عُلُوًّا , وَالنَّار مُبْتَدَؤُهَا فِي الْأَرْض ; وَبَيْنهمَا حِجَاب سُور مَا يَدْرِي أَحَد مَا ذَاكَ السُّور , وَقَرَأَ : { بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب } 57 13 قَالَ : وَدَرَجهَا تَذْهَب سَفَالًا فِي الْأَرْض , وَدَرَج الْجَنَّة تَذْهَب عُلُوًّا فِي السَّمَاوَات . 18813 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا صَفْوَان , سَأَلْت عَامِر بْن عَبْد اللَّه أَبَا الْيَمَان : هَلْ لِأَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَمَع ؟ قَالَ : فَقَالَ : إِنَّ الْأَرْض الَّتِي يَقُول اللَّه : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور مِنْ بَعْد الذِّكْر أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } قَالَ : هِيَ الْأَرْض الَّتِي تَجْتَمِع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُون الْبَعْث . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْأَرْض يُوَرِّثهَا اللَّه الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيل ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَهُمْ ذَلِكَ فَوَفَى لَهُمْ بِهِ . وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّه : { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } . 7 137 وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل مَنْ قَالَ : { أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } أَنَّهَا أَرْض الْأُمَم الْكَافِرَة , تَرِثهَا أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة .
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَسورة الأنبياء الآية رقم 106
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَبَلَاغًا لِمَنْ عَبَدَ اللَّه بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِض الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه , إِلَى رِضْوَانه وَإِدْرَاك الطَّلِبَة عِنْده وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18814 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي الْوَرْد بْن ثُمَامَة , عَنْ أَبِي مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ , قَالَ : ثنا كَعْب فِي هَذَا الْمَسْجِد , قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْس كَعْب بِيَدِهِ { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } إِنَّهُمْ لَأَهْل أَوْ أَصْحَاب الصَّلَوَات الْخَمْس , سَمَّاهُمْ اللَّه عَابِدِينَ . 18815 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَزِيد الطَّحَّان , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن إِيَاس الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي الْوَرْد عَنْ كَعْب , فِي قَوْله : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } قَالَ : صَوْم شَهْر رَمَضَان , وَصَلَاة الْخَمْس , قَالَ : هِيَ مِلْء الْيَدَيْنِ وَالْبَحْر عِبَادَة . 18816 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , عَنْ الْجُرَيْرِيّ , قَالَ : قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } لِأُمَّةِ مُحَمَّد . 18817 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } يَقُول : عَامِلِينَ . 18818 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } قَالَ : يَقُولُونَ فِي هَذِهِ السُّورَة لَبَلَاغًا . وَيَقُول آخَرُونَ : فِي الْقُرْآن تَنْزِيل لِفَرَائِض الصَّلَوَات الْخَمْس , مَنْ أَدَّاهَا كَانَ بَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ , قَالَ : عَامِلِينَ . 18819 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } قَالَ : إِنَّ فِي هَذَا لَمَنْفَعَة وَعِلْمًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ; ذَاكَ الْبَلَاغ .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 107
وَقَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا أَرْسَلْنَاك يَا مُحَمَّد إِلَى خَلْقنَا إِلَّا رَحْمَة لِمَنْ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِي . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة , أَجَمِيع الْعَالَم الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّد أُرِيدَ بِهَا مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ ؟ أَمْ أُرِيدَ بِهَا أَهْل الْإِيمَان خَاصَّة دُون أَهْل الْكُفْر ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا جَمِيع الْعَالَم الْمُؤْمِن وَالْكَافِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18820 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف الْأَزْرَق , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه فِي كِتَابه : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر كَتَبَ لَهُ الرَّحْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَم مِنْ الْخَسْف وَالْقَذْف . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : تَمَّتْ الرَّحْمَة لِمَنْ آمَنَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِن بِهِ عُوفِيَ مِمَّا أَصَابَ الْأُمَم قَبْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أُرِيدَ بِهَا أَهْل الْإِيمَان دُون أَهْل الْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18821 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : الْعَالَمُونَ : مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ . قَالَ : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَة لَكُمْ وَمَتَاع إِلَى حِين } قَالَ : فَهُوَ لِهَؤُلَاءِ فِتْنَة وَلِهَؤُلَاءِ رَحْمَة , وَقَدْ جَاءَ الْأَمْر مُجْمَلًا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ . وَالْعَالَمُونَ هَاهُنَا : مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَأَطَاعَهُ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ اللَّه أَرْسَلَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَة لِجَمِيعِ الْعَالَم , مُومِنهمْ وَكَافِرهمْ . فَأَمَّا مُؤْمِنهمْ فَإِنَّ اللَّه هَدَاهُ بِهِ , وَأَدْخَلَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِالْعَمَلِ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه الْجَنَّة . وَأَمَّا كَافِرهمْ فَإِنَّهُ دَفَعَ بِهِ عَنْهُ عَاجِل الْبَلَاء الَّذِي كَانَ يَنْزِل بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا مِنْ قَبْله .
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَسورة الأنبياء الآية رقم 108
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهكُمْ إِلَه وَاحِد فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : مَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِلَّا أَنَّهُ لَا إِلَه لَكُمْ يَجُوز أَنْ يُعْبَد إِلَّا إِلَه وَاحِد لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ .

يَقُول : فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لَهُ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ الْعَابِدُونَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام بِالْخُضُوعِ لِذَلِكَ , وَمُتَبَرِّئُونَ مِنْ عِبَادَة مَا دُونه مِنْ آلِهَتكُمْ ؟ .
فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 109
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد عَنْ الْإِقْرَار بِالْإِيمَانِ , بِأَنْ لَا إِلَه لَهُمْ إِلَّا إِلَه وَاحِد , فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَبَوْا الْإِجَابَة إِلَيْهِ , فَقُلْ لَهُمْ : { قَدْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاء } يَقُول : أَعْلِمْهُمْ أَنَّك وَهُمْ عَلَى عِلْم مِنْ أَنَّ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ حَرْب , لَا صُلْح بَيْنكُمْ وَلَا سِلْم . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْش , كَمَا : 18822 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاء } فَإِنْ تَوَلَّوْا , يَعْنِي قُرَيْشًا .

وَقَوْله : { وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيب أَمْ بَعِيد مَا تُوعَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : قُلْ وَمَا أَدْرِي مَتَى الْوَقْت الَّذِي يَحِلّ بِكُمْ عِقَاب اللَّه الَّذِي وَعَدَكُمْ , فَيَنْتَقِم بِهِ مِنْكُمْ , أَقَرِيب نُزُوله بِكُمْ أَمْ بَعِيد ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18823 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيب أَمْ بَعِيد مَا تُوعَدُونَ } قَالَ : الْأَجَل .
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَسورة الأنبياء الآية رقم 110
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّهُ يَعْلَم الْجَهْر مِنْ الْقَوْل وَيَعْلَم مَا تَكْتُمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , إِنَّ اللَّه يَعْلَم الْجَهْر الَّذِي يَجْهَرُونَ بِهِ مِنْ الْقَوْل , وَيَعْلَم مَا تُخْفُونَهُ فَلَا تَجْهَرُونَ بِهِ , سَوَاء عِنْده خَفِيّه وَظَاهِره وَسِرّه وَعَلَانِيَته , إِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء ; فَإِنْ أَخَّرَ عَنْكُمْ عِقَابه عَلَى مَا تُخْفُونَ مِنْ الشِّرْك بِهِ أَوْ تَجْهَرُونَ بِهِ , فَمَا أَدْرِي مَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله يُؤَخِّر ذَلِكَ عَنْكُمْ ؟ لَعَلَّ تَأْخِيره ذَلِكَ عَنْكُمْ مَعَ وَعْده إِيَّاكُمْ لِفِتْنَةٍ يُرِيدهَا بِكُمْ , وَلِتَتَمَتَّعُوا بِحَيَاتِكُمْ إِلَى أَجَل قَدْ جَعَلَهُ لَكُمْ تَبْلُغُونَهُ , ثُمَّ يُنْزِل بِكُمْ حِينَئِذٍ نِقْمَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18824 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَة لَكُمْ وَمَتَاع إِلَى حِين } يَقُول : لَعَلَّ مَا أُقَرِّب لَكُمْ مِنْ الْعَذَاب وَالسَّاعَة , أَنْ يُؤَخَّر عَنْكُمْ لِمُدَّتِكُمْ , وَمَتَاع إِلَى حِين , فَيَصِير قَوْلِي ذَلِكَ لَكُمْ فِتْنَة .
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍسورة الأنبياء الآية رقم 111
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , إِنَّ اللَّه يَعْلَم الْجَهْر الَّذِي يَجْهَرُونَ بِهِ مِنْ الْقَوْل , وَيَعْلَم مَا تُخْفُونَهُ فَلَا تَجْهَرُونَ بِهِ , سَوَاء عِنْده خَفِيّه وَظَاهِره وَسِرّه وَعَلَانِيَته , إِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء ; فَإِنْ أَخَّرَ عَنْكُمْ عِقَابه عَلَى مَا تُخْفُونَ مِنْ الشِّرْك بِهِ أَوْ تَجْهَرُونَ بِهِ , فَمَا أَدْرِي مَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله يُؤَخِّر ذَلِكَ عَنْكُمْ ؟ لَعَلَّ تَأْخِيره ذَلِكَ عَنْكُمْ مَعَ وَعْده إِيَّاكُمْ لِفِتْنَةٍ يُرِيدهَا بِكُمْ , وَلِتَتَمَتَّعُوا بِحَيَاتِكُمْ إِلَى أَجَل قَدْ جَعَلَهُ لَكُمْ تَبْلُغُونَهُ , ثُمَّ يُنْزِل بِكُمْ حِينَئِذٍ نِقْمَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18824 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَة لَكُمْ وَمَتَاع إِلَى حِين } يَقُول : لَعَلَّ مَا أُقَرِّب لَكُمْ مِنْ الْعَذَاب وَالسَّاعَة , أَنْ يُؤَخَّر عَنْكُمْ لِمُدَّتِكُمْ , وَمَتَاع إِلَى حِين , فَيَصِير قَوْلِي ذَلِكَ لَكُمْ فِتْنَة .
قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَسورة الأنبياء الآية رقم 112
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد : يَا رَبّ اِفْصِلْ بَيْنِي وَبَيْن مَنْ كَذَّبَنِي مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِي وَكَفَرَ بِك وَعَبَدَ غَيْرك , بِإِحْلَالِ عَذَابك وَنِقْمَتك بِهِمْ ; وَذَلِكَ هُوَ الْحَقّ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه أَنْ يَسْأَل رَبّه الْحُكْم بِهِ , وَهُوَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْر الْفَاتِحِينَ } . 7 89 وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18825 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { قَالَ رَبّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ } قَالَ : لَا يَحْكُم بِالْحَقِّ إِلَّا اللَّه , وَلَكِنْ إِنَّمَا اِسْتَعْجَلَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا , يَسْأَل رَبّه عَلَى قَوْمه . 18826 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَانَ إِذَا شَهِدَ قِتَالًا قَالَ : " رَبّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ " . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { قُلْ رَبّ اُحْكُمْ } بِكَسْرِ الْبَاء , وَوَصْل الْأَلِف أَلِف " اُحْكُمْ " , عَلَى وَجْه الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة , سِوَى أَبِي جَعْفَر , فَإِنَّهُ ضَمَّ الْبَاء مِنْ " الرَّبّ " , عَلَى وَجْه نِدَاء الْمُفْرَد , وَغَيْر الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " رَبِّي أَحْكَم " عَلَى وَجْه الْخَبَر بِأَنَّ اللَّه أَحْكَم بِالْحَقِّ مِنْ كُلّ حَاكِم , فَيُثْبِت الْيَاء فِي " الرَّبّ " , وَيَهْمِز الْأَلِف مِنْ " أَحْكَم " , وَيَرْفَع " أَحْكَم " , عَلَى أَنَّهُ خَبَر لِلرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ : وَصْل الْبَاء مِنْ الرَّبّ وَكَسْرهَا بِ " اُحْكُمْ " , وَتَرْك قَطْع الْأَلِف مِنْ " اُحْكُمْ " , عَلَى مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ وَشُذُوذ مَا خَالَفَهُ . وَأَمَّا الضَّحَّاك فَإِنَّ فِي الْقِرَاءَة الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْهُ زِيَادَة حَرْف عَلَى خَطّ الْمَصَاحِف , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَاد ذَلِكَ فِيهَا , مَعَ صِحَّة مَعْنَى الْقِرَاءَة بِتَرْكِ زِيَادَته . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { رَبّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ } قُلْ : رَبّ اُحْكُمْ بِحُكْمِك الْحَقّ , ثُمَّ حَذَفَ الْحُكْم الَّذِي الْحَقّ نَعْت لَهُ وَأُقِيمَ الْحَقّ مَقَامه . وَلِذَلِكَ وَجْه , غَيْر أَنَّ الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْضَح وَأَشْبَه بِمَا قَالَهُ أَهْل التَّأْوِيل , فَلِذَلِكَ اِخْتَرْنَاهُ .

وَقَوْله : { وَرَبّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقُلْ يَا مُحَمَّد : وَرَبّنَا الَّذِي يَرْحَم عِبَاده وَيَعُمّهُمْ بِنِعْمَتِهِ , الَّذِي أَسْتَعِينهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَقُولُونَ وَتَصِفُونَ مِنْ قَوْلكُمْ لِي فِيمَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه { هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } , 21 3 وَقَوْلكُمْ : { بَلْ اِفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِر } 21 5 وَفِي كَذِبكُمْ عَلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَقِيلكُمْ : { اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا } 19 88 فَإِنَّهُ هَيِّن عَلَيْهِ تَغْيِير ذَلِكَ وَفَصْل مَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَة لَكُمْ عَلَى مَا تَصِفُونَ مِنْ ذَلِكَ . " آخِر تَفْسِير سُورَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام "
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4